الحِكْمَةُ
صِفةٌ ذاتيَّةٌ للهِ عزَّ وجلَّ، من اسمِه (الحَكيم) الثَّابتِ بالكِتابِ والسُّنَّةِ.
الدَّليلُ مِن الكِتابِ: 1- قولُه تعالى:
وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ [الأنعام: 18] .
2- قَولُه:
وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة: 228] .
قال
ابنُ جَريرٍ: (الحَكيمُ: هو ذو الحِكمةِ)
[1964] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (1/ 529). .
وقال
ابنُ جَريرٍ: (الحَكيمُ: الذي لا يدخُلُ تدبيرَه خَلَلٌ ولا زَلَلٌ)
[1965] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (2/ 578). .
وقال
الزَّجَّاجُ: (اللهُ حاكِمٌ وحكيمٌ، والأشبَهُ أن تحمِلَ كُلَّ واحدٍ منهما على معنًى غيرِ معنى الآخَرِ؛ لِيَكونَ أكثَرَ فائدةً، فحَكيمٌ بمعنى مُحكِمٍ، واللهُ تعالى محكِمٌ للأشياءِ مُتقِنٌ لها، كما قال تعالى:
صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ [النمل: 88] )
[1966] يُنظر: ((تفسير أسماء الله الحسنى)) (ص: 52). .
وقال
الزَّجَّاجيُّ: (الحكيمُ: الذي أفعالُه مُحكَمةٌ مُتقَنةٌ، لا تفاوُتَ فيها ولا اضطِرابَ، ومنه قيل: «بناءٌ مُحكَمٌ» أي: قد أُتقِنَ وأُحكِمَ، فاللهُ عَزَّ وجَلَّ حكيمٌ كما وصَفَ نَفسَه بذلك، لإتقانِ أفعالِه واتِّساقِها وانتِظامِها وتعَلُّقِ بَعضِها ببعضٍ... والحَكيمُ لا يُسمَّى حكيمًا حتى يكونَ عالِمًا، محكَمَ الأفعالِ، ممتَنِعًا من القبائِحِ، ومجانَسةِ الجُهَّالِ، وملابَسةِ القبيحِ والظُّلمِ)
[1967] يُنظر: ((اشتقاق أسماء الله)) (ص: 60). .
وقال الأزهريُّ: (من صِفاتِ اللهِ: الحَكَمُ والحكيمُ والحاكِمُ، وهو أحكَمُ الحاكمينَ، ومعاني هذه الأسماءِ مُتقاربةٌ، واللهُ أعلَمُ بما أراد بها، وعلينا الإيمانُ بأنَّها من أسمائِه، والحكيمُ يجوزُ أن يكونَ بمعنى حاكمٍ، مِثلُ قديرٍ بمعنى قادرٍ، وعليمٍ بمعنى عالمٍ.
والعَرَبُ تقولُ: حكَمْتُ وأحكَمْتُ، وحكَمْتُ بمعنى مَنعْتُ ورَدَدْتُ، ومن هذا قيلَ للحاكِمِ بيْن النَّاسِ حاكِمٌ: لأنَّه يمنعُ الظَّالمَ من الظُّلمِ)
[1968] يُنظر: ((تهذيب اللغة)) (4/ 69). .
وقال
الخَطَّابيُّ: (الحكيمُ: هو المحكِمُ لخَلْقِ الأشياءِ. صُرِفَ عن مُفعلٍ إلى فعيلٍ، كقَولِهم: أليمٌ بمعنى: مُؤلمٍ)
[1969] يُنظر: ((شأن الدعاء)) (1/ 73). .
وقال الحليميُّ: (الحكيمُ: قال اللهُ تعالى:
إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ [الحجر: 25] ، ومعناه: الذي لا يَقولُ ولا يَفعَلُ إلَّا الصَّوابَ، وإنَّما أن يُوصَفَ بذلك؛ لأنَّ أفعالَه سديدةٌ، وصُنعَه مُتقَنٌ، ولا يَظهَرُ الفِعلُ المتقَنُ السَّديدُ إلَّا من حكيمٍ)
[1970] يُنظر: ((المنهاج في شعب الإيمان)) (1/ 191). .
وقال
ابنُ القَيِّمِ: (قَولُه:
إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ [الذاريات: 30] متضَمِّنٌ لإثباتِ صِفةِ الحِكمةِ والعِلمِ اللَّذينِ هما مَصدَرُ الخَلقِ والأمرِ؛ فجَميعُ ما خَلَقه سُبحانَه صادِرٌ عن عِلْمِه وحِكمتِه، وكذلك أمرُه وشَرعُه مصدَرُه عن عِلمِه وحِكمتِه.
والعِلمُ والحِكمةُ مُتضَمِّنانِ لجميعِ صِفاتِ الكَمالِ، فالعِلمُ يتضَمَّنُ الحياةَ ولوازمَ كمالِها من القَيُّوميَّةِ والقُدرةِ والبقاءِ والسَّمعِ والبَصَرِ، وسائِرِ الصِّفاتِ التي يَستلزِمُها العِلمُ التَّامُّ، والحِكمةُ تتضَمَّنُ كمالَ الإرادةِ والعَدلِ والرَّحمةِ والإحسانِ والجُودِ والبِرِّ، ووَضْعَ الأشياءِ في مواضِعِها على أحسَنِ وُجوهِها، وتتضَمَّنُ إرسالَ وإثباتَ الثَّوابِ والعِقابِ.
كلُّ هذا العِلمِ مِن اسمِه الحكيمِ كما هي طريقةُ القُرآنِ في الاستِدلالِ على هذه المطالِبِ العَظيمةِ بصِفةِ الحِكمةِ، والإنكارِ على من يزعُمُ أنَّه خَلَق الخَلْقَ عبَثًا وسُدًى وباطِلًا، فحينئذٍ صفةُ حِكمتِه تتضَمَّنُ الشَّرعَ والقَدَرَ، والثَّوابَ والعِقابَ)
[1971] يُنظر: ((الرسالة التبوكية)) (ص: 69). .
وقال
ابنُ القَيِّمِ أيضًا: (الحكيمُ الذي لا يَضَعُ الشَّيءَ إلَّا في مَوضِعِه، فهو المحسِنُ الجَوَادُ الحَكيمُ العَدْلُ في كُلِّ ما خَلَقَه، وفي كُلِّ ما وضَعَه في محَلِّه وهيَّأَه له، وهو سُبحانَه له الخَلْقُ والأمرُ، فكما أنَّه في أمرِه لا يأمُرُ إلَّا بأرجَحِ الأمرَينِ، ويأمُرُ بتحصيلِ المصالحِ وتَكميلِها، وتعطيلِ المفاسِدِ وتقليلِها، وإذا تعارَضَ أمرانِ رَجَّح أحسَنَهما وأصلَحَهما، وليس في الشَّريعةِ أمرٌ يُفعَلُ إلَّا ووجودُه للمأمورِ خيرٌ مِن عدَمِه، ولا نُهِيَ عن فِعلٍ إلَّا وعَدَمُه خيرٌ مِن وجودِه)
[1972] يُنظر: ((شفاء العليل)) (ص: 461). .
وقال
ابنُ كثيرٍ: (الحكيمُ في أقوالِه وأفعالِه، وشَرعِه وقَدَرِه)
[1973] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (1/ 690). .
وقال
السَّعْديُّ: (الحكيمُ: من له الحِكمةُ التامَّةُ التي لا يخرُجُ عنها مخلوقٌ، ولا يَشِذُّ عنها مأمورٌ، فما خَلَق شيئًا إلَّا لحِكمةٍ، ولا أمَرَ بشيءٍ إلَّا لحكمةٍ، والحِكمةُ: وَضعُ الشَّيءِ في مَوضِعِه اللَّائِقِ به)
[1974] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 49). .
وقال
ابنُ عُثَيمين: (
الْحَكِيمُ له معنيانِ: الحاكِمُ، والمُحكِمُ؛ لأنَّها مأخوذةٌ من الحُكمِ ومِن الإحكامِ... «حكيمٌ» بمعنى حاكمٍ، صيغةُ مبالغةٍ «فعيل»، و«حكيم» مِن أحكَمَ، فهو بمعنى مُحكِمٍ)
[1975] يُنظر: ((تفسير العثيمين – سبأ)) (ص: 17) بتصرف يسير. .
الدَّليلُ من السُّنَّةِ:1- حديثُ
سعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا:
((قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، سُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وسُبحانَ اللهِ ربِّ العالَمينَ، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ العَزيزِ الحَكيمِ )) [1976] أخرجه مسلم (2696). .
قال
ابنُ القيِّمِ:
(وَهُوَ الحَكِيمُ وَذَاكَ مِن أَوْصَافِهِ نَوْعَانِ أَيْضًا مَا هُمَا عَدَمَانِ
حُكْمٌ وَإِحْكَامٌ فَكُلٌّ مِنْهُمَا نَوْعَانِ أَيْضًا ثَابِتَا البُرْهَانِ)
[1977] يُنظر: ((الكافية الشافية)) (ص: 712). .
قال محمد خليل هرَّاس في شرحِ البيْتَيْنِ: (مِن أسمائِه الحُسنى سُبحانَه: الحَكيمُ، وهو إمَّا فَعِيلٌ بمعنى فاعلٍ، أي: ذو الحُكْمِ، وهو القضاءُ على الشَّيءِ بأنَّه كذا، أو ليس كذا، وإمَّا فَعيلٌ بمعنى مُفعِلٍ، وهو الَّذي يُحكِمُ الأشياءَ ويُتقِنُها، وقيل: الحكيمُ ذو الحِكمةِ، وهي معرفةُ أفضلِ الأشياءِ بأفضلِ العلومِ)
[1978] يُنظر: ((شرح القصيدة النونية)) (2/81). .
اللغة