المَطْلَبُ الثَّاني: هل تُقبَلُ توبةُ مَن سَبَّ اللهَ سُبحانَه؟ وهل يُستتابُ كالمُرتَدِّ؟
اختلف العُلَماءُ فيمن سَبَّ اللهَ أو رَسولَه أو كتابَه: هل تُقبَلُ تَوبتُه؟ على قولينِ:
القَولُ
الأوَّلُ: أنَّها لا تُقبَلُ، وهو المشهورُ عن الحنابِلةِ، فيُقتَلُ كافرًا، ولا يصلَّى عليه، ولا يُدعى له بالرَّحمةِ، ويُدفَنُ في محَلٍّ بعيدٍ عن قبور المُسلِمين، ولو قال: إنَّه تاب أو إنَّه أخطأ؛ لأنَّهم يقولون: إنَّ هذه
الرِّدَّةَ أمرُها عظيمٌ وكبيرٌ لا تنفَعُ فيها التَّوبةُ.
القَولُ
الثَّاني: أنَّها تُقبَلُ إذا عَلِمْنا صِدْقَ توبتِه إلى اللهِ، وأقَرَّ على نَفْسِه بالخطأِ، ووصف اللهَ تعالى بما يستحِقُّ من صفاتِ التعظيمِ؛ وذلك لعُمومِ الأدِلَّةِ الدَّالةِ على قَبولِ التَّوبة، كقَولِه تعالى:
قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر: 53] ، ومن الكُفَّارِ من يَسُبُّون الله، ومع ذلك تُقبَلُ توبتُهم.
وهذا هو الصَّحيحُ، إلَّا أنَّ سابَّ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تُقبَلُ توبتُه ويجِبُ قَتْلُه، بخلافِ من سَبَّ اللهَ؛ فإنَّها تُقبَلُ توبتُه ولا يُقتَلُ، لا لأنَّ حَقَّ اللهِ دونَ حَقِّ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، بل لأنَّ اللهَ أخبَرَنا بعَفْوِه عن حَقِّه إذا تاب العبدُ إليه بأنَّه يغفِرُ الذُّنوبَ جميعًا، أمَّا سابُّ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فإنَّه يتعَلَّق به أمرانِ:
الأوَّلُ: أمرٌ شَرعيٌّ؛ لكَونِه رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومن هذا الوَجهِ تُقبَلُ توبتُه إذا تاب.
الثَّاني: أمرٌ شَخصيٌّ؛ لكَونِه من المُرسَلين، ومن هذا الوَجهِ يجِبُ قَتْلُه؛ لحَقِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ويُقتَلُ بعد توبتِه على أنَّه مُسلِمٌ، فإذا قُتِلَ غَسَّلْناه، وكَفَّنَّاه، وصَلَّينا عليه، ودفَنَّاه مع المُسلِمين.
وهذا اختيارُ
ابنِ تيميَّة، وقد ألَّفَ كتابًا في ذلك اسمُه: (الصَّارمُ المسلول في حُكمِ قَتْلِ سابِّ الرَّسولِ) أو: (الصَّارم المسلول على شاتِمِ الرَّسول)؛ وذلك لأنَّ السَّابَّ استهان بحَقِّ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وكذا لو قذفه؛ فإنَّه يُقتَلُ ولا يُجلَدُ.
فإنْ قيل: أليس قد ثبت أنَّ من النَّاسِ من سَبَّ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وقَبِلَ منه وأطلَقَه؟
أجيبَ: بلى، هذا صحيحٌ، لكِنْ هذا في حياتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقد أسقَطَ حَقَّه، أمَّا بَعْدَ مَوتِه فلا ندري، فنُنَفِّذُ ما نراه واجبًا في حَقِّ من سَبَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
فإن قيل: احتمالُ كَونِه يعفو عنه أو لا يعفو موجِبٌ للتوقُّفِ؟
أجيب: إنَّه لا يوجِبُ التَّوقفَ؛ لأنَّ المفسَدةَ حَصَلت بالسَّبِّ، وارتفاعُ أثَرِ هذا السَّبِّ غيرُ معلومٍ، والأصلُ بقاؤه.
فإن قيل: أليس الغالِبُ أنَّ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عفا عمَّن سَبَّه؟
أجيبَ: بلى، وربَّما كان في حياةِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا عفا قد تحصُلُ المصلحةُ، ويكونُ في ذلك تأليفٌ، كما أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَعلَمُ أعيانَ المنافقين ولم يقتُلْهم؛ لئلَّا يتحَدَّثَ النَّاسُ أنَّ مُحَمَّدًا يَقتُلُ أصحابَه، لكِنِ الآن لو عَلِمْنا أحدًا بعَيْنِه من المنافقين لقَتَلْناه، وذكر
ابنُ القَيِّمِ أنَّ عَدَمَ قَتلِ المنافِقِ المعلومِ إنَّما هو في حياةِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقط
[1844] يُنظر: ((زاد المعاد)) (3/ 497). ويُنظر: ((القول المفيد)) لابن عثيمين (2/268). .
قال
ابنُ تَيميَّةَ: (اختلف أصحابُنا وغيرُهم في قَبولِ توبتِه يعني من سَبَّ اللهَ تعالى، بمعنى أنَّه هل يُستتابُ كالمرتَدِّ ويَسقُطُ عنه القَتلُ إذا أظهر التَّوبةَ من ذلكَ بعد رَفْعِه إلى السُّلطانِ وثبوتِ الحَدِّ عليه؟ على قولينِ:
أحَدُهما: أنَّه بمنزلةِ سابِّ الرَّسولِ، فيه الرِّوايتانِ كالرِّوايتينِ في سابِّ الرَّسولِ، هذه طريقةُ أبي الخطَّابِ، وأكثَرِ من احْتَذَى حَذْوَه من المتأخِّرين، وهو الذي يدلُّ عليه كلامُ
الإمامِ أحمدَ؛ حيث قال: "كُلُّ من ذكر شيئًا يُعَرِّض بذِكرِ الربِّ تبارك وتعالى، فعليه القَتلُ، مُسلِمًا كان أو كافرًا، وهذا مَذهَبُ أهلِ المدينةِ". فأطلق وجوبَ القَتلِ عَلَيْهِ، ولم يذكُرِ استتابتهَ، وذكر أنَّه قَولُ أهلِ المدينةِ، ومن وجَب عليه القتلُ لم يسقُطْ بالتَّوبةِ، وقَولُ أهلِ المدينةِ المشهورُ أنَّه لا يَسقُطُ القتلُ بتوبتِه، ولو لم يُرَدْ هذا لم يخُصَّه بأهل المدينة؛ فإنَّ النَّاسَ مجمِعون على أنَّ من سَبَّ اللهَ تعالى من المُسلِمين يُقتَلُ، وإنَّما اختلفوا في توبتِه، فلمَّا أخَذ بقَولِ أهل المدينة في المُسلِم كما أخَذَ بقَولِهم في الذِّمِّي عُلِمَ أنَّه قَصَد محَلَّ الخلافِ بين المدنيِّينَ والكوفيِّينَ في المسألتينِ، وعلى هذه الطَّريقةِ فظاهِرُ المذهَبِ أنَّه لا يَسقُطُ القتلُ بإظهارِ التَّوبةِ بعد القُدرةِ عليهِ، كما ذكَرْناه في سابِّ الرَّسولِ.
وأمَّا الرِّوايةُ الثَّانيةِ فإنَّ عبدَ اللهِ قال: سُئِلَ أبي عن رجلٍ قال: يا ابنَ كذا وكذا أنت ومَن خَلَقَك! قال أبي: هذا مرتدٌّ عن الإسلامِ، قُلتُ لأبي: تُضرَبُ عُنُقُه؟ قال: نعم، نَضرِبُ عُنُقَه، فجعَلَه من المرتَدِّين.
والرِّوايةُ الأُولى قَولُ
اللَّيثِ بنِ سَعدٍ، وقولُ
مالكٍ، روى ابنُ القاسِمِ عنه قال: مَنْ سَبَّ اللهَ تعالى من المُسلِمين قُتِلَ ولم يُستَتَبْ، إلَّا أن يكون افترى على اللهِ بارتدادِه إلى دينٍ دان به وأظهَرَه، فيُستتابُ، وإن لم يُظهِره لم يُستَتَبْ، وهذا قَولُ ابنِ القاسِمِ، ومُطَرِّف، وعبدِ المَلِكِ، وجماهيرِ المالكيَّةِ.
و
الثَّاني: أنَّه يُستتابُ وتُقبَلُ توبتهُ بمنزلةِ المرتَدِّ المَحْضِ، وهذا قولُ
القاضي أبي يعلى، والشَّريفِ أبي جَعْفَرٍ، وأبي عَليِّ بن البنَّاءِ، و
ابنِ عقيلٍ، مع قَولِهم: إنَّ مَن سَبَّ الرَّسولَ لا يستتابُ، وهذا قولُ طائفةٍ من المدنيِّين، منهم: مُحَمَّدُ بنُ مسلمةَ، والمخزوميُّ، وابنُ أبي حازمٍ، قالوا: لا يُقتَلُ المُسلِمُ بالسَّبِّ حتى يُستتابَ، وكذلك اليهوديُّ والنَّصرانيُّ؛ فإن تابوا قُبِل منهم، وإن لم يتوبوا قُتِلوا، ولا بدَّ من الاستتابةِ، وذلك كُلُّه ك
الرِّدَّةِ، وهو الذي ذكَرَه العِراقيُّون من المالكيَّةِ.
وكذلك ذَكَر أصحابُ
الشَّافعيِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قالوا: سَبُّ اللهِ رِدَّةٌ، فإذا تاب قُبِلَت توبتُه، وفَرَّقوا بينه وبين سَبِّ الرَّسولِ على أحَدِ الوَجهَينِ، وهذا مَذهَبُ
الإمامِ أبي حنيفةَ.
وأمَّا من استتاب السابَّ للهِ ولرسولهِ فمأخَذُه أنَّ ذلك من أنواعِ
الرِّدَّةِ، ومن فَرَّق بين سَبِّ اللهِ والرَّسولِ قال: سَبُّ اللهِ تعالى كُفرٌ مَحْضٌ، وهو حقٌّ للهِ، وتوبةُ من لم يصدُرْ منه إلَّا مجرَّدُ الكُفْرِ الأصليِّ أو الطَّارئِ مقبولةٌ مُسقِطةٌ للقَتلِ بالإجماعِ، ويدلُّ على ذلك أنَّ النصارى يسُبُّون اللهَ بقَولِهم: هو ثالِثُ ثلاثةٍ، وبقَولِهم: إنَّ له ولدًا، كما أخبر النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن اللهِ عَزَّ وجَلَّ أنَّه قال:
((شَتَمَنِي ابْنُ آدَمَ، وَمَا يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ، وكذَّبَنِي ابنُ آدَمَ، ومَا ينبغي لهُ ذلكَ؛ فأمَّا شَتْمُه إيَّاي فقولُه: إنَّ لِي وَلَدًا، وَأنا الأَحَدُ الصَّمَدُ)) [1845] أخرجه البخاري (4974) باختلاف يسير مطولًا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ، وقال سُبحانَه:
لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ إلى قَولِه:
أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [المائدة: 74-73] ، وهو سُبحانَه قد عُلِم منه أنَّه يُسقِطُ حَقَّه عن التَّائِبِ، فإنَّ الرَّجُلَ لو أَتَى من الكُفْرِ والمعاصي بملءِ الأرضِ ثم تاب، تَاب اللهُ عليه، وهو سُبحانَه لا تلحَقُه بالسَّبِّ غَضاضةٌ ولا مَعَرَّةٌ، وإنَّما يعودُ ضَرَرُ السَّبِّ على قائِلِه، وحُرمتُه في قلوبِ العبادِ أعظَمُ من أن يهتِكَها جُرأةُ السابِّ، وبهذا يظهَرُ الفَرقُ بينه وبين الرَّسولِ؛ فإنَّ السبَّ هناك قد تعلَّق به حقُّ آدميٍّ، والعقوبةُ الواجِبةُ لآدَميٍّ لا تَسقُطُ بالتَّوبةِ، والرَّسولُ تَلحَقُه المعرَّةُ والغَضَاضةُ بالسَّبِّ، فلا تقومُ حرمتُه وتثبتُ في القُلوبِ مَكانتُه إلَّا باصطلامِ سابِّه؛ لِما أنَّ هَجْوَه وشَتْمَه يَنقُصُ من حُرمتِه عند كثيرٍ مِن النَّاسِ، ويَقدَحُ في مَكانِه في قُلوبٍ كثيرةٍ، فإن لم يُحفَظْ هذا الحِمَى بعُقوبةِ المُنتَهِكِ وإلَّا أفضى الأمرُ إلى فسادٍ.
وهذا الفَرْقُ يتوجَّهُ بالنَّظَرِ إلى أن حدَّ سَبِّ الرَّسولِ حقٌّ لآدميٍّ، كما يذكُرُه كثيرٌ من الأصحابِ، وبالنَّظَرِ إلى أنَّه حقٌّ للهِ أيضًا؛ فإنَّ ما انتهكه من حُرمةِ اللهِ لا ينجَبِرُ إلَّا بإقامةِ الحَدِّ، فأشبَهَ الزَّانيَ والسَّارِقَ والشَّارِبَ إذا تابوا بعد القُدرةِ عليهم.
وأيضًا، فإنَّ سَبَّ اللهِ ليس له داعٍ عَقليٌّ في الغالِبِ، وأكثَرُ ما هو سبٌّ في نَفسِ الأمرِ إنما يصدُرُ عن اعتقادٍ وتديُّنٍ يُرادُ به التعظيمُ لا السَّبُّ، ولا يَقْصِدُ السَّابُّ حقيقةَ الإهانةِ؛ لعِلْمِه أنَّ ذلك لا يؤثِّرُ، بخلافِ سَبِّ الرَّسولِ، فإنَّه في الغالِبِ إنما يُقصَدُ به الإهانةُ والاستخفافُ، والدَّواعي إلى ذلك متوفرةٌ من كلِّ كافرٍ ومنافقٍ؛ فصار من جِنسِ الجرائِمِ التي تدعو إليها الطِّباعُ، فإنَّ حُدودَها لا تَسقُطُ بالتَّوبةِ، بخلافِ الجرائِمِ التي لا داعِيَ إليها.
ونُكتةُ هذا الفَرْقِ أنَّ خُصوصَ سَبِّ الله تعالى ليس إليه داعٍ غالِبَ الأَوْقَاتِ، فيندَرِجُ في عُمومِ الكُفْرِ، بخِلافِ سَبِّ الرَّسولِ؛ فإنَّ لخُصوصِه دواعيَ متوفِّرةً، فناسب أن يُشرَعَ لخُصوصِه حَدٌّ، والحدُّ المشروعُ لخصوصِه لا يَسقُطُ بالتَّوبةِ كسائِرِ الحدود، فلمَّا اشتَمَل سبُّ الرَّسولِ على خصائِصَ مِن جِهةِ توَفُّرِ الدَّواعي إليه، وحِرْصِ أعداءِ الله عليه، وأنَّ الُحرمةَ تُنتَهَكُ به انتهاكَ الحُرُماتِ بانتهاكِها، وأنَّ فيه حقًّا لمخلوقٍ تحتَّمت عقوبتُه، لا لأنَّه أغلَظُ إثمًا من سَبِّ الله، بل لأنَّ مَفسَدتَه لا تنحَسِمُ إلَّا بتحَتُّمِ القَتلِ.
ألا ترى أنَّه لا رَيْبَ أنَّ الكُفْرَ و
الرِّدَّةَ أعظَمُ إثمًا من الزِّنا والسَّرقةِ وقَطْعِ الطَّريقِ وشُربِ الخَمرِ، ثمَّ الكافِرُ والمرتَدُّ إذا تابا بعد القُدرةِ عليهما سقَطَت عقوبتُهما، ولو تاب أولئك الفُسَّاقُ بعد القُدرةِ لم تَسقُطْ عقوبتُهم، مع أنَّ الكُفْرَ أعظَمُ مِن الفِسْقِ، ولم يَدُلَّ ذلك على أنَّ الفاسِقَ أعظَمُ إثمًا من الكافِرِ، فمَن أَخَذَ تحَتُّمَ العقوبةِ وسُقوطَها من كِبَرِ الذَّنبِ وصِغَرِه، فقد نَأَى عن مسالِكِ الفِقْهِ والِحكمةِ.
ويوضِّحُ ذلك أنَّا نُقِرُّ الكُفَّارَ بالذِّمَّةِ على أعظَمِ الذُّنوبِ، ولا نقرُّ واحِدًا منهم ولا من غيرِهم على زنًا ولا سرقةٍ ولا كبيرٍ من المعاصي الموجِبةِ للحُدودِ، وقد عاقب اللهُ قَومَ لُوطٍ من العقوباتِ بما لم يعاقِبْه بَشَرًا في زَمَنِهم؛ لأجْلِ الفاحِشةِ، والأرضُ مملوءةٌ من المُشْرِكين وهم في عافيةٍ، ... ولهذا يعاقَبُ الفاسِقُ المِلِّيِّ من الهَجْرِ والإعراضِ والجَلْدِ وغيرِ ذلك بما لا يُعاقَبُ به الكافرُ الذِّمِّيُّ، مع أنَّ ذلك أحسَنُ حالًا عند الله وعندنا مِنَ الكافِرِ.
فقد رأيتَ العقوباتِ المقَدَّرةَ المشروعةَ تتحَتَّمُ حيث تؤخَّرُ عقوبةُ ما هو أشَدُّ منها، وسَبَبُ ذلك أنَّ الدُّنيا في الأصلِ ليست دارَ الجزاءِ، وإنَّما الجزاءُ يومَ الدِّين، يومَ يَدِينُ اللهُ العبادَ بأعمالِهم: إنْ خَيْرًا فخيرٌ، وإن شرًّا فشَرٌّ، لكِنْ يُنزِلُ اللهُ سُبحانَه من العقابِ ويَشرَعُ من الحدودِ بمقدارِ ما يَزجُرُ النُّفوسَ عَمَّا فيه فسادٌ عامٌّ لا يختَصُّ فاعِلَه، أو ما يُطَهِّرُ الفاعِلَ مِن خطيئتِه، أو لِتغليظِ الجُرمِ، أو لِما يشاء سُبحانَه، فالخطيئةُ إذا خِيف أن يتعدَّى ضرَرُها فاعِلَها لم تنحَسِمْ مادَّتُها إلَّا بعقوبةِ فاعِلِها، فلمَّا كان الكُفْرُ و
الرِّدَّةُ إذا قُبِلَت التَّوبةُ منه بعدَ القُدرةِ لم تترتَّبْ على ذلك مَفسَدةٌ تتعدَّى التائِبَ، وَجَب قَبولُ التَّوبةِ؛ لأنَّ أحدًا لا يريدُ أن يَكفُرَ أو يرتَدَّ ثمَّ إذا أُخِذَ أظهَرَ التَّوبةُ؛ لعِلْمِه أنَّ ذلك لا يُحَصِّلُ مقصودَه، بخِلافِ أهلِ الفُسوقِ؛ فإنَّه إذا أُسقِطَت العقوبةُ عنهم بالتَّوبةِ، كان ذلك فتحًا لبابِ الفُسوقِ، فإنَّ الرَّجُلَ يَعمَل ما اشتهى، ثم إذا أُخِذَ قال: إنِّي تائبٌ، وقد حَصَّل مقصودَه من الشَّهوةِ التي اقتضاها، فكذلك سبُّ اللهِ هو أعظَمُ من سَبِّ الرَّسولِ، لكِنْ لا يُخافُ أنَّ النُّفوسَ تتسَرَّعُ إلى ذلك إذا استُتيب فاعِلُه، وعُرِضَ على السَّيفِ، فإنَّه لا يصدُرُ غالبًا إلَّا عن اعتقادٍ، وليس للخَلْقِ اعتقادٌ يبعَثُهم على إظهارِ السَّبِّ لله تعالى، وأكثَرُ ما يكونُ ضَجَرًا وتبَرُّمًا وسَفَهًا، ورَوْعُه بالسَّيفِ والاستتابةُ تكفُّ عن ذلك، بخلافِ إظهارِ سَبِّ الرَّسولِ؛ فإنَّ هناك دواعِيَ متعَدِّدةً تَبعَثُ عليه، متى عُلِمَ صاحِبُها أنَّه إذا أظهر التَّوبةَ كُفَّ عنه لم يَزَعْه ذلك عن مقصودِه.
ومما يدُلُّ على الفَرْقِ من جهة السُّنَّة أنَّ المُشْرِكين كانوا يسُبُّون اللهَ بأنواعِ السَّبِّ، ثم لم يتوقَّفِ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في قَبولِ إسلام أحدٍ منهم، ولا عَهِدَ بقَتلِ واحدٍ منهم بعَيْنِه، وقد توقَّفَ في قَبولِ توبةِ من سَبَّهُ، مِثلُ: أبي سُفيانَ، وابنِ أبي أميَّة، وعَهِدَ بقَتْلِ مَن كان يسُبُّه من الرِّجالِ والنِّساءِ، مِثلُ: الحُوَيرِثِ بن نُقَيد، والقَينَتَينِ، وجاريةٍ لبني عبد المُطَّلِب، ومِثلُ الرِّجالِ والنِّساءِ الذين أمر بقَتْلِهم بعد الهِجرةِ ... وأمَّا من قال: لا تُقبَلُ توبةُ من سَبَّ اللهَ سُبحانَه وتعالى كما لا تُقبَلُ توبةُ مَن سَبَّ الرَّسولَ، فوَجْهُه ما تقَدَّم عن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ تعالى عنه من التسويةِ بين سَبِّ اللهِ وسَبِّ الأنبياءِ في إيجابِ القَتْلِ، ولم يأمُرْ بالاستتابةِ، مع شُهرةِ مَذْهَبِه في استتابةِ المرْتَدِّ، لكِنْ قد ذكَرْنا عن
ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّه يُستتابُ؛ لأنه كَذَّب النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فيُحمَلُ ذلك على السبِّ الذي يتدَيَّنُ به.
وأيضًا، فإنَّ السَّبَّ ذَنبٌ منفَرِدٌ عن الكُفْرِ الذي يطابِقُ الاعتقادَ؛ فإنَّ الكافِرَ يتدَيَّنُ بكُفْرِه، ويقولُ: إنَّه حقٌّ، ويدعو إليه، وله عليه موافِقون، وليس من الكُفَّارِ من يتدَيَّنُ بما يعتَقِدُه استخفافًا واستهزاءً وسبًّا لله، وإن كان في الحقيقةِ سَبًّا، كما أنَّهم لا يقولون: إنَّهم ضُلَّالٌ جُهَّالٌ معذَّبونَ أعداءُ الله، وإن كانوا كذلك، وأمَّا السابُّ فإنَّه مظهِرٌ للتنَقُّصِ والاستخفافِ والاستهانةِ باللهِ، مُنتَهِكٌ لحُرمتِه انتِهاكًا يَعلَمُ مِن نَفْسِه أنَّه مُنتَهِكٌ مُستَخِفٌّ مُستهزئٌ، ويعلَمُ من نَفْسِه أنَّه قد قال عظيمًا، وأنَّ السَّمَواتِ والأرضَ تكادُ تنفَطِرُ من مقالتِه، وتخرُّ الجِبالُ، وأنَّ ذلك أعظمُ من كُلِّ كُفرٍ، وهو يعلَمُ أنَّ ذلك كذلك، ولو قال بلسانِه: إنِّي كُنتُ لا أعتَقِدُ وجودَ الصَّانِعِ ولا عظَمَتَه، والآنَ فقد رجَعْتُ عن ذلك، عَلِمْنا أنَّه كاذِبٌ، فإنَّ فِطَر الخلائِقِ كُلِّها مجبولةٌ على الاعترافِ بوُجودِ الصَّانِعِ وتعظيمِه، فلا شُبهةَ تَدْعوه إلى هذا السَّبِّ، ولا شَهْوةَ له في ذلك، بل هو مُجَرَّدُ سُخريةٍ واستهزاءٍ واستهانةٍ وتمرُّدٍ على ربِّ العالَمينَ، تنبعثُ عن نفسٍ شَيطانيَّةٍ ممتَلِئةٍ من الغَضَبِ أو من سَفيهٍ لا وقارَ للهِ عندَه، كصُدورِ قَطْعِ الطَّريقِ والزِّنا عن الغضَبِ والشَّهوةِ، وإذا كان كذلك وجب أن يكونَ للسَّبِّ عُقوبةٌ تخصُّهُ حدًّا من الحدودِ، وحينَئذٍ فلا تسقُطُ تلك العقوبةُ بإظهارِ التَّوبةِ كسائِرِ الحُدودِ.
وممَّا يُبَيِّنُ أنَّ السبَّ قَدْرٌ زائدٌ على الكُفْرِ قَولُه تعالى:
وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ [الأنعام: 108] .
ومن المعلومِ أنَّهم كانوا مُشْرِكين مكَذِّبين مُعادين لرَسولِه، ثم نُهِي المُسلِمون أن يفعَلوا ما يكونُ ذَريعةً إلى سَبِّهم اللهَ، فعُلِمَ أنَّ سَبَّ اللهِ أعظَمُ عِندَه من أن يُشْرَكَ به ويُكَذَّبَ رَسولُه ويُعادى، فلا بدَّ له من عُقوبةٍ تختَصُّه لِما انتهكه من حُرمةِ اللهِ كسائرِ الحُرُماتِ التي تنتَهِكُها بالفِعلِ وأَولى، ولا يجوزُ أن يُعَاقَبَ على ذلك بدونِ القَتلِ؛ لأنَّ ذلك أعظَمُ الجَرائِمِ، فلا يُقابَلُ إلَّا بأبلَغِ العُقوباتِ.
ويدُلُّ على ذلِكَ قَولهُ سُبحانَه وتعالى:
إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا [الأحزاب: 57] ؛ فإنَّها تَدُلُّ على قَتْلِ من يُؤذي اللهَ كما تدلُّ على قَتْلِ من يؤذي رَسولَه، والأذى المُطلَقُ إنَّما هو باللِّسانِ ...
وأيضًا، فإنَّ إسقاطَ القَتلِ عنه بإظهارِ التَّوبةِ لا يرفَعُ مَفسَدةَ السَّبِّ لله سُبحانَه؛ فإنَّه لا يشاءُ أن يَفعَلَ ذلك، ثمَّ إذا أُخذ أَظهَرَ التَّوبةَ إلَّا فَعَلَ كما في سائِرِ الجرائِمِ الفِعليَّة.
وأيضًا، فإنَّه لم ينتَقِلْ إلى دينٍ يريدُ المُقامَ عليه حتى يكونَ الانتقالُ عنه تركًا له، وإنما فَعل جريمةً لا تُستدامُ، بل هي مِثلُ الأفعالِ الموجبةِ للعُقوباتِ، فتَكونُ العُقوبةُ على نَفْسِ تلك الجريمةِ الماضيةِ، ومِثلُ هذا لا يُستَتابُ، وَإِنَّمَا يُسْتَتَابُ من يعاقَبُ على ذَنبٍ مُستمِرٍّ مِن كُفرٍ أو رِدَّةٍ.
وأيضًا، فإنَّ استِتابةَ مِثْلِ هذا توجِبُ أن لا يُقامَ حَدٌّ على سابٍّ لله؛ فإنَّا نَعلَمُ أنْ ليس أحدٌ من النَّاس مُصِرًّا على السَّبِّ لله الذي يرى أنَّه سبٌّ، فإنَّ ذلك لا يدعو إليه عَقلٌ ولا طَبعٌ، وكلُّ ما أفضى إلى تعطيلِ الحُدودِ بالكُلِّيَّةِ كان باطلًا، ولَمَّا كان استتابةُ الفُسَّاقِ بالأفعالِ يُفضي إلى تعطيلِ الحُدودِ، لم يُشرَعْ، مع أنَّ أحَدَهم قد لا يتوبُ من ذلك لِما يدعوه إليه طَبْعُه، وكذلك المستتابُ مِن سَبِّ الرَّسولِ فلا يتوبُ لِما يَستَحِلُّه مِن سَبِّه، فاستتابةُ السَّابِّ لله الذي يسارِعُ إلى إظهارِ التَّوبةِ منه كلُّ أحدٍ أَولى أن لا يُشرَعَ إذا تضَمَّن تعطيلَ الحدِّ، وأوجَبُ أن تمضمَضَ الأفواهُ بهَتْكِ حُرمةِ اسمِ اللهِ والاستهزاءِ به.
وهذا كلامُ فَقيهٍ، لكِنْ يُعارِضُه أنَّ ما كان بهذه المثابةِ لا يحتاجُ إلى تحقيقِ إقامةِ الحَدِّ، ويكفي تعريضُ قائِلِه للقَتْلِ حتى يتوبَ.
ولِمَن ينصُرُ الأوَّلَ أن يقولَ: تحقيقُ إقامةِ الحَدِّ على السابِّ للهِ ليس لمجرَّدِ زَجْرِ الطِّباعِ عَمَّا تهواه، بل تعظيمًا للهِ، وإجلالًا لذِكْرِه، وإعلاءً لكَلِمتهِ، وضَبْطًا للنُّفوسِ أن تتسَرَّع إلى الاستهانةِ بجَنابهِ، وتقييدًا للألسُنِ أن تتفَوَّهَ بالانتِقاصِ لحَقِّه.
وأيضًا، فإنَّ حَدَّ سبِّ المخلوقِ وقَذْفِه لا يَسقُطُ بإظهارِ التَّوبة؛ فحَدُّ سَبِّ الخالِقِ أَولى.
وأيضًا، فحدُّ الأفعالِ الموجِبةِ للعُقوبةِ لا تَسقُطُ بإظهارِ التَّوبةِ؛ فكذلك حَدُّ الأقوالِ، بل شَأنُ الأقوال وتأثيرُها أعظَمُ.
وجِماعُ الأمرِ أنَّ كُلَّ عقوبةٍ وجَبَت جَزاءً ونَكالًا على فعلٍ أو قولٍ ماضٍ، فإنَّها لا تَسقُطُ بالتَّوبةِ بعد الرَّفعِ إلى السُّلطانِ؛ فسَبُّ اللهِ أَولى بذلك، ولا يَنتَقِضُ هذا بتوبةِ الكافِرِ والمرتَدِّ؛ لأنَّ العقوبةَ هناك إنَّما هي على الاعتِقادِ الحاضِرِ في الحالِ المُستصحَبِ مِن الماضي، فلا يَصلُحُ نَقضًا لوَجهَينِ:
أحَدُهما: أنَّ عُقوبةَ السَّابِّ لله ليست لذَنبٍ استصحَبَه واستدامَه؛ فإنَّه بعد انقضاءِ السَّبِّ لم يَستصحِبْه ولم يستَدِمْه، وعقوبةُ الكافِرِ والمرتَدِّ إنما هي الكُفْرُ الذي هو مُصِرٌّ عليه مقيمٌ على اعتقادِه.
الثَّاني: أنَّ الكافِرَ إنما يُعاقَبُ على اعتقادٍ هو الآنَ في قَلْبِه، وقَولُه وعَمَلُه دليلٌ على ذلك الاعتقادِ، حتى لو فُرِضَ أنْ عَلِمْنا أنَّ كَلِمةَ الكُفْرِ التي قالها خرجت من غير اعتقادٍ لموجِبِها لم نكفِّرْه بأن يكون جاهلًا بمعناها، أو مخطئًا قد غَلِطَ وسَبَق لِسانُه إليها مع قَصْدِ خِلافِها، ونحو ذلك، والسابُّ إنما يُعاقَب على انتهاكِه لحُرمةِ اللهِ واستخفافِه بحَقِّه فيُقتَلُ، وإنْ عَلِمْنا أنَّه لا يَسْتحسِنُ السَّبَّ لله، ولا يَعتقِدُه دِينًا؛ إذ ليس أحدٌ من البَشَرِ يدينُ بذلك، ولا ينتَقِضُ هذا أيضًا بتَرْكِ الصَّلاةِ والزَّكاةِ ونَحوِهما؛ فإنَّهم إنما يُعاقَبون على دوامِ التَّركِ لهذه الفرائِضِ، فإذا فعلوها زال التَّركُ، وإن شِئْتَ أن تقولَ: الكافِرُ والمرتدُّ وتارِكو الفرائِضِ يعاقَبون على عَدَمِ فِعلِ الإيمانِ والفرائِضِ، أعني: على دوامِ هذا العَدَمِ، فإذا وُجِدَ الإيمانُ والفرائضُ امتنعت العقوبةُ؛ لانقطاعِ العَدَمِ، وهؤلاء يعاقَبون على وُجودِ الأقوالِ والأفعالِ الكبيرةِ، لا على دوامِ وُجودِها، فإذا وُجِدَت مَرَّةً لم يرتَفِعْ ذلك بالتَّركِ بعد ذلك.
وبالجُملةِ فهذا القَولُ له تَوَجُّهٌ وقُوَّةٌ ... ولا خِلافَ في قَبولِ التَّوبةِ فيما بينه وبين اللهِ سُبحانَه، وسُقوطِ الإثمِ بالتَّوبةِ النَّصوحِ.
ومن النَّاسِ من سَلَك في سابِّ اللهِ تعالى مَسلَكًا آخَرَ، وهو أنَّه جعَلَه مِن بابِ الزِّنديقِ، ... لأنَّ وُجودَ السَّبِّ منه -مع إظهارِه للإسلامِ- دليلٌ على خُبثِ سَرِيرته، لكِنْ هذا ضعيفٌ؛ فإنَّ الكلامَ هنا إنما هو في سبٍّ لا يتدَيَّنُ به، فأمَّا السَّبُّ الذي يُتَدَيَّنُ به، كالتثليثِ، ودعوى الصَّاحِبةِ والوَلَدِ، فحُكمُه حُكمُ أنواعِ الكُفْرِ، وكذلك المقالاتُ المكفِّرةُ، مِثلُ مقالةِ
الجَهْميَّةِ، والقَدَريَّةِ، وغَيرِهم من صُنوفِ البِدَعِ.
وإذا قَبِلْنا توبةَ من سَبَّ اللهَ سُبحانَه فإنَّه يُؤَدَّبُ أَدبًا وَجِيعًا حتى يَرْدَعَه عن العَودِ إلى مِثلِ ذلك، هكذا ذكَرَه بَعضُ أصحابِنا، وهو قولُ أصحابِ
مالكٍ في كلِّ مرتَدٍّ)
[1846] يُنظر: ((الصارم المسلول)) لابن تيمية (3/ 1017 - 1030) .
وقال
ابنُ باز: (الذي يَسُبُّ الدِّينَ أو يَسُبُّ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من أعظَمِ النَّاسِ مُحاربةً لله ورَسولِه، ومن أعظَمِ النَّاسِ فسادًا في الأرضِ، فلا تُقبَلُ توبتُه بعد القُدرةِ عليه، بل يجِبُ تنفيذُ حُكمِ اللهِ فيه، وهو القَتلُ؛ حتَّى لا يتجَرَّأَ النَّاسُ على سَبِّ الدِّين، أو سَبِّ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)
[1847] ينظر: ((فتاوى نور على الدرب)) (4/ 151). .
ول
ابنِ باز عِدَّةُ فتاوى في جوازِ استِتابةِ سابِّ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فإن تاب وإلَّا قُتِلَ، ومن ذلك قَولُه: (لو سَبَّ القُرآنَ أو سَبَّ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أو غيرَه من الأنبياءِ، فإنَّه يُستتابُ، فإن تاب وإلَّا قُتِلَ)
[1848] ينظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (6/ 387). ويُنظر: ((فتاوى نور على الدرب)) له (22/ 18). .
وقال
ابنُ عثيمين: (من سَبَّ اللهَ أو رَسولَه ثمَّ تاب، فالصَّحيحُ قَبولُ توبتِه، ثمَّ إن كان في حَقِّ اللهِ ارتفع عنه القَتلُ؛ لأنَّه إنَّما يُقتَلُ لحَقِّ اللهِ، وقد عفا اللهُ عنه، وإن كان في حَقِّ الرَّسولِ، فهو مؤمِنٌ، ولكِنْ نَقتُلُه، ثمَّ نُغَسِّلُه ونُكَفِّنُه ونصَلِّي عليه)
[1849] ينظر: ((شرح العقيدة السفارينية)) (ص:391). .