الفَصلُ الثَّاني: وُجوبُ الإيمانِ بأشراطِ السَّاعةِ
أوَّلًا: الدَّليلُ مِنَ القُرآنِ:قال اللهُ تعالى:
فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ [محمد: 18] .
قال
البَغَويُّ: (قَولُه عزَّ وجَلَّ:
فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا، أي: أماراتُها وعَلاماتُها واحِدُها شَرَطٌ... قَولُه عزَّ وجَلَّ:
فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ، فمِن أينَ لَهمُ التَّذَكُّرُ والاتِّعاظُ والتوبةُ إذا جاءَتهمُ السَّاعةُ؟ نَظيرُه:
يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى [الفجر: 23] )
[1777] يُنظر: ((تفسير البغوي)) (4/ 214). .
وقال ابنُ عَطيَّةَ: (قَولُه:
فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا على القِراءَتينَ مَعناه: فيَنبَغي أن يَقَعَ الاستِعدادُ والخَوفُ مِنها لِمَن جَزمَ ونَظَرَ لِنَفسِه... فقَد بانَ مِن أمرِ السَّاعةِ قَدْرٌ ما)
[1778] يُنظر: ((المحرر الوجيز)) (5/ 116). .
وقال النَّسَفيُّ: (
فهَل يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أي: يَنتَظِرونَ
أَنْ تَأْتِيَهُمْ أي: إتيانَها؛ فهو بَدَلُ اشتِمالٍ مِنَ السَّاعةِ
بَغْتَةً فَجْأةً
فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا عَلاماتُها، وهو مَبعَثُ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وانشِقاقُ القَمَرِ، والدُّخانُ، وقيلُ: قَطْعُ الأرحامِ، وقِلَّةُ الكِرامِ، وكَثرةُ اللِّئامِ)
[1779] يُنظر: ((تفسير النسفي)) (3/ 326). .
وقال
ابنُ كَثيرٍ: (قَولُه:
فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً أي: وهم غافِلونَ عَنها،
فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا أي: أماراتُ اقتِرابها، كَقَولِه تعالى:
هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى * أَزِفَتِ الْآزِفَةُ [النجم: 56، 57]، وكَقَولِه:
اقتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر: 1]، وقَولِه:
أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ [النحل: 1] ، وقَولِه:
اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ [الأنبياء: 1] ... وقَد أخبَرَ صَلَواتُ اللهِ وسَلامُه عليه بأماراتِ السَّاعةِ وأشراطِها، وأبانَ عَن ذلك وأوضَحَه بما لَم يُؤتَه نَبيٌّ قَبلَه، كَما هو مَبسوطٌ في مَوضِعِه)
[1780] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (7/ 315). .
وقال
ابنُ عاشورٍ: (الأشراطُ: جَمعُ شَرَطٍ –بفتحَتينِ-، وهو: العَلامةُ والأمارةُ على وُجودِ شَيءٍ أو على وصفِه. وعَلاماتُ السَّاعةِ: هيَ عَلاماتُ كَونِها قَريبةً، وهَذا القُربُ يُتَصَوَّرُ بصورَتينِ:
إحداهما: أنَّ وقتَ السَّاعةِ قَريبٌ قُربًا نِسبيًّا بالنِّسبةِ إلَى طولِ مُدَّةِ هَذا العالَمِ ومَن عليه مِنَ الخَلقِ.
والثَّانيةُ: أنَّ ابتِداءَ مُشاهَدةِ أحوالِ السَّاعةِ يَحصُلُ لِكُلِّ أحَدٍ بموتِه؛ فإنَّ رُوحَه إذا خَلَصَتْ عَن جَسدِه شاهَدَت مَصيرَها مُشاهَدةً إجماليَّةً ... والأشراطُ بالنِّسبةِ لِلصُّورةِ الأُولَى: الحَوادِثُ الَّتي أخبَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّها تَقَعُ بينَ يَدَيِ السَّاعةِ، وأوَّلُها بَعْثَتُه؛ لِأنَّه آخِرُ الرُّسُلِ وشَريعَتُه آخِرُ الشَّرائِعِ، ثُمَّ ما يَكونُ بَعدَ ذلك، وبالنِّسبةِ لِلصُّورةِ الثَّانيةِ، أشراطُها: الأمراضُ والشَّيخوخةُ)
[1781] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (26/ 103). .
ثانيًا: الدَّليلُ مِنَ السُّنَّةِ:عَن أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عَنه أنَّ
جِبريلَ عليه السَّلامُ قال: يا رَسولَ الله، مَتَى السَّاعةُ؟ فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((ما المَسئولُ عَنها بأعلَمَ مِنَ السَّائِلِ، ولَكِن سأحَدِّثُكَ عَن أشراطِها؛ إذا وَلَدَتِ المَرأةُ رَبَّتَها، فذاكَ مِن أشراطِها، وإذا كانَ الحُفَاةُ العُراةُ رُءوسَ النَّاسِ، فذاكَ مِن أشراطِها)) [1782] أخرجه مُطَوَّلًا البخاري (4777) واللَّفظُ له، ومسلم (9). .
قال أبو العَبَّاسِ
القُرطُبيُّ: (
((قَولُه: سأحَدِّثُكَ عَن أشراطِها))، وفي حَديثِ عُمَرَ قال: فأخْبِرْني عَن أمارَاتِها... اقتَصَرَ في هَذا الحَديثِ على ذِكرِ بَعضِ الأشراطِ الَّتي يَكونُ وُقوعُها قَريبًا مِن زَمانِه، وإلَّا فالشُّروطُ كَثيرةٌ، وهيَ أكثَرُ مِمَّا ذُكِرَ هنا، كَما دَلَّ عليه الكِتابُ والسُّنَّةُ. ثُمَّ إنَّها مُنقَسِمةٌ إلَى ما يَكونُ مِن نَوعِ المُعتادِ، كَهَذِه الأشراطِ المَذكورةِ في هَذا الحَديثِ، وكَرَفعِ العِلمِ وظُهورِ الجَهلِ وكَثرةِ الزِّنَا وشُربِ الخَمرِ، إلَى غَيرِ ذلك، وأمَّا الَّتي لَيسَت مِنَ النَّوعِ المُعتادِ، فكُخُروجِ الدَّجَّالِ، ونُزولِ عيسَى بنِ مَريَمَ، وخُروجِ يأجُوجَ ومأجوجَ، ودابَّةِ الأرضِ، وطُلوعِ الشَّمسِ مِن مَغرِبِها، والدُّخَانِ، والنَّارِ الَّتي تَسوقُ النَّاسَ وتَحشُرُهم)
[1783] يُنظر: ((المفهم)) (1/ 155). .
وقال
النَّوويُّ: (
((سأحَدِّثُكَ عَن أشراطِها)) هيَ بفتحِ الهَمزةِ واحِدُها شَرَطٌ بفتحِ الشِّينِ والرَّاءِ، والأشراطُ: العَلاماتُ، وقيلَ: مُقَدِّماتُها، وقيلَ: صِغارُ أُمورِها قَبلَ تَمامِها، وكُلُّه مُتَقارِبٌ)
[1784] يُنظر: ((شرح مسلم)) (1/ 163). .
وقال
ابنُ المُلقِّنِ: (المُرادُ هنا: بَيانُ عَلاماتٍ مِن عَلاماتِ السَّاعةِ، وهيَ غَيرُ مُنحَصِرةٍ في هَذا المَذكورِ؛ فإنَّ مِن جُملَتِها: رَفعَ العِلمِ، وظُهورَ الجَهلِ، وظُهورَ الزِّنا، وقِلَّةَ الرِّجالِ، وكَثرةَ النِّساءِ، وكَثرةَ الهَرْجِ، وتَوسيدَ الأمرِ إلَى غَيرِ أهلِه، وغَيرَ ذلك مِمَّا تَظاهَرَت عليه الأحاديثُ الصَّحيحةُ، وهَذِه العَلاماتُ قَد وقَعَ أكثَرُها وتَزايدَت. ونَسألُ اللهُ حُسنَ الخاتِمةِ)
[1785] يُنظر: ((التوضيح لشرح الجامع الصحيح)) (3/ 180). .
ومِن أقوالِ أهلِ العِلمِ في شأنِ أشراطِ السَّاعةِ:1- قال
أبو الحَسَنِ الأشعَريُّ: (أجمَعوا على أنَّ شَفَاعةَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لِأهلِ الكَبائِرِ مِن أمَّتِه... وعلى أنَّ الإيمانَ بما جاءَ به مِن خَبَرِ الإسراءِ بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلَى السَّمواتِ واجِبٌ. وكَذلك ما رُوِيَ مِن خَبرِ الدَّجَّالِ ونُزولِ عيسَى بنِ مَريَمَ وقَتلِه الدَّجَّالَ. وغَيرُ ذلك مِن سائِرِ الآياتِ الَّتي تَواتَرَتِ الرِّوايةُ بينَ يَدَيِ السَّاعةِ مِن طُلوعِ الشَّمسِ مِن مَغرِبها وخُروجِ الدَّابَّةِ وغَيرِ ذلك مِمَّا نَقلَه إلَينا الثِّقاتُ عَن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وعَرَّفونا صِحَّتَه... وأجمَعوا على التَّصديقِ بجَميعِ ما جاءَ به رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)
[1786] يُنظر: ((رسالة إلى أهل الثغر بباب الأبواب)) (ص: 164-166). .
2- قال
ابنُ مَندَهْ: (ذِكْرُ وُجوبِ الإيمانِ بما أخبَرَ به الرَّسولُ صَلَواتُ اللهِ عليه مِنَ الآياتِ المُستَقبَلةِ إلَى قيامِ السَّاعةِ)
[1787] يُنظر: ((الإيمان)) (2/ 911). . ثمَّ ساق أحاديثَ في ذلك.
وقال أيضًا: (ذِكْرُ وُجوبِ الإيمانِ بالآياتِ العَشْرِ الَّتي أخبَرَ بها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الَّتي تَكونُ قَبلَ السَّاعةِ)
[1788]يُنظر: ((الإيمان)) (2/ 917). . ثم ساق أحاديثَ في ذلك.
3- قال الحليميُّ: (أمَّا انتِهاءُ الحَياةِ الأولَى فإنَّ لَه مُقَدِّماتٍ تُسَمَّى
أشراطَ السَّاعةِ، وهيَ أعلامُها: مِنها خُروجُ الدَّجَّالِ، ونُزولُ عيسَى صَلَواتُ اللهِ عليه، وقَتلُه الدَّجَّالَ، ومِنها خُروجُ يأجوجَ ومأجوجَ، ومِنها خُروجُ دابَّةِ الأرضِ، ومِنها طُلوعُ الشَّمسِ مِن مَغرِبها، فهَذِه هيَ الآياتُ العِظامُ. وأمَّا ما تَقَدَّمَ هَذِه مِن قَبضِ العِلمِ وغَلَبةِ الجَهلِ واستِعلاءِ أهلِه وتَتَبُّعِ الحُكمِ، وظُهورِ المَعازفِ، واستِفاضةِ شُربِ الخُمورِ، واكتِفاءِ النِّساءِ بالنِّساءِ والرِّجالِ بالرِّجالِ، وإطالةِ البُنيانِ، وزَخرَفةِ المَساجِدِ، وإمارةِ الصِّبيانِ، ولَعْنِ آخِرِ الأمَّةِ أوَّلَها، وكَثرةِ الهَرْجِ؛ فإنَّها أسبابٌ حادِثةٌ... إلَّا أنَّها في الجُملةِ أعلامٌ لِلسَّاعةِ)
[1789] يُنظر: ((المنهاج في شعب الإيمان)) (1/ 422). .
وقال أيضًا: (هَذِه الأشراطُ قَد ذَكَرَها اللهُ جُملةً في القُرآنِ، فقال:
فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةْ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا، أي: دَنَتْ، وأوَّلُها: النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ لِأنَّه نَبيُّ آخِرِ الزَّمانِ، وقَد بُعِثَ ولَيسَ بينَه وبينَ القيامةِ نَبيٌّ، ثُمَّ بَيَّنَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بما يَليه مِنَ الأشراطِ، فذَكَرَ أن تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَها، ومِنها: تَطاوُلُ النَّاسِ في البُنيانِ، وضَياعُ الحُكْمِ، وشُرْبُ الخَمرِ، ويَكثُرُ الهَرْجُ، وتَتابُعُ الفِتَنِ، وتَظهَرُ المُعازِفُ، ويَكونُ زَعيمُ القَومِ أرذَلُهم، ويُكرَمُ الرَّجُلُ مَخافةَ شَرِّه. وقَد كانَ هَذا كُلُّه، وذَكَرَ قَبْضَ العِلمِ، وقَد بَدَت أوائِلُه، وأمورًا تُهِمُّ، اللهُ تعالى ذَكرَها في قَولِه:
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكِ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ [الأنعام: 158] ، أراد بهذه الآيةِ طُلوعَ الشَّمسِ مِن مَغرِبها... وخُروجُ الدَّجَّالِ، وأنَّ عيسَى عليه السَّلامُ يَنزِلُ... وأنَّ المالَ يَفيضُ في زَمانِه، فلا يَقبَلُه أحَدٌ، ونَطقَ القُرآنُ بخُروجِ الدَّابَّةِ مِنَ الأرضِ، وجاءَ ذِكرُها في الأخبارِ، وكُلُّ ذلك مَقبولٌ عِندَنا، مُصدَّقٌ به)
[1790] يُنظر: ((المنهاج في شعب الإيمان)) (1/341). .
4- قال
أبو عَمْرٍو الدَّاني: (إنَّ الإيمانَ واجِبٌ بما جاءَ عَن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وثَبَتَ بالنَّقلِ الصَّحيحِ، وتَداوَلَ حَمْلَه المُسْلِمونَ مِن ذِكرِ وعيدِ الآخِرةِ، وذِكرِ الطَّوامِّ، و
أشراطِ السَّاعةِ، وعَلاماتِها، واقتِرابها)
[1791] يُنظر: ((الرسالة الوافية لمذهب أهل السنة في الاعتقادات وأصول الديانات)) (ص: 243). .
5- قال
ابنُ قُدامةَ: (يَجِبُ الإيمانُ بكُلِّ ما أخبَرَ به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وصَحَّ به النَّقلُ عَنه فيما شاهَدناه، أو غابَ عَنَّا، نَعلَمُ أنَّه حَقٌّ وصِدْقٌ، وسَواءٌ في ذلك ما عَقَلْناه وجَهِلْناه، ولَم نَطَّلِعْ على حَقيقةِ مَعناه... ومِن ذلك
أشراطُ السَّاعةِ، مِثلُ: خُروجِ الدَّجَّالِ، ونُزولِ عيسَى بنِ مَريَمَ عليه السَّلامُ فيَقتُلُه، وخُروجِ يأجُوجَ ومأجوجَ، وخُروجِ الدَّابَّةِ، وطُلوعِ الشَّمسِ مِن مَغرِبها، وأشباهِ ذلك مِمَّا صَحَّ به النَّقلُ)
[1792] يُنظر: ((لمعة الاعتقاد)) (ص: 28-31). .
6- قال
القُرطُبيُّ: (قال العُلَماءُ رَحمِهمُ اللهُ تعالى: والحِكْمةُ في تَقديمِ الأشراطِ ودَلالةِ النَّاسِ عليها: تَنبيهُ النَّاسِ مِن رَقدَتِهم، وحَثُّهم على الاحتياطِ لِأنفُسِهم بالتَّوبةِ والإنابةِ؛ كَي لا يُباغَتوا بالحَولِ بينَهم وبينَ تَدارُكِ العَوارِضِ مِنهم، فيَنبَغي لِلنَّاسِ أن يَكونوا بَعدَ ظُهورِ
أشراطِ السَّاعةِ قَد نَظَروا لِأنفُسِهم، وانقَطَعوا عَنِ الدُّنيا، واستَعَدُّوا لِلسَّاعةِ المَوعودِ بها. واللهُ أعلَمُ.
وتِلكَ الأشراطُ عَلامةٌ لِانتِهاءِ الدُّنيا وانقِضائِها؛ فمِنها: خُروجُ الدَّجَّالِ، ونُزولُ عيسَى، وقَتلُه الدَّجَّالَ، ومِنها: خُروجُ يأجوجَ ومأجوجَ، ودابَّةِ الأرضِ، ومِنها: طُلوعُ الشَّمسِ مِن مَغرِبها، هَذِه هيَ الآياتُ العِظامُ على ما يأتي بَيانُه، وأمَّا ما يَتَقَدَّمُ هَذِه مِن قَبضِ العِلمِ، وغَلَبةِ الجَهلِ، واستيلاءِ أهلِه وتَتَبُّعِ الحُكْمِ، وظُهورِ المَعازِفِ، واستِفاضةِ شُرب الخُمورِ، واكتِفاءِ النِّساءِ بالنِّساءِ والرِّجالِ بالرِّجالِ، وإطالةِ البُنيانِ، وزَخرَفةِ المَساجِدِ، وإمارةِ الصِّبيانِ، ولَعْنِ آخِرِ هَذِه الأمَّةِ أوَّلَها، وكَثرةِ الهَرْجِ؛ فإنَّها أسبابٌ حادِثةٌ، ورِوايةُ الأخبارِ المُنذِرةِ بها بَعدَما صارَ الخَبَرُ بها عِيانًا تَكَلُّفٌ، لَكِن لا بُدَّ مِن ذِكرِها حَتَّى يُوقَفَ عليها، وتَتَحَقَّقَ بذلك مُعجِزةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وصِدْقُه في كُلِّ ما أخبَرَ به صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)
[1793] يُنظر: ((التذكرة)) (2/ 338). .
7- قال
ابنُ حَجَرِ العَسقَلانيُّ: (وهَذِه المَذكوراتُ وأمثالُها مِمَّا أخبَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأنَّه سَيَقَعُ بَعدُ قَبلَ أن تَقومَ السَّاعةُ، لَكِنَّه على أقسامٍ:
أحَدُها: ما وقَعَ على وَفقِ ما قال.
والثَّاني: ما وقَعَت مَباديه ولَم يَستَحكِمْ.
والثَّالِثُ: ما لَم يَقَع مِنه شَيءٌ، ولَكِنَّه سَيَقَعُ)
[1794] يُنظر: ((فتح الباري)) (13/ 83). .
وقال أيضًا: (الحِكْمةُ في تَقَدُّمِ الأشراطِ إيقاظُ الغافِلينَ وحَثُّهم على التَّوبةِ والاستِعدادِ)
[1795] يُنظر: ((فتح الباري)) (11/ 350). .
8- قال
ابن حجر الهيتمي: (إنَّ لَها أماراتٍ أُخَرَ صِغارًا وعِظامًا؛ كالدَّجالِ، والمَهديِّ، وعيسَى صَلَّى اللهُ على نَبِيِّنا وعليه وسَلَّمَ، ويأجوجَ ومأجوجَ، والدَّابَّةِ، وطُلوعِ الشَّمسِ مِن مَغرِبها، وكَثرةِ الهَرْجِ، وفَيضِ المالِ حَتَّى لا يَقبَلَه أحَدٌ، وانحِسارِ الفرَاتِ عَن جَبَلٍ مِن ذَهَبٍ، وغَيرِ ذلك)
[1796] يُنظر: ((الفتح المبين بشرح الأربعين)) (ص: 184). .
9- قال كَمالُ الدِّين البَياضيُّ: (أشراطٌ جَمعُ شَرَطٍ، بالفتحِ: العَلامةُ، والمُرادُ: عَلاماتُها الدَّالَّةُ على قُربها مِن كَونِ أسعَدِ النَّاسِ بالدُّنيا لُكَعَ ابنِ لُكَع: أي: لَئيمَ بنَ لَئيمٍ، وأن توضَعَ الأخيارُ وتُرفعَ الأشرارُ، وتَمَلُّكِ أهلِ الباديةِ أهلَ الحاضِرةِ بالغَلَبةِ، وتَشييدِهمُ المَباني، وكَثرةِ السَّراريِّ، وعَلاماتُها الدَّالَّةُ على غايةِ قُربها، مِن قيامِ المَهديِّ، وكَثرةِ الهَرجِ، وخُروجِ الدَّجَّالِ، ونُزولِ عيسَى عليه السَّلامُ، وفيضِ المالِ حَتَّى لا يَقبَلَه أحَدٌ، وانحِسارِ الفرَاتِ عَن جَبَلٍ مِن ذَهَبٍ، وخُروجِ دابَّةِ الأرضِ، ويأجوجَ ومأجوجَ، وطُلوعِ الشَّمسِ مِن مَغرِبها، وغَيرِ ذلك مِمَّا بُيِّنَ في الأحاديثِ الصَّحيحةِ)
[1797] يُنظر: ((إشارات المرام من عبارات الإمام أبي حنيفة النعمان)) (ص: 51). .
10- قال
حافِظٌ الحَكَميُّ في شَرحِ مَنظومَتِه (سُلَّم الوُصولِ): («ولَكِنَّنا نُؤمِنُ» ونُصَدِّقُ «مِن غَيرِ امتِرا» مِن غَيرِ شَكٍّ «بكُلِّ ما قَد صَحَّ» سَنَدُه وصَرحَ لَفظُه «عَن خَيرِ الورَى» نَبِيِّنا مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الَّذي لا يَنطِقُ عَنِ الهوى، إنْ هو إلَّا وحيٌ يُوحَى «مِن ذِكرِ آياتٍ» أماراتٍ «تَكونُ» تَقَعُ «قَبلَها» قَبلَ السَّاعةِ «وهيَ» أي: تِلكَ الأماراتُ «عَلاماتٌ» لِمَجيءِ السَّاعةِ وقُربها ودُنُوِّها «وأشراطٌ لَها» أي: لِاقتِرابها. وقَد أشارَ القُرآنُ إلَى قُربها ودُنُوها وكَثيرٍ مِن عَلاماتِها، قال اللهُ تعالى:
أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ [النحل: 1] ، وقال تعالى:
اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ [الأنبياء: 1] الآيات)
[1798] يُنظر: ((معارج القبول)) (2/ 688). .
11- قال
مُحَمَّدُ بنُ إبراهيمَ آل الشَّيخِ: (قَد وُجِدَ مَبادِئُ وأوائِلُ قُربِ السَّاعةِ، فإنَّ نَبيَّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَبيُّ السَّاعةِ، وهو الَّذي تَقومُ السَّاعةُ على أمَّتِه، وبَعدَها تَتابَعَتِ الصِّغارُ الكَثيرةُ جِدًّا، ثُمَّ عَلاماتُها الكِبارُ إلَى الآنَ لَم تأتِ، وغَيرُ بَعيدٍ أن تَقَعَ؛ فإنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أخبَرَ عَن أمورٍ هائِلةٍ، وأمورٍ تُنكِرونَها بطَريقةٍ لا نِسبةَ لَها إلَى ما قَبلُ، كأنَّ الآنَ عالَمٌ، والماضي قَريبًا عالَمٌ آخَرُ)
[1799] يُنظر: ((فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم آل الشيخ)) (1/ 243). .
12- قال ابنُ قاسِمٍ: (ما ورَدَ في النَّصِّ القُرآنيِّ، والحَديثِ النَّبَويِّ مِن
أشراطِ السَّاعةِ يَجِبُ اعتِقادُه، والمَرادُ يَومُ القيامةِ، سُمِّيَ بالسَّاعةِ لِقُربِها، أو لِأنَّها تأتي بَغْتةً في ساعةٍ... فكُلُّ الَّذي أتَى في النَّصِّ مِن
أشراطِ السَّاعةِ حَقٌّ واقِعٌ يَقينٌ، يَجِبُ اعتِقادُه)
[1800] يُنظر: ((حاشية الدرة المضية)) (ص: 77). .
13- قال
ابنُ عُثَيمين: (
أشراطُ السَّاعةِ هيَ العَلاماتُ الدَّالَّةُ على قُربها، وقَد قَسَّمَها العُلَماءُ إلَى ثَلاثةِ أقسامٍ:
القِسمُ الأوَّلُ: أشراطٌ مَضَت وانتَهَت.
القِسمُ الثَّاني: أشراطٌ لَم تَزَلْ تَتَجَدَّدُ وهيَ وسَطٌ.
القِسمُ الثَّالِثُ: أشراطٌ كُبرَى تَكونُ عِندَ قُرب قيامِ السَّاعةِ)
[1801] يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن عثيمين)) (3/ 220). .
وقال أيضًا: (اعلَموا أنَّ ما أخبَرَ به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن
أشراطِ السَّاعةِ وأماراتِها حَقٌّ يَجِبُ اعتِقادُه، وقَد ذَكَرَ لِلسَّاعةِ أشراطًا كَثيرةً؛ مِنها ما مَضَى، ومِنها ما هو حاضِرٌ، ومِنها ما هو مُستَقبَلٌ)
[1802] يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن عثيمين)) (6/ 209). .
وقال بَعدَ أن ذَكَرَ عَدَدًا مِن
أشراطِ السَّاعةِ: (فهَذِه الأشراطُ وأمثالُها مِمَّا جاءَ به كِتابُ اللهِ أو صَحَّ عَن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَجِبُ على المُسلِمينَ أن يُقِرُّوا بها ويَعتَقِدوها وأن يَعتَقِدوا أنَّها حَقٌّ على حَقيقَتِها فلا يُحرِّفوها. أعوذُ باللهِ مِنَ
الشَّيطانِ الرَّجيمِ:
فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا)
[1803] يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن عثيمين)) (6/ 217). .
وقال أيضًا: (ذلك اليَومُ الَّذي تُحشَرونَ فيه إلَى اللهِ حافيةً أقدامُكم، عاريةً أجسامُكم، شاخِصةً أبصارُكُم، ذاهِلةً عُقولُكُم، ولَمَّا كانَ هَذا اليَومُ عَظيمَ الأهوالِ شَديدَ الأحوالِ، قَدَّمَ اللهُ بينَ يَدَيه مِنَ العَلاماتِ والدَّلائِلِ ما يُبَيِّنُ به اقتِرابَه؛ ليُستَعَدَّ لَه ويُحذَرُ عَذابُه)
[1804] يُنظر: ((الضياء اللامع من الخطب الجوامع)) (1/ 61). .
14- قال
ابنُ جبرين: (قال اللهُ تعالى:
فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا. والشَّرَطُ لُغةً: العَلامةُ، والمُرادُ: عَلاماتُ قُربِها، وأعظَمُ أشراطِها: بَعثةُ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فهو آخِرُ الأنبياءِ، وقَد ورَدَ ذِكرُ
أشراطِ السَّاعةِ في الكِتابِ والسُّنَّةِ، فنُصَدِّقُ بها، ولَوِ استَبعَدَها مَن ضَعُفَ يَقينُه... فهَذِه الأشراطُ ونَحوُها نُصَدِّقُ بها، ولَوِ استَبعَدَها أهلُ العُقولِ الفاسِدةِ، وقالوا إنَّها تُخالِفُ بَدَائِهَ العُقولِ؛ فإنَّ الله لا يَخرُجُ شَيءٌ عَن قُدرَتِه)
[1805] يُنظر: ((التعليقات على متن لمعة الاعتقاد)) (ص: 139-141). .