المَطْلَب الثَّانيَ عَشَرَ: ضَحِكُ أهلِ الجَنَّةِ مِن أهلِ النَّارِ
قال اللهُ تعالى:
وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [الأعراف: 44] .
قال
البيضاويُّ : (
وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا إنَّما قالُوه تَبجُّحًا بحالِهم وشَماتةً بأصحاب النَّارِ وتَحسيرًا لَهم)
[4911] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (3/ 14). .
وقال اللهُ سُبحانَه:
إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاء لَضَالُّونَ وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ هَلْ ثُوِّبَ الْكُفارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المطففين: 29-36] .
قال
السَّعْديُّ : (لَمَّا ذكَرَ تعالى جَزاءَ المُجْرِمينَ وجَزاءَ المُؤمِنينَ وذَكرَ ما بينَهما مِنَ التَّفاوُتِ العَظيمِ، أخبَرَ أنَّ المُجرِمينَ كانُوا في الدُّنيا يَسخَرُونَ بالمُؤمِنينَ، ويَستَهزِئُونَ بهم، ويَضحَكُونَ مِنهم، ويَتَغامَزُونَ بهم عِندَ مُرُورِهم عليهم؛ احتِقارًا لَهم وازدِراءً، ومَعَ هذا تَراهم مُطمئِنينَ، لا يَخطُرُ الخَوفُ على بالِهم،
وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهُمْ صَباحًا أو مَساءً
انْقَلَبُوا فَكِهِينَ أي: مَسرُورينَ مُغتَبطينَ، وهذا مِن أعظَمِ ما يَكُونُ مِنَ الِاغتِرارِ؛ أنَّهم جَمَعُوا بينَ غايةِ الإساءةِ والأمنِ في الدُّنيا، حَتَّى كَأنَّهم قَد جاءَهم كِتابٌ مِنَ اللهِ وعَهدٌ أنَّهم مِن أهلِ السَّعادةِ، وقَد حَكَمُوا لِأنفُسِهم أنَّهم أهلُ الهَدى، وأنَّ المُؤمِنينَ ضالُّونَ؛ افتِراءً على الله، وتَجرُّؤًا على القَولِ عليه بلا عِلمٍ. قال تعالى:
وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ أي: وما أُرسِلُوا وُكَلاءَ على المُؤمِنينَ مُلزَمينَ بحِفظِ أعمالِهم، حَتَّى يَحرُصُوا على رَميهم بالضَّلالِ، وما هذا مِنهم إلَّا تَعَنُّتٌ وعِنادٌ وتَلاعُبٌ، ليسَ لَه مُستَنَدٌ ولا بُرهانٌ؛ ولِهذا كانَ جُزاؤُهم في الآخِرةِ مِن جِنسِ عَمَلِهم، قال تعالى:
فَالْيَوْمَ أي: يَومَ القيامةِ،
الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الكُفَّارِ يَضْحَكُونَ حينَ يَرَونَهم في غَمَراتِ العَذابِ يَتَقَلَّبونَ، وقَد ذَهَبَ عَنهم ما كانُوا يَفتَرُونَ، والمُؤمِنونَ في غايةِ الرَّاحةِ والطُّمَأنينةِ.
عَلَى الْأَرَائِكِ وهي السُّرُرِ المُزَيَّنةُ
يَنْظُرُونَ إلى ما أعَدَّ اللهُ لَهم مِنَ النَّعيمِ، ويَنظُرُونَ إلى وَجهِ رَبِّهمُ الكَريمِ.
هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ أي: هَل جُوزُوا مِن جِنسِ عَمَلِهم؟ فكَما ضَحِكُوا في الدُّنيا مِنَ المُؤمِنينَ ورَمُوهم بالضَّلالِ، ضَحِكَ المُؤمِنونَ مِنهم في الآخِرةِ، ورَأوهم في العَذابِ والنَّكالِ، الَّذي هو عُقُوبةُ الغَيِّ والضَّلالِ. نَعَم، ثُوِّبُوا ما كانُوا يَفعَلُونَ، عَدْلًا مِنَ الله وحِكمةً، واللهُ عَليمُ حَكيمٌ)
[4912] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 916). .
وقال
ابنُ عُثيمين : (إذا قال قائِلٌ: هذا فيه إشكالٌ، كيفَ يَنظُرُونَ إلى أهلِ النَّارِ ينكتُونَ عليهم ويُوبِّخُونَهم؟!
فنَقُولُ: واللهِ ما أكثَرَ ما أذاقَ أهلُ النَّارِ أهلَ الجَنَّةِ في الدُّنيا مِنَ العَذابِ والبلاءِ والمُضايَقةِ!
قال اللهُ تعالى:
إنَّ الَّذينَ أجرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ : يَضحَكُونَ سَواءٌ في مَجالِسِهم أو مَعَهم،
وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ ، أي: انقَلَبُوا مُتَنَعِّمينَ بأقوالِهم،
وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ .. قال اللهُ تعالى:
فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ [المطففين: 29 - 35] يَنظُرونَ إليهم وهم -والعياذُ باللهِ -في سَواءِ الجَحيمِ. إذَنْ يَكُونُ هذا مِن تَمامِ عَدْلِ الله عَزَّ وجَلَّ، بأنْ جَعلَ هَؤُلاءِ الَّذينَ كانُوا يُضايَقُونَ في دارِ الدُّنيا جَعلَهمُ الآنَ يَفرَحُونَ بنِعمةِ الله عليهم، ويُوبِّخُونَ هَؤُلاءِ الَّذينَ في سَواءِ الجَحيمِ)
[4913] يُنظر: ((شرح العقيدة الواسطية)) (1/ 450-452). .
انظر أيضا:
عرض الهوامش