المَبحَثُ الأوَّلُ: كُلُّ أمَّةٍ تَتبَعُ الإلهَ الذي كانت تَعبُدُه
في خِتامِ يَومِ القيامةِ يُساقُ العِبادُ إمَّا إلى الجَنَّةِ أو إلى النَّارِ، وقد أخبَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه يُطلَبُ من كُلِّ أمَّةٍ في آخِرِ ذلك اليَومِ أن تَتبَعَ الإلهَ الذي كانت تَعبُدُه.
عن أبي سَعيدٍ الخُدْريِّ رَضِيَ الله عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((إذا كان يَومُ القيامةِ أذَّنَ مُؤَذِّنٌ ليَتبَعْ كُلُّ أمَّةٍ ما كانت تَعْبُدُ، فلا يَبقى أحَدٌ كان يَعْبُدُ غَيرَ الله سُبحانَه من الأصنامِ والأنصابِ إلَّا يَتَساقَطونَ في النَّارِ، حَتَّى إذا لَم يَبقَ إلَّا من كان يَعبُدُ اللهَ مِن بَرٍّ وفاجِرٍ وغُبَّرِ أهلِ الكِتابِ، فيُدعى اليَهودُ، فيُقالُ لهم: ما كُنتُم تَعْبُدونَ؟ قالوا: كُنَّا نَعبُدُ عُزَيرَ ابنَ اللهِ، فيُقالُ: كذَبتُم ما اتَّخَذَ اللهُ من صاحِبةٍ ولا وَلَدٍ، فماذا تَبْغونَ؟ قالوا: عَطِشْنا يا رَبَّنا، فاسْقِنا، فيُشارُ إليهم ألَا تَرِدونَ؟ فيُحشَرونَ إلى النَّارِ كأنَّها سَرابٌ يَحطِمُ بَعضُها بَعضًا، فيَتَساقَطونَ في النَّارِ، ثُمَّ يُدعى النَّصارى، فيُقالُ لهم: ما كُنتُم تَعْبُدونَ؟ قالوا: كُنَّا نَعبُدُ المَسيحَ ابنَ اللهِ، فيُقالُ لهم، كذَبتُم ما اتَّخَذَ اللهُ من صاحِبةٍ ولا وَلَدٍ، فيُقالُ لهم: ماذا تَبغُونَ؟ فيَقولونَ: عَطِشْنا يا رَبَّنا، فاسْقِنا، قال: فيُشارُ إليهم ألَا تَرِدونَ؟ فيُحشَرونَ إلى جَهنَّمَ كأنَّها سَرابٌ يَحطِمُ بَعضُها بَعضًا، فيَتَساقَطونَ في النَّارِ حَتَّى إذا لَم يَبقَ إلَّا من كان يَعبُدُ اللهَ تعالى من بَرٍّ وفاجِرٍ أتاهُمْ رَبُّ العالَمينَ سُبحانَه وتعالى في أدنى صورةٍ من التي رَأوه فيها، قال: فما تَنتَظِرونَ؟ تَتبَعُ كُلُّ أمَّةٍ ما كانت تَعْبُدُ، قالوا: يا رَبَّنا، فارَقْنا النَّاسَ في الدُّنيا أفقَرَ ما كُنَّا إليهم، ولَم نُصاحِبْهم، فيَقولُ: أنا رَبُّكم، فيَقولونَ: نَعوذُ باللهِ مِنك لا نُشرِكُ باللهِ شَيئًا مَرَّتينِ أو ثَلاثًا، حَتَّى إنَّ بَعضَهم ليَكادُ أن يَنقَلِبَ، فيَقولُ: هَل بينَكم وبينَه آيةٌ فتَعرِفونَه بها؟ فيَقولونَ: نَعَم، فيُكشَفُ عن ساقٍ فلا يَبقى من كان يَسجُدُ لله من تِلقاءِ نَفسِه إلَّا أذِنَ اللهُ له بالسُّجودِ، ولا يَبقى من كان يَسجُدُ اتِّقاءً ورِياءً إلَّا جَعَلَ اللهُ ظَهرَه طَبَقةً واحِدةً، كُلَّما أرادَ أن يَسجُدَ خَرَّ على قَفاهُ، ثُمَّ يَرفَعونَ رُءوسَهم وقد تَحَوَّلَ في صورَتِه التي رَأوه فيها أوَّلَ مَرَّةٍ، فقال: أنا رَبُّكم، فيَقولونَ: أنتَ رَبُّنا، ثُمَّ يُضرَبُ الجِسرُ على جَهَنَّمَ، وتَحِلُّ الشَّفاعةُ، ويَقولونَ: اللهمُ سَلِّمْ، سَلِّمْ )) قيلَ: يا رَسولَ اللهِ، وما الجِسرُ؟ قال:
((دَحضٌ مَزِلةٌ، فيه خَطاطيفُ وكَلاليبُ وحَسَكٌ تَكونُ بنَجْدٍ فيها شُوَيكةٌ يُقالُ لها السَّعدانُ، فيَمُرُّ المُؤمِنونَ كطَرْفِ العينِ، وكالبَرقِ، وكالرِّيحِ، وكالطَّيرِ، وكَأجاويدِ الخَيلِ والرِّكابِ، فناجٍ مُسَلَّمٌ، ومَخدوشٌ مُرسَلٌ، ومَكدوسٌ في نارِ جَهنَّمَ)) [3935] أخرجه البخاري (7439)، ومسلم (183) مطولًا واللَّفظُ له. .
قال أبو العَبَّاسِ القُرطُبيُّ: (قَولُه:
((أذَّن مُؤَذِّنٌ)) أي: نادى مُنادٍ برَفيعِ صَوتِه؛ كي يَعلَمَ أهلُ المَوقِفِ. والأنصابُ: جَمعُ نَصبٍ بفَتحِ النُّونِ، وهو ما يُنصَبُ من حِجارةٍ أو غَيرِها ليُعبَدَ من دونِ الله تعالى، والأصنامُ: جَمعُ صَنَمٍ، وهو ما كان مُصَوَّرًا اتُّخِذَ ليُعبَدَ. ويُقالُ عليه: وَثَنٌ وأوثانٌ)
[3936] يُنظر: ((المفهم)) (1/ 444). .
قال النَّوَويُّ: (
((حَتَّى إذا لَم يَبقَ إلَّا من كان يَعْبُدُ اللهَ تعالى من بَرٍّ وفاجِرٍ وغُبَّرِ أهلِ الكِتابِ)) أمَّا البَرُّ فهو المُطيعُ، وأمَّا غُبَّرُ فبِضَمِّ الغينِ المُعَجَمةِ وفَتحِ الباءِ الموَحَّدةِ المُشَدَّدةِ، ومَعناه: بَقاياهمُ، جَمعُ غابِرٍ. قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((فيُحشَرونَ إلى النَّارِ كأنَّها سَرابٌ يَحطِمُ بَعضُها بَعضًا)) أمَّا السَّرابُ فهو الذي يَتَراءى للنَّاسِ في الأرضِ القَفرِ والقاعِ المُستَوي وسَطَ النَّهارِ في الحَرِّ الشَّديدِ لامِعًا مِثلَ الماءِ يَحسَبُه الظَّمَآنُ ماءً حَتَّى إذا جاءَهَ لَم يَجِدْه شَيئًا، فالكُفَّارُ يَأتون جَهَنَّمَ -أعاذَنا اللهُ الكَريمُ وسائِرُ المُسلِمينَ منها ومن كُلِّ مَكروهٍ- وهم عِطاشٌ فيَحسَبونَها ماءً، فيَتَساقَطونَ فيها، وأمَّا يَحطِمُ بَعضُها بَعضًا فمَعناه لشِدَّةِ اتِّقادِها وتَلاطُمِ أمواجِ لهبِها، والحَطْمُ: الكَسْرُ والإهلاكُ، والحُطَمةُ: اسمٌ من أسماءِ النَّارِ؛ لكَونِها تَحطِمُ ما يُلقى فيها... قَولُه
((قالوا: رَبَّنا فارَقْنا النَّاسَ في الدُّنيا أفقَرَ ما كُنَّا إليهم ولَم نُصاحِبْهم)) مَعنى قَولِهمُ التَّضَرُّعُ إلى الله تعالى في كشفِ هذه الشِّدَّةِ عنهم، وأنَّهم لزِموا طاعَتَه سُبحانَه وتعالى وفارَقوا في الدُّنيا النَّاسَ الذينَ زاغوا عن طاعَتِه سُبحانَه من قَراباتِهم وغَيرِهم مِمَّن كانوا يَحتاجونَ في مَعايشِهم ومَصالِحِ دُنياهم إلى مُعاشَرَتِهم للِارتِفاقِ بهم، وهذا كما جَرى للصَّحابةِ المُهاجِرينَ وغَيرِهم ومن أشبَهَهم من المُؤمِنينَ في جَميعِ الأزمانِ؛ فإنَّهم يُقاطِعونَ من حادَّ اللهَ ورَسولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَعَ حاجَتِهم في مَعايشِهم إلى الِارتِفاقِ بهم والِاعتِضادِ بمُخالَطَتِهم، فآثَروا رِضا اللهِ تعالى على ذلك، وهذا مَعنًى ظاهرٌ في هذا الحَديثِ، لا شَكَّ في حُسْنِه... قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((حَتَّى إنَّ بَعضَهم ليَكادُ أن يَنقَلِبَ))... مَعناه -واللهُ أعلَمُ- يَنقَلِبُ عن الصَّوابِ ويَرجِعُ عنه للِامتِحانِ الشَّديدِ الذي جَرى، واللهُ أعلَمُ….قال
الخَطابيُّ -رَحِمَه اللهُ- وهذه الرُّؤيةُ التي في هذا المَقامِ يَومَ القيامةِ غَيرُ الرُّؤيةِ التي في الجَنَّةِ لكَرامةِ أولياءِ اللهِ تعالى، وإنَّما هذه للِامتِحانِ. واللهُ أعلَمُ. قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((فلا يَبقى من كان يَسجُدُ لله من تِلقاءِ نَفسِه إلَّا أذِنَ اللهُ له بالسُّجودِ، ولا يَبقى من كان يَسجُدُ اتِّقاءً ورِياءً إلَّا جَعَلَ اللهُ ظَهرَه طَبَقةً واحِدةً)) هذا السُّجودُ امتِحانٌ من الله تعالى لعِبادِه...
وأمَّا قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
((طَبَقةً)) فبِفَتحِ الطَّاءِ والباءِ، قال
الهَرَويُّ وغَيرُه: الطَّبَقُ فقَارُ الظَّهرِ، أي: صارَ فَقارةً واحِدةً كالصَّحيفةِ، فلا يَقْدِرُ على السُّجودِ. واللهُ أعلَمُ. ثُمَّ اعلَمْ أنَّ هذا الحَديثَ قد يُتَوَهَّمُ منه أنَّ المُنافِقينَ يَرَونَ اللهَ تعالى مَعَ المُؤمِنينَ... بَل لا يَراه المُنافِقونَ بإجماعِ مَن يُعتَدُّ به من عُلَماءِ المُسلِمينَ، وليس في هذا الحَديثِ تَصريحٌ برُؤيَتِهم اللهَ تعالى، وإنَّما فيه أنَّ الجَمعَ الذي فيه المُؤمِنونَ والمُنافِقونَ يَرَونُ الصُّورةَ، ثُمَّ بَعدَ ذلك يَرَونَ اللهَ تعالى، وهذا لا يَقتَضي أن يَراه جَميعُهم، وقد قامَت دَلائِلُ الكِتابِ والسُّنَّةِ على أنَّ المُنافِقَ لا يَراه سُبحانَه وتعالى. واللهُ أعلَمُ. قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((يَرفَعونَ رُؤوسَهم وقد تَحَوَّلَ في صورَتِه)) هَكَذا ضَبَطْناه: صورَتِه، بالهاءِ في آخِرِها، ووَقَعَ في أكثَرِ الأصولِ أو كثيرٍ منها: في صورةٍ بغَيرِ هاءٍ، وكَذا هو في الجَمعِ بينَ الصَّحيحينِ للحُمَيديِّ، والأوَّلُ أظهَرُ، وهو المَوجودُ في الجَمعِ بينَ الصَّحيحينِ للحافِظِ عَبدِ الحَقِّ، ومَعناه: قد أزالَ المانِعَ لهم من رُؤيَتِه وتَجلَّى لهم. قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((ثُمَّ يُضرَبُ الجِسرُ على جَهَنَّمَ وتَحِلُّ الشَّفاعةُ)) الجِسرُ بفَتحِ الجيمِ وكَسْرِها لغَتانِ مَشهورَتانِ وهو الصِّراطُ، ومَعنى: تَحِلُّ الشَّفاعةُ -بكَسرِ الحاءِ وقيلَ بضَمِّها- أي: تَقَعُ ويُؤذَنُ فيها)
[3937] يُنظر: ((شرح مسلم)) (3/ 26-29). .
وسُئِلَ
جابِرُ بنُ عَبدِ اللهِ عن الوُرودِ، فقال:
((... تُدعى الأمَمُ بأوثانِها وما كانت تَعبُدُ الأوَّلُ فالأوَّلُ، ثُمَّ يَأتينا رَبُّنا بَعدَ ذلك فيَقولُ: مَن تَنظُرونَ؟ فيَقولونَ: نَنظُرُ رَبَّنا. فيَقولُ: أنا رَبُّكم. فيَقولونَ: حَتَّى نَنظُرَ إليك، فيَتَجَلَّى لهم يَضحَكُ قال: فيَنطَلِقُ بهم ويَتْبَعونَه ويُعطى كُلُّ إنسانٍ منهم -مُنافِقٌ أو مُؤمِنٌ- نُورًا، ثُمَّ يَتبَعونَه وعلى جِسرِ جَهَنَّمَ كَلاليبُ وحَسَكٌ تَأخُذُ من شاءَ اللهُ، ثُمَّ يُطفَأُ نُورُ المُنافِقينَ، ثُمَّ يَنجو المُؤمِنونَ، فتَنجو أوَّلُ زُمرةٍ وُجوهُهم كالقَمَرِ لَيلةَ البَدرِ سَبعونَ ألفًا لا يُحاسَبونَ، ثُمَّ الذينَ يَلُونَهم كأضوَأِ نَجمٍ في السَّماءِ )) [3938] أخرجه مسلم (191) مطولًا. .
قال عِياضٌ: (قَولُه في هذا الحَديثِ:
((ويُعطى كُلُّ إنسانٍ منهم مُؤمِنٌ أو مُنافِقٌ نُورًا))، ذاك بظاهرِ إيمانِهم ودُخولِهم في جُملَتِهم كما كانوا في الدُّنيا، وكَما حُشِروا غُرًّا مُحَجَّلينَ مَعَهم، حَتَّى فضحَهمُ اللهُ بإطفاءِ نُورِهم على الصِّراطِ، وسُقوطِهم في نارِ جَهَنَّمَ، وصَدِّهم عن الحَوضِ وتَصييرِهم ذاتَ الشِّمالِ)
[3939] يُنظر: ((إكمال المعلم)) (1/ 570). .
وعن أبي هُريرةَ رَضِيَ الله عنه أنَّ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال في إجابَتِه للصَّحابةِ عِندَما سَألوه عن رُؤيَتِهم اللهَ:
((هَل تُضارونَ في القَمَرِ لَيلةَ البَدرِ ليس دونَه سَحابٌ؟ قالوا: لا يا رَسولَ اللهِ. قال: فإنَّكم تَرَونَه يَومَ القيامةِ كذلك، يَجمَعُ اللهُ النَّاسَ، فيَقولُ: مَن كان يعْبُدُ شَيئًا فليَتبَعْه، فيَتبَعُ من كان يَعبُدُ الشَّمسَ، ويَتبَعُ من كان يَعبُدُ القَمَرَ، ويَتبَعُ من كان يَعبُدُ الطَّواغيتَ، وتَبقى هذه الأمَّةُ فيها مُنافِقوها، فيَأتيهمُ اللهُ في غَيرِ الصُّورةِ التي يَعرِفونَ، فيَقولُ: أنا رَبُّكم، فيَقولونَ: نَعوذُ باللهِ مِنك، هذا مَكانُنا حَتَّى يَأتيَنا رَبُّنا، فإذا أتانا رَبُّنا عَرَفْناه، فيَأتيهمُ اللهُ في الصُّورةِ التي يَعرِفونَ، فيَقولُ: أنا رَبُّكم، فيَقولونَ: أنتَ رَبُّنا، فيَتبَعونَه، ويُضرَبُ جِسرُ جَهَنَّمَ، قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: فأكونُ أوَّلَ مَن يُجيزُ، ودُعاءُ الرُّسُلِ يومَئِذٍ: اللهمُ سَلِّمْ سَلِّمْ، وبِه كَلاليبُ مِثلُ شَوكِ السَّعدانِ، أمَا رَأيتُم شَوكَ السَّعدانِ؟ قالوا: بلى يا رَسولَ اللهِ، قال: فإنَّها مِثلُ شَوكِ السَّعدانِ، غَيرَ أنَّها لا يَعلَمُ قَدْرَ عِظَمِها إلَّا اللهُ، فتَخطِفُ النَّاسَ بأعمالِهم، منهمُ الموبَقُ بعَمَلِه، ومنهمُ المُخرْدَلُ ثُمَّ يَنْجو )) [3940] أخرجه مطولًا البخاري (6573) واللَّفظُ له، ومسلم (182). .
قال
الخَطَّابيُّ: (يَجِبُ أن يُعلَمَ أنَّ الرُّؤيةَ التي هيَ ثَوابُ الأولياءِ وكَرامةٌ لهم في الجَنةِ غَيرُ هذه الرُّؤيةِ المَذكورةِ في مَقامِهم يَومَ القيامةِ؛ لأنَّ في خَبرِ صُهيبٍ: أنَّ أهلَ الجَنَّةِ إذا دَخَلوا الجَنَّةَ نادى مُنادٍ: ألَا إنَّ لَكم عِندَ اللهِ مَوعِدًا؟ فيَقولونَ: ألم يُبَيِّضْ وُجوهَنا، ألم يُنجِنا من النَّارِ، ألم يُدخِلْنا الجَنَّةَ، فيَتَجَلَّى لهمُ الرَّبُّ تَبارَك وتعالى، فيَرَونَه. الحَديث
[3941] أخرجه مسلم (181) باختلافٍ يسيرٍ . وإنَّما تَعريضُهم لهذه الرُّؤيةِ امتِحانٌ من الله عزَّ وجَلَّ لهم يَقَعُ به التَّمييزُ بينَ من عَبدَ اللهَ تعالى وبينَ من عَبدَ الشَّمسَ والقَمَرَ والطَّواغيتَ، فيَتبَعُ كُلٌّ من الفَريقينِ مَعبودَه، وليس يُنكَرُ أن يَكونَ الِامتِحانُ إذ ذاك يُعَدُّ قائِمًا، وحُكمُه على الخَلقِ جاريًا، حَتَّى يُفرَغَ من الحِسابِ ويَقَعَ الجَزاءُ بما يَستَحِقُّونَه من الثَّوابِ والعِقابِ، ثُمَّ يَنقَطِعُ إذا حَقَّتِ الحَقائِقُ واستَقَرَّت أمورُ العِبَادِ قَرارَتَها ... ويُشبِه أن يَكونَ -واللهُ أعلَمُ- إنَّما حَجَبَهم عن تَحقيقِ الرُّؤيةِ في الكَرَّةِ الأُولى حَتَّى قالوا: هذا مَكانُنا حَتَّى يَأتيَنا رَبُّنا، من أجلِ من مَعَهم من المُنافِقينَ الذينَ لا يَستَحِقُّونَ الرُّؤيةَ وهم عِندَ رَبِّهم مَحجوبونَ، فلَمَّا تَمَيَّزوا عنهمُ ارتَفَعَ الحُجُبُ فقالوا عِندَما رَأوه: أنتَ رَبُّنا، وقد يُحتَمَلُ أن يَكونَ ذلك قَولَ المُنافِقينَ دونَ المُؤمِنينَ، وهذا وإن لَم يَكُن مَذكورًا في الحَديثِ، فالمَعنى يُرشِدُ إليه والفَحوى تَدُلُّ عليه)
[3942] يُنظر: ((أعلام الحديث)) (1/ 523-525). .
وقال أبو العَبَّاسِ القُرطُبيُّ: (الطَّواغيتُ جَمعُ طاغوتٍ، وهو الكاهِنُ والشَّيطانُ، وكُلُّ رَأسٍ في الضَّلالِ، والمُرادُ به في الحَديثِ الأصنامُ. ويَكونُ واحِدًا، كقَولِه تعالى:
يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ [النساء: 60] ، وقد يَكونُ جَمعًا، كقَولِه تعالى:
أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ... قَولُه: (وتَبقَى هذه الأمَّةُ فيها مُنافِقوها)، ظَنَّ المُنافِقونَ أن تَسَتُّرَهمَ بالمُؤمِنينَ في الآخِرةِ يَنفَعُهم ويُنجيهم كما نَفعَهم في الدُّنيا، جَهلًا منهم بأنَّ اللهَ تعالى عالِمٌ بهم، ومُطَّلِعٌ على ضَمائِرِهم. وهذا كما قد أقسَمَت طائِفةٌ من المُشرِكينَ أنَّهم ما كانوا مُشرِكينَ، تَوهُّمًا منهم أنَّ ذلك يُنجيهم. ويُحتَمَلُ أن يَكونَ حَشرُهم مَعَ المُسلِمينَ لِما كانوا يَظهرونَه من الإسلامِ، فحُفِظَ عليهم ذلك، حَتَّى يَمِيزَ اللهُ الخَبيثَ من الطَّيِّبِ. ويُحتَمَلُ أنَّه لَمَّا قيلَ: تَتبَعُ كُلُّ أمَّةٍ ما كانت تَعْبُدُ، فاتَّبَعَ النَّاسُ مَعبوداتِهم، ولَم يَكونوا عَبدوا شَيئًا، فبَقُوا هنالِك حَتَّى مُيِّزوا مِمَّن كان يَعْبُدُ اللهَ.
وقَولُه:
((فيَأتيهمُ اللهُ في صورةٍ غَيرِ صورَتِه التي يَعرِفونَ)) هذا المَقامَ مَقامٌ هائِلٌ يَمتَحِنُ اللهُ تعالى فيه عِبادَه؛ ليَمِيزَ المُحِقَّ من المُبطِلِ، وذلك أنَّه لَمَّا بَقِيَ المُنافِقونَ والمُراؤونُ مُتَلَبِّسينَ بالمُؤمِنينَ والمُخلِصينَ، زاعِمينَ أنَّهم منهم، وأنَّهم عَمِلوا مِثلَ أعمالِهم وعَرَفوا اللهَ مِثلَ مَعرِفَتِهم، امتَحَنَهمُ اللهُ بأن أتاهم بصورةٍ هائِلةٍ قالت للجَميعِ: أنا رَبُّكم، فأجابَ المُؤمِنونَ بإنكارِ ذلك، والتَّعَوُّذِ منه؛ لِما قد سَبَقَ لهم من مَعرِفَتِهم باللهِ تعالى، وأنَّه مُنَزَّهٌ عن صِفاتِ هذه الصُّورةِ)
[3943] يُنظر: ((المفهم)) (1/ 416). .
وقال
ابنُ رَجَبٍ: (في الحَديثِ دَليلٌ على أنَّ المُشرِكينَ الذينَ كانوا يَعبُدونَ في الدُّنيا من دونِ الله آلِهةً يَتبَعونَ آلِهَتَهمُ التي كانوا يَعبُدونَ يَومَ القيامةِ، فيَرِدَنَّهمُ النَّارَ، كما قال تعالى في حَقِّ فِرعونَ:
يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأْوَرْدَهُمُ النَّارَ [هود: 98] . ويَبقى من كان يَعبُدُ اللهَ وَحْدَه ظاهرًا، مُؤمِنًا كان أو مُنافِقًا، فهؤلاء يَنظُرونَ مَن كانوا يَعبُدونَه في الدُّنيا، وهو اللهُ وَحْدَه لا شَريكَ له.
ففي هذا الحَديثِ: أنَّ اللهَ يَأتيهم أوَّلَ مَرَّةٍ فلا يَعرِفونَه، ثُمَّ يَأتيهم في المَرَّةِ الثَّانيةِ فيَعرِفونَه... وقد دَلَّ القُرآنُ على ما دَلَّ عليه هذا الحَديثُ في مَواضِعَ، كقَولِه:
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ [البقرة: 210] ، وقال:
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ [الأنعام: 158] ، وقال:
وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر: 22] . ولَم يَتَأوَّلِ الصَّحابةُ ولا التَّابِعونُ شَيئًا من ذلك، ولا أخرَجوه عن مَدلولِه، بَل رُوِيَ عنهم ما يَدُلُّ على تَقريرِه والإيمانِ به وإمرارِه كما جاءَ... وأصحابُنا في هذا على ثَلاثِ فِرَقٍ:
فمنهم مَن يُثبِتُ المَجيءَ والإتيانَ، ويُصَرِّحُ بلوازِمِ ذلك في المَخلوقاتِ، ورَبَّما ذَكروه عن
أحمَدَ من وُجوهٍ لا تَصِحُّ أسانيدُها عنه.
ومنهم مَن يَتَأوَّلُ ذلك على مَجيءِ أمرِه.
ومنهم مَن يُقِرِّ ذلك، ويُمِرُّه كما جاءَ، ولا يُفَسِّرُه، ويَقولُ: هو مَجيءٌ وإتيانٌ يَليقُ بجَلالِ اللهِ وعَظَمَتِه سُبحانَه.
وهذا هو الصَّحيحُ عن
أحمَدَ، ومن قَبلَه من السَّلَفِ، وهو قَولُ
إسحاقَ وغَيرِه من الأئِمَّةِ.
وكان السَّلَفُ يَنسُبونَ تَأويلَ هذه الآياتِ والأحاديثِ الصَّحيحةِ إلى
الجَهْميَّةِ؛ لأنَّ جَهمًا وأصحابَه أوَّلُ مَنِ اشتَهرَ عنهم أنَّ اللهَ تعالى مُنَزَّهٌ عَمَّا دَلَّتْ عليه هذه النُّصوصُ بأدِلَّةِ العُقولِ التي سَمَّوها أدِلَّةً قَطعيَّةً هيَ المُحْكَماتُ، وجَعَلوا ألفاظَ الكِتابِ والسُّنَّةِ هيَ المُتَشابِهاتِ، فعَرضوا ما فيها على تلك الخيالاتِ، فقَبِلوا ما دَلَّتْ على ثُبوتِه بزَعمِهم، ورَدُّوا ما دَلَّتْ على نَفيه بزَعمِهم، ووافَقَهم على ذلك سائِرُ طَوائِفِ أهلِ الكَلامِ من
المُعتَزِلةِ وغَيرِهم.
وزَعموا أنَّ ظاهرَ ما يَدُلُّ عليه الكِتابُ والسُّنَّةُ تَشبيهٌ وتَجسيمٌ وضَلالٌ، واشتَقُّوا من ذلك لِمَن آمَنَ بما أنزَلَ اللهُ على رَسولِه أسماءً ما أنزَلَ اللهُ بها من سُلطانٍ، بَل هيَ افتِراءٌ على اللهِ، يُنفِّرونَ بها عن الإيمانِ باللهِ ورَسولِه.
وزَعموا أنَّ ما ورَدَ في الكِتابِ والسُّنَّةِ من ذلك -مَعَ كثرَتِه وانتِشارِه- من بابِ التَّوَسُّعِ والتَّجَوُّزِ، وأنَّه يُحمَلُ على مَجازاتِ اللُّغةِ المُستَبعَدةِ، وهذا من أعظَمِ أبوابِ القَدْحِ في الشَّريعةِ المُحكَمةِ المُطهَّرةِ، وهو من جِنسِ حَملِ الباطِنيَّةِ نُصوصَ الإخبارِ عن الغُيوبِ كالمَعادِ والجَنةِ والنَّارِ على التَّوَسُّعِ والمَجازِ دونَ الحَقيقةِ، وحَملِهم نُصوصَ الأمرِ والنَّهيِ على مِثلِ ذلك، وهذا كُلُّه مُروقٌ عن دينِ الإسلامِ. ولَم يَنْهَ عُلَماءُ السَّلَفِ الصَّالِحِ وأئِمَّةُ الإسلامِ، ك
الشَّافِعيِّ و
أحمَدَ وغَيرِهما، عن الكَلامِ وحَذَّروا عنه إلَّا خَوفًا من الوُقوعِ في مِثلِ ذلك، ولَو عِلمَ هؤلاء الأئِمَّةُ أنَّ حَملَ النُّصوصِ على ظاهرِها كُفرٌ لوَجَبَ عليهم تَبيينُ ذلك وتَحذيرُ الأمَّةِ منه؛ فإنَّ ذلك من تَمامِ نَصيحةِ المُسلِمينَ، فكَيفَ كان يَنصَحونَ الأمَّةَ فيما يَتَعَلَّقُ بالأحكامِ العَمَليَّةِ ويَدَعُونَ نَصيحَتَهم فيما يَتَعَلَّقُ بأصولِ الِاعتِقاداتِ؟ هذا من أبطَلِ الباطِلِ ... فتَبَيَّنَ بذلك أنَّ النَّهيَ عن الكَلامِ إجماعٌ من جَميعِ أئِمَّةِ الدِّينِ مِن المُتَقَدِّمينَ من الفُقهاءِ وأهلِ الحَديثِ والصُّوفيَّةِ، وأنَّه قَولُ
أبي حَنيفةَ و
مالِكٍ و
الشَّافِعيِّ و
أحمَدَ و
إسحاقَ وأبي عُبَيدٍ وغَيرِهم من أئِمَّةِ المُسلِمينَ. ومن جُملةِ صِفاتِ الله التي نُؤمِنُ بها، وتُمَرُّ كما جاءَت عِندَهم: قَولُه تعالى:
وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر: 22] ، ونَحوُ ذلك مِمَّا دَلَّ على إتيانِه ومَجيئِه يَومَ القيامةِ . وقد نَصَّ على ذلك
أحمَدُ و
إسحاقُ وغَيرُهما. وعِندَهما أنَّ ذلك من أفعالِ الله الِاختياريَّةِ التي يَفعَلُها بمَشيئَتِه واختيارِه)
[3944] يُنظر: ((فتح الباري)) (5/ 96-102). .
وقال
ابنُ رَجَبٍ أيضًا: (اعلَمْ أنَّ النَّاسَ مُنقَسِمونَ إلى مُؤمِنٍ يعْبُدُ اللهَ وحدَه ولا يُشرِكُ به شَيئًا، ومُشرِكٌ يَعبُدُ مَعَ الله غَيرَه، فأمَّا المُشرِكونَ فإنَّهم لا يَمُرُّونَ على الصِّراطِ إنَّما يَقَعونَ في النَّارِ قَبلَ وضعِ الصِّراطِ، ويَدُلُّ على ذلك ما في الصَّحيحينِ عن أبي هُريرةَ عن النَّبيِّ صَلى الله عليه وآلِه وسَلَّمَ قال:
((يَجْمَعُ اللهُ النَّاسَ يَومَ القيامةِ، فيَقولُ: مَن كان يعْبُدُ شَيئًا فليَتبَعْه، فيَتبَعُ الشَّمسَ مَن يَعبُدُها، ويَتبَعُ القَمَرَ مَن يعْبُدُ القَمَرَ، ويَتبَعُ الطَّواغيتَ مَن يَعبُدُ الطَّواغيتَ، وتَبقَى هذه الأمَّةُ فيها مُنافِقوها))، فذَكَرَ الحَديثَ إلى أن قال:
((ويُضرَبُ الصِّراطُ بينَ ظَهْرانَيْ جَهَنَّمَ، فأكونُ أنا وأمَّتي أوَّلَ مَن يُجيزُه )) [3945] أخرجه البخاري (6573)، ومسلم (182) باختلافٍ يسيرٍ مطولًا ... كُلُّ من أظهَرَ عِبادةَ شَيءٍ سِوى الله، كالمَسيحِ وعُزَيرٍ مِن أهلِ الكِتابِ، فإنَّه يَلحَقُ بالمُشرِكينَ في الوُقوعِ في النَّارِ قَبلَ نَصبِ الصِّراطِ، إلَّا أنَّ عِبادَ الأصنامِ والشَّمسِ والقَمَرِ وغَيرِ ذلك من المُشرِكينَ تَتبَعُ كُلُّ فِرقةٍ منهم ما كانت تَعْبُدُ في الدُّنيا، فتَرِدُ النَّارَ مَعَ مَعبودِها أوَّلًا، وقد دَلَّ القُرآنُ على هذا المَعنى، في قَولِه تعالى في شَأنِ فِرعَونَ:
يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ [هود: 98] .
وأمَّا من عَبدَ المَسيحَ والعُزَيرَ مِن أهلِ الكِتابِ، فإنَّهم يَتَخَلَّفونَ مَعَ أهلِ المِلَلِ المُنتَسِبينَ إلى الأنبياءِ، ثُمَّ يَرِدونَ في النَّارِ بَعدَ ذلك.
وقد ورَدَ في حَديثٍ آخَرَ أنَّ من كان يعْبُدُ المَسيحَ، يُمَثَّلُ له شَيطانُ المَسيحِ فيَتبَعونَه، وكَذلك من كان يعْبُدُ العُزيرَ
[3946] لفظ الحديث: عن عبدِ اللهِ بن مسعود عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((يجمع اللهُ الأوَّلين والآخِرين لميقات يوم معلوم.. ثم ينادي منادٍ: أيُّها الناسُ.. فلينطلق كلُّ قوم إلى ما كانوا يعبدون في الدنيا، قال: فينطلقون ويمثَّلُ لهم أشياءُ ما كانوا يعبدون، فمنهم من ينطلق إلى الشمس، ومنهم من ينطلق إلى القمر، وإلى الأوثان من الحجارة وأشباه ما كانوا يعبدون، قال: ويمثَّلُ لِمن كان يعبد عيسى شيطانُ عيسى، ويمثَّلُ لمن كان يعبد عُزَيرًا شيطانُ عُزيرٍ، ويبقى محمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأمَّتُه..)). أخرجه مطولًا الآجري في ((الشريعة)) (610)، والطبراني (9/417) (9763) واللَّفظُ له، والحاكم (8751). صحَّحه الحاكم، والألباني في ((صحيح الترغيب)) (3591)، وحسَّنه الذهبي في ((العرش)) (76)، وابن القيم في ((حادي الأرواح)) (262)، ووثق رجاله شعيب الأرناؤوط في تخريج ((العواصم والقواصم)) (5/143)، وذكر ابن خزيمة في ((التوحيد)) (2/ 583) أن إسناده متصلاً، وذكر المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (4/296) أنه روي من طرقٍ أحدها صحيح، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (10/343): إنه روي من طرق ورجال أحدها رجال الصحيح غير أبي خالد الدالاني وهو ثقة. ... ولا يَبقى بَعدَ ذلك إلَّا من كان يعْبُدُ اللهَ وَحْدَه في الظَّاهرِ، سَواءٌ كان صادِقًا أو مُنافِقًا من هذه الأمَّةِ وغَيرِها، ثُمَّ يَتَمَيَّزُ المُنافِقونَ عن المُؤمِنينَ بامتِناعِهم من السُّجودِ، وكَذلك يَمتازونَ عنهم بالنُّورِ الذي يُقسَمُ للمُؤمِنينَ. وقَدِ اختَلَفَ السَّلَفُ، هَل يُقسَمُ للمُنافِقينَ نورٌ مَعَ المُؤمِنينَ ثُمَّ يُطفَأُ، أو لا يُقسَمُ له نُورٌ بالكُلِّيَّةِ، على قَولينِ:
فقال أحَدُهما: إنَّه لا يُقسَمُ له نُورٌ بالكُلِّيَّةِ...
والقَولُ الثَّاني: أنَّه يُقسَمُ للمُنافِقينَ النُّورُ مَعَ المُؤمِنينَ كما كانوا مَعَ المُؤمِنينَ في الدُّنيا، ثُمَّ يُطفَأُ نُورُ المُنافِقينَ إذا بَلَغَ السُّورَ...)
[3947] يُنظر: ((التخويف من النار)) (ص: 235-239). .
وقال
ابنُ بازٍ: (
((فيَأتيهمُ اللهُ في صورَتِه التي يَعرِفونَ)) هيَ كَشْفُه عن ساقِه سُبحانَه)
[3948] يُنظر: ((الحلل الإبريزية)) (4/ 462). .