المَطلَبُ الأوَّلُ: الأدِلَّةُ العامَّةُ من القرآنِ الكريمِ على وجوبِ الإيمانِ بالقَضاءِ والقَدَرِ
وردت في كتابِ اللهِ تعالى آياتٌ تدلُّ على أنَّ الأمورَ تجري بقَدَرِ اللهِ تعالى، وعلى أنَّ اللهَ تعالى عَلِمَ الأشياءَ وقدَّرها في الأزَلِ، وأنها ستقع على وَفقِ ما قدَّرها اللهُ سُبحانَه وتعالى؛ ومن ذلك(
يُنظر: ((القضاء والقدر)) لعبد الرحمن المحمود (ص: 39). :
1- قولُ اللهِ تعالى:
إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر: 49].
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال:
((جاء مُشركِو قُرَيشٍ يخاصمون رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في القَدَرِ، فنزلت: يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر: 48-49]))(
رواه مسلم (2656). .
قال
ابنُ جريرٍ: (يقولُ تعالى ذِكْرُه: إنَّا خلَقْنا كُلَّ شَيءٍ بمقدارٍ قدَّرناه وقضيناه، وفي هذا بيانُ أنَّ اللهَ جَلَّ ثناؤه توعَّد هؤلاء المجرِمين على تكذيبِهم في القَدَرِ مع كُفرِهم به)(
يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (22/ 160). .
وقال ابنُ جُزَي: (المعنى: أنَّ اللهَ خَلَق كُلَّ شَيءٍ بقَدَرٍ، أي: بقضاءٍ معلومٍ سابقٍ في الأزَلِ، ويحتَمِلُ أن يكونَ معنى:
بِقَدَرٍ بمقدارٍ في هيئتِه وصِفَتِه وغيرِ ذلك، والأوَّلُ أرجَحُ، وفيه حُجَّةٌ لأهلِ السُّنَّةِ على القَدَريَّةِ)(
يُنظر: ((تفسير ابن جزي)) (2/ 326). .
وقال
ابنُ كثيرٍ: (قَولُه:
إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ، كقَولِه:
وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا [الفرقان:2] وكقَولِه:
سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى [الأعلى:1-3] أي: قدَّر قَدَرًا، وهدى الخلائِقَ إليه؛ ولهذا يستَدِلُّ بهذه الآيةِ الكريمةِ أئمَّةُ السُّنَّةِ على إثباتِ قَدَرِ اللهِ السَّابِقِ لخَلْقِه، وهو عِلْمُه الأشياءَ قبل كونها وكتابتُه لها قبل بَرْئِها، وردُّوا بهذه الآيةِ وبما شاكلها من الآياتِ، وما ورد في معناها من الأحاديثِ الثَّابتاتِ، على الفِرقةِ القَدَريَّةِ الذين نبغوا في أواخِرِ عَصرِ الصَّحابةِ)(
يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (7/ 482). .
وقال
السعدي: (هذا شامِلٌ للمخلوقاتِ والعوالمِ العُلويَّةِ والسُّفليَّةِ؛ أنَّ اللهَ تعالى وَحْدَه خلَقَها لا خالِقَ لها سواه، ولا مشارِكَ له في خَلْقِها، وخَلَقها بقضاءٍ سبق به عِلْمُه، وجرى به قَلَمُه، بوقتِها ومقدارِها، وجميعِ ما اشتملت عليه من الأوصافِ، وذلك على اللهِ يسيرٌ)(
يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 828). .
2- قَولُ اللهِ سُبحانَه:
وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا [الأحزاب: 38] .
قال
ابنُ جرير: (يقول: وكان أمرُ اللهِ قَضاءً مقضِيًّا)(
يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/ 119). .
وقال
ابنُ كثير: (أي: وكان أمرُه الذي يُقَدِّرُه كائنًا لا محالةَ، وواقِعًا لا محيدَ عنه ولا مَعدِلَ، فما شاء اللهُ كان، وما لم يشَأْ لم يكُنْ)(
يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (6/ 427). .
3- قَولُ اللهِ تعالى عن موسى عليه السَّلامُ:
فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى [طه: 40] .
قال
ابنُ كثير: (جاء موافِقًا لقَدَرِ اللهِ وإرادتِه من غيرِ مِيعادٍ، والأمرُ كلُّه للهِ تبارك وتعالى)(
يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (5/ 293). .
وقال
السَّعْديُّ: (أي: جِئتَ مجيئًا قد مضى به القَدَرُ، وعَلِمَه اللهُ وأراده في هذا الوَقتِ وهذا الزَّمانِ وهذا المكانِ، ليس مجيئُك اتِّفاقًا من غيرِ قَصدٍ ولا تدبيرٍ مِنَّا، وهذا يدُلُّ على كمالِ اعتِناءِ اللهِ بكليمِه موسى عليه السَّلامُ)(
يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 506). .
4- قولُ اللهِ عزَّ وجَلَّ:
وَلَكِن لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا [الأنفال: 42] .
قال
السعدي: (أي: مُقَدَّرًا في الأزَلِ، لا بدَّ من وقوعِه)(
يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 321). .
قال
ابنُ القَيِّمِ: (كلُّ دليلٍ في القرآنِ على التوحيدِ فهو دليلٌ على القَدَرِ وخَلْقِ أفعالِ العِبادِ، ولهذا كان إثباتُ القَدَرِ أساسَ التوحيدِ)(
يُنظر: ((شفاء العليل)) (ص: 176). .