الفرعُ الثاني: فَضْلُ الزُّبَيْرِ بنِ العَوَّامِ رَضِيَ اللهُ عنه
لهُ فضائِلُ كثيرةٌ؛ مِنها:
1- عن
جابِرِ بنِ عَبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((إنَّ لكُلِّ نبيٍّ حوارِيًّا، وإنَّ حَوارِيَّ الزُّبَيْرُ بنُ العَوَّا مِ)) [1721] رواه البخاري (2847) واللَّفظُ له، ومسلم (2415). .
وفي رِوايةٍ: نَدَب رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم النَّاسَ يَومَ الخَندَقِ، فانتَدَبَ الزُّبَيرُ، ثُمَّ نَدَبهم فانتَدَبَ الزُّبَيْرُ، ثُمَّ نَدَبَهم فانتَدَبَ الزُّبَيْرُ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((لكُلِّ نَبيٍّ حَواريٌّ، وحَوارِيَّ الزُّبَيْرُ)) [1722] رواه البخاري (7261)، ومسلم (2415) واللَّفظُ له .
قال
ابنُ الأثيرِ: (فيه «الزُّبَيْرُ ابنُ عَمَّتي وحَوارِيَّ مِن أمَّتي» أي: خاصَّتي من أصحابي وناصِري.
ومِنهُ «الحَواريُّونَ أصحابُ المَسيحِ عليه السَّلامُ» أي: خُلَصاؤُه وأنصارُهُ. وأصلُهُ مِنَ التَّحويرِ: التَّبييضُ. قيلَ: إنَّهم كانوا قَصَّارين يُحَوِّرونَ الثِّيابَ، أي: يُبيِّضونَها.
ومِنهُ «الخُبزُ الحُوارَى» الَّذي نُخِلَ مَرَّةً بَعدَ مَرَّةٍ. قال الأزهَريُّ: الحَواريُّونَ خُلصانُ الأنبياءِ، وتَأويلُهُ: الَّذينَ أخلَصوا ونُقُّوا من كُلِّ عَيبٍ)
[1723] يُنظر: ((النهاية)) (1/ 457). .
وقال أبو العَبَّاسِ القُرطُبيُّ: (قَولُه: (نَدَب رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم النَّاسَ، فانتَدَبَ الزُّبَيرُ) أي: رَغَّبَهم في الجِهادِ، وحَضَّهم عليه، فأجابَ الزُّبَيْرُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وعِندَ ذلك قال لهُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((لكُلِّ نَبيٍّ حَوارِيٌّ، وحَوارَيَّ الزُّبَيْرُ))، أي: خاصَّتي، والمُفَضَّلُ عِندي وناصِري)
[1724] يُنظر: ((المفهم)) (6/ 289). .
وقال
العَينيُّ: (فإنْ قُلتَ: الصَّحابةُ كُلُّهم أنصارُ رَسولِ اللهِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، خُلَصاءُ، فما وجهُ التَّخصيصِ به؟ قُلنا: هَذا قالهُ حينَ قال يَومَ الأحزابِ: مَن يَأتيني بخَبرِ القَومِ؟ قال الزُّبَيْرُ: أنا، ثُمَّ قال: مَن يَأتيني بخَبرِ القَومِ؟ فقال: أنا، وهَكَذا مَرَّةً ثالِثةً، ولا شَكَّ أنَّه في ذلك الوَقتِ نَصَرَ نُصرةً زائِدةً عَلى غَيرِه)
[1725] يُنظر: ((عمدة القاري)) (16/223). .
2- من مَناقِبِه رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فَدَّاهُ بأبَوَيه.
عن
عَبدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال:
((كُنتُ يَومَ الأحزابِ جَعَلْتُ أنا وعُمرُ بنُ أبي سَلَمةَ في النِّساءِ، فنَظَرتُ فإذا أنا بالزُّبَيْرِ عَلى فَرَسِه يَختَلِفُ إلى بني قُرَيظةَ مَرَّتينِ أو ثَلاثًا، فلَمَّا رَجَعْتُ قُلتُ: يا أبتِ رَأيتُكَ تَختَلِفُ! قال: وهَل رَأيتَني يا بُنيَّ؟ قُلتُ: نَعَم، قال: كانَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: مَن يَأتي بني قُرَيظةَ فيأتيني بخَبَرِهم؟ فانطَلَقْتُ فلَمَّا رَجَعتُ جَمعَ لي رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أبوَيه، فقال: فِداكَ أبي وأمِّي !)) [1726] رواه البخاري (3720) واللَّفظُ له، ومسلم (2416). .
قال الدَّاودي: (لا أعلَمُ رجلًا جمع لهُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أبَوَيه إلَّا الزُّبَيرَ و
سَعدَ بنَ أبي وقَّاصٍ، كان يَقولُ له:
((ارْمِ فِداك أبِّي وأمِّي))، وإنَّما كانَ يَقولُ لغَيرِهِما:
((ارْمِ فِداك أبي)) أو
((فَدَتْكَ أمِّي))، وهيَ كلِمةٌ تُقالُ للتَّبجيلِ ليسَ عَلى الدُّعاءِ ولا عَلى الخَبَرِ)
[1727] يُنظر: ((التوضيح لشرح الجامع الصحيح)) لابن الملقن (17/ 491). .
وقال
عليٌّ القاري: (في هَذِه التَّفديةِ تَعظيمٌ لقَدرِه واعتِدادٌ بعَمَلِه واعتِبارٌ بأمرِه؛ وذلك لأنَّ الإنسانَ لا يُفَدِّي إلَّا مَن يُعظِّمُه فيَبذُلُ نَفسَهُ أو أعَزَّ أهلِهِ له)
[1728] يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) (9/ 3949). .
3- من مَناقِبِه رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه كانَ مِمَّنِ استِجابَ للهِ والرَّسولِ من بَعدِ ما أصابَهمُ القَرحُ يَومَ أُحُدٍ.
عن
عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّها قالت ل
عُروةَ بنِ الزُّبَيْرِ في قَولِ اللهِ تعالى:
الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ والرَّسولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقُرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ [آل عِمران: 172] : يا ابنَ أُختي، كانَ أبواكَ مِنهم -الزُّبَيْرُ، و
أبو بَكْرٍ- لَمَّا أصابَ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما أصابَ يَومَ أُحُدٍ، وانصَرَفَ عنه المُشْرِكونَ، خافَ أن يَرجِعوا، قال: مَن يَذهَبُ في إثرِهِم؟ فانتَدَبَ مِنهم سَبعونَ رَجُلًا، قال: كانَ فيهِم
أبو بَكْرٍ والزُّبَيْرُ
[1729] رواه البخاري (4077) واللَّفظُ له، ومسلم (2418). .
قال
ابنُ المُلقِّنِ: (النَّدْبُ: أن يَدعوَ القَومَ إلى الحَربِ أوِ الأمرِ، وانتَدَبوهم أجابوا لِمَا دُعُوا إليه. وعنِ
ابنِ عَبَّاسٍ أنَّ المُشرِكين لَمَّا انصَرَفوا يَومَ أُحُدٍ وبَلَغوا الرَّوحاءَ حَرَّضَ بَعضُهم بَعضًا عَلى الرُّجوعِ لمُقاتَلةِ المُسْلِمينَ، فبَلَغَ ذلك رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فنَدَب أصحابَهُ للخُروجِ فانتَدَبوا حَتَّى وافَوا -يَعني حَمراءَ الأسَدِ، وهيَ عَلى ثَمانيةِ أميالٍ مِنَ المَدينةِ- فنَزَلَت هَذِه الآيةُ)
[1730] يُنظر: ((التوضيح لشرح الجامع الصحيح)) (21/ 188). .
4- عن مَروانَ بنِ الحَكَمِ قال: (أصابَ عُثمانَ بنَ عَفَّانَ رُعافٌ
[1731] (رعف... خرج من أنفِه الدَّمُ). يُنظر: ((القاموس المحيط)) للفيروزآبادي (ص: 813). شَديدٌ سَنةَ الرُّعافِ، حَتَّى حَبَسه عنِ الحَجِّ، وأوصى، فدخل علَيه رَجُلٌ مِن قُرَيشٍ قال: استخلِفْ، قال: وقالوهُ؟! قال: نَعَم، قال: ومَن؟ فسَكَت، فدَخَلَ عليه رَجُلٌ آخَرُ -أحسَبُه الحارِثَ- فقال: استَخلِفْ، فقال عُثمانُ: وقالوا؟ فقال: نَعَم، قال: ومَن هو؟ فسَكَت، قال: فلَعَلَّهم قالوا: الزُّبَيْرُ، قال: نَعَم، قال: أمَا والَّذي نَفسي بيَدِه إنَّهُ لخَيرُهم، ما عَلِمتُ، وإن كانَ لأحَبَّهُم إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)
[1732] رواه البخاري (3717). . وفي رِوايةٍ أخرى قال: (أمَا واللهِ، إنَّكم لتَعلَمونَ أنَّه خَيرُكم، ثَلاثًا)
[1733] رواها البخاري (3718). .
قال ابنُ هُبَيرةَ: (فيه مِنَ الفِقْهِ أنَّ الزُّبَيْرَ رَضِيَ اللهُ عنه كانَ مِنَ الشَّرَفِ والمَقامِ في الإسلامِ بحَيثُ تَسبِقُ الظُّنونُ إلى أنَّه هو المُستَخلَفُ بَعدَ عُثمانَ)
[1734] يُنظر: ((الإفصاح)) (1/ 237). .
5- من مَناقِبِه رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه كانَ شُجاعًا مِقْدامًا في ساحةِ القِتالِ.
عن
عُروةَ أنَّ أصحابَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قالوا للزُّبَيرِ يَومَ اليَرْموك: (ألا تَشُدُّ فنشُدُّ مَعَك؟ فحَمَلَ عليهِم، فضَربوهُ ضَربَتينِ عَلى عاتِقِه، بَينَهما ضَربةٌ ضُرِبَها يَومَ بَدرٍ، قال
عُروةُ: فكُنتُ أُدخِلُ أصابِعي في تِلكَ الضَّرَباتِ ألعَبُ وأنا صَغيرٌ)
[1735] رواه البخاري (3721). !
قال ابنُ هُبَيرةَ: (في هَذا الحَديثِ مِنَ الفِقْهِ شِدَّةُ بأسِ الزُّبَيْرِ، وأنَّه لَمَّا أغراهُ قَومٌ بالحَملةِ ولاحَ لهُ أنَّهم لا يَشُدُّونَ مَعَهُ، حَمَل إذ عَزَم، وأنَّه شَقَّ الصُّفوفَ حَتَّى تَجاوَزَها، ويَدُلُّ عَلى ذلك عَودةٌ مِن ورائِها حينَ ضُربَ ضَربَتين عَلى عاتِقِه، كانَ بَينَهما ضَربةٌ ضُرِبَها يَومَ بَدرٍ، وأنَّ ذلك كانَ مِنَ الآثارِ المُستَحسَنةِ؛ حَتَّى قال
عُروةُ بنُ الزُّبَيْرِ: كُنتُ أُدخِلُ يَدي فيها ألعَبُ بها)
[1736] يُنظر: ((الإفصاح)) (1/ 317). .
6- من مَناقِبِه شَهادةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لهُ بالجَنَّةِ.
عن
عَبدِ الرَّحمَنِ بنِ عَوفٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((أبو بَكْرٍ في الجَنَّةِ، وعُمَرُ في الجَنَّةِ، وعُثمانُ في الجَنَّةِ، وعَليٌّ في الجَنَّةِ، وطَلحةُ في الجَنَّةِ، والزُّبَيْرُ في الجَنَّةِ ...)) الحَديث
[1737] رواه الترمذي (3747) واللَّفظُ له، وأحمد (1675). صحَّحه ابنُ حبان في ((صحيحه)) (7002)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (3747)، وصحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (3/136)، وشعيب الأرناؤوط على شرط مسلم في تخريج ((صحيح ابن حبان)) (7002). .
قال
المُناويُّ: (إنَّما بَشَّرَ العَشَرةَ بكَونِهِم فيها مَعَ أنَّ عامَّةَ أصحابِه فيها ولَم يُبشِّرْهم؛ لأنَّ عَظمةَ اللهِ قَد مَلَأت صُدورَ أولَئِكَ فلَم تَضُرَّهمُ البُشْرى، وأمَّا غَيرُهم فلَم يَأمَنْ نُفوسَهم، فكتَمَ عنهم)
[1738] يُنظر: ((التيسير بشرح الجامع الصغير)) (2/ 132). .
7- من مَناقِبِه رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم شَهِدَ لهُ بالمَوتِ شَهيدًا.
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كانَ عَلى حِراءٍ هو و
أبو بَكْرٍ وعُمَرُ وعُثمانُ وعَليٌّ و
طَلحةُ والزُّبَيْرُ، فتَحَرَّكَتِ الصَّخرةُ، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
((اهَدَأْ، فما عليكَ إلَّا نَبيٌّ أو صِدِّيقٌ أو شَهيدٌ )) [1739] رواه مسلم (2417). .
قال
النَّوَويُّ: (في هَذا الحَديثِ مُعجِزاتٌ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ مِنها إخبارُهُ أنَّ هَؤُلاءِ شُهداءُ، وماتوا كُلُّهم غَيرَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم و
أبي بَكْرٍ شُهداءَ؛ فإنَّ عُمرَ وعُثمانَ وعَلِيًّا و
طَلَحةَ والزُّبَيْرَ رَضِيَ اللهُ عنهم قُتِلوا ظُلمًا شُهداءَ، فقَتْلُ الثَّلاثةِ مَشهورٌ، وقُتِلَ الزُّبَيْرُ بوادي السِّباعِ بقُربِ البَصرةِ مُنصَرِفًا تارِكًا للقِتالِ)
[1740] يُنظر: ((شرح مسلم)) (15/190). .