الفَرعُ الأوَّلُ: تعريفُ الكَبائرِ والفَرقُ بينها وبين الصَّغائرِ
قال
الماوَرديُّ: (الكبائِرُ: ما وجبت فيها الحدودُ، وتوَجَّه إليها الوعيدُ)
[679] يُنظر: ((الحاوي)) (17/149). .
وقد ورد مِثلُ ذلك عن
أحمدَ [680] يُنظر: ((العدة في أصول الفقه)) (3/946). ، ورَجَّحه أبو العَبَّاسِ القُرطبيُّ
[681] يُنظر: ((المفهم)) (1/ 284). ، و
ابنُ تيميَّةَ [682] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (11/650). ، و
الذَّهبيُّ [683] يُنظر: ((الكبائر)) (ص: 89). .
عن الضَّحَّاكِ قال: (الكبائِرُ: كُلُّ مُوجِبةٍ أوجَبَ اللهُ لأهْلِها النَّارَ، وكُلُّ عَمَلٍ يقامُ به الحَدُّ فهو من الكبائِرِ)
[684] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/653). .
وقال
ابنُ حزمٍ: (المعاصي: كبائِرُ فواحِشُ، وسَيِّئاتٌ صَغائِرُ، ولَمَمٌ. واللَّمَمُ مغفورٌ جملةً، فالكبائِرُ الفواحِشُ: هو ما توَعَّد اللهُ تعالى عليه بالنَّارِ في القُرآنِ أو على لسانِ رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فمَن اجتنبها غُفِرت له جميعُ سَيِّئاتِه الصَّغائِرِ)
[685] يُنظر: ((المحلى)) (1/41). .
وقال
أبو يَعْلى: (وقد حَدَّ
أحمدُ رحمه اللهُ الكبائِرَ: بما يُوجِبُ حَدًّا في الدُّنيا، ووعيدًا في الآخرةِ)
[686] يُنظر: ((العدة في أصول الفقه)) (3/946). .
وقال أبو العبَّاسِ القُرطبيُّ: (الصَّحيحُ إن شاء اللهُ تعالى: أنَّ كُلَّ ذَنبٍ أطلَقَ الشَّرعُ عليه أنَّه كبيرٌ أو عظيمٌ، أو أخبَرَ بشِدَّةِ العِقابِ عليه، أو عَلَّق عليه حَدًّا، أو شَدَّد النكيرَ عليه وغَلَّظه، وشَهِد بذلك كتابُ اللهِ أو سُنَّةٌ أو إجماعٌ: فهو كبيرةٌ)
[687] يُنظر: ((المفهم)) (1/ 284). .
وقال
ابنُ تيميَّةَ: (أمثَلُ الأقوالِ في هذه المسألةِ القَولُ المأثورُ عن
ابنِ عَبَّاسٍ، وذكَرَه
أبو عُبيدٍ،
وأحمَدُ بْنُ حَنبَلٍ، وغَيرُهما، وهو: أنَّ الصَّغيرةَ ما دون الحَدَّينِ: حَدِّ الدُّنيا وحَدِّ الآخِرةِ. وهو معنى قَولِ من قال: ما ليس فيها حَدٌّ في الدُّنيا، وهو معنى قَولِ القائِلِ: كُلُّ ذَنبٍ خُتِم بلعنةٍ أو غَضَبٍ أو نارٍ، فهو من الكبائِرِ. ومعنى قَولِ القائِلِ: وليس فيها حَدٌّ في الدُّنيا ولا وعيدٌ في الآخرةِ، أي: وعيدٌ خاصٌّ، كالوعيدِ بالنَّارِ، والغَضَبِ واللَّعنةِ؛ وذلك لأنَّ الوعيدَ الخاصَّ في الآخرةِ كالعُقوبةِ الخاصَّةِ في الدُّنيا... وهذا الضَّابِطُ يَسلَمُ من القوادِحِ الواردةِ على غيرِه؛ فإنَّه يدخُلُ كُلُّ ما ثبت في النَّصِّ أنَّه كبيرةٌ؛ كالشِّركِ، والقَتلِ، والزِّنا، والسِّحرِ، وقَذفِ المحصَناتِ الغافِلاتِ المُؤمِناتِ، وغيرِ ذلك من الكبائِرِ التي فيها عقوباتٌ مُقَدَّرةٌ مَشروعةٌ، وكالفِرارِ مِنَ الزَّحفِ، وأكلِ مالِ اليتيمِ، وأكلِ
الرِّبا، وعُقوقِ الوالِدَين، واليَمينِ الغَموسِ، وشَهادةِ الزُّورِ؛ فإنَّ هذه الذُّنوبَ وأمثالَها فيها وعيدٌ خاصٌّ... وإنَّما قُلْنا: إنَّ هذا الضَّابِطَ أَولى من سائِرِ تلك الضَّوابِطِ المذكورةِ؛ لوُجوهٍ:
أحَدُها: أنَّه المأثورُ عن السَّلَفِ، بخِلافِ تلك الضَّوابِطِ؛ فإنَّها لا تُعرَفُ عن أحَدٍ مِنَ الصَّحابةِ والتابعين والأئِمَّةِ، وإنَّما قالها بعضُ من تكَلَّم في شيءٍ مِن الكلامِ أو التصَوُّفِ بغيرِ دليلٍ شَرعيٍّ، وأمَّا مَن قال مِن السَّلَفِ: إنَّها إلى السبعينَ أقرَبُ منها إلى السَّبعِ، فهذا لا يخالِفُ ما ذكَرْناه، وسنتكلَّم عليها إن شاء اللهُ واحِدًا واحِدًا.
الثَّاني: أنَّ اللهَ تعالى قال:
إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا [النساء: 31] فقد وعد مجتَنِبَ الكبائِرِ بتكفيرِ السَّيِّئاتِ، واستحقاقِ الوَعدِ الكريمِ، وكُلُّ من وُعِد بغَضَبِ اللهِ أو لعْنَتِه أو نارٍ أو حرمانِ جَنَّةٍ أو ما يقتضي ذلك، فإنَّه خارجٌ عن هذا الوَعدِ، فلا يكونُ من مجتنبي الكبائِرِ، وكذلك من استحَقَّ أن يقامَ عليه الحَدُّ، لم تكُنْ سيِّئاتُه مُكَفَّرةً عنه باجتنابِ الكبائِرِ؛ إذ لو كان كذلك لم يكن له ذنبٌ يَستحِقُّ أن يعاقَبَ عليه، والمستَحِقُّ أن يقامَ عليه الحَدُّ له ذَنبٌ يَستَحِقُّ العقوبةَ عليه.
الثَّالثُ: أنَّ هذا الضَّابِطَ مَرجِعُه إلى ما ذكَرَه اللهُ ورَسولُه في الذُّنوبِ، فهو حَدٌّ يُتلقَّى من خِطابِ الشَّارع، وما سِوى ذلك ليس متلقًّى من كلامِ اللهِ ورَسولِه، بل هو قَولُ رأيِ القائِلِ وذَوقِه من غيرِ دليلٍ شرعيٍّ، والرأيُ والذَّوقُ بدونِ دليلٍ شَرعيٍّ لا يجوزُ.
الرَّابعُ: أنَّ هذا الضَّابِطَ يمكِنُ الفَرقُ به بين الكبائِرِ والصَّغائِرِ، وأمَّا تلك الأمورُ فلا يمكِنُ الفَرقُ بها بين الكبائِرِ والصَّغائِرِ؛ لأنَّ تلك الصِّفاتِ لا دليلَ عليها؛ لأنَّ الفَرقَ بين ما اتَّفَقت فيه الشَّرائعُ واختَلَفت لا يُعلَمُ إن لم يمكِنْ وجودُ عالمٍ بتلك الشَّرائعِ على وَجْهِها، وهذا غيرُ معلومٍ لنا.
وكذلك ما يَسُدُّ بابَ المعرفةِ هو من الأمورِ النِّسبيَّةِ والإضافيَّةِ، فقد يُسَدُّ بابُ المعرفةِ عن زيدٍ ما لا يُسَدُّ عن عَمرٍو، وليس لذلك حدٌّ محدودٌ.
الخامِسُ: أنَّ تلك الأقوالَ فاسِدةٌ؛ فقولُ من قال: إنَّها ما اتفقت الشَّرائعُ على تحريمِه دون ما اختلَفَت فيه يوجِبُ أن تكونَ الحَبَّةُ من مالِ اليتيمِ ومِن السَّرِقةِ والخيانةِ، والكَذْبةُ الواحِدةُ، وبعضُ الإساءاتِ الخَفِيَّةِ ونحوُ ذلك: كبيرةً، وأن يكونَ الفِرارُ من الزَّحفِ ليس من الكبائِرِ؛ إذ الجهادُ لم يجِبْ في كلِّ شريعةٍ، وكذلك يقتضي أن يكونَ التزَوُّجُ بالمحَرَّماتِ بالرَّضاعةِ والصِّهرِ وغَيرِهما ليس من الكبائِرِ؛ لأنَّه ممَّا لم تتَّفِق عليه الشَّرائعُ، وكذلك إمساكُ المرأةِ بعد الطَّلاقِ الثَّلاثِ ووَطْؤُها بعد ذلك مع اعتقادِ التحريمِ، وكذلك من قال: إنَّها ما تَسُدُّ بابَ المعرفةِ أو ذَهاب النُّفوسِ والأموالِ يوجِبُ أن يكونَ القليلُ مِن الغَضَبِ والخيانةِ كبيرةً، وأن يكونَ عقوقُ الوالدين ِوقطيعةُ الرَّحِمِ وشُربُ الخَمرِ وأكلُ المَيتةِ ولحمِ الخنزيرِ، وقَذفُ المحصَناتِ الغافلاتِ المُؤمِناتِ ونحوُ ذلك: ليس من الكبائِرِ. ومن قال: إنَّها سُمِّيَت كبائِرَ بالنِّسبةِ إلى ما دونَها، وأنَّ ما عُصِيَ اللهُ به فهو كبيرةٌ، فإنَّه يوجِبُ ألَّا تكونَ الذُّنوبُ في نَفْسها تنقَسِمُ إلى كبائِرَ وصغائِرَ، وهذا خلافُ القُرآن، فإنَّ اللهَ قال:
الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ [النجم: 32] ، وقال:
وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ [الشورى: 37] ، وقال:
إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [النساء: 31] ، وقال
مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا [الكهف: 49] ، وقال:
وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ [القمر: 53]، والأحاديثُ كثيرةٌ في الذُّنوبِ الكبائِرِ، ومن قال: هي سبعةَ عَشَرَ، فهو قَولٌ بلا دليلٍ، ومن قال: إنَّها مُبهَمةٌ أو غيرُ معلومةٍ، فإنَّما أخبَرَ عن نَفْسِه أنَّه لا يعلَمُها، ومن قال: إنَّه ما تُوُعِّد عليه بالنَّارِ، قد يقال: إنَّ فيه تقصيرًا؛ إذ الوعيدُ قد يكونُ بالنَّارِ، وقد يكونُ بغيرها، وقد يقال: إنَّ كُلَّ وعيدٍ فلا بُدَّ أن يستلزِمَ الوعيدَ بالنَّارِ، وأمَّا من قال: إنَّها كُلُّ ذَنبٍ فيه وعيدٌ، فهذا يندَرِجُ فيما ذكره السَّلَفُ؛ فإنَّ كُلَّ ذَنبٍ فيه حَدٌّ في الدُّنيا ففيه وعيدٌ من غيرِ عَكسٍ، فإنَّ الزِّنا والسَّرِقةَ وشُربَ الخَمرِ وقَذْفَ المحصَناتِ ونحوَ ذلك، فيها وعيدٌ، كمن قال: إنَّ الكبيرةَ ما فيها وعيدٌ. واللهُ أعلَمُ)
[688] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (11/650 - 657). .
وقال
ابنُ حَجَرٍ: (ضَبَطها بعضُهم بكُلِّ ذَنبٍ قُرِنَ به وعيدٌ أو لَعنٌ، قُلتُ: وهذا أشمَلُ من غيرِه، ولا يَرِدُ عليه إخلالُه بما فيه حَدٌّ؛ لأنَّ كُلَّ ما ثبت فيه الحَدُّ لا يخلو من ورودِ الوَعيدِ على فِعْلِه، ويدخُلُ فيه تَرْكُ الواجِباتِ الفَوريَّةِ منها مُطلَقًا، والمتراخيةِ إذا تضَيَّقَت)
[689] يُنظر: ((فتح الباري)) (12/184). .
وقال
ابنُ عُثَيمين: (الكبيرةُ في المعنى ضِدُّ الصَّغيرةِ، والميزانُ في ذلك كما قال بعضُ العُلَماءِ رحمهم اللهُ: ما نصَّ الشَّارعُ على أنَّه كبيرةٌ فهو كبيرةٌ، وما لم يَنُصَّ عليه فهو صغيرةٌ؛ فقَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((اجتَنِبوا السَّبعَ الموبِقاتِ )) [690] أخرجه البخاري (2766)، ومسلم (89) مطولًا مِن حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. هذه كبائِرُ، وقَولُه:
((ألَا أنَبِّئُكم بأكبَرِ الكبائِرِ )) [691] أخرجه البخاري (2654)، ومسلم (87) مطولًا مِن حديثِ أبي بكرة رَضِيَ اللهُ عنه. هذه كبائرُ، فما نَصَّ الشَّارعُ على أنَّه كبيرةٌ فهو كبيرةٌ، وما لا فلا.
وقال بعضُ العُلَماء رحمهم اللهُ: ما تُوُعِّدَ عليه بلَعنٍ أو غَضَبٍ، فهو كبيرةٌ.
وقال آخرون: ما فيه حَدٌّ في الدُّنيا أو وعيدٌ في الآخرةِ فهو كبيرةٌ، واختلفوا اختلافًا كبيرًا.
وذكر شيخُ الإسلامِ رحمه الله أنَّ الكبيرةَ ما رُتِّبت عليها عقوبةٌ خاصَّةٌ، وأمَّا ما نهى عنه فقط، ولم يعَيِّنْ له عقوبةً خاصَّةً، فهو صغيرةٌ، ومع ذلك يقولُ: إنَّ الكبائِرَ تتفاوتُ؛ فبعضُها أشدُّ من بعضٍ، وقَولُه رحمه الله أقرَبُ إلى الصَّوابِ.
فمن فعل الكبيرةَ ولم يَتُبْ منها صار فاسِقًا، ومن أصَرَّ على الصَّغيرةِ ولم يُقلِعْ عنها صار فاسِقًا)
[692] يُنظر: ((شرح العقيدة السفارينية)) (ص: 376). .
فالنُّصوصُ التي فيها نفيُ الإيمانِ عن مُرتَكِبِ الكبيرةِ المقصودُ فيها: نفيُ كَمالِ الإيمانِ أو الإيمانِ الواجِبِ.
قال
أبو عُبَيد: (فإن قال قائلٌ: كيف يجوز أن يقالَ: ليس بمُؤمِنٍ، واسمُ الإيمانِ غيرُ زائلٍ عنه؟
قيل: هذا كلامُ العَرَبِ المستفيضُ عندنا غيرُ المستنكَرِ، في إزالةِ العَمَلِ عن عامِلِه إذا كان عَمَلُه على غيرِ حقيقتِه، ألا ترى أنَّهم يقولون للصَّانعِ إذا كان ليس بمُحكِمٍ لعمَلِه: ما صنَعْتَ شيئًا، ولا عَمِلْتَ عَمَلًا، وإنَّما وقع معناه هاهنا على نفيِ التجويدِ، لا على الصَّنعةِ نَفْسِها، فهو عندهم عامِلٌ بالاسمِ، وغيرُ عاملٍ في الإتقانِ، حتى تكَلَّموا به فيما هو أكثَرُ من هذا، وذلك كرَجُلٍ يعُقُّ أباه، ويبلُغُ منه الأذى فيقالُ: ما هو بوَلَدِه! وهم يعلَمون أنَّه ابنُ صُلْبِه، ثم يقالُ مِثلُه في الأخِ والزَّوجةِ والمملوكِ، وإنَّما مذهَبُهم في هذا المزايلةُ من الأعمالِ الواجِبةِ عليهم من الطَّاعةِ والبِرِّ، وأمَّا النِّكاحُ والرِّقُّ والأنسابُ، فعلى ما كانت عليه أحكامُها وأسماؤُها، فكذلك هذه الذُّنوبُ التي يُنفى بها الإيمانُ إنَّما أحبَطَت الحقائِقُ منه الشرائعَ التي هي من صفاتِه، فأمَّا الأسماءُ فعلى ما كانت قبلَ ذلك، ولا يقالُ لهم إلا مُؤمِنون
[693] أي: بقاء اسم الإيمان وأصله دون حقيقته وكماله. ، وبه الحكمُ عليهم)
[694] يُنظر: ((الإيمان)) (ص: 80). .
وقال
المروزيُّ: (فالذي صَحَّ عندنا في معنى قَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((لا يزني الزَّاني حين يزني وهو مُؤمِنٌ )) [695] أخرجه البخاري (5578) ومسلم (57) مطولًا مِن حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. ، وما رُوِيَ عنه من الأخبارِ مِمَّا يُشبِهُ هذا: أنَّ معنى ذلك كُلِّه أنَّ مَن فَعَل تلك الأفعالَ لا يكونُ مُؤمِنًا مُستكمِلَ الإيمانِ؛ لأنَّه قد ترك بعضَ الإيمانِ، نفى عنه الإيمانَ يريدُ به الإيمانَ الكامِلَ... وإقامةُ الحُدودِ عليه دليلٌ على أنَّ الإيمانَ لم يَزُلْ كُلُّه عنه، ولا اسمُه، ولولا ذلك لوجب استتابتُه وقَتْلُه، وسقَطَت عنه الحدودُ)
[696] يُنظر: ((تعظيم قدر الصلاة)) (2/576). .
وقال
ابنُ عبدِ البَرِّ: (يريدُ مُستكمِلَ الإيمانِ، ولم يُرِدْ به نفيَ جميعِ الإيمانِ عن فاعِلِ ذلك، بدليلِ الإجماعِ على توريثِ الزَّاني والسَّارِقِ وشاربِ الخَمرِ -إذا صَلَّوا للقِبلةِ وانتَحَلوا دعوةَ الإسلامِ- من قرابتِهم المُؤمِنين الذين آمَنوا بتلك الأحوالِ، وفي إجماعِهم على ذلك مع إجماعِهم على أنَّ الكافِرَ لا يَرِثُ المُسلِمَ: أوضَحُ الدَّلائِلِ على صِحَّةِ قَولِنا: إنَّ مُرتَكِبَ الكبيرةِ ناقِصُ الإيمانِ بفِعْلِه ذلك)
[697] يُنظر: ((التمهيد)) (9/243). .
وقال النووي: (فالقَولُ الصَّحيحُ الذي قاله المحقِّقون أنَّ معناه: لا يفعَلُ هذه المعاصيَ وهو كامِلُ الإيمانِ، وهذا من الألفاظِ التي تُطلَقُ على نَفيِ الشَّيءِ، ويرادُ نَفيُ كَمالِه ومُختارِه، كما يقالُ: لا عِلمَ إلَّا ما نفع، ولا مالَ إلَّا الإبِلُ، ولا عَيشَ إلَّا عَيشُ الآخِرةِ)
[698] يُنظر: ((شرح مسلم)) (2/41). .
وقال
ابنُ تيميَّةَ: (إنَّ نَفْيَ الإيمانِ عند عَدَمِها دَلَّ على أنَّها واجبةٌ... فإنَّ اللهَ ورَسولَه لا ينفيانِ اسمَ مُسَمَّى أمرٍ أَمَرَ اللهُ به ورَسولُه، إلَّا إذا تُرِك بعضُ واجباتِه، كقوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((لا صلاةَ إلَّا بأمِّ القُرآنِ )) [699] أخرجه البخاري (756)، ومسلم (394) من حديثِ عبادة بن الصامت رَضِيَ اللهُ عنه بلفظ: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)). [700] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (7/15). .
وقال
ابنُ رجبٍ: (فلولا أنَّ تَرْكَ هذه الكبائِرِ مِن مُسَمَّى الإيمانِ، لَما انتفى اسمُ الإيمانِ عن مُرتكِبِ شيءٍ منها؛ لأنَّ الاسمَ لا ينتفي إلَّا بانتفاءِ بَعضِ أركانِ المسَمَّى أو واجباتِه)
[701] يُنظر: ((جامع العلوم والحكم)) (1/105). .