المَبحَثُ الأوَّلُ: المُوَكَّلُ بإنزالِ القُرآنِ الكريمِ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
الموكَّلُ بإنزالِ القُرآنِ الكريمِ على محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، هو الرُّوحُ الأمينُ، ورُوحُ القُدُسِ:
جِبريلُ عليه السَّلامُ.
قال اللهُ تعالى:
قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة:97] .
قال
ابنُ كثيرٍ: (أي: من عادى
جبريلَ فلْيعلَمْ أنَّه الرُّوحُ الأمينُ الذي نَزَل بالذِّكرِ الحكيمِ على قَلْبِك من اللهِ بإذْنِه له في ذلك)
[3904] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (1/341). .
وقال اللهُ سُبحانَه:
وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء: 192 - 195] .
قال ابنُ عَطِيَّةَ: (الرُّوحُ الْأَمِينُ:
جِبريلُ عليه السَّلامُ بإجماعٍ)
[3905] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (4/242). .
وقال
ابنُ كثيرٍ: (يقولُ تعالى مخبِرًا عن الكتابِ الذي أنزَلَه على عبدِه ورَسولِه محمَّدٍ، صَلَواتُ اللهِ وسَلامُه عليه:
وَإِنَّهُ أي: القرآنَ الذي تقَدَّمَ ذِكرُه في أوَّلِ السُّورةِ في قَولِه:
وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ ... الآية
لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ أي: أنزله اللهُ عليك وأوحاه إليك.
نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ: وهو
جبريلُ، عليه السَّلامُ، قاله غيرُ واحدٍ مِنَ السَّلَفِ:
ابنُ عَبَّاسٍ، ومحمَّدُ بنُ كَعبٍ، وقتادةُ، وعَطيَّةُ العوفيُّ، والسُّدِّيُّ، والضَّحَّاكُ، و
الزُّهْريُّ، وابنُ جُرَيجٍ. وهذا ما لا نزاعَ فيه)
[3906] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (6/162). .
وقال اللهُ عزَّ وجَلَّ:
قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ [النحل: 102] .
قال ابنُ عَطِيةَ: (أمر نبيَّه أن يُخبرَ أنَّ القُرآنَ وناسِخَه ومنسوخَه إنما نَزَّلَه
جبريلُ عليه السَّلامُ، وهو رُوحُ الْقُدُسِ، لا خِلافَ في ذلك)
[3907] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (3/421). .
وقال اللهُ تعالى:
إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى [النجم:4-9] .
وقال اللهُ تعالى في شأنِ
جِبريلَ عليه السَّلامُ:
إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ [التكوير: 19 - 23] الآيات.
قال
ابنُ جريرٍ: (يقولُ تعالى ذِكْرُه: إنَّ هذا القُرآنَ لتنزيلُ رَسولٍ كريمٍ، يعني:
جِبريلَ، نَزَّله على محمَّدِ بنِ عبدِ اللهِ)
[3908] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/ 163). .
وقال
ابنُ القَيِّمِ: (قد أثنى اللهُ سُبحانَه على عَبدِه
جِبريلَ في القُرآنِ أحسَنَ الثَّناءِ، ووَصَفه بأجمَلِ الصِّفاتِ... فوصَفَه بأنَّه رسولُه، وأنَّه كريمٌ عِنده، وأنَّه ذو قُوَّةٍ ومكانةٍ عند رَبِّه سُبحانَه، وأنَّه مُطاعٌ في السَّمَواتِ، وأنَّه أمينٌ على الوَحيِ)
[3909] يُنظر: ((إغاثة اللهفان)) (2/ 844). .
وقال
ابنُ كثيرٍ: (قَولُه:
إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ يعني: أنَّ هذا القُرآنَ لَتبليغُ رَسولٍ كريمٍ، أي: مَلَكٍ شريفٍ حَسَنِ الخَلقِ، بهيِّ المنظَرِ، وهو
جِبريلُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ. قاله
ابنُ عَبَّاسٍ، والشَّعبيُّ، وميمونُ بنُ مِهرانَ، والحَسَنُ، وقتادةُ، والرَّبيعُ بنُ أنسٍ، وغَيرُهم)
[3910] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (8/ 338). .
وقال: (قَولُه:
أَمِينٍ صِفةٌ ل
جِبريلَ بالأمانةِ، وهذا عظيمٌ جِدًّا؛ أنَّ الرَّبَّ عَزَّ وجَلَّ يزكِّي عَبْدَه ورَسولَه الملَكِيَّ
جِبريلَ، كما زكَّى عَبْدَه ورَسولَه البشَرِيَّ مُحمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)
[3911] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (8/ 339). .
وقال
الألوسيُّ في تفسيرِ قَولِه تعالى:
مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ...: (قد دَلَّت الآيةُ على تعظيمِ
جبريلَ والتنويهِ بقَدْرِه؛ حيث جَعَله الواسِطةَ بينه تعالى وبين أشرَفِ خَلْقِه، والمنَزَّلَ بالكتابِ الجامِعِ للأوصافِ المذكورةِ... واستدَلَّ بعضُهم بتقديمِ
جِبريلَ على
ميكائيلَ على أنَّه أفضَلُ منه، وهو المشهورُ، واستدَلُّوا عليه أيضًا بأنَّه يَنزِلُ بالوَحيِ والعِلمِ، وهو مادَّةُ الأرواحِ، و
ميكائيلُ بالخِصبِ والأمطارِ، وهي مادَّةُ الأبدانِ، وغِذاءُ الأرواحِ أفضَلُ مِن غذاءِ الأشباحِ)
[3912] يُنظر: ((تفسير الألوسي)) (1/ 333). .
وعن
ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنه في قَوْلِهِ:
لَا تُحَرِّكْ به لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بهِ، قالَ:
((كانَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذَا نَزَلَ جِبْرِيلُ بالوَحْيِ، وكانَ ممَّا يُحَرِّكُ به لِسَانَهُ وشَفَتَيْهِ، فَيَشْتَدُّ عليه، وكانَ يُعْرَفُ منه، فأنْزَلَ اللَّهُ الآيَةَ الَّتي فِي: لا أُقْسِمُ بيَومِ القِيَامَةِ: لَا تُحَرِّكْ به لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ به * إنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وقُرْآنَهُ...)) [3913] أخرجه البخاري (4929) واللَّفظُ له، ومسلم (448). .
وكان
جِبريلُ عليه السَّلامُ أيضًا يتنَزَّلُ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أحيانًا لغَيرِ إنزالِ القُرآنِ، ومن ذلك تَنَزُّلُه عليه بإجابةِ السَّائِلينَ، ومُدارسَتِه القرآنَ وغَيرِ ذلك.
فعن
أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ الله عنه قال:
((سمِعَ عبدُ اللَّهِ بنُ سَلَامٍ بقُدُومِ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهْوَ في أرْضٍ يَخْتَرِفُ [3914] قال ابن حجر: (أي يَجْتَنِي من الثمار) ((فتح الباري)) (7/ 252). ، فأتَى النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فَقالَ: إنِّي سَائِلُكَ عن ثَلَاثٍ لا يَعْلَمُهُنَّ إلَّا نَبِيٌّ: فَما أوَّلُ أشْرَاطِ السَّاعَةِ؟ وما أوَّلُ طَعَامِ أهْلِ الجَنَّةِ؟ وما يَنْزِعُ الوَلَدُ إلى أبِيهِ أوْ إلى أُمِّهِ؟ قالَ: أخْبَرَنِي بهِنَّ جِبْرِيلُ آنِفًا )) [3915] أخرجه البخاري (4480). .
وعن
أبي ذَرٍّ الغِفاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((أَتانِي جِبْرِيلُ فَبَشَّرَنِي أنَّه مَن ماتَ لا يُشْرِكُ باللَّهِ شيئًا دَخَلَ الجَنَّةَ، قُلتُ: وإنْ سَرَقَ وإنْ زَنَى؟ قالَ: وإنْ سَرَقَ وإنْ زَنَى )) [3916] أخرجه البخاري (7487) واللَّفظُ له، ومسلم (94). .
وعن
عبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال:
((كانَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أجْوَدَ النَّاسِ، وكانَ أجْوَدَ ما يَكونُ في رَمَضانَ حِينَ يَلْقاهُ جِبْرِيلُ، وكانَ يَلْقاهُ في كُلِّ لَيْلَةٍ مِن رَمَضانَ فيُدارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أجْوَدُ بالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ )) [3917] أخرجه البخاري (6) واللَّفظُ له، ومسلم (2308). .