أ- من القُرآنِ الكريمِ
1- قال اللهُ سُبحانَه:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل: 90] .
وقرأ
الحسَنُ البصريُّ هذه الآيةَ، ثمَّ وقف فقال: (إنَّ اللهَ جمع لكم الخيرَ كُلَّه والشَّرَّ كُلَّه في آيةٍ واحدةٍ؛ فواللهِ ما ترك العَدلُ والإحسانُ شيئًا من طاعةِ اللهِ عزَّ وجَلَّ إلَّا جمَعَه، ولا ترك الفحشاءُ والمُنكَرُ والبَغيُ من معصيةِ اللهِ شيئًا إلَّا جمَعَه)
[144] ((حلية الأولياء)) لأبي نعيم (2/158). .
وقال
السَّعديُّ: (الإحسانُ فضيلةٌ مُستحَبٌّ، وذلك كنَفعِ النَّاسِ بالمالِ والبَدَنِ والعِلمِ، وغيرِ ذلك من أنواعِ النَّفعِ، حتَّى إنَّه يدخُلُ فيه الإحسانُ إلى الحيوانِ البهيمِ المأكولِ وغيرِه)
[145] ((تيسير الكريم الرحمن)) (ص: 447). .
وقال الرَّاغبُ: (الإحسانُ فوقَ العَدلِ، وذاك أنَّ العَدلَ هو أن يُعطيَ ما عليه، ويأخُذَ أقلَّ ممَّا له، والإحسانُ أن يُعطِيَ أكثَرَ مما عليه، ويأخُذَ أقَلَّ ممَّا له؛ فالإحسانُ زائدٌ على العَدلِ، فتحرِّي العدلِ واجبٌ، وتحرِّي الإحسانِ ندبٌ وتطوُّعٌ)
[146] ((المفردات في غريب القرآن)) (ص: 236-237). .
2- وقال تعالى:
وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ [البقرة: 83] .
أي: (أحسِنوا بالوالِدَين إحسانًا، وهذا يعُمُّ كُلَّ إحسانٍ قوليٍّ وفِعليٍّ ممَّا هو إحسانٌ إليهم، وفيه النَّهيُ عن الإساءةِ إلى الوالِدَين، أو عدَمِ الإحسانِ والإساءةِ؛ لأنَّ الواجِبَ الإحسانُ، والأمرُ بالشَّيءِ نهيٌ عن ضدِّه. وللإحسانِ ضِدَّان: الإساءةُ، وهي أعظَمُ جُرمًا، وتركُ الإحسانِ بدونِ إساءةٍ، وهذا محرَّمٌ، لكِنْ لا يجِبُ أن يُلحَقَ بالأوَّلِ، وكذا يُقالُ في صِلةِ الأقاربِ واليتامى والمساكينِ، وتفاصيلُ الإحسانِ لا تنحَصِرُ بالعَدِّ، بل تكونُ بالحَدِّ. وقد أمر اللهُ في القرآنِ بالإحسانِ إلى النَّاسِ عُمومًا، فقال:
وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا، ومن القَولِ الحَسَنِ: أمرُهم بالمعروفِ، ونهيُهم عن المُنكَرِ، وتعليمُهم العِلمَ، وبذلُ السَّلامِ، والبَشاشةُ، وغيرُ ذلك من كُلِّ كلامٍ طَيِّبٍ.
ولمَّا كان الإنسانُ لا يسَعُ النَّاسَ بمالِه، أُمِر بأمرٍ يَقدِرُ به على الإحسانِ إلى كُلِّ مخلوقٍ، وهو الإحسانُ بالقولِ، فيكونُ في ضِمنِ ذلك النَّهيُ عن الكلامِ القبيحِ للنَّاسِ حتَّى للكُفَّارِ)
[147] ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (ص: 57). .
وفي قَولِه تعالى:
وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا قاعدةٌ شرعيَّةٌ عامَّةٌ في أقوالِ النَّاسِ، وفي كلامِ بعضِهم مع بعضٍ، لفظًا ومعنًى، أُسلوبًا ومضمونًا، لو اتَّبعوها لعادت عليهم بركاتُها راحةً وسلامًا في الدُّنيا والآخرةِ
[148] يُنظَر: ((الأخلاق الفاضلة)) لعبد اللهِ بن ضيف الله الرحيلي (ص: 41). ، ومِثلُه قولُه تعالى:
وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ [الإسراء: 53] .
3- وقال تعالى:
وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ [القصص: 77] .
قال
الشَّوكانيُّ في تفسيرِ قَولِه:
وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ: (أي: أحسِنْ إلى عبادِ اللهِ كما أحسَن اللهُ إليك بما أنعَم به عليك من نِعَمِ الدُّنيا)
[149] ((فتح القدير)) (4/261). .
4- وقال تعالى:
هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ [ الرَّحمن: 60].
فالجزاءُ من جِنسِ العمَلِ، يعني: (هل جزاءُ العَمَلِ الصَّالحِ الذي أحسَن فيه صاحبُه إلَّا الإحسانُ بالثَّوابِ)
[150] ((فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام)) لابن عثيمين (1/431). . وهذا كلامٌ عامٌّ في كُلِّ إحسانٍ من الإنسانِ، سواءٌ كان إلى نفسِه أو إلى الغيرِ؛ فإنَّه يُجازى عليه من اللهِ بإحسانِ الأجرِ والثَّوابِ
[151] يُنظَر: ((مفاتيح الغيب)) للرازي (29/377). .
5- وقال تعالى:
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران: 134] .
قال
ابنُ كثيرٍ في تفسيرِ قَولِه تعالى:
وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ [آل عمران: 134] (أي: لا يُعمِلون غضَبَهم في النَّاسِ، بل يكفُّون عنهم شَرَّهم، ويحتَسِبون ذلك عِندَ اللهِ عزَّ وجَلَّ، ثمَّ قال تعالى:
وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ [آل عمران: 134] أي: مع كَفِّ الشَّرِّ يعفون عمَّن ظلمَهم في أنفُسِهم، فلا يبقى في أنفُسِهم مَوجِدةٌ على أحَدٍ، وهذا أكمَلُ الأحوالِ؛ ولهذا قال:
وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ فهذا من مقاماتِ الإحسانِ)
[152] ((تفسير القرآن العظيم)) (2/122). .
6- وقال تعالى:
إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف: 56] ، وفيه تحريضٌ على الإحسانِ وترغيبٌ فيه، ووجهُ ذلك: أنَّ قُربَه تبارك وتعالى من المحسِنين وقُربَ رحمتِه منهم متلازمانِ، وقربُ اللهِ تعالى من عَبدِه هو غايةُ الأماني ونهايةُ الآمالِ؛ فإذا كانت رحمتُه قريبةً منهم، فهو أيضًا قريبٌ منهم سُبحانَه بسببِ إحسانِهم، وكُلَّما كان العبدُ أكثَرَ إحسانًا كان أقرَبَ إلى رحمةِ رَبِّه تعالى، وكان ربُّه قريبًا منه برحمتِه
[153] يُنظَر: ((بدائع الفوائد)) لابن القيم (3/31)، ((تفسير السعدي)) (ص: 291). . والجزاءُ من جنسِ العَمَلِ، فكما أحسَنوا بأعمالِهم أحسَن اللهُ إليهم برحمتِه
[154] يُنظَر: ((بدائع الفوائد)) لابن القيم (3/17). .