الأَذَنُ (بمعنى الاستِماعِ)
صفةٌ فِعليَّةٌ ثابتةٌ للهِ عزَّ وجلَّ بالحديثِ الصَّحيحِ.
الدَّليلُ:حديثُ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا:
((ما أَذِنَ اللهُ لشيءٍ كأَذَنِه لنبيٍّ يتغنَّى بالقُرآنِ يجهَرُ به )) [1509] أخرجه البخاري (7482)، ومسلم (792)، واللَّفظُ له. .
قال
أبو عُبَيدٍ القاسمُ بنُ سلَّامٍ: (قَولُه: «كأَذَنِه» يعني: ما استَمَع اللهُ لشيءٍ كاستماعِه لنبيٍّ يتغنَّى بالقُرآنِ، حدَّثناه حجَّاجٌ عنِ ابنِ جُرَيجٍ عن مجاهدٍ في قولِه تعالى:
وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ [الإنشقاق: 2]، قال: استَمَعَت أو سَمِعَت -شكَّ
أبو عُبَيدٍ- يُقالُ: أذِنْتُ للشَّيءِ آذَنُ له أَذَنًا: إذا استمَعْتُ أو سَمِعتُ له...)
[1510] يُنظر: ((غريب الحديث)) (1/ 346). .
وقالَ
البَغَويُّ: (قَولُه: «ما أَذِنَ اللهُ لشيءٍ كأَذَنِه» يعني: ما استمَعَ اللهُ لشيءٍ كاستماعِه، واللهُ لا يَشغَلُه سَمْعٌ عن سَمْعٍ، يُقالُ: أذِنْتُ للشَّيءِ آذَنُ أَذَنًا، بفتحِ الذَّالِ: إذا سمِعْتُ له...)
[1511] يُنظر: ((شرح السنة)) (4/484). .
وقال
الخطَّابيُّ: (قَولُه:
((ما أَذِنَ اللهُ لشيءٍ كأَذَنِه لنبيٍّ يتغنَّى بالقُرآنِ)) الألِفُ والذَّالُ مفتوحتانِ، مصدرُ أَذِنْتُ للشَّيءِ أَذَنًا: إذا استمَعْتَ له، ومَن قال: كإِذْنِه فقد وهِمَ)
[1512] يُنظر: ((غريب الحديث)) (3/256). .
وقال
ابنُ كثيرٍ: (معناه: أنَّ اللهَ تعالى ما استمَع لشيءٍ كاستماعِه لقراءةِ نبيٍّ يجهَرُ بقراءتِه ويُحسِّنُها؛ وذلك أنَّه يجتمِعُ في قراءةِ الأنبياءِ طِيبُ الصَّوتِ؛ لكمالِ خَلْقِهم، وتمامُ الخشيةِ، وذلك هو الغايةُ في ذلك، وهو سُبحانَه وتعالى يسمَعُ أصواتَ العبادِ كلِّهم؛ بَرِّهم وفاجِرِهم؛ كما قالت
عائشةُ رَضِيَ اللهُ عنها: سُبحانَ الَّذي وسِعَ سَمعُه الأصواتَ
[1513] أخرجه البخاري معلقاً بصيغة الجزم قبل حديث (7386)، وأخرجه موصولاً النسائي (3460) واللفظ له، وابن ماجه (188)، وأحمد (24195) بلفظ: (الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات) صححه ابن عساكر في ((معجم الشيوخ)) (1/163)، وابن حجر في ((تغليق التعليق)) (5/339)، والألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (3460)، والوادعي على شرط مسلم في ((الصحيح المسند)) (1583). . ولكنِ استماعُه لقراءةِ عبادِه المؤمِنينَ أعظَمُ، كما قال تعالى:
وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآَنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ [يونس: 61] الآيةَ، ثمَّ استماعُه لقراءةِ أنبيائِه أبلَغُ، كما دلَّ عليه هذا الحديثُ العظيمُ، ومنهم مَن فسَّرَ الأَذَنَ هاهنا بالأمرِ، والأوَّلُ أَوْلى؛ لقَولِه:
((ما أَذِنَ اللهُ لشيءٍ كأَذَنِه لنبيٍّ يتغنَّى بالقُرآنِ)) أي: يجهَرُ به، والأَذَنُ: الاستماعُ؛ لدلالةِ السِّياقِ عليه.)
[1514] يُنظر: ((فضائل القرآن)) (ص: 179-181). .
وقال
ابنُ فارسٍ: (ويُقالُ للرَّجُلِ السَّامعِ مِن كُلِّ أحَدٍ: أُذُنٌ؛ قال اللهُ تعالى:
وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ [التوبة: 61] ... والأَذَنُ: الاستِماعُ، وقيل: أَذَنٌ؛ لأنَّه بالأُذُنِ يكونُ)
[1515] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) (1/76). .
وهذا في حقِّ المخلوقينَ، أمَّا الخالقُ سُبحانَه وتعالى فشأنُه أعظَمُ؛ حيث قال تعالى:
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11] ، فنقولُ: إنَّ اللهَ يأذَنُ أَذَنًا، أي: يستمعُ استماعًا بلا كيفٍ.
وقال
ابنُ عُثَيمين: (قَولُه:
((ما أَذِنَ اللهُ لشيءٍ ما أَذِنَ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)) ومعنى هذا الأَذَنِ: الاستماعُ للشَّيءِ، يعني: ما استمَعَ اللهُ لشيءٍ كاستماعِه لنبيٍّ حسَنِ الصَّوتِ، وفي روايةٍ أخرى: يتغنَّى بالقُرآنِ، يعني: يجهَرُ به)
[1516] يُنظر: ((شرح صحيح البخاري)) (8/513). .
وقال البرَّاكُ: فمعنى: («ما أَذِنَ اللهُ» أي: ما استمَعَ... فإنَّ الاستماعَ -وفي معناه الأَذَنُ- مِن الصِّفاتِ الفِعليَّةِ)
[1517] يُنظر: ((تعليقاتُ الشيخ البَرَّاك على المُخالفات العَقَديَّة في فتح الباري)) (9/69). .