المَطْلَبُ الرَّابعُ: بَعضُ مَن نُصَّ على أنَّهم في الجَنَّةِ سِوى مِن ذُكِرُوا
1- عَبدُ اللهِ بنُ سَلامٍ:عَن يَزيدَ بنِ عُمَيرةَ قال: لَمَّا حَضَرَ مُعاذَ بنَ جَبَلٍ المَوتُ قيلَ لَه: يا أبا عَبدِ الرَّحمَنِ، أوصِنا، قال: أجلِسُوني، فقال: إنَّ العِلمَ والإيمانَ مَكانَهما مَنِ ابتَغاهما وجَدَهما، يَقُولُ ذَلِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، والتَمِسُوا العِلمَ عِندَ أربَعةِ رَهطٍ؛ عِندَ عُويمِرٍ أبي الدَّرداءِ، وعِندَ سَلمانَ الفارِسيِّ، وعِندَ
عَبدِ اللهِ بنِ مَسعُودٍ، وعِندَ عَبدِ اللهِ بنِ سَلامٍ، الَّذي كانَ يَهوديًّا فأسلَمَ؛ فإنِّي سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقُولُ:
((إنَّه عاشِرُ عَشَرةٍ في الجَنَّةِ )) [4726] أخرجه الترمذي (3804) واللَّفظُ له، وأحمد (22104). صحَّحه الترمذي، وابن حبان في ((صحيحه)) (7165)، والحاكم على شرط الشيخين في ((المستدرك)) (334). .
قال
المُناويُّ: («عَبدُ اللهِ بنُ سَلَامٍ» بالتَّخفيفِ، بنِ الحارِثِ بن يُوسُفَ الإسرائيليُّ، كانَ مِن عُلَماءِ الصَّحْبِ وأكابرِهم
((عاشِرُ عَشَرةٍ في الجَنَّةِ)) لا يُناقِضُه أنَّه لَم يُعَدَّ في العَشَرةِ المَشهودِ لَهم بالجَنَّةِ الَّذينَ مِنهمُ الخُلفاءُ الأربَعةُ؛ لِأنَّ هذه عَشَرةٌ غيرُها، وسَبَقَ أنَّ ذِكرَ العَشَرةِ لا يَنفي ما زادَ)
[4727] يُنظر: ((فيض القدير)) (4/ 300). .
وقال
الصَّنعانيُّ: (
((عاشِرُ عَشَرةٍ في الجَنَّةِ)) اللهُ أعلَمُ مَن أرادَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالتِّسعةِ الَّذي هو عاشِرُهم، وتقَدَّم حَديثُ العَشَرةِ المُبَشَّرينَ بالجَنَّةِ، وهو ما يَنفي كَونَ غيرِهم مَحكُومًا لَه بها في دارِ الدُّنيا، وفي هذا بُشْرى لِعَبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنه وفَضْله)
[4728] يُنظر: ((التنوير شرح الجامع الصغير)) (7/ 200). .
2- زيدُ بنُ حارِثةَ:عَن بُرَيدةَ بنِ الحصيبِ الأسلَميِّ رَضِيَ اللهُ عَنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((دَخَلْتُ الجَنَّةَ فاستَقبَلَتْني جاريةٌ شابَّةٌ، فقُلتُ: لِمَن أنتِ؟ قالت: أنا لِزَيدِ بنِ حارِثةَ)) [4729] أخرجه ابن أبي عاصم في ((الآحاد والمثاني)) (256)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (19/371). صحَّحه الألباني في ((صحيح الجامع)) (3366)، وحسَّن إسنادَه الذهبي في ((تاريخ الإسلام)) (2/496)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سير أعلام النبلاء)) (1/230). .
قال
الصَّنعانيُّ: (
((دَخَلْتُ الجَنَّةَ فاستَقبَلتْني جاريةٌ شابَّةٌ، فقُلتُ: لِمَن أنتِ؟ قالت: لِزَيدِ بنِ حارِثةَ)) هو مُولاه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وحِبُّه الَّذي ما بَعثَه في جيشٍ قَطُّ إلَّا أمَّرَه عليهم، استُشهِدَ بمُؤتةَ رَضِيَ اللهُ عَنه)
[4730] يُنظر: ((التنوير شرح الجامع الصغير)) (6/ 84). .
3- حارِثةُ بنُ النُّعمانِ:عَن
عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عَنها أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((دَخَلْتُ الجَنَّةَ، فسَمِعتُ فيها قِراءةً، قُلتُ: مَن هذا؟ قالُوا: حارِثةُ بنُ النُّعمانِ، كَذاكمُ البِرُّ، كَذاكمُ البِرُّ )) [4731] أخرجه أحمد (24080) واللَّفظُ له، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (8233)، وابن حبان (7014). صحَّحه ابن حبان، والحاكم على شرط الشيخين في ((المستدرك)) (4929)، والألباني في ((صحيح الجامع)) (3371)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1555)، وصحَّح إسنادَه البوصيري في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (7/265)، وابن حجر في ((الإصابة)) (1/298)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (24080). قال الطِّيبيُّ: (قَولُه:
((كَذَلِكَ البِرُّ)) المُشارُ إليه ما سَبَقَ، والمُخاطِبُونَ الصَّحابةُ؛ فإنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رَأى هذه الرُّؤيا، وقَصَّها على أصحابِه، فلَمَّا بَلَغَ إلى قَولِه:
((حارِثة بن النُّعمانِ)) نَبَّههم على سَبَب نَيلِ تِلكَ الدَّرَجةِ، فقال: كَذَلِكمُ البِرُّ، أي: مِثلُ تِلكَ الدَّرَجةِ تُنالُ بسَبَبِ البِرِّ... وفيه مِنَ المُبالَغةِ أنَّه جَعَلَ جَزاءَ البرِّ بِرًّا، وعَرَّفَ الخَبَرَ بلامِ الجِنسِ تَنبيهًا على أنَّ هذه الدَّرَجةَ القُصيا لا تُنالُ إلَّا ببِرِّ الوالِدينِ... وفي مَعنى التَّكرارِ أيضًا استيعابٌ وتَقريرٌ وتَوكيدٌ)
[4732] يُنظر: ((شرح المشكاة)) (10/ 3165). .
4- بلالُ بنُ رَباحٍعَن
جابِرِ بنِ عَبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((رَأيتُني دَخَلْتُ الجَنَّةَ.. وسَمِعتُ خَشَفةً، فقُلتُ: مَن هذا؟ فقال: هذا بِلالٌ)) [4733] أخرجه البخاري (3679) واللَّفظُ له مطولًا، ومسلم (2457) بلفظ: ((خشخشة)) من حديث جابر بن عبد الله رَضِيَ اللهُ عنهما. .
قال
الصَّنعانيُّ: (قيلَ: هذا شيءٌ كُوشِفَ به صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن عالَمِ الغيبِ في نَومِه أو يَقَظتِه، قيلَ: وهو لا يَدُلُّ على تَفضيلِ بلالٍ على العَشَرةِ المُبَشَّرةِ فضلًا عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وإنَّما سَبَقَه لِلخِدمةِ... والسَّبَبُ هو ما صَرَّحَ به الحَديثُ أنَّه سَأله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ما الَّذي سَبَقَ به إلى الجَنةِ فقال: ما تَوضَّأتُ وُضَوءًا إلَّا صَلَّيتُ رَكعَتينِ
[4734] لفظ الحديث: عن بُريدةَ رَضِيَ اللهُ عن قال: ((أصبح رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فدعا بلالًا فقال: يا بلالُ بمَ سبقْتَني إلى الجنَّةِ؟.. فقال بلالٌ: يا رسولَ اللهِ ما أذَّنتُ قطُّ إلَّا صليتُ ركعتينِ، وما أصابني حَدَثٌ قطُّ إلَّا توضَّأتُ عندها ورأيتُ أنَّ لله عليَّ ركعتينِ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بهما)). أخرجه الترمذي (3689) واللَّفظُ له، وأحمد (22996). صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (3689)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (166)، وصحَّحه لغيره شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (22996)، وقال ابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (21/169): معروف عن بريدة بن حصيب. [4735] يُنظر: ((التنوير شرح الجامع الصغير)) (6/ 77). .
6– أبُو الدَّحداحِعَن جابِرِ بنِ سَمُرةَ رَضِيَ اللهُ عَنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((كَم مِن عِذْقٍ مُعَلَّقٍ أو مُدلًّى في الجَنَّةِ لِابنِ الدَّحداحِ )) أو قال شُعبةُ: لِأبي الدَّحداحِ
[4736] أخرجه مسلم (965). قال
النَّوويُّ: (العِذْقُ... هو الغُصنُ مِنَ النَّخلةِ، وأمَّا العَذْقُ بفَتحِها فهو النَّخلةُ بكَمالِها، وليسَ مُرادًا هنا)
[4737] يُنظر: ((شرح مسلم)) (7/ 33). .
وسَبَبُ ذَلِكَ: عَن
عَبدِ اللهِ بنِ مَسعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنه قال: لَمَّا نَزَلَتْ
مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا [البقرة: 245] قال أبُو الدَّحداحِ:
((يا رَسولَ اللهِ، وإنَّ اللهَ يُريدُ مِنَّا القَرضَ؟ قال: نَعَم يا أبا الدَّحداحِ، قال: فإنِّي قَد أقرَضتُ رَبِّي حائِطي، حائِطًا فيه سِتُّمِائةِ نَخلةٍ، ثُمَّ جاءَ يَمشي حَتَّى أتى الحائِطَ وفيه أمُّ الدَّحداحِ في عيالِها، فناداها: يا أمَّ الدَّحداحِ، قالت: لَبَّيكَ، قال: اخرُجي؛ فإنِّي أقرَضْتُ رَبِّي حائِطًا فيه سِتُّمِائةِ نَخلةٍ )) [4738] أخرجه البزار (2033) واللَّفظُ له، وأبو يعلى (4986). وأخرجه الطبراني (22/301) (764) وجاء فيه أنه من حديث أبي مسعود رَضِيَ اللهُ عنه. صحَّحه الألباني في ((مشكلة الفقر)) (120)، ووثَّق رجاله الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (9/327) وقال: ورجال أبي يعلى رجال الصحيحِ، وذكر الشوكاني في ((در السحابة)) (355) أنَّ رجالَه رجالُ الصَّحيحِ. .
7- الغُميصاءُ بنتُ مِلحانَ.عَن
أنسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((دَخَلْتُ الجَنَّةَ فسَمِعْتُ خَشَفةً، فقُلتُ: مَن هذا؟ قالُوا: هذه الغُميصاءُ بنتُ مِلحانَ أمُّ أنس بن مالِكٍ)) [4739] أخرجه مسلم (2456). .
قال
النَّوويُّ: (أمَّا الخَشفةُ فبِخاءٍ مَفتُوحةٍ ثُمَّ شينٍ ساكِنةٍ مُعجَمَتينِ، وهي حَرَكةُ المَشيِ وصَوتُه، ويُقالُ أيضًا بفَتحِ الشِّينِ. والغُميصاءُ... ويُقالُ لَها الرُّميصاءُ أيضًا ويُقالُ بالسِّينِ. قال
ابنُ عَبدِ البَرِّ: أمُّ سُلَيمٍ هي الرُّمَيصاءُ والغُمَيصاءُ، والمَشهورُ فيه الغينُ، وأختُها أمُّ حَرامٍ الرُّميصاءُ، ومَعناهما مُتَقارِبٌ، والرَّمصُ والغَمصُ: قَذًى يابسٌ وغيرُ يابسٍ يَكُونُ في أطرافِ العينِ.
وهذا مَنقَبةٌ ظاهِرةٌ لِأُمِّ سُلَيمٍ)
[4740] يُنظر: ((شرح مسلم)) (16/ 11). .