المَطلَبُ الثَّالِثُ: شَفاعةُ المَلائِكةِ
ثبتَ أنَّ المَلائِكةَ يَشفَعونَ إذا أذِنَ اللهُ لهم ورَضِيَ.
ومنَ الأدِلَّةِ على إثباتِ شفاعتِهم:
1- قولُ اللهِ تعالى:
وَكَم مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى [النجم: 26] .
قال
القُرطُبيُّ: (هذا تَوبيخٌ من الله تعالى لمَن عَبدَ المَلائِكةَ والأصنامَ، وزَعَم أنَّ ذلك يُقَرِّبُه إلى اللهِ تعالى، فأعلَمَ أنَّ المَلائِكةَ مَعَ كثرةِ عِبادَتِها وكَرامَتِهم على اللهِ لا تَشفَعُ إلَّا لمَن أذِنَ أن يَشفَعَ له)
[3441] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (17/ 104). .
وقال
ابنُ عُثَيمين: (قَولُه تعالى:
وكَمْ مِنْ مَلَكٍ كم: خَبَريَّةٌ للتَّكثيرِ، والمَعنى: ما أكثَرَ المَلائِكةَ الذينَ في السَّماءِ! ومَعَ ذلك لا تُغني شفاعتُهم شَيئًا إلَّا بَعدَ إذْنِ اللهِ ورِضاه)
[3442] يُنظر: ((القول المفيد)) (1/ 336). .
2- قولُ اللهِ سُبحانَه:
وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ [الأنبياء: 28] .
قال
الشَّوكانيُّ: (
وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارتَضَى أي: يَشفَعُ الشَّافِعونَ له، وهو من رَضِيَ عنه، وقيلَ: هم أهلُ لا إلَه إلَّا اللهُ، وقد ثَبَتَ في الصَّحيحِ أنَّ المَلائِكةَ يَشفَعونَ في الدَّارِ الآخِرةِ.
وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ أي: من خَشيتِهم منه، فالمَصدَرُ مُضافٌ إلى المَفعولِ، والخَشيةُ: الخَوفُ مَعَ التَّعظيمِ، والإشفاقُ: الخَوفُ مَعَ التَّوَقُّعِ والحَذَرِ)
[3443] يُنظر: ((تفسير الشوكاني)) (3/ 478). .
3- عن أبي سَعيدٍ الخُدْريِّ رَضِيَ الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((فيَقولُ اللهُ عزَّ وجَلَّ: شَفَعَتِ المَلائِكةُ، وشَفعَ النُّبيُّونَ، وشَفعَ المُؤمِنونَ، ولَم يَبقَ إلَّا أرحَمُ الرَّاحِمينَ، فيَقبِضُ قَبضةً من النَّارِ فيُخرِجُ منها قَومًا لَم يَعمَلوا خَيرًا قَطُّ قد عادوا حُمَمًا )) [3444] أخرجه مطولًا البخاري (7439)، ومسلم (183) واللَّفظُ له. .
قال
ابنُ عُثَيمين في أنواعِ الشَّفاعةِ: (النَّوعُ الثَّاني: العامَّةُ، وهيَ الشَّفاعةُ فيمَن دَخلَ النَّارَ من المُؤمِنينَ أهلِ الكَبائِرِ أن يَخرُجوا منها بَعدَما احتَرَقوا وصاروا فَحْمًا وحَميمًا... وهذه الشَّفاعةُ تَكونُ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وغَيرِه من الأنبياءِ والمَلائِكةِ والمُؤمِنينَ)
[3445] يُنظر: ((شرح لمعة الاعتقاد)) (ص: 129). .
ومن أقوالِ أهلِ العِلمِ في ذلك:1- قال
ابنُ قُدامةَ: (لسائِرِ الأنبياءِ والمُؤمِنينَ والمَلائِكةِ شفاعاتٌ)
[3446] يُنظر: ((لمعة الاعتقاد)) (ص: 33). .
2- قال ابنُ أبي العِزِّ في ذِكرِ شفاعاتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (النَّوعُ الثَّامِنُ: شفاعتُه في أهلِ الكَبائِرِ من أمَّتِه مِمَّن دَخل النَّارَ، فيَخرُجونَ منها، وقد تَواتَرَت بهذا النَّوعِ الأحاديثُ... وهذه الشَّفاعةُ تُشارِكُه فيها المَلائِكةُ والنَّبيونُ والمُؤمِنونَ أيضًا)
[3447] يُنظر: ((شرح الطحاوية)) (1/ 290). .
3- قال السَّفارينيُّ: (الحاصِلُ أنَّه يَجِبُ أن يُعتَقَدَ أنَّ غَيرَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من سائِرِ الرُّسُلِ والأنبياءِ والمَلائِكةِ والصَّحابةِ والشُّهداءِ والصِّدِّيقينَ والأولياءِ على اختِلافِ مَراتِبِهم ومَقاماتِهم عِندَ رَبهم يَشفَعونَ، وبِقَدرِ جاههم ووَجاهَتِهم يَشفَعونَ؛ لثُبوتِ الأخبارِ بذلك، وتَرادُفِ الآثارِ على ذلك، وهو أمرٌ جائِزٌ غَيرُ مُستَحيلٍ، فيَجِبُ تَصديقُه والقَولُ بموجِبِه لثُبوتِ الدَّليلِ)
[3448] يُنظر: ((لوامع الأنوار البهية)) (2/ 209). .
4- قال
مُحَمَّدُ بنُ عَبدِ الوَهَّابِ: (إنَّ الشَّفاعةَ أُعطِيَها غَيرُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فصحَّ أنَّ المَلائِكةَ يَشفَعونَ والأولياءَ يَشفَعونَ والأفراطَ يَشفَعونَ)
[3449] يُنظر: ((كشف الشبهات)) (ص: 25). .
5- قال
حافِظٌ الحَكَميُّ: (ثُمَّ بَعدَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَشفَعُ من أَذِنَ اللهُ تعالى له من المَلائِكةِ المُقَرَّبينَ والأنبياءِ والمُرسَلينَ والصِّدِّيقينَ والشُّهداءِ والصَّالِحينَ وسائِرِ أولياءِ اللهِ تعالى من المُؤمِنينَ المُتَّقينَ، ويَشفَعُ الأفراطُ؛ كُلٌّ منهم يُكرِمُه اللهُ تعالى على قَدرِ ما هو له أهلٌ)
[3450] يُنظر: ((معارج القبول)) (2/ 902). .
6- قال
ابنُ بازٍ: (قد تَواتَرَتِ الأحاديثُ عن رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ كثيرًا من العُصاةِ يَدخُلونَ النَّارَ بمَعاصيهم، ويُعذَّبونَ فيها على قَدرِ مَعاصيهم.
ثُمَّ بَعدَ التَّطهيرِ والتَّمحيصِ يُخرِجُهمُ اللهُ من النَّارِ؛ بَعضُهم بشفاعةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وبَعضُهم بشفاعةِ غَيرِه من المَلائِكةِ والأنبياءِ والأفراطِ، وبَعضُهم بمُجَرَّدِ عَفوِ اللهِ عنه)
[3451] يُنظر: ((فتاوى نور على الدرب)) (1/ 105). .
7-قال
ابنُ جبرينَ في أنواعِ الشَّفاعةِ: (أمَّا العامَّةُ فهيَ شفاعتُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وشفاعةُ الأنبياءِ والصَّالِحينَ والمَلائِكةِ في أناسٍ دَخَلوا النَّارَ من الموَحِّدينَ أن يَخرُجوا منها، فيَخرُجونَ بَعدَ احتِراقِهم وصيرورَتِهم فَحمًا وحُممًا، أي: سودًا، فيُلقَونَ في نَهرِ الحَياةِ، فيَنبُتونَ نَباتَ الحِبَّةِ في حَميلِ السَّيلِ)
[3452] يُنظر: ((التعليقات على متن لمعة الاعتقاد)) (ص: 155). .