المطلبُ الثَّالِثُ: من شُروطِ وَلايةِ اللهِ تَحقيقُ تَقوى اللهِ عَزَّ وجَلَّ
قال اللهُ تعالى:
أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس: 62-63] .
عَنِ ابنِ زيدٍ أنَّه قال في قَولِ اللهِ تعالى:
ألَا إنَّ أولياءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ: (مَن هم يا رَبِّ؟ قال:
الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ قال: أبى أن يَتَقَبَّلَ الإيمانَ إلَّا بالتَّقوى)
[1113] رواه ابن جرير في تفسيره (12/ 213). .
وقال اللهُ سُبحانَه:
وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ [الأنفال: 34] .
قال
الشَّوكانيُّ: (هَذا كالرَّدِّ لِما كانوا يَقولونَه من أنَّهم ولاةُ البيتِ، وأنَّ أمرَه مُفوَّضٌ إليهم، ثُمَّ قال مُبيِّنًا لِمَن له ذلك:
إِنْ أَوْلِيَاؤَهُ إِلَّا الْمُتَّقونَ أي: ما أولياؤُه إلَّا من كانَ في عِدَادِ المُتَّقينَ للشِّركِ والمَعاصي، ولَكِنَّ أكثَرَهم لا يَعلَمونَ ذلك)
[1114] يُنظر: ((تفسير الشوكاني)) (2/ 349). .
وعَن مُعاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضيَ الله عَنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((إنَّ أَولى النَّاسِ بي المُتَّقونَ من كانوا وحيثُ كانوا)) [1115] أخرجه من طرق مطولًا: أحمد (22052)، وابن حبان (647) واللَّفظُ لهما، والطبراني (20/120) (241). صحَّحه ابن حبان، والألباني في ((صحيح الجامع)) (2012)، والوادعي ((الصحيح المسند)) (1118)، وصحَّح إسنادَه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (22052). .
قال
علي القاري: (
((إنَّ أولى النَّاسِ بي)) أي: بشَفاعَتي أو أقرَبُ النَّاسِ إلى مَنزِلَتي
((المُتَّقونَ من كانوا)): جَمعَ باعتِبارِ مَعنى مَن، والمَعنى: كائِنًا من كانَ عَربيًّا أو عَجميًّا، أبيَضَ أو أسوَدَ، شَريفًا أو وضيعًا،
((وحيثُ كانوا)) أي: سَواءٌ كانوا بمَكَّةَ والمَدينةِ أو باليَمَنِ والكُوفةِ والبَصرةِ... فانظُرْ إلى رُتبةِ أُوَيسٍ القَرنيِّ باليَمنِ على كَمالِ التَّقوى، وحالةِ جماعةٍ من أكابِرِ الحَرَمينِ الشَّريفينِ مِن حِرمانِ المَنزِلةِ الزُّلفى، بَل من إيصالِ ضَرَرِهم إليه صَلى اللهُ تعالى عليه وسَلَّم حَتى من بَعضِ ذَويِ القُربى، وحاصِلُه أنَّه لا يَضرُّكَ بُعدُك الصُّوريُّ عَنِّي مَعَ وُجودِ قَولِك المَعنَويِّ بي، فإنَّ العِبرةَ بالتَّقوى كما يُستَفادُ من إطلاقِ قَولِه تعالى:
إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات: 13] من غيرِ اختِصاصٍ بمَكانٍ أو زَمانٍ أو نَوعِ إنسانٍ)
[1116] يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) (8/ 3271). .
وقال
ابنُ تَيميَّةَ: (لا يَكونونَ من أولياءِ اللهِ إلَّا إذا كانوا من المُؤمِنينَ المُتَّقينَ؛ فمَن لم يَتَقَرَّبْ إلى اللهِ لا بفِعلِ الحَسَناتِ ولا بتَركِ السِّيِّئاتِ، لم يَكُن من أولياءِ اللهِ)
[1117] يُنظر: ((الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان)) (ص: 47). .
قال السَّفارينيُّ: (قال بَعضُ المُحَقِّقينَ: للوليِّ أربَعةُ شُروطٍ:
«أحَدُها» أن يَكونَ عارِفًا بأصولِ الدِّينِ حَتى يُفرِّقَ بينَ الخَلقِ والخالِقِ، وبينَ النَّبيِّ والمُتَنَبِّي.
«الثَّاني» أن يَكونَ عالِمًا بأحكامِ الشَّريعةِ نَقلًا وفَهمًا، ليَكتَفيَ بنَظَرِه عَنِ التَّقليدِ في الأحكامِ الشَّرعيَّةِ كما اكتَفى عَن ذلك في أصولِ التَّوحيدِ، فلَو أذهَبَ اللهُ تعالى عُلماءَ أهلِ الأرضِ لوُجِدَ عِندَه ما كانَ عِندَهم، ولأقامَ قَواعِدَ الإسلامِ من أوَّلِها إلى آخِرِها، «قُلتُ»: وهَذا غيرُ مُعتَبَرٍ ولا مُشتَرَطٍ في مُطلَقِ الوَليِّ من غيرِ تَرَدُّدٍ، نَعَمْ يُعتَبَرُ هَذا في المُجتَهِدِ دونَ مُطلَقِ الوَليِّ، والله أعلمُ.
«الثَّالِثُ» أن يَتَخَلَّقَ بالأخلاقِ المَحمودةِ الَّتي دَلَّ عليها الشَّرعُ والعَقلُ من الوَرَعِ عَنِ المُحَرَّماتِ بَل والمَكروهاتِ، وامتِثالِ المَأموراتِ، وإخلاصِ العَمَلِ، وحُسنِ المُتابَعةِ والِاقتِداءِ.
«الرَّابِعُ» أن يُلازِمَه الخَوفُ أبَدًا، واحتِقارُ النَّفسِ سَرمَدًا، وأن يَنظُرَ إلى الخَلقِ بعينِ الرَّحمةِ والنَّصيحةِ، وأن يَبذُلَ جُهدَه في مُراقَبةِ مَحاسِنِ الشَّريعةِ، ومُطالَعةِ عُيوبِ النَّفسِ وآفاتِها، والخَوفِ بمُلاحَظةِ السَّابِقةِ والخاتِمةِ.
ويَجمَعُ ذلك كُلَّه ويَزيدُ عليه قَولُه تعالى:
أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [يونس: 62 - 64] . واللهُ تعالى أعلمُ)
[1118] يُنظر: ((لوامع الأنوار البهية)) (2/ 397). .
وليسَ من شَرطِ الوَلايةِ أن يَتَميَّزَ الوَليُّ عَنِ النَّاسِ بلِباسٍ أو غيرِه.
قال
ابنُ تَيميَّةَ: (ليسَ لأولياءِ اللهِ شيءٌ يَتَميَّزونَ به عَنِ النَّاسِ في الظَّاهرِ من الأمورِ المُباحاتِ، فلا يَتَميَّزونَ بلباسٍ دونَ لباسٍ إذا كانَ كِلاهما مُباحًا، ولا بحَلقِ شَعرٍ أو تَقصيرِه أو ظُفرِه إذا كانَ مُباحًا، كما قيلَ: كم من صِدِّيقٍ في قَبَاءٍ، وكم من زِنديقٍ في عَباءٍ، بَل يوجَدونَ في جَميعِ أصنافِ أمَّةِ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا لم يَكونوا من أهلِ البِدَع الظَّاهرةِ والفُجورِ، فيوجَدونَ في أهلِ القُرآنِ وأهْلِ العِلمِ، ويوجَدونَ في أهلِ الجِهادِ والسَّيفِ، ويوجَدونَ في التُّجارِ والصُّناعِ والزُّراعِ، وقد ذَكرَ اللهُ أصنافَ أمَّةِ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في قَولِه تعالى:
إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى من ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ من الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ من الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخِرونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ من فَضْلِ اللَّهِ وَآخِرونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ [المزمل:20] )
[1119] يُنظر: ((الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان)) (ص: 51). .
وليسَ من شَرطِ الوَلايةِ أن يكونَ الوليُّ معصومًا.
قال
ابنُ تيميَّةَ: (ليسَ من شَرطِ وليِّ اللهِ أن يَكونَ مَعصومًا لا يَغلَطُ ولا يُخطِئُ، بَل يَجوزُ أن يَخفى عليه بَعضُ عِلمِ الشَّريعةِ، ويَجوزُ أن يَشتَبِهَ عليه بَعضُ أمورِ الدِّينِ حَتى يَحسَبَ بَعضَ الأمورِ مِمَّا أمرَ اللهُ به ومِمَّا نَهى اللهُ عَنه، ويَجوزُ أن يَظُنَّ في بَعضِ الخَوارِقِ أنَّها من كراماتِ أولياءِ اللهِ تعالى، وتَكونُ من
الشَّيطانِ لبَّسَها عليه لنَقصِ دَرَجَتِه، ولا يَعرِفُ أنَّها من
الشَّيطانِ، وإن لم يَخرُج بذلك عَن وَلايةِ اللهِ تعالى؛ فإنَّ اللهَ سُبحانَه وتعالى تَجاوَزَ لهذه الأمَّةِ عَنِ الخَطَأِ والنِّسيانِ وما استُكرِهوا عليه)
[1120] يُنظر: ((الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان)) (ص: 62). .
وقال أيضًا: (ليسَ من شَرطِ وليِّ اللهِ أن يَكونَ مَعصومًا، بَل يَجوزُ عليه الخَطايا والذُّنوبُ، وكُلُّ واحِدٍ يُؤخَذُ من قَولِه ويُترَكُ إلَّا رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. وأولياءُ اللهِ هم الذينَ ذَكرَهم اللهُ تعالى في قَولِه تعالى:
أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس: 62، 63]. والتَّقوى هي: أداءُ الواجِباتِ وتَركُ المُحَرَّماتِ، وقد يَكونُ مَعَها صَغيرةٌ بلا إصرارٍ، وكبيرةٌ مَعَ توبةٍ واستِغفارٍ)
[1121] يُنظر: ((جامع المسائل لابن تيمية - المجموعة السابعة)) (1/ 455). .
وقال
ابنُ تَيميَّةَ أيضًا: (لهَذا لَمَّا كانَ وليُّ اللهِ يَجوزُ أن يَغلَطَ لم يَجِبْ على النَّاسِ الإيمانُ بجَميعِ ما يَقولُه مَن هو وليٌّ للهِ؛ لئَلَّا يَكونَ نَبيًّا، بَل ولا يَجوزُ لوليِّ اللهِ أن يَعتَمِدَ على ما يُلقى إليه في قَلبِه إلَّا أن يَكونَ موافِقًا للشَّرعِ، وعلى ما يَقَعُ له مِمَّا يَراه إلهامًا ومُحادَثةً وخِطابًا من الحَقِّ، بَل يَجِبُ عليه أن يَعرِضَ ذلك جَميعَه على ما جاءَ به مُحَمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فإنْ وافَقَه قَبِلَه، وإنْ خالَفه لم يَقبَلْه، وإن لم يَعلَمْ أموافِقٌ هو أم مُخالِفٌ، تَوَقَّف فيه، والنَّاسُ في هَذا البابِ ثَلاثةُ أصنافِ: طَرَفانِ ووَسَطٌ؛ فمنهم من إذا اعتَقدَ في شَخصٍ أنَّه وليٌّ للهِ وافَقَه في كُلِّ ما يَظُنُّ أنَّه حَدَّثَ به قَلبُه عَن رَبِّه، وسَلَّمَ إليه جَميعَ ما يَفعَلُه، ومنهم من إذا رَآه قد قال أو فَعلَ ما ليسَ بموافِقٍ للشَّرعِ أخرَجَه عَن وَلايةِ اللهِ بالكُلِّيَّةِ، وإن كانَ مُجتَهدًا مُخطِئًا، وخيارُ الأمورِ أوساطُها، وهو أنْ لا يُجعَلَ مَعصومًا ولا مَأثومًا إذا كانَ مُجتَهدًا مُخطِئًا، فلا يُتَّبَعُ في كُلِّ ما يَقولُه، ولا يُحكَمُ عليه بالكُفرِ والفِسقِ مَعَ اجتِهادِه، والواجِبُ على النَّاسِ اتِّباعُ ما بَعثَ اللهُ به رَسولَه، وأمَّا إذا خالَف قَولَ بَعضِ الفُقَهاءِ ووافَقَ قَولَ آخَرينَ لم يَكُن لأحَدٍ أن يُلزِمَه بقَولِ المُخالِفِ، ويَقولُ: هَذا خالَفَ الشَّرعَ... وقدِ اتَّفقَ سَلَفُ الأمَّةِ وأئِمَّتُها على أنَّ كُلَّ أحَدٍ يُؤخَذُ من قَولِه ويُترَكُ إلَّا رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهَذا من الفُروقِ بينَ الأنبياءِ وغيرِهم؛ فإنَّ الأنبياءَ صَلَواتُ اللهِ عليهم وسَلامُه يَجِبُ لهم الإيمانُ بجَميعِ ما يُخبِرونَ به عَنِ اللهِ عزَّ وجَلَّ، وتَجِبُ طاعَتُهم فيما يَأمُرونَ به، بخِلافِ الأولياءِ؛ فإنَّهم لا تَجِبُ طاعَتُهم في كُلِّ ما يَأمُرونَ به، ولا الإيمانُ بجَميعِ ما يُخبِرونَ به، بَل يُعرَضُ أمرُهم وخَبرُهم على الكِتابِ والسُّنَّةِ، فما وافَقَ الكِتابَ والسُّنَّةَ وجَبَ قَبولُه، وما خالَف الكِتابَ والسُّنَّةَ كانَ مَردودًا، وإن كانَ صاحِبُه من أولياءِ اللِه، وكانَ مُجتَهدًا مَعذورًا فيما قاله، له أجرٌ على اجتِهادِه، لكِنَّه إذا خالَف الكِتابَ والسُّنَّةَ كانَ مُخطِئًا، وكانَ من الخَطأِ المَغفورِ إذا كانَ صاحِبُه قدِ اتَّقى اللهَ ما استَطاعَ؛ فإنَّ اللهَ تعالى يَقولُ:
فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]... وهَذا الذي ذَكرتُه من أنَّ أولياءَ اللهِ يَجِبُ عليهم الِاعتِصامُ بالكِتابِ والسُّنَّةِ، وأنَّه ليسَ فيهم مَعصومٌ يَسوغُ له أو لغيرِه اتِّباعُ ما يَقَعُ في قَلبِه من غيرِ اعتِبارٍ بالكِتابِ والسُّنَّةِ: هو مِمَّا اتَّفقَ عليه أولياءُ اللهِ عزَّ وجَلَّ، من خالَفَ في هَذا فليسَ من أولياءِ اللهِ سُبحانَه الذينَ أمرَ اللهُ باتِّباعِهم، بَل إمَّا أن يَكونَ كافِرًا، وإمَّا أن يَكونَ مُفرِطًا في الجَهلِ، وهَذا كثيرٌ في كلامِ المَشايِخِ، كقَولِ الشَّيْخِ أبي سُلَيمانَ الدَّارانيِّ: إنَّه ليَقَعُ في قَلبي النُّكتةُ من نُكَتِ القَومِ فلا أقبَلُها إلَّا بشاهَدينِ: الكِتابِ والسُّنَّةِ. وقال
أبو القاسِمِ الجُنَيدُ رَحمةُ اللهِ عليه: عِلْمُنا هَذا مُقيَّدٌ بالكِتابِ والسُّنَّةِ، فمَن لم يَقرَأِ القُرآنَ ويَكتُبِ الحَديثَ، لا يَصلُحُ له أن يَتَكلَّمَ في عِلمِنا، أو قال: لا يُقتَدى به. وقال أبو عُثمانَ النَّيسابوريُّ: مَن أمَّرَ السُّنَّةَ على نَفسِه قَولًا وفِعلًا نَطَقَ بالحِكمةِ، ومَن أمَّرَ الهَوى على نَفسِه قَولًا وفِعلًا نَطَقَ ب
البِدعةِ... وقال أبو عَمرِو بْنُ نجيدٍ: كُلُّ وَجْدٍ لا يَشهَدُ له الكِتابُ والسُّنَّةُ فهو باطِلٌ. وكثيرٌ من النَّاسِ يَغلَطُ في هَذا المَوضِعِ، فيَظُنُّ في شَخصٍ أنَّه وَليٌّ للِه، ويَظُنُّ أنَّ وليَّ اللهِ يُقبَلُ منه كُلُّ ما يَقولُه، ويُسَلَّمُ إليه كُلُّ ما يَقولُه، ويُسَلَّمُ إليه كُلُّ ما يَفعَلُه وإنْ خالَف الكِتابَ والسُّنَّةَ، فيوافِقُ ذلك الشَّخصَ له، ويُخالِفُ ما بَعثَ اللهُ به رَسولَه، الذي فرَضَ اللهُ على جَميعِ الخَلقِ تَصديقَه فيما أخبَرَ، وطاعَتَه فيما أمرَ، وجَعلَه الفارِقَ بينَ أوليائِه وأعدائِه، وبينَ أهلِ الجَنَّةِ وأهْلِ النَّارِ، وبينَ السَّعداءِ والأشقياءِ، فمَنِ اتَّبَعِه كانَ من أولياءِ اللهِ المُتَّقينَ، وجُندِه المُفلِحينَ، وعِبادِه الصَّالِحينَ، ومَن لم يَتَّبِعْه كانَ من أعداءِ اللهِ الخاسِرينَ المُجرِمينَ، فتَجُرُّه مُخالَفةُ الرَّسولِ ومُوافقةُ ذلك الشَّخصِ أوَّلًا إلى
البِدعةِ والضَّلالِ، وآخِرًا إلى الكُفرِ والنِّفاقِ)
[1122] يُنظر: ((الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان)) (ص: 65 - 75). .