الفَرعُ الثَّاني: الحُورُ العِينُ
المَسألةُ الأُولى: وَصْفُ الحُورِ العِينِ
قال اللهُ تعالى:
كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ [الدخان: 54] .
قال
البَغَويُّ: (
كَذَلِكَ وزَوَّجْنَاهُمْ أي: كَما أكرَمناهم بما وصَفْنا مِنَ الجَنَّاتِ والعُيُونِ واللِّباسِ، كَذَلِكَ أكرَمْناهم بأنْ زَوَّجْناهم بحُورٍ عِينٍ، أي: قَرَنَّاهم بهنَّ، ليسَ مِن عَقْدِ التَّزويجِ؛ لِأنَّه لا يُقالُ: زَوَّجْتُه بامرَأةٍ. قال أبُو عُبيدةَ: جَعَلْناهم أزواجًا لَهنَّ كَما يُزَوَّجُ النَّعلُ بالنَّعلِ، أي: جَعَلناهمُ اثنينِ اثنينِ، والحُورُ هنَّ النِّساءُ النَّقيَّاتُ البَياضِ. قال مُجاهِدٌ: يَحارُ فيهنُّ الطَّرْفُ مِن بياضِهنَّ وصَفاءِ لَونِهنَّ. وقال أبُو عُبيدةَ: الحُورُ هنَّ شَديداتُ بياضِ الأعيُنِ الشَّديداتُ سَوادُها، واحِدُها أَحْورُ، والمَرأةُ حَوراءُ، والعِينُ جَمعُ العَيناءِ وهي عَظيمةُ العينينِ)
[4878] يُنظر: ((تفسير البغوي)) (4/ 182). .
وقال
ابنُ القيِّمِ: (الحُورُ: جَمعُ حَوراءَ، وهي المَرأةُ الشَّابَّةُ الحَسناءُ الجَميلةُ البيضاءُ شَديدةُ سَوادِ العينِ، وقال زيدُ بن أسلَمَ: الحَوراءُ: الَّتي يَحارُ فيها الطَّرْفُ، وعِينٌ: حِسانُ الأعيُنِ، وقال مُجاهِدٌ: الحَوراءُ الَّتي يَحارُ فيها الطَّرْفُ مِن رِقَّةِ الجِلدِ وصَفاءِ اللَّونِ، وقال الحَسَنُ: الحَوراءُ: شَديدةُ بياضِ العينِ شَديدةُ سَوادِ العينِ)
[4879] يُنظر: ((حادي الأرواح)) (ص: 218). .
وقال
السَّعْديُّ: (
كَذَلِكَ النَّعيمُ التَّامُّ والسُّرُورُ الكامِلُ
وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ أي: نِساءٍ جَميلاتٍ، مِن جَمالِهَّن وحُسْنِهنَّ أنَّه يَحارُ الطَّرْفُ في حُسنِهنَّ، ويَنبَهرُ العَقلُ بجَمالِهنَّ، ويَنخَلِبُ اللُّبُّ لِكَمالِهنَّ
عِينٍ أي: ضِخامِ الأعيُنِ حِسانُها)
[4880] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 774). .
وجاءَ وصفُ الحُورِ العينِ بأنهنَّ كَواعِبُ أترابٌ.
قال اللهُ تعالى:
إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا * حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا * وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا [النبأ: 31-33] .
قال
ابنُ القيِّمِ: (فالكَواعِبُ: جَمعُ كاعِبٍ، وهي النَّاهدُ، قال قَتادةُ ومُجاهِدٌ والمُفَسِّرُونَ: قال الكَلبيُّ: هنَّ الفَلكاتُ اللَّواتي تَكَعَّبَ ثَدْيُهنَّ وتَفَلَّكَت، وأصلُ اللَّفظةِ مِن الِاستِدارةِ، والمُرادُ: أنَّ ثُدِيَّهُنَّ نَواهِدُ كالرُّمَّانِ ليسَت مُتَدَلِّيةً إلى أسفَلَ، ويُسَمَّينَ نَواهِدَ وكَواعِبَ)
[4881] يُنظر: ((حادي الأرواح)) (ص: 228). .
وقال
السَّعْديُّ: (ولَهم فيها زَوجاتٌ على مَطالِب النُّفُوسِ
كَواعِبَ وهي: النَّواهدُ اللَّاتي لَم تَتَكَسَّر ثُدِيُّهنَّ؛ مِن شَبابِهنَّ، وقُوَّتِهنَّ ونَضارَتِهنَّ. والأترابُ اللَّاتي على سِنٍّ واحِدٍ مُتَقارِبٍ، ومِن عادةِ الأترابِ أن يَكُنَّ مُتَآلِفاتٍ مُتَعاشِراتٍ)
[4882] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 907). .
وقال
ابنُ عُثيمين: (
وكَواعِبَ أَتْرَابًا الكَواعِبُ جَمعُ كاعِبٍ، وهي الَّتي تَبيَّنَ ثَدْيُها ولَم يَتَدَلَّ، بَل برزَ وظَهَرَ كالكَعبِ، وهذا أكمَلُ ما يَكُونُ في جَمالِ الصَّدرِ.
وَأَتْرَابًا أي: على سِنٍّ واحِدةٍ لا تَختَلِفُ إحداهنَّ عَنِ الأُخرى كِبَرًا كَما في نِساءِ الدُّنيا؛ لِأنَّها لَوِ اختَلَفتْ إحداهنَّ عَنِ الأُخرى كِبَرًا فرُبَّما تَختَلُّ المُوازَنةُ بينَهما، ورُبَّما تَكُونُ إحداهما مَحزُونةً إذا لَم تُساوِ الأُخرى، لَكِنَّهنَّ أترابٌ)
[4883] يُنظر: ((تفسير جزء عم)) (ص: 35). .
وقد جعلهنَّ اللهُ تعالى أبكارًا عُرُبًا أترابًا
إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا [الواقعة: 35-37] .
قال
السَّمعانيُّ: (قَولُه:
فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا أي: عَذارى. قال الضَّحَّاكُ: أهلُ الجَنةِ لا يَأتُونَ النِّساءَ مِن مَرَّةٍ إلَّا وجَدوهنَّ عَذارى. وقَولُه تعالى:
عُرُبًا أي: مُحَبَّباتٍ إلى أزواجِهنَّ. وعَنِ
ابنِ عَبَّاس: عَواشِقَ لِأزواجِهنَّ. وعَن بَعضِهم: غَنِجاتٍ. وعَن بَعضِهم: شَكِلاتٍ. عَن بَعضِهم: مُغتَلِماتٍ. تَقُولُ العَربُ لِلنَّاقةِ إذا كانَت تَشتَهي الفَحلَ: عَرُوبةٌ. وعَن زيدِ بن أسلَمَ: حَسِناتِ الكَلامِ. وعَن بَعضِهم: عُرُبًا أي: يَتَكَلَّمْنَ بالعَرَبِّيةِ. والمَعرُوفُ الأوَّلُ، ويُمكِنُ الجَمعُ بينَ هذه الأقوالِ كُلِّها، فكَأنَّها تَتَحَبَّبُ إلى زَوجِها بغَنجٍ وشكلٍ، وكَلامٍ حَسَنٍ، ومَيلٍ شَديدٍ، وبلَفظٍ عَرَبيٍّ. وقَولُه:
أَتْرَابًا أي: لِدَاتٍ، كَأنَّهنَّ على سِنٍّ واحِدٍ وميلادٍ واحِدٍ. ويُقالُ: أترابًا: أشكالًا لِأزواجِهنَّ في الجِسمِ والمِقدارِ)
[4884] يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (5/ 350). .
وقال
السَّعْديُّ: (
إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً أي: إنَّا أنشَأْنا نِساءَ أهلِ الجَنَّةِ نَشأةً غيرَ النَّشأةِ الَّتي كانَت في الدُّنيا؛ نَشأةً كامِلةً لا تَقبَلُ الفَناءَ.
فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا صِغارَهنَّ وكِبارَهنَّ. وعُمُومُ ذَلِكَ يَشمَلُ الحُورَ العِينَ ونِساءَ أهلِ الدُّنيا، وأنَّ هذا الوصفَ -وهو البَكارةُ- مُلازِمٌ لَهنَّ في جَميعِ الأحوالِ، كَما أنَّ كَونَهنَّ
عُرُبًا أَتْرَابًا مَلازِمٌ لَهنَّ في كُلِّ حالٍ، والعَرُوب: هي المَرأةُ المُتَحَبِّبةُ إلى بَعلِها بحُسنِ لَفظِها، وحُسنِ هيئَتِها ودَلالِها وجَمالِها ومَحَبَّتِها، فهي الَّتي إن تَكَلَّمَت سَبَتِ العُقُولَ، وودَّ السَّامِعُ أنَّ كَلامَها لا يَنقَضي، خُصُوصًا عِندَ غِنائِهنَّ بتِلكَ الأصَواتِ الرَّخيمةِ والنَّغماتِ المُطْرِبةِ، وإن نَظَرَ إلى أدبِها وسَمتِها ودَلِّها مَلَأت قَلبَ بَعْلِها فرحًا وسُرُورًا، وإنْ بَرَزت مِن مَحَلٍّ إلى آخَرَ امتَلَأ ذَلِكَ المَوضِعُ مِنها ريحًا طيِّبًا ونُورًا، ويَدخُلُ في ذَلِكَ الغنجةُ عِندَ الجِماعِ.
والأترابُ اللَّاتي على سِنٍّ واحِدةٍ، ثَلاثٍ وثَلاثينَ سَنةً، الَّتي هي غايةُ ما يُتَمَنَّى ونِهايةُ سِنِّ الشَّبابِ، فنِساؤُهم عُرُبٌ أترابٌ، مُتَّفِقاتٌ مُؤتَلِفاتٌ، راضياتٌ مَرْضيَّاتٌ، لا يَحْزنَّ ولا يُحْزِنَّ، بَل هنَّ أفراحُ النُّفُوسِ، وقُرَّةُ العُيُونِ، وجلاءُ الأبصارِ)
[4885] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 834). .
وقال اللهُ تعالى:
لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ [الرحمن: 56].
قال
ابنُ جريرٍ: (لم يجامِعْهنَّ إنسٌ قَبْلَهم ولا جانٌّ)
[4886] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/ 246). .
وقال
البَغَويُّ: (لَم يَطمِثْهنَّ: لَم يُجامِعْهنَّ ولَم يَفتَرِعْهنَّ، وأصلُه مِنَ الطَّمثِ وهو الدَّمُ، ومِنه قيلَ لِلحائِضِ: طامِثٌ، كَأنَّه قال لَم يُدْمِهنَّ بالجِماعِ إنسٌ قَبلَهم ولا جانٌّ... قال مُقاتِلٌ في قَولِه: لَم يَطْمِثْهنَّ إنسٌ قَبلَهم ولا جانٌّ؛ لِأنهنَّ خُلِقْنَ في الجَنَّةِ. فعلى قَولِه هَؤُلاءِ مِن حُورِ الجَنَّةِ. قال الشَّعبيُّ: هنَّ مِن نِساءِ الدُّنيا لَم يُمسَسْنَ مُنذُ أُنشِئْنَ خَلقًا، وهو قَولُ الكَلبيِّ، يَعني: لَم يُجامِعْهنَّ في هذا الخَلقِ الَّذي أُنشِئْنَ فيه إنسٌ ولا جانٌّ)
[4887] يُنظر: ((تفسير البغوي)) (4/ 341). .
وقَد وُصِفَ الحُورُ العِينُ بأنهنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ، وهنَّ اللَّواتي قَصَرْنَ بَصَرَهنَّ على أزواجِهنَّ، فلَم تَطمَحْ أنظارُهنَّ لِغيرِ أزواجِهنَّ.
قال اللهُ تعالى:
وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ [الصافات: 48] .
وقال
السَّعْديُّ: (أي: وعِندَ أهلِ دارِ النَّعيمِ في مَحلَّاتِهمِ القَريبةِ حُورٌ حِسانٌ كامِلاتُ الأوصافِ، قاصِراتُ الطَّرْفِ، إمَّا أنَّها قَصَرَت طَرْفَها على زَوجِها، لِعِفَّتِها وعَدَمِ مُجاوزَتِه لِغَيرِه، ولِجَمالِ زَوجِها وكَمالِه، بحيثُ لا تَطلُبُ في الجَنةِ سِواه، ولا تَرغَبُ إلَّا به، وإمَّا لِأنَّها قَصَرَت طَرْفَ زَوجِها عليها، وذَلِكَ يَدُلُّ على كَمالِها وجَمالِها الفائِقِ، الَّذي أوجَبَ لِزَوجِها أن يَقصُرَ طَرْفَه عليها، وقِصَرُ الطَّرْفِ أيضًا يَدُلُّ على قِصَرِ النَّفسِ والمَحَبَّةِ عليها، وكِلا المَعنيينِ مُحتَمَلٌ، وكِلاهما صَحيحٌ، وكُلُّ هذا يَدُلُّ على جَمالِ الرِّجالِ والنِّساءِ في الجَنَّةِ، ومَحَبَّةِ بَعضِهم بَعضًا مَحَبَّةً لا يطمَحُ إلى غيرِه، وشِدَّةِ عِفَّتِهم كُلِّهم، وأنَّه لا حَسَدَ فيها ولا تَباغُضَ ولا تَشاحُنَ؛ وذَلِكَ لِانتِفاءِ أسبابِه)
[4888] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 703). .
وقال اللهُ سُبحانَه في وَصفِ الجنَّتينِ لِمن خاف مقامَ رَبِّه:
فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ [الرحمن: 56].
قال النَّسَفيُّ: (
فِيهِنَّ في الجَنَّتينِ لِاشتِمالِهما على أماكِنَ وقُصُورٍ ومَجالِسَ، أو في هذه الآلاءِ المَعدُودةِ مِنَ الجَنَّتينِ والعينينِ والفاكِهةِ والفُرُشِ والجَنى
قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ نِساءٌ قَصَرْنَ أبصارَهنَّ على أزواجِهنَّ لا يَنظُرْنَ إلى غيرِه)
[4889] يُنظر: ((تفسير النسفي)) (3/ 417). .
وقال اللهُ عَزَّ وجَلَّ في وصفِ الجَنتينِ اللَّتينِ دُونَ جَنَّتي مَن خافَ مَقامَ رَبِّه:
فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ [الرحمن: 70-72].
قال ابنُ جُزَيٍّ: (المَقصُوراتُ المَحجُوباتُ؛ لِأنَّ النِّساءَ يُمْدَحْنَ بمُلازَمةِ البُيُوتِ ويُذْمَمْنَ بكَثرةِ الخُرُوجِ، والخيامُ هي البُيُوتُ الَّتي مِنَ الخَشَب والحَشيشِ ونَحوِ ذَلِكَ، وخيامُ الجَنَّةِ مِنَ اللُّؤْلُؤِ)
[4890] يُنظر: ((تفسير ابن جزي)) (2/ 332). .
وقال
ابنُ عُثيمين: (
حُورٌ مَقْصُورَاتٌ في الْخِيامِ الحَوراءُ هي الجَميلةُ الَّتي جَمُلَت في جَميعِ خَلقِها، وبالأخَصِّ العينُ: شَديدةُ البياضِ، شَديدةُ السَّوادِ، واسِعةٌ مُستَديرةٌ مِن أحسَنِ ما يَكُونُ،
مَقْصُوراتٌ أي: مُخَبَّآتٌ
في الخِيَامِ جَمعُ خيمةٍ، والخيمةُ مَعرُوفةٌ هي بناءٌ لَه عَمُودٌ وأَرْوِقةٌ، لَكِنَّ الخيمةَ في الآخِرةِ ليسَت كالخيمةِ في الدُّنيا، بَل هي خيمةٌ مِن لُؤْلُؤةٍ طُولُها في السَّماءِ مُرتَفِعٌ جِدًّا، ويُرى مَن في باطِنِها مِن ظاهرِها، ولا تَسألْ عَن حُسْنِها وجَمالِها، هَؤُلاءِ الحُورُ مَقصُوراتٌ مُخَبَّآتٌ في هذه الخيامِ على أكمَلِ ما يَكُونُ مِنَ الدَّلالِ والتَّنعيمِ)
[4891] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - الحجرات والحديد)) (ص: 322). .
وقال اللهُ تعالى في وصفِ جَزاءِ السَّابقينَ المُقَرَّبينَ:
وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤ الْمَكْنُونِ [الواقعة: 22 – 23].
قال
ابنُ جَريرٍ: (قَولُه:
كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ المَكْنُونِ يَقُولُ: هُنَّ في صَفاءِ بياضِهنَّ وحُسْنِهنَّ، كاللُّؤْلُؤِ المَكنُونِ الَّذي قَد صِينَ في كِنٍّ)
[4892] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/ 302). .
وقال
السَّمعانيُّ: (قَولُه:
كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ المَكْنُونِ أيِ: اللُّؤْلُؤِ المَكنُونِ في أصدافِه لَم تَنَلْه يَدٌ)
[4893] يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (5/ 347). .
وقال ابنُ جُزَيٍّ: (كَأمثالِ اللُّؤْلُؤ المَكنُونِ شَبَّههُنَّ باللُّؤْلُؤ في البياضِ، ووصفَه بالمَكنُونِ لِأنَّه أبعَدُ عَن تَغييرِ حُسْنِه)
[4894] يُنظر: ((تفسير ابن جزي)) (2/ 335). .
وشَبَّهَهنَّ اللهُ تعالى في وصفِ الجَنَّتينِ لِمَن خافَ مَقامَ رَبِّه بالياقُوتِ والمَرجانِ، فقال:
كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ [الرحمن: 56-58].
قال
ابنُ جَريرٍ: (يَقُولُ تعالى ذِكرُه كَأنَّ هَؤُلاءِ القاصِراتِ الطَّرَفَ اللَّواتيَ هن في هاتينِ الجَنتينِ في صِفائِهنِ الياقُوت الَّذي يُرى السِّلكَ الَّذي فيه مِن ورائِه، فكَذَلِكَ يُرى مَخَّ سُوقَهنَ مِن وراءِ أجسامِهن، وفي حَسنِهنِ الياقُوت والمَرجانِ)
[4895] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/ 249). .
وقال
ابنُ كَثيرٍ: (
كَأنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ، قال مُجاهِدٌ والحَسَنُ والسُّدِّيُّ وابنُ زيدٍ وغيرُهم: في صِفاءِ الياقُوتِ وبياضِ المَرجانِ، فجَعَلُوا المَرجانَ هاهنا اللُّؤْلُؤَ)
[4896] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (7/ 504). .
وقال
السَّعْديُّ: (
كَأنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ وذَلِكَ لِصَفائِهنَّ وجَمالِ مَنظَرِهنَّ وبَهائِهنَّ)
[4897] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 831). .
وعَن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عَنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((أولُ زُمرةٍ تَلِجُ الجَنَّةَ صُورَتُهم على صُورةِ القَمَرِ ليلةَ البَدرِ، لا يَبصُقُونَ فيها، ولا يَمتَخِطُونَ، ولا يَتَغَوَّطُونَ، آنيتُهم فيها الذَّهَبُ، أمشاطُهم مِنَ الذَّهَب والفِضَّةِ، ومَجامِرُهمُ الأَلوةُ، ورَشْحُهمُ المِسكُ، ولِكُلِّ واحِدٍ مِنهم زَوجَتانِ، يُرى مَخُّ سُوقِهما مِن وراءِ اللَّحمِ مِنَ الحُسنِ )) [4898] أخرجه مطولًا البخاري (3245) واللَّفظُ له، ومسلم (2834). .
قال
القَسطلانيُّ: (
((ولِكُلِّ واحِدٍ مِنهم زَوجَتانِ)) مِن نِساءِ الدُّنيا، والتَّثنيةُ بالنَّظَرِ إلى أنَّ أقَلَّ ما لِكُلِّ واحِدٍ مِنهم زَوجَتانِ...
((مُخُّ سُوقِهما))... ما في داخِلِ العَظمِ
((مِن وراءِ اللَّحمِ)) والجِلدِ
((مِنَ الحُسْنِ)) والصَّفاءِ البالِغِ ورِقَّةِ البَشَرةِ ونُعُومةِ الأعضاءِ... وذَلِكَ أنَّ الله تعالى يَقُولُ:
كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ [الرحمن: 58] فأمَّا الياقُوتُ فإنَّه حَجَرٌ لَو أدخَلْتَ فيه سِلكًا ثُمَّ استَصفيتَه لرَأيتَه مِن ورائِه)
[4899] يُنظر: ((إرشاد الساري)) (5/ 282). .
وعَن
أنسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((لَو أنَّ امرَأةً مِن أهلِ الجَنةِ اطَّلَعَت إلى أهلِ الأرضِ لِأضاءَت ما بينَهما، ولَمَلأَتْه ريحًا، ولَنَصيفُها على رَأسِها خيرٌ مِنَ الدُّنيا وما فيها )) [4900] أخرجه البخاري (2796) مطولًا. .
قال ابنُ الملكِ الرُّوميُّ الحَنفيُّ: (
((ولَو أنَّ امرَأةً مِن نِساءِ أهلِ الجَنةِ اطَّلَعَت إلى أهلِ الأرضِ لأضاءَت ما بينَهما)): يُريدُ ما بينَ المشرِقِ والمَغرِبِ، أو ما بينَ السَّماءِ والأرضِ،
((ولمَلَأت ما بينَهما)) ريحًا، ولَنَصيفُها، أي: خِمارُها)
[4901] يُنظر: ((شرح المصابيح)) (6/ 95). .
المَسألةُ الثَّانيةُ: غِناءُ الحُورِ العينِ
قال
ابنُ كَثيرٍ: (النَّارُ حُفَّت بالشَّهَواتِ، وداخِلُها كُلُّه مَضَرَّاتٌ وعُقُوباتٌ وحَسراتٌ، والجَنَّةُ حُفَّت وحُجِبت بالمَكارِه، وداخِلُها أنواعُ المَسرَّاتِ مِمَّا لا عينٌ رَأت، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطرَ على قَلب بَشَرٍ مِن أصنافِ اللَّذَّاتِ، كَما أورَدْناه في الآياتِ المُحكَماتِ، والأحاديثِ الثَّابتاتِ. فمِن نَعيمِهمُ المُقيمِ، ولَذَّتهمُ المُستَمِرَّةِ الطَّرَبُ الَّذي لَم تَسمَعِ الآذانُ بمِثلِه، كَما قال تعالى:
فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ [الرُّوم: 15] . قال
الأوزاعيُّ عَن يَحيى بنِ أبي كَثيرٍ: هو السَّماعُ في الجَنَّةِ)
[4902] يُنظر: ((البداية والنهاية)) (20/ 389-391). .
عَن
عَبد الله بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((إنَّ أزواجَ أهلِ الجَنَّةِ ليُغَنِّينَ أزواجَهنَّ بأحسَنِ أصَواتٍ سَمعَها أحَدٌ قَطُّ، إنَّ مِمَّا يُغَنِّينَ: نَحنُ الخَيراتُ الحِسانُ، أزواجُ قَومٍ كرامٍ، يَنظُرْنَ بِقُرَّةِ أعيانٍ. وإن مِمَّا يُغَنِّينَ به: نَحنُ الخالِداتُ فلا يَمُتْنَهْ، نَحنُ الآمِناتُ فلا يُخَفْنَهْ، نَحنُ المُقيماتُ فلا يَظْعَنَّهْ )) [4903] أخرجه الطبراني في ((المعجم الأوسط)) (4917)، وأبو نعيم في ((صفة الجنة)) (322)، والضياء في ((الأحاديث المختارة)) (303). صحَّحه الألباني في ((صحيح الجامع)) (1561)، وقال المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (4/392): رواته رواة الصحيح، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (10/422): رجاله رجال الصحيح. .
قال
المُناويُّ: (
((إنَّ أزواجَ أهلِ الجَنَّةِ)) زادَ في رِوايةٍ:
((مِنَ الحُورِ))،
((ليُغَنِّينَ أزواجَهنَّ بأحسَنِ أصَواتٍ ما سَمِعَها أحَدٌ قَطُّ)) أي بأصَواتٍ حِسانٍ ما سَمِعَ في الدُّنيا مِثلَها أحَدٌ قَطُّ)
[4904] يُنظر: ((فيض القدير)) (2/ 423). .
المَسألةُ الثَّالِثةُ: غَيرةُ الحُورِ العِينِ على أزواجِهنَّ في الدُّنيا
عَن مُعاذِ بن جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((لا تُؤذي امرَأةٌ زَوجَها في الدُّنيا إلَّا قالت زَوجَتُه مِنَ الحُورِ العِينِ: لا تُؤذيه قاتَلَكِ اللهُ، فإنَّما هو عِندَكِ دَخيلٌ، يُوشِكُ أن يُفارِقَكِ إلينا )) [4905] أخرجه الترمذي (1174)، وأحمد (22101) واللَّفظُ لهما، وابن ماجه (2014) باختلاف يسير صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (1174)، وقال الترمذي: حسن غريب، وصحح معناه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (3/104)، وصحَّح إسنادَه متصلًا الذهبي في ((سير أعلام النبلاء)) (4/47)، وحسَّنه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (22101). .
قال المظهَريُّ: (إنَّما تَعرِفُ زَوجَتُه مِنَ الحُورِ العينِ ما يَجري بينَه وبينَ زَوجَتِه في الدُّنيا بأنْ رَفعَ اللهُ تعالى الحِجابَ بينَ الحُورِ العينِ وبينَ أزواجِهنَّ في الدُّنيا، حَتَّى يَعَلَمْنَ ما يَجري بينَهم وبينَ زَوجاتِهم في الدُّنيا...
قَولُها:
((قاتَلَكِ اللهُ)): هذا خِطابٌ مَعَ كُلِّ امرَأةٍ تُؤذي زَوجَها المُسلِمَ، سَواءٌ كانَت مُسلِمةً أو كتابيَّةً.
قَولُها:
((فإنَّما هو عِندَكِ دَخيلٌ))، أي: غَريبٌ،
((يُوشِك))، أي: يَقرُبُ
((أن يُفارِقَكِ إلينا))، أي: عَن قَريبٍ يَتركُك بأن يَمُوتَ ويَصِلَ إلينا، يَعني: أنتِ زَوجَتُه في الدُّنيا، ونَحنُ زَوجاتُه في الآخِرةِ، فإن كانَت هذه المَرأةُ كتابيَّةً فلا إشكالَ في هذا الحَديثِ؛ لِأنَّ الكتابيَّةَ تُخَلَّدُ في النَّارِ كَسائِرِ الكُفَّارِ، ولا تَكُونُ زَوجَتَه في الآخِرةِ؛ لِأنَّه يَكُونُ في الجَنَّةِ. وأمَّا إذا كانَت مُسلِمةً فالحَديثُ على هذا التَّقديرِ مُشكِلٌ؛ لِأنَّها تَدخُلُ الجَنَّةَ كزَوجِها، فكيفَ يُفارِقُها؟! فدَفْعُ هذا الإشكالِ بأن تَقُولَ: مَعنى هذا الحَديثِ: إنَّكِ أيَّتُها المَرأةُ الَّتي تُؤذي زَوجَكِ في الدُّنيا إيذاؤَكَ زَوجَكَ عِصيانُ اللهِ تعالى، وعِصيانُ الله سَبَبُ دُخُولِ النَّارِ، ودُخُولُكِ النَّارَ فِراقُ بينِكَ وبينِ زَوجِكَ مُدَّةَ بَقائِكَ في النَّارِ إلى أن تَخرُجي مِنَ النَّارِ، وتَدخُليِ الجَنَّةَ، وتَصِلي إلى زَوجِكِ)
[4906] يُنظر: ((المفاتيح في شرح المصابيح)) (4/ 89). .
وقال الطِّيبيُّ: (قَولُه:
((دَخيلٌ)) هو الضَّيفُ والنَّزيلُ، يُريدُ أنَّه كالضَّيفِ والنَّزيلِ عَليكِ، وأنتِ لَستِ بأهلٍ لَه على الحَقيقةِ؛ لِأنَّه يُفارِقُكِ عَن قَريبٍ، ولا تَلتَحِقينَ به كَرامةً به، كَما قال تعالى:
وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وإنَّما نَحنُ أهلُه فيفارِقُكِ ويتركُكِ في النَّارِ، ويَلحَقُ بنا ويَصِلُ إلينا)
[4907] يُنظر: ((شرح المشكاة)) (7/ 2333). .