غريب الكلمات:
مُشْفِقُونَ: أي: خائِفونَ حَذِرونَ، وأصلُ (شفق): يدُلُّ على رِقَّةٍ في الشَّيءِ [255] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 285)، ((تفسير ابن جرير)) (16/253)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 444)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/197)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 237)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 294)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 879). .
المعنى الإجمالي:
يقولُ الله تعالى: أمِ اتَّخَذ هؤلاء المُشرِكونَ مِن دون اللهِ آلِهةً؟ قل -يا مُحمَّدُ- لهم: هاتوا ما لديكم مِنَ البُرهانِ على صِحَّةِ ما تَزعُمونَهم آلِهةً؛ فليس في القرآنِ الذي جئتُ به ولا في الكُتُبِ السَّابِقةِ دَليلٌ على ما ذهَبتُم إليه، بل أكثَرُ هؤلاء المُشرِكينَ لا يَعلَمونَ الحَقَّ الذي أنزَلَه الله، فهم مُعرِضونَ عنه مُنكِرونَ له.
وما أرسَلْنا مِن قَبْلِك -يا محمَّدُ- مِن رَسولٍ إلَّا نوحي إليه أنَّه لا مَعبودَ بحَقٍّ إلَّا اللهُ، فأخْلِصوا العبادةَ له وحْدَه.
وقال المُشرِكونَ: اتَّخَذَ الرَّحمنُ الملائِكةَ بناتٍ له! تنزَّه اللهُ عن ذلك؛ فالملائِكةُ عبادُ اللهِ مُقَرَّبونَ عندَه، لا يتكَلَّمونَ إلَّا بما يأمُرُهم الله بقولِه، ويَعمَلونَ بما يأمرُهم به، ويُطيعونَه ولا يُخالِفونَه، وما مِن قولٍ أو فعلٍ لاحِقٍ أو سابِقٍ من أعمالِ الملائكةِ إلَّا يَعلَمُه اللهُ سُبحانَه وتعالى، ويُحصيه عليهم، ولا يتقَدَّمونَ بالشَّفاعةِ إلَّا لِمَن ارتضى اللهُ شفاعَتَهم له، وهم مِن خَوفِ اللهِ حَذِرونَ مِن مُخالفةِ أمْرِه ونَهْيِه. ومَن يدَّعِ مِن الملائِكةِ -على سبيلِ الفَرضِ- أنَّه إلهٌ مِن دونِ اللهِ، فجَزاؤه جهنَّمُ، مِثلَ ذلك الجزاءِ نجزي كُلَّ ظالمٍ مُشرِكٍ.
تفسير الآيات:
أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24).
أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً.
أي: أم [256] قيل: (أم) هنا بمعنى (هل). وممن قال بذلك: القرطبي. يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (11/279). وقيل: بمعنى (بل). وممن قال بذلك: ابن كثير، والشوكاني. يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (5/337)، ((تفسير الشوكاني)) (3/475). وقيل: في هذه الجملةِ محذوفٌ تقديرُه: أرَجَعوا عن ضلالِهم لَمَّا بان لهم غيُّهم فيه، فوَحَّدوا اللهَ أَمِ اتَّخَذُوا ...؟ قاله البِقَاعي. يُنظر: ((نظم الدرر)) (12/405). اتَّخَذ هؤلاء المُشرِكونَ مِن دونِ اللهِ مَعبوداتٍ يَزعُمونَ أنَّها تنفَعُ وتضُرُّ وتخلُقُ وتُحيي وتُميتُ [257] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/248)، ((تفسير القرطبي)) (11/279)، ((تفسير ابن كثير)) (5/337)، ((تفسير الشوكاني)) (3/475). ؟
قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ.
أي: قُلْ -يا مُحمَّدُ- لهم: هاتوا دليلَكم على صِحَّةِ ما تَزعُمونَ أنَّ مع اللهِ آلِهةً أُخرى [258] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/248)، ((تفسير ابن كثير)) (5/337)، ((تفسير السعدي)) (ص: 521). قال السعدي: (ولن يَجِدوا لذلك سبيلًا، بل قد قامت الأدلَّةُ القطعيَّةُ على بطلانِه). ((تفسير السعدي)) (ص: 521). .
هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي.
أي: هذا القُرآنُ الذي أُنزِلَ علَيَّ، وهذه كتُبُ الأنبياءِ المتقَدِّمةُ -كالتَّوراةِ، والإنجيلِ- على خِلافِ ما تَزعُمونَ، فهل وجدْتُم في شَيءٍ منها اتخاذَ آلهةٍ مع اللهِ؟! أم كُلُّها ناطِقةٌ بالتَّوحيدِ آمِرةٌ به [259] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (11/280)، ((مدارج السالكين)) لابن القيم (3/447)، ((تفسير ابن كثير)) (5/337)، ((تفسير السعدي)) (ص: 521). ؟
كما قال تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [البينة: 5] .
بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ.
مُناسَبتُها لما قَبلَها:
لَمَّا ذكَرَ سُبحانَه وتعالى دليلَ التَّوحيدِ وطالَبَهم بالدَّلالةِ على ما ادَّعَوه، وبَيَّنَ أنَّه لا دليلَ لهم البتَّةَ عليه لا مِن جِهةِ العَقلِ ولا مِن جِهةِ السَّمعِ؛ ذكَرَ بَعدَه أنَّ وُقوعَهم في هذا المذهَبِ الباطِلِ ليس لأجْلِ دَليلٍ ساقهم إليه، بل ذلك لأنَّ عِندَهم ما هو أصلُ الشَّرِّ والفسادِ كُلِّه، وهو عَدَمُ العِلمِ، ثمَّ ترَتَّبَ على عَدَمِ العِلمِ الإعراضُ عن استِماعِ الحَقِّ وطَلَبِه [260] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (22/134). .
بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ.
أي: بل أكثَرُ هؤلاء المُشرِكينَ لا يَعلَمونَ الحَقَّ الذي أنزَلَه الله؛ فهم مُعرِضونَ عنه، فلا يتفَكَّرونَ فيه، ولا يُؤمِنونَ به ويتَّبِعونَه [261] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/249)، ((الوسيط)) للواحدي (3/235)، ((تفسير ابن عطية)) (4/78)، ((تفسير أبي حيان)) (7/422)، ((تفسير السعدي)) (ص: 521). قيل: الإعراضُ هنا مسبَّبٌ عن انتفاءِ العلمِ، فلمَّا فقدوا التمييزَ بينَ الحقِّ والباطلِ أعرضوا عن الحقِّ. وهذا المعنى هو ظاهرُ كلامِ ابنِ جريرٍ، وهو قولُ ابنِ تيميَّةَ، واستظهره أبو حيَّان. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/249)، ((تفسير آيات أشكلت على كثير من العلماء)) لابن تيمية (1/291)، ((تفسير أبي حيان)) (7/422). وقيل بعكس ذلك؛ أنَّ الإعراضَ هنا كان سببًا في انتفاءِ العلمِ، أي: لا يعلمون؛ لأنَّهم مُعرِضونَ. وممَّن قال بذلك: ابن عطية، والسعدي. يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (4/78)، ((تفسير السعدي)) (ص: 521). قال البقاعي: (ولَمَّا كانوا لا يَجِدونَ شُبهةً لذلك فضلًا عن حُجَّةٍ، اقتضى الحالُ الإعراضَ عنهم غَضَبًا، فكان كأنَّه قيل: لا يَجِدونَ لِشَيءٍ من ذلك بُرهانًا، بَلْ أَكْثَرُهُمْ أي: هؤلاء المدعُوِّينَ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ، بل هم جَهَلةٌ، والجَهلُ أصلُ الشَّرِّ والفسادِ؛ فهم يكفُرونَ تَقليدًا، فَهُمْ أي: فتسَبَّبَ عن جَهلِهم ما افتَتَحْنا به السورةَ مِن أنَّهم مُعْرِضُونَ عن ذِكركِ وذِكرِ مَن قَبلَك؛ غفلةً منهم عما يُرادُ بهم، وفعلًا باللَّعِبِ فِعْلَ القاصِرِ عن درجةِ العَقلِ، وبعضُهم معاندٌ مع علمِه الحَقَّ، وبعضُهم يعلَمُ فيفهَمُ، كما أفهَمَه التقييدُ بالأكثَرِ). ((نظم الدرر)) (12/406، 407). .
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25).
أي: وما أرسَلْنا مِن قَبْلِك -يا مُحمَّدُ- مِن رَسولٍ إلى أمَّةٍ مِن الأُمَمِ إلَّا نُوحي إليه أنَّه لا مَعبودَ بحَقٍّ إلَّا أنا، فوحِّدوني، وأخْلِصُوا العِبادةَ لي [262] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/249)، ((تفسير السمرقندي)) (2/424)، ((تفسير البغوي)) (3/286)، ((تفسير القرطبي)) (11/280). قال ابن عطية: (هذه عَقيدةٌ لم تختَلِفْ فيها النبُوَّاتُ، وإنَّما اختلفت في الأحكامِ). ((تفسير ابن عطية)) (4/79). .
كما قال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل: 36] .
وقال عزَّ وجلَّ: وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آَلِهَةً يُعْبَدُونَ [الزخرف: 45] .
وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لَمَّا بيَّنَ اللهُ سُبحانَه وتعالى بالدَّلائِلِ الباهرةِ كَونَه مُنَزَّهًا عن الشَّريكِ والضِّدِّ والنِّدِّ؛ أردَفَ ذلك ببراءتِه عن اتِّخاذِ الوَلَدِ [263] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (22/134). .
وأيضًا لَمَّا نفَى اللهُ تعالى مُطلَقَ الشَّريكِ عَقلًا ونَقلًا، فانتفَى بذلك كلُّ فَردٍ يُطلَقُ عليه هذا الاسمُ؛ عَجِبَ تعالى مِن ادِّعاءِ المُشرِكينَ الشَّرِكةَ المقَيَّدةَ بالوَلَدِ [264] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/407). .
وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا.
أي: وقال المُشرِكونَ: اتخذَ الرَّحمنُ الملائِكةَ بناتٍ له [265] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/250)، ((تفسير ابن كثير)) (5/338)، ((تفسير الشوكاني)) (3/477، 478)، ((تفسير السعدي)) (ص: 522). قال الشوكاني: (يصِحُّ حَملُ الآيةِ على كلِّ من جعل لله ولدًا، وقد قالت اليهودُ: عزيرٌ ابنُ الله، وقالت النصارى: المسيحُ ابنُ الله، وقالت طائفةٌ من العرب: الملائكةُ بناتُ الله). ((تفسير الشوكاني)) (3/477، 478). !
سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ.
أي: تنزيهًا لله أن تكونَ الملائِكةُ بَناتٍ له؛ فليس الأمرُ كما وَصَفوا، بل الملائِكةُ عِبادٌ لله، خاضِعونَ له، مُشَرَّفونَ مُقرَّبونَ عندَه [266] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/250)، ((تفسير القرطبي)) (11/281)، ((تفسير النسفي)) (2/400)، ((تفسير ابن كثير)) (5/338)، ((تفسير السعدي)) (ص: 522). .
لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27).
لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ.
أي: لا يتكَلَّمونَ إلَّا بما يأمُرُهم اللهُ بقَولِه، ولا يقولونَ شيئًا لم يأذَنْ لهم به [267] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/251)، ((تفسير القرطبي)) (11/281)، ((تفسير ابن كثير)) (5/338)، ((تفسير السعدي)) (ص: 522)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/138). .
وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ.
أي: والملائِكةُ يَعمَلونَ بما يأمُرُهم اللهُ به، ويطيعونَه ولا يُخالِفونَه [268] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/251)، ((تفسير السمعاني)) (3/376)، ((تفسير القرطبي)) (11/281)، ((تفسير السعدي)) (ص: 522). .
كما قال تعالى: وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [النحل: 50] .
يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
أنَّ اللهَ سُبحانَه ذكَرَ ما يجري مَجرى السَّبَبِ لطاعةِ الملائكةِ، فقال: يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ، والمعنى: أنَّهم لَمَّا عَلِموا كَوْنَه سُبحانَه عالِمًا بجَميعِ المعلوماتِ، عَلِموا كَوْنَه عالِمًا بظَواهِرِهم هم وبواطِنِهم، فكان ذلك داعيًا لهم إلى نهايةِ الخُضوعِ، وكَمالِ العُبوديَّةِ [269] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (22/135). .
يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ.
أي: يعلَمُ اللهُ ما سيَعمَلُه الملائِكةُ مِن أقوالٍ وأفعالٍ فيما يَستَقبِلونَه، ويَعلَمُ ما مضى مِمَّا عَمِلوه؛ فلا خُروجَ لهم عن عِلمِه، كما لا خُروجَ لهم عن أمْرِه وتَدبيرِه [270] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/252)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (12/409)، ((تفسير السعدي)) (ص: 522). قال ابن عثيمين: (قال تعالى: يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ أي: المستقبلَ وَمَا خَلْفَهُمْ أي: الماضيَ. وقد قيل بعكسِ هذا القولِ، ولكنَّه بعيدٌ؛ فاللفظُ لا يساعدُ عليه). ((تفسير ابن عثيمين- سورة الفاتحة والبقرة)) (3/253). قال ابن عاشور: (قيلَ: المستقبلُ هو ما بينَ الأيدي، والماضي هو الخلفُ، وقيلَ: عكسُ ذلك، وهما استعمالانِ مبنِيَّانِ على اختلافِ الاعتبارِ في تمثيلِ ما بينَ الأيدي والخلفِ، لأنَّ ما بينَ أيدي المرءِ هو أمامَه، فهو يستقبِلُه ويُشاهِدُه ويسعَى للوصولِ إليه، وما خلفَه هو ما وراءَ ظهرِه، فهو قد تَخَلَّف عنه وانقَطَع ولا يُشاهِدُه، وقد تجاوَزه ولا يتَّصِلُ به بعدُ. وقيلَ: أمورُ الدُّنيا وأمورُ الآخرةِ، وهو فرعٌ مِن الماضي والمستقبلِ. وقيلَ: المحسوساتُ والمعقولاتُ. وأيًّا ما كانَ ... المقصودُ عمومُ العلمِ بسائرِ الكائناتِ). ((تفسير ابن عاشور)) (3/22). .
وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى.
أي: ولا يَشفَعُ الملائِكةُ [271] قال القرطبي: (والملائِكةُ يَشفَعونَ غَدًا في الآخرةِ، كما في صحيحِ مُسلمٍ وغَيرِه، وفي الدُّنيا أيضًا؛ فإنَّهم يَستَغفِرونَ للمؤمنينَ ولِمَن في الأرض، كما نصَّ عليه التنزيلُ). ((تفسير القرطبي)) (11/281). وقال ابن جُزَي: (يحتمِلُ أن تكونَ هذه الشَّفاعةُ في الآخرةِ، أو في الدنيا وهي استغفارُهم لِمَن في الأرضِ). ((تفسير ابن جزي)) (2/21). إلَّا لِمَن ارتَضى اللهُ الشَّفاعةَ له [272] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (4/79)، ((تفسير القرطبي)) (11/281)، ((تفسير السعدي)) (ص: 522)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/51). .
كما قال تعالى: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى [النجم: 26] .
وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ.
أي: والملائِكةُ لأجْلِ خَوفِهم مِن اللهِ حَذِرونَ مِن أن يعصُوه، فيَحِلَّ بهم غَضَبُه وعِقابُه [273] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/253)، ((تفسير القرطبي)) (11/281)، ((تفسير السعدي)) (ص: 522)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/51، 52). .
كما قال تعالى: يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ [النحل: 50] .
وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
أنَّه بعد أن وصَفَ اللهُ تعالى كرامةَ الملائِكةِ عليه وأثنَى عليهم، وأضاف إليهم تلك الأفعالَ السَّنِيَّةَ؛ فجاء بالوَعيدِ الشَّديدِ، وأنذر بعذابِ جَهنَّمَ مَن ادَّعى منهم أنَّه إلهٌ [274] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/423). .
وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ.
أي: ومَن يَقُلْ مِن الملائِكةِ -على سَبيلِ الفَرضِ: إنِّي إلهٌ معبودٌ من دونِ اللهِ؛ فسنُعاقِبُه بإدخالِه جهنَّمَ [275] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/253)، ((تفسير السعدي)) (ص: 522)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/52). .
كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ.
أي: كما نجزي مَن قال مِن الملائكةِ: إنِّي إلهٌ مِن دونِ اللهِ -على فرضِ وقوعِه- نَجزي أيضًا كلَّ من ظلَمَ نفسَه بوَضْعِه العبادةَ في غيرِ مَوضِعها، فأشرك باللهِ وعبَدَ غَيرَه [276] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (16/253)، ((تفسير القرطبي)) (11/282)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/52). .
الفوائد التربوية :
1- لا يَنْبغي لعاقلٍ أنْ يتعرَّضَ لعلمِ ما لم يُعلِمْنا اللهُ ورسولُه، ويتضِحْ معقولُه ومنقولُه، وإلى ذلك الإشارةُ بقولِه تعالَى: قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي [277] يُنظر: ((إيثار الحق على الخلق)) لابن الوزير (ص: 11). .
2- في قولِه تعالى: بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ أنَّ كمالَ المخلوقِ في تحقيقِ عبوديتِه لله تعالى، وكلَّما ازداد العبدُ تحقيقًا للعبوديةِ ازداد كمالُه، وعلَتْ درجتُه، ومَن توهَّم أنَّ المخلوقَ يخرجُ عن العبوديةِ بوجهٍ مِن الوجوهِ، وأنَّ الخروجَ عنها أكملُ؛ فهو مِن أجهلِ الخلقِ وأضلِّهم [278] يُنظر: ((شرح الطحاوية)) لابن أبي العز الحنفي (ص: 108). .
3- قال الله تعالى عن الملائِكةِ: عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى والصَّادِرُ عنهم إمَّا قَولٌ وإمَّا عمَلٌ؛ فالقَولُ لا يَسبِقونَه به، بل لا يقولونَ حتى يقولَ، ولا يَشفَعونَ إلَّا لِمَن ارتضَى، وعلينا أن نكونَ معه ومع رسُلِه هكذا؛ فلا نقولُ في الدِّينِ حتى يقولَ، ولا نتقَدَّمُ بين يَدَيِ اللهِ ورَسولِه، ولا نَعبُدُه إلَّا بما أمرَ، وأعلَى مِن هذا ألَّا نعمَلَ إلَّا بما أمَرَ، فلا تكونُ أعمالُنا إلَّا واجِبةً أو مُستَحَبَّةً [279] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (8/169). .
الفوائد العلمية واللطائف:
1- قال تعالى: قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي هذه الآيةُ دالَّةٌ على أنَّ كُتُبَ اللهِ لا تَخْلو مِن البراهينِ المحتاجِ اليها في أمرِ الدِّينِ، فلا يجوزُ خُلُوُّ كتبِ الله تعالى وسننِ أنبيائِه عن أمرٍ كبيرٍ مِن مهمَّاتِ الدينِ العقليةِ، وكذلك قولُه تعالى: وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [النحل: 64] ؛ فثبَت أنَّ ما خلَتْ عنه كتبُ الله تعالى فليس مِن مهمَّاتِ الدينِ، وأنَّ زيادتَه في الدينِ محرَّمةٌ [280] يُنظر: ((إيثار الحق على الخلق)) لابن الوزير (ص:11، 104). .
2- أكثَرُ إعراضِ الخَلقِ عن الحَقِّ مِن عَدَمِ مَعرفةِ الحَقِّ، كما قال الله تعالى: بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ [281] يُنظر: ((تفسير آيات أشكلت على كثير من العلماء)) لابن تيمية (1/291). . وذلك على أحدِ القولين في معنَى الآيةِ.
3- في قولِه تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ أنَّ المقصودَ الأعظمَ مِن بعثتِه صلَّى الله عليه وسلَّم -بل مِن بعثةِ الرسلِ مِن قبلِه- هو أن يُعبَدَ اللهُ وحْدَه لا شريكَ له، وقال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل: 36] ، بل هذا هو المقصودُ مِن خَلقِ الخلقِ وإيجادِهم، كما قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [282] يُنظر: ((الحكم الجديرة بالإذاعة)) لابن رجب (ص: 12). [الذاريات: 56].
4- في قوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ أنَّ دينَ الأنبياءِ واحدٌ، وهنا سؤالٌ عن الجمعِ معَ قولِه تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا [المائدة: 48] ؟
الجواب: أنَّ الشِّرعةَ العمليةَ تختلفُ باختلافِ الأممِ أو الأماكنِ والأزمنةِ، وأمَّا أصلُ الدِّينِ فواحدٌ، قال تعالى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ [283] يُنظر: ((القول المفيد على كتاب التوحيد)) لابن عثيمين (1/50). [الشورى: 13] .
5- قال الله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ في هذه الآيةِ إظهارٌ لعِنايةِ اللهِ تعالى بإزالةِ الشِّركِ مِن نُفوسِ البَشَرِ وقَطعِ دابِرِه؛ إصلاحًا لِعُقولِهم بأن يُزالَ منها أفظَعُ خَطَلٍ، وأسخَفُ رأيٍ، ولم تَقطَعْ دابِرَ الشِّركِ شَريعةٌ كما قَطَعه الإسلامُ [284] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/49). .
6- قولُه تعالى: أَنَا في قولِه: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ وقولُه تعالى: هُوَ في قولِه: لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [آل عمران: 2] كلاهما ضميرُ رفعٍ منفصلٍ، وكما أنَّ الذاكرَ لا يجعلُ «أنا» اسمًا لله؛ فلا يجوزُ أن يجعلَ «هو» اسمًا لله! وبهذا نعرفُ بطلانَ ذكرِ الصوفيةِ الذين يذكرونَ الله بلفظِ: «هو، هو»، ويرونَ أنَّ هذا الذكرَ أفضلُ الأذكارِ! وهو ذكرٌ باطلٌ [285] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - سورة آل عمران)) (1/7). .
7- قَولُ الله تعالى: وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ يدلُّ على أنَّ المِلكيةَ والوِلادةَ لا يجتمعانِ [286] يُنظر: ((الإكليل)) للسيوطي (ص: 179). ، وقد جرَت العادةُ في القرآنِ بأنَّ الله يرُدُّ على الكفرةِ في ادِّعاءِ الولدِ بأنَّه مالكُ كلِّ شيءٍ، وأنَّ الخلقَ عبيدُه؛ لأنَّ العبدَ لا يمكنُ أن يكونَ ولدًا! ومِن هذه الآياتِ القرآنيةِ أخَذ العلماءُ أنَّ الإنسانَ إذا ملَك ولدَه -بأنْ تزوَّج أَمَةً لغيرِه، وكان ولدُه رقيقًا واشتراه- أنَّه يعتقُ عليه بنفْسِ الملكِ، ولا يمكنُ أن يملكَه؛ لأنَّ الملكيةَ والولديةَ متنافيانِ [287] يُنظر: ((العذب النمير)) للشنقيطي (2/36). .
8- في قوله تعالى: بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ أنَّ إبليسَ اللعينَ لمَّا كان قد عصَى اللهَ ما أمَره؛ دلَّ على أنَّه ليس مِن العبادِ المكرَمينَ، الذين هم الملائكةُ [288] يُنظر: ((العذب النمير)) للشنقيطي (3/116). .
9- تكاليفُ الشريعةِ بعضُها مبنيَّةٌ على النصوصِ، وبعضُها على الاستنباطِ، أما تكاليفُ الملائكةِ فمبنيَّةٌ على النصوصِ؛ قال تعالى: لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ [289] يُنظر: ((الحبائك في أخبار الملائك)) للسيوطي (ص: 208). .
10- في قولِه تعالى: لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ دليلٌ على كمالِ طاعةِ الملائكةِ وانقيادِهم [290] يُنظر: ((تفسير الشوكاني)) (3/478). .
11- قَولُ الله تعالى: لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يدُلُّ على أنَّ الملائِكةَ معصومونَ؛ لأنَّه قال: وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ [291] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (22/136). .
12- الملائكةُ لا يفعلونَ ما يكونُ مِن جنسِ المباحاتِ والمنهيَّاتِ! بل لا يفعلونَ إلَّا ما هو مِن الطاعاتِ؛ قال تعالى: لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ [292] يُنظر: ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (6/459). .
13- في قولِه تعالى: لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ أنَّ الملائكةَ موكَّلونَ بأعمالٍ يقومونَ بها، كما أمَر الله تعالى بها [293] يُنظر: ((التعليقات المختصرة على متن العقيدة الطحاوية)) للفوزان (ص: 128). .
14- قَولُ الله تعالى: وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى هذه الآيةُ مِن أدِلَّةِ إثباتِ الشَّفاعةِ، وأنَّ الملائِكةَ يَشفَعونَ [294] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 521). .
15- قال الله تعالى: وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى بيَّنَ أنَّهم لا يَشفَعونَ إلَّا لِمَن ارتضَى الربُّ، فعُلِمَ أنَّه لا بُدَّ أن يُؤْذَنَ لهم فيمَن يَشفَعونَ فيه، وأنَّهم لا يُؤذَنُ لهم إذْنٌ مُطلَقٌ [295] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (14/404). .
16- قولُه تعالى: وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى، وكذا قولُه: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة: 255] - لا يردُ عليه شفاعةُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في أبي طالبٍ؛ لأنَّها ليست شفاعةً في خروجِه مِن النارِ؛ بل هي شفاعةٌ في تخفيفِ العذابِ عنه [296] يُنظر: ((شرح العقيدة الطحاوية)) للبراك (ص: 157). .
17- في قولِه تعالى: وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ أنَّ الخوفَ ليس موقوفًا على ظنِّ الخائفِ أنَّ الله يعذِّبُه في الآخرةِ، ولا على تجويزِه لذلك؛ فإنَّ الملائكةَ والأنبياءَ قد أمِنوا مِن الموتِ على الكفرِ؛ وهم مع ذلك أخوفُ الخلقِ لله [297] يُنظر: ((العواصم والقواصم)) لابن الوزير (2/273). .
18- قَولُه تعالى: وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ * وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ذَكَرَ هذا الوعيدَ في الملائكةِ وخَصَّهم بالذِّكرِ؛ تَنبيهًا على أنَّ دعوى الإلهيَّةِ لا تجوزُ لأحدٍ مِن المخلوقينَ: لا ملَكٍ ولا غَيرِه، وأنَّه لو قُدِّرَ وقوعُ ذلك مِن مَلَكٍ مِن الملائكةِ، لكان جزاؤه جهنَّمَ، فكيف مَن دُونَهم [298] يُنظر: ((الاستغاثة)) لابن تيمية (ص: 233). ؟!
19- قَولُ الله تعالى: لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ * وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ هذه الآياتُ تدُلُّ على كَونِ الملائِكةِ مُكَلَّفينَ، مِن حَيثُ قال: لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ، وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ، ومن حيثُ الوَعيدُ [299] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (22/136). قال السفاريني: (الكتابُ والسُّنةُ ظاهرُهما تكليفُ الملائكةِ). ((لوامع الأنوار البهية)) (2/410). وقال الأشقر: (إنَّ الملائِكةَ لَيسُوا بمُكلَّفينَ بالتَّكاليفِ نَفْسِها التي كُلِّفَ بها أبناءُ آدَمَ، أمَّا القَولُ بعَدَمِ تكليفِهم مُطلَقًا، فهو قولٌ مَردودٌ؛ فهم مأمورونَ بالعبادةِ والطَّاعةِ). ((عالم الملائكة الأبرار)) (ص: 29). .
20- قال الله تعالى: وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ هذا دَليلٌ على أنَّ الملائِكةَ وإن أُكرِموا بالعِصمةِ، فهم مُتَعَبَّدونَ، وليسوا مُضْطَرِّينَ إلى العبادةِ [300] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (11/282). .
21- قَولُه تعالى في هذه الآيةِ الكَريمةِ: وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ دليلٌ قاطِعٌ على أنَّ حُقوقَ الله الخالِصةَ له مِن جَميعِ أنواعِ العبادةِ لا يجوزُ أن يُصرَفَ شَيءٌ منها لأحَدٍ، ولو مَلَكًا مُقَرَّبًا، أو نبيًّا مُرسَلًا [301] يُنظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/140). .
بلاغة الآيات:
1- قوله تعالى: أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ
- قولُه: أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً كرَّرَه استعظامًا لكُفْرِهم، واستفظاعًا لأمْرِهم، وتَبكيتًا وإظهارًا لجَهْلِهم، أو ضَمًّا لإنكارِ ما يكونُ لهم سَندًا من النَّقلِ إلى إنكارِ ما يكونُ لهم دليلًا منَ العقلِ، على معنى: أوجَدوا آلِهةً يُنشِرونَ الموتى، فاتَّخَذوهم آلهةً لمَّا وَجَدوا فيهم من خواصِّ الأُلوهيَّةِ، أو وَجَدوا في الكُتبِ الإِلهيَّةِ الأمْرَ بإشراكِهم، فاتَّخَذوهم مُتابعةً للأمرِ؟! ويُعضِّدُ ذلك أنَّه رَتَّبَ على الأوَّلِ ما يدُلُّ على فَسادِهِ عَقْلًا، وعلى الثَّاني ما يدُلُّ على فَسادِه نَقْلًا [302] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/111)، ((تفسير البيضاوي)) (4/49)، ((تفسير أبي حيان)) (7/421)، ((تفسير أبي السعود)) (6/62). .
- وهو تأكيدٌ لجُملةِ أَمِ اتَّخَذُوا آَلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ [الأنبياء: 21] ؛ أكَّدَ ذلك الإضرابَ الانتقاليَّ بمثْلِه؛ استعظامًا لِفَظاعتِه، وليُبْنى عليه استدلالٌ آخَرُ [303] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/46). . وزاد في هذا التَّوبيخِ قولَه: مِنْ دُونِهِ؛ فكأنَّه وبَّخَهم على قَصْدِ الكُفْرِ باللهِ عَزَّ وجَلَّ، ثمَّ دعاهمْ إلى الإتيانِ بالحُجَّةِ على ما اتَّخَذوا، ولا حُجَّةَ تقومُ على أنَّ للهِ تعالى شَريكًا؛ لا من جِهَةِ العقْلِ، ولا مِن جِهَةِ النَّقلِ [304] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/421). .
- قولُه: قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ، أي: قُلْ لهم بطَريقِ التَّبكيتِ وإلْقامِ الحجَرِ. وفي إضافةِ البُرهانِ إلى ضَميرِهم -إشعارًا بأنَّ لهم بُرهانًا- ضَرْبٌ من التَّهكُّمِ بهم [305] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/62). .
- قولُه: هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي فيه تَبكيتٌ لهم مُتضمِّنٌ لإثباتِ نَقيضِ مُدَّعاهم [306] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/62). . والإشارةُ في قولِه: هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ إلى مُقدَّرٍ في الذِّهْنِ يُفسِّرُه الخبَرُ. والمقصودُ من الإشارةِ تَمييزُه وإعلانُه بحيث لا يَستطيعُ المُخاطَبُ المُغالَطةَ فيه ولا في مَضمونِه [307] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/47). .
- قولُه: بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ إضْرابٌ من جِهَتِه تعالى غيرُ داخِلٍ في الكلامِ المُلقَّنِ، وانتقالٌ من الأمْرِ بتَبكيتِهم بمُطالَبةِ البُرهانِ إلى بَيانِ أنَّه لا يَنجَحُ فيهم المُحاجَّةُ بإظهارِ حَقِّيَّةِ الحقِّ، وبُطلانِ الباطلِ. وإنَّما أسنَدَ هذا الحُكْمَ إلى أكثرِهم لا لجَميعِهم؛ تَسجيلًا عليهم بأنَّ قليلًا منهم يَعْلمون الحقَّ ويَجْحَدونه، أو إيماءً إلى أنَّ قليلًا منهم تهيَّأَت نُفوسُهم لقَبولِ الحقِّ [308] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/63)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/48). .
2- قولُه تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ الجُملةُ استئنافٌ مُقرِّرٌ لِما أُجْمِلَ فيما قبْلَه، مِن كونِ التَّوحيدِ ممَّا نطقَتْ به الكُتبُ الإلهيَّةُ، وأجْمَعَتْ عليه الرُّسلُ عليهم السَّلامُ. وصِيغَةُ المُضارِعِ نُوحِي لحِكايةِ الحالِ الماضيةِ؛ استحضارًا لصُورةِ الوحيِ [309] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/111)، ((تفسير أبي السعود)) (6/63). .
- وحَرْفُ (مِن) في قولِه: مِنْ رَسُولٍ مَزيدٌ؛ لتَوكيدِ النَّفيِ [310] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/49). .
- وفي قولِه: إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ فرَّعَ فيما أُوحِيَ إليهم أمْرَه إيَّاهم بعِبادتِه على الإعلانِ بأنَّه لا إلهَ غيرُه؛ فكان استحقاقُ العِبادةِ خاصًّا به تعالى [311] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/49). .
3- قوله تعالى: وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ
- قولُه: وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا حِكايةٌ لجِنايةِ فَريقٍ من المُشرِكينَ؛ جِيءَ بها لإظهارِ بُطلانِها، وبَيانِ تَنزُّهِه تعالى عن ذلك إثْرَ بَيانِ تَنزُّهِه سُبحانه عن الشُّركاءِ على الإطلاقِ. والتَّعرُّضُ لعُنوانِ الرَّحمانيَّةِ المُنْبئةِ عن كونِ جَميعِ ما سِواهُ تعالى مَرْبوبًا له تعالى نِعمةً أو مُنْعَمًا عليه؛ لإبرازِ كَمالِ شَناعةِ مَقالتِهم الباطلةِ [312] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/63). .
- قولُه: بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ فيه إضرابٌ وإبطالٌ لِما قالوهُ [313] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/422)، ((تفسير أبي السعود)) (6/63). ، وأعقَبَ حَرْفَ الإضرابِ عن قولِهم بالإخبارِ بأنَّهم عِبادٌ دونَ ذِكْرِ المُبتدأِ؛ للعِلْمِ به. والتَّقديرُ: بلِ الملائكةُ عِبادٌ مُكْرَمونَ [314] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/50). .
- وفي قولِه: مُكْرَمُونَ تَنبيهٌ على منشَأِ غلَطِ القومِ [315] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/49)، ((تفسير أبي السعود)) (6/63). .
4- قوله تعالى: لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ
- قولُه: لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ صِفَةٌ أُخْرى لـ عِبَادٌ، مُنْبِئةٌ عن كَمالِ طاعتِهم وانقيادِهم لأمْرِه تعالى؛ وأصْلُه: لا يَسبِقُ قولُهم قولَه تعالى؛ فأسنَدَ السَّبقَ إليهم مَنسوبًا إليه تعالى، تَنزيلًا لسَبْقِ قولِهم قولَه تعالى مَنزلةَ سَبْقِهم إيَّاهُ تعالى؛ لمَزيدِ تَنزيهِهم عن ذلك، وللتَّنبيهِ على غايةِ استهجانِ السَّبقِ المُعرَّضِ به للَّذينَ يَقولون ما لا يَقولُه اللهُ تعالى. وجعَلَ القولَ مَحَلًّا للسَّبقِ وأداةً له، ثُمَّ أُنِيبَت (أل) عن الإضافةِ في قولِه: بِالْقَوْلِ؛ للاختصارِ والتَّجافي عنِ التَّكرارِ، وفيه مَزيدُ استهجانٍ للسَّبْقِ، وإشعارٌ بأنَّ مَن سبَقَ قولُه قولَه تعالى، فقد تَصدَّى لِمُغالَبتِه تعالى في السَّبقِ، فسبَقَه فغلَبَه والعياذُ باللهِ تعالى، وزِيادةُ تَنزيهٍ لهم عمَّا نُفِيَ عنهم ببَيانِ أنَّ ذلك عندَهم بمَنزلةِ الغَلبةِ بعْدَ المُغالَبةِ، فأنَّى يُتوهَّمُ صُدورُه عنهم [316] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/49)، ((تفسير أبي السعود)) (6/63، 64). ؟!
- وأيضًا نفْيُ السَّبْقِ في قولِه: لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ كِنايةٌ عنِ التَّعظيمِ والتَّوقيرِ [317] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/50). .
- قولُه: وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ بَيانٌ لتَبعيَّتِهم له تعالى في الأعمالِ إثْرَ بَيانِ تَبعيَّتِهم له تعالى في الأقوالِ؛ فالقصْرُ المُستفادُ من تَقديمِ الجارِّ بِأَمْرِهِ مُعْتبَرٌ بالنِّسبةِ إلى غيرِ أمْرِه، لا إلى أمْرِ غيرِه [318] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/63، 64)، ((تفسير ابن عاشور)) (17/51). .
5- قوله تعالى: يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ
- قولُه: يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ استئنافٌ وقَعَ تَعليلًا لِما قبْلَه، وتَمهيدًا لِما بعْدَه؛ فإنَّهم لإحاطتِهم بذلك يَضْبِطون أنفُسَهم، ويُراقِبون أحوالَهم [319] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/49)، ((تفسير أبي السعود)) (6/64). .
- قولُه: وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى فيه تَخصيصٌ لبعْضِ ما شمَلَه لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ بالذِّكْرِ؛ اهتمامًا بشأْنِه؛ لأنَّه ممَّا كَفَروا بسبَبِه؛ إذ جَعَلوا الآلِهةَ شُفعاءَ لهم عندَ اللهِ [320] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/51). .
- قولُه: وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ فيه تَقريرٌ لِزِيادةِ تَعظيمِهم رَبَّهم، أي: هم يُعظِّمونَه تَعظيمَ مَن يَخافُ بَطْشَتَه، ويَحذرُ مُخالَفةَ أمْرِه. و(مِن) في قولِه: مِنْ خَشْيَتِهِ للتَّعليلِ، أي: وهمْ لأجْلِ خَشْيَتِه، أي: خَشْيَتِهم إيَّاه [321] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/51). .
- وأيضًا قولُه: وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ تَتميمٌ في غايةِ الحُسْنِ لضَبْطِ أنفُسِهم، ورِعايةِ أحوالِهم كلِّها سابِقِها ولاحِقِها [322] يُنظر: ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (10/331). .
6- قولُه تعالى: وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ فيه مُفاجأةُ مَنِ ادَّعَى منهم أنَّه إلهٌ بالوعيدِ الشَّديدِ، وإنذارِه بعَذابِ جهنَّمَ، وذلك على سَبيلِ العرْضِ والتَّمثيلِ؛ وقُصِدَ بذلك تَفظيعُ أمْرِ الشِّرْكِ، وتَعظيمُ شأْنِ التَّوحيدِ [323] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/113)، ((تفسير أبي حيان)) (7/423). ، وفيه تَهديدُ المُشرِكينَ بتَهديدِ مُدَّعِي الرُّبوبيَّةِ [324] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/50). . وفيه تَعريضٌ بالَّذين ادَّعَوا لهم الإلهيَّةَ بأنَّهم ادَّعَوا لهم ما لا يَرْضَونه ولا يَقولونَه، وأنَّهم ادَّعَوا ما يُوجِبُ لقائلِه نارَ جهنَّمَ [325] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/52). .
- وعدَلَ عن (إنْ) الشَّرطيَّةِ إلى (مَن) الشَّرطيةِ؛ للدَّلالةِ على العُمومِ معَ الإيجازِ، وأُدْخِلَ اسمُ الإشارةِ (ذلك) في جَوابِ الشَّرطِ؛ لتَحقيقِ التَّعليقِ بنِسْبَتِه الشَّرطَ لأداتِه؛ للدَّلالةِ على جَدارةِ مَضمونِ الجزاءِ بمَن ثبَتَ له مَضمونُ الشَّرْطِ [326] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (17/52). .
- قولُه: كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (كذلك) مَصدرٌ تَشبيهيٌّ مُؤكِّدٌ لمَضمونِ ما قبْلَه، والقصْرُ المُستفادُ مِن التَّقديمِ مُعتبَرٌ بالنِّسبةِ إلى النُّقصانِ دونَ الزِّيادةِ، أي: لا جَزاءً أنقَصَ منه [327] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/64). .