ثامِنًا: الوسائِلُ المُعينةُ على تَركِ الكَسَلِ والفُتورِ
1- الاستِعانةُ باللهِ واللُّجوءُ إليه بالدُّعاءِ والاستِعاذةِ، كما ورَدَ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه كان يقولُ:
((اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بك مِن العَجزِ والكَسَلِ)) [6282] البخاري (2823)، ومسلم (2706) مطوَّلًا من حديثِ أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه. .
2- اتِّباعُ الوسَطيَّةِ: فإنَّ الوسَطيَّةَ مَنهَجُ حَياةٍ؛ لذا وُصِفَت بها الأُمَّةُ، قال تعالى:
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا [البقرة: 143] ، وذُمَّ المُتَشَدِّدونَ، كما في حَديثِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((هَلك المُتَنَطِّعونَ [6283] المتنَطِّعون: جمعُ مُتنَطِّعٍ، وهو المبالِغُ في الأمرِ قولًا وفِعلًا، وتنطَّع في الكلامِ، أي: بالغ فيه كتشَدَّق. يُنظَر: ((فتح الباري)) لابن حجر (1/ 196). ) قالها ثلاثًا
[6284] رواه مسلم (2670) من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه. . فالتَّشَدُّدُ والغُلوُّ يُفضي إلى الفُتورِ عن العَمَلِ والتَّكاسُلِ. وعن
أنَسٍ رَضي اللهُ عنه قال:
((دَخَل رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المَسجِدَ، وحَبلٌ مَمدودٌ بَينَ ساريتينِ، فقال: ما هذا؟ قالوا: لزَينَبَ، تُصَلِّي فإذا كسِلَت أو فتَرَت أمسَكَت به، فقال: حُلُّوُه، ليُصَلِّ أحَدُكم نَشاطَه، فإذا كَسِل أو فتَرَ قَعَدَ)) [6285] رواه البخاري (1150)، ومسلم (784) واللفظ له. .
قال
النَّوويُّ: (فيه الحَثُّ على الاقتِصادِ في العِبادةِ، والنَّهيُ عن التَّعَمُّقِ، والأمرُ بالإقبالِ عليها بنَشاطٍ، وأنَّه إذا فتَرَ فلْيَقعُدْ حتَّى يذهَبَ الفُتورُ)
[6286] ((شرح النووي على مسلم)) (6/73). .
3- المُسارَعةُ إلى الخَيراتِ والمُسابَقةُ إليها، وقد أثنى اللهُ عَزَّ وجَل على المُؤمِنينَ الذين يُسارِعونَ في الخَيراتِ، وأمَرَ بالمُسابَقةِ والمُسارَعةِ، فقال سُبحانَه:
وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران: 133] ، وقال:
سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ [الحديد: 21] ، وأثنى على الأنبياءِ فقال:
إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء: 90] ، وقال في سورةِ الواقِعةِ مُبَيِّنًا أجرَ السَّابقينَ إلى الخَيراتِ والإيمانِ:
وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ [الواقعة: 10-11] .
4- مُجالسةُ أربابِ الجِدِّ والسَّعيِ والهمَّةِ والنَّشاطِ، والابتِعادُ عن الكُسالى: وقد قيل: (مِن عَلامةِ الخِذلانِ مُصاحَبةُ الكَسلانِ، ومُفارَقةُ الإخوانِ، والبُعدُ عن خِلالِ الإيمانِ)
[6287] ((صيد الأفكار في الأدب والأخلاق والحكم والأمثال)) (1/ 680). .
فـ (ينبَغي فيمَن تُريدُ صُحبَتَه خَمسُ خِصالٍ: العَقلُ، وحُسنُ الخُلُقِ، وتَركُ الفِسقِ والابتِداعِ، والحِرصِ على الدُّنيا، ومُجانَبةُ الكُسالى والبَطَّالينَ؛ قال اللهُ تعالى:
وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ [الكهف: 28] ؛ لئَلَّا يسريَ إليه حالُهم)
[6288] ((بريقة محمودية)) للخادمي (3/61). .
5- تَحريكُ الهمَّةِ بخَوفِ فواتِ القَصدِ: فقد (ذَكرَ أحَدُ العُلماءِ عِلاجَ الكَسَلِ -وهو سَهلٌ لمَن وفَّقَه اللهُ- فقال: هو تَحريكُ الهمَّةِ بخَوفِ فواتِ القَصدِ، وبالوُقوعِ في اللَّومِ، أو التَّأسُّفِ؛ فإنَّ أسَفَ المُفرِّطِ -إذا عاينَ أجرَ المُجتَهدِ- أعظَمُ مِن كُلِّ عِقابٍ، وليُفكِّرِ العاقِلُ في سوءِ مَغَبَّةِ الكَسَلِ والعَجزِ، والاشتِغالِ بالدُّنيا عن الآخِرةِ، فرُبَّ راحةٍ أوجَبَت حَسَراتٍ ونَدَمًا، فمَن رَأى زَميلَه اجتَهَدَ وثابَرَ على دُروسِه ونَجَحَ زادَت حَسرَتُه وأسَفُه، ومَن رَأى جارَه قد سافرَ ورَجَعَ بالأرباحِ والفوائِدِ زادَت حَسرةُ أسَفِه ونَدامَتُه على لذَّةِ كسَلِه وعَجزِه.
قال: وقد أجمَعَ الحُكماءُ على أنَّ الحِكمةَ لا تُدرَكُ بالرَّاحةِ، فمَن تَلمَّح ثَمَرةَ الكَسَلِ اجتَنبَه، ومَن مَدَّ فِطنَتَه إلى ثَمَراتِ الجِدِّ والاجتِهادِ نَسي مَشاقَّ الطَّريقِ، ثُمَّ إنَّ اللَّبيبَ الذَّكيَّ يَعلَمُ أنَّه لم يُخلَقْ عَبَثًا، وإنَّما هو في الدُّنيا كالأجيرِ أو كالتَّاجِرِ، ثُمَّ إنَّ زَمانَ العَمَلِ بالإضافةِ إلى مُدَّةِ البَقاءِ في القَبرِ كلحظةٍ، ثُمَّ إنَّ إضافةَ ذلك إلى البَقاءِ السَّرمَديِّ -إمَّا في الجَنَّةِ وإمَّا في النَّارِ- ليس بشَيءٍ!)
[6289] ((موارد الظمآن)) لعبد العزيز السلمان (3/34). .
وقال
ابنُ الجَوزيِّ: (فبادِرْ؛ فإنَّك مُبادَرٌ بك! ومِمَّا يُزيلُ كسَلَك -إن تَأمَّلْتَه- أن تَتَخايلَ ثَوابَ المُجتَهدينَ وقد فاتَك، ويكفي ذلك في تَوبيخِ المُقَصِّرِ إن كانت له نَفسٌ، فأمَّا المَيِّتُ الهمَّةِ فما لجُرحٍ بمَيِّتٍ إيلامُ! كيف بك إذا قُمتَ مِن قَبرِك وقد قُرِّبَت نَجائِبُ النَّجاةِ لأقوامٍ وتَعَثَّرتَ، وأسرَعَتْ أقدامُ الصَّالحينَ على الصِّراطِ وتَخَبَّطْتَ؟! هَيهاتَ! ذَهَبَت حَلاوةُ البَطالةِ وبَقِيَت مَرارةُ الأسَفِ، ونَضَب ماءُ كأسِ الكَسَلِ، وبَقي رَسولُ النَّدامةِ! وما قَدْرُ البَقاءِ في الدُّنيا بالإضافةِ إلى دَوامِ الآخِرةِ؟! ثُمَّ ما قَدرُ عُمُرِك في الدُّنيا ونِصفُه نَومٌ، وباقيه غَفلةٌ؟! فيا خاطِبًا حورَ الجَنَّةِ وهو لا يملكُ فَلْسًا مِن عَزيمةٍ، افتَحْ عَينَ الفِكرِ في ضَوءِ العِبَرِ، لعَلَّك تُبصِرُ مَواقِعَ خِطابِك! فإن رَأيتَ تَثبيطًا مِن الباطِنِ فاستَغِثْ بعَونِ اللُّطفِ، وتَنَبَّهْ في الأسحارِ؛ لعَلَّك تَتَلمَّحُ رَكبَ الأرباحِ! وتَعَلَّقْ على قِطارِ المُستَغفِرينَ ولو خُطُواتٍ، وانزِلْ في رِباعِ المُجتَهدينَ ولو مَنزِلًا أيَّ مَنزِلٍ!)
[6290] ((صيد الخاطر)) (ص: 330، 331). .
6- النَّظَرُ في سِيَرِ المُجتَهدينَ الذين يعرِفونَ قيمةَ العِلمِ النَّافِعِ والعَمَلِ الصَّالحِ والوَقتِ، ومنهم زَكريَّا الأنصاريُّ؛ فقد كان يُصَلِّي (النَّوافِلَ مِن قيامٍ -مَعَ كِبَرِ سِنِّه وبُلوغِه مِائةَ سَنةٍ أو أكثَرَ- وهو يميلُ يمينًا وشِمالًا، لا يتَمالَكُ أن يقِفَ بغَيرِ ميلٍ للكِبرِ والمَرَضِ، فقيل له في ذلك، فقال: يا ولدي، النَّفسُ مِن شَأنِها الكَسَلُ، وأخافُ أن تَغلِبَني، وأختِمُ عُمُري بذلك!)
[6291] يُنظَر: ((الكواكب السائرة)) لنجم الدين الغزي (1/200). .
7- التَّعَوُّدُ في بَعضِ النَّهارِ المَشيَ والحَرَكةَ والرِّياضةَ حتَّى لا يَغلِبَ عليه الكَسَلُ
[6292] ((موعظة المُؤمِنين)) لجمال الدين القاسمي (1/185). .
8- عَدَمُ الإكثارِ مِن النَّومِ والأكلِ، وتَركُ النَّومِ بَعدَ الأكلِ مُباشَرةً.
قال أبو طالبٍ المَكِّيُّ: (ويُستَحَبُّ للعَبدِ إذا أكل ألَّا ينامَ على أكلِه، فيَجمَعَ بَينَ غَفلتينِ، فيعتادَ الفُتورَ، ويقسوَ قَلبُه لذلك، ولكِنْ ليُصَلِّ أو يجلِسْ، فيذكُرُ اللهَ تعالى؛ فإنَّه أقرَبُ إلى الشُّكرِ)
[6293] ((قوت القلوب)) (2/ 290). .
وكذلك ينبَغي أن يمنَعَ مِن النَّومِ نَهارًا؛ فإنَّ ذلك يورِثُ الكَسَلَ في حَقِّه، ولا يمنَعُ مِن النَّومِ ليلًا؛ لأنَّ مَنعَه مِن النَّومِ في اللَّيلِ يُورِثُ المَلالةَ، ويُضعِفُ عن مُكابَدةِ النَّومِ وشِدَّةِ النُّعاسِ
[6294] ((موارد الظمآن)) لعبد العزيز السلمان (4/175). .
9- مُجاهَدةُ النَّفسِ على تَركِ الكَسَلِ والفُتورِ، وقَطعُ جَميعِ أسبابِهما.
10- التَّحَلِّي بمَكارِمِ الأخلاقِ، ومنها الصَّبرُ والمُصابَرةُ، والعَزمُ والجِدُّ والنَّشاطُ.
11- مَعرِفةُ قيمةِ الوقتِ، واغتِنامُ العُمرِ قَبلَ حُلولِ الأجَلِ، والحَذَرُ مِن تَضييعِه بالكَسَلِ والبَطالةِ.