المَطلَبُ الخامِسُ: عِظَمُ ثوابِ مَن أحصى أسماءَ اللهِ سُبحانَه وتعالى
قال الله تعالى:
وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف: 180] .
وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((لله تِسعةٌ وتِسعونَ اسمًا؛ مائةٌ إلَّا واحِدًا، لا يَحفَظُها أحَدٌ إلَّا دَخَل الجنَّةَ، وهو وِتْرٌ يُحِبُّ الوِتْرَ )) [976] أخرجه البخاري (6410) واللَّفظُ له، ومسلم (2677). . وفي روايةٍ:
((مَن أحصاها دَخَل الجَنَّةَ )) [977] أخرجها البخاري (7392)، ومسلم (2677). .
قال ابنُ تَيميَّةَ: (الصَّوابُ الذي عليه جُمهورُ العُلَماءِ أنَّ قَولَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((إنَّ للهِ تِسعةً وتِسعينَ أسمًا من أحصاها دَخَل الجَنَّةَ )) معناه أنَّ من أحصى التِّسعةَ والتِّسعينَ مِن أسمائِه دَخَل الجنَّةَ، ليس مرادُه أنَّه ليس له إلَّا تسعةٌ وتِسعونَ اسمًا)
[978] يُنظر: ((درء تعارض العقل والنقل)) (3/332). .
وقال أيضًا: (إنَّ التِّسعةَ والتِّسعينَ اسمًا لم يَرِدْ في تعيينِها حديثٌ صَحيحٌ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأشهَرُ ما عندَ النَّاسِ فيها حديثُ
التِّرمذيِّ الذي رواه الوَليدُ بنُ مُسلمٍ عن شُعَيبٍ عن أبي حمزةَ
[979] لفظ الحديث: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن لله تعالى تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور الغفار القهار الوهاب الرزاق الفتاح العليم القابض الباسط الخافض الرافع المعز المذل السميع البصير الحكم العدل اللطيف الخبير الحليم العظيم الغفور الشكور العلي الكبير الحفيظ المقيت الحسيب الجليل الكريم الرقيب المجيب الواسع الحكيم الودود المجيد الباعث الشهيد الحق الوكيل القوي المتين الولي الحميد المحصي المبدئ المعيد المحيي المميت الحي القيوم الواجد الماجد الواحد الصمد القادر المقتدر المقدم المؤخر الأول الآخر الظاهر الباطن الوالي المتعالي البر التواب المنتقم العفو الرؤوف مالك الملك ذو الجلال والإكرام المقسط الجامع الغني المغني المانع الضار النافع النور الهادي البديع الباقي الوارث الرشيد الصبور)) أخرجه الترمذي (3507) واللفظ له، وابن حبان (808)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (102). قال الترمذي: غريب، وقال ابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (8/96): ليس هو عند أهل المعرفة بالحديث من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (2/219): ليس له إسناد صحيح، وقال الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (2/108): في إسناده مقال، وقال الألباني في ((ضعيف الترمذي)) (3507): ضعيف بسرد الأسماء. ، وحُفَّاظُ أهلِ الحديثِ يقولونَ: هذه الزِّيادةُ مِمَّا جمَعَه الوَليدُ بنُ مُسلِمٍ عن شُيوخِه مِن أهلِ الحَديثِ. وفيها حديثٌ ثانٍ أضعَفُ من هذا، رواه
ابنُ ماجَهْ)
[980] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (22/482). .
وقال
ابنُ كثيرٍ: (الذي عوَّل عليه جماعةٌ مِن الحُفَّاظِ أنَّ سَرْدَ الأسماءِ في هذا الحديثِ مُدرَجٌ فيه، وإنَّما ذلك كما رواه الوَليدُ بنُ مُسلمٍ وعبدُ المَلِكِ بنُ محمَّدٍ الصَّنعانيُّ، عن زُهيرِ بنِ محمَّدٍ: أنَّه بَلَغَه عن غيرِ واحدٍ مِن أهلِ العِلْم أنَّهم قالوا ذلك، أي: أنَّهم جَمَعوها مِن القُرآنِ، كما ورد عن جَعفرِ بنِ محمَّدٍ و
سُفيانَ بنِ عُيَينةَ وأبي زَيدٍ اللُّغَويِّ. واللهُ أعلَمُ. ثمَّ ليُعلَمْ أنَّ الأسماءَ الحُسْنى ليست مُنحَصِرةً في التِّسعةِ والتِّسعينَ)
[981] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (3/515). .
وقد اختَلَف أهلُ العِلْم في المرادِ بإحصائِها.
قال
الخَطَّابيُّ: (الإحصاءُ في هذا يحتَمِلُ وُجوهًا؛ أظهَرُها العَدُّ لها حتى يستوفِيَها، يريدُ أنَّه لا يَقتَصِرُ على بَعْضِها، لكِنْ يدعو اللهَ بها كُلِّها، ويُثني على اللهِ بجَميعِها، فيَستوجِبُ بذلك الموعودَ عليها من الثَّوابِ)
[982] يُنظر: ((أعلام الحديث)) (2/ 1342). .
وقال عِياضٌ: (قَولُه: (من أحصاها): قيل: مَن حَفِظَها، وقد جاء مُفَسَّرًا في حديثٍ (مَن حَفِظَها)
[983] أخرجه مسلم (2677) من حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. وأخرجه البخاري (6410) بلفظ: ((لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة)) . وقيل: من عَدَّها ليدعوَ بها، كقَولِه:
وَأَحْصَى كُلَّ شَىْءٍ عَدَدًا وقيل: (من أحصاها): من وَحَّد اللهَ بها ودعا بها، يريدُ توحيدَه وتعظيمَه والإخلاصَ له. وقيل: (أحصاها) بمعنى: أطاقها. كقَولِه:
عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ أي: تُطيقُوه، وإطاقتُها: حُسنُ المراعاةِ لها، والمحافَظةُ لحُدودِها، والتَّصديقُ بمعانيها، والعِلْمُ بها، ومُقتَضى كُلِّ اسمٍ وصِفةٍ يُستفادُ منها، وتحقيقُها. وقيل: إحصاؤُها: العَمَلُ بها، والتعَبُّدُ للهِ بمعنى كُلِّ اسمٍ منها، والإيمانُ بها لا يَقتَضي تعَبُّدًا ولا عَمَلًا. وقيل: معنى ذلك خَتْمُ القُرآنِ وتِلاوتُه كُلِّه؛ لأنَّه مُستَوفٍ لهذه الأسماءِ)
[984] يُنظر: ((إكمال المعلم)) (8/ 176). .
وقال
النَّوويُّ: (قال
البُخاريُّ وغَيرُه مِن المحَقِّقينَ: معناه: حِفْظُها، وهذا هو الأظهَرُ؛ لأنَّه جاء مُفَسَّرًا في الرِّوايةِ الأُخرى: (مَن حَفِظَها). وقيل: أحصاها: عَدَّها في الدُّعاءِ بها. وقيل: أطاقَها، أي: أحسَنَ المراعاةَ لها والمحافَظةَ على ما تَقتَضيه، وصَدَّقَ بمعانيها. وقيل: معناه: العَمَلُ بها والطَّاعةُ بكُلِّ اسمِها، والإيمانُ بها لا يقتَضي عَمَلًا. وقال بَعضُهم: المرادُ: حِفْظُ القُرآنِ وتِلاوتُه كُلِّه؛ لأنَّه مُستَوفٍ لها. وهو ضعيفٌ، والصَّحيحُ الأوَّلُ)
[985] يُنظر: ((شرح مسلم)) (17/5). .
وقال
ابنُ عُثَيمين: (إحصاءُ أسْماءِ اللهِ معناه:
1- الإحاطةُ بها لفظًا ومعنًى.
2- دُعاءُ اللهِ بها؛ لِقَولِه تعالى:
فَادْعُوهُ بِهَا، وذلك بأن تجعَلَها وَسيلةً لك عند الدُّعاءِ، فتَقولَ: يا ذا الجَلالِ والإكرامِ، يا حَيُّ يا قَيُّومُ، وما أشبَهَ ذلك.
3- أن تتعبَّدَ لله بمُقتَضاها، فإذا عَلِمْتَ أنَّه رحيمٌ، تتعَرَّضُ لرَحمتِه، وإذا عَلِمتَ أنَّه غفورٌ، تتعَرَّضُ لمغفرتِه، وإذا عَلِمتَ أنَّه سميعٌ، اتَّقَيتَ القَولَ الذي يُغضِبُه، وإذا عَلِمتَ أنَّه بصيرٌ، اجتَنبْتَ الفِعلَ الذي لا يرضاه)
[986] يُنظر: ((القول المفيد)) (2/314). .