النَّفْسُ (بسُكونِ الفَاءِ)
أهلُ السُّنَّة والجماعةِ يُثبتونَ النَّفْسَ للهِ تعالى، ونَفْسُه هي ذاتُه عزَّ وجلَّ، وهي ثابتةٌ بالكِتابِ والسُّنَّةِ.
الدَّليلُ مِن الكِتابِ: 1- قولُه تَعالَى:
وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ [آل عمران: 28، 30].
2- قَولُه سُبحانَه حكايةً عن عيسَى عليه السَّلام:
تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ [المائدة: 116] .
3- قَولُه:
كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [الأنعام: 54] .
الدَّليلُ من السُّنَّةِ: 1- الحديثُ القُدسيُّ المشهورُ:
((يا عِبادي، إنِّي حرمتُ الظُّلمَ على نَفْسِي... )) [3037] أخرجه مسلم (2577) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
2- حديثُ
عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها مرفوعًا:
((... وأعوذُ بِكَ مِنك، لا أُحصِي ثناءً عليك، أنتَ كما أثنيتَ على نَفْسِك )) [3038] أخرجه مسلم (486). .
3- حديثُ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا:
((يَقولُ اللهُ تعالى: أنَا عندَ ظنِّ عَبْدِي بي، وأنا معَه إذا ذَكَرني؛ فإنْ ذَكَرني في نَفْسِه، ذَكرتُه في نَفْسي... )) [3039] أخرجه البخاري (7405) واللفظ له، ومسلم (2675). .
وقال ابنُ أبي زمنين: (له وَجهٌ ونَفْسٌ وغيرُ ذلك، كما وَصَف به نَفْسَه)
[3040] يُنظر: ((أصول السنة)) (ص: 61). .
وبوَّب أبو إسماعيلَ الأنصاريُّ في كِتابه (الأربعون في دلائِلِ التَّوحيدِ)
[3041] يُنظر: (ص: 52). بابَ: (بيانُ إثباتِ النَّفْسِ للهِ عزَّ وجَلَّ).
وقال
المقدسيُّ: (مِمَّا نَطَق بها القرآنُ، وصَحَّ بها النَّقلُ مِن الصِّفاتِ: النَّفْسُ؛ قال اللهُ عَزَّ وجَلَّ إخبارًا عن نبيِّه عيسى عليه السَّلامُ أنَّه قال:
تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ [المائدة: 116] . وقال عَزَّ وجَلَّ:
كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [الأنعام: 12] ، وقال عَزَّ وجَلَّ لموسى عليه السلام:
وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي [طه: 41] )
[3042] يُنظر: ((الاقتصاد في الاعتقاد)) (ص: 123). .
وقال
ابنُ تَيميَّةَ: (نَفْسُه هي ذاتُه المُقدَّسَةُ)
[3043] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (14/196). .
وقال أيضًا: (يُرادُ بنَفْس الشَّيءِ ذاتُه وعينُه، كما يُقال: رأيتُ زيدًا نفْسَه وعَينه، وقدْ قال تعالى:
تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ، وقال تعالى:
كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ، وقال تعالى:
وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ، وفي الحديثِ الصَّحيحِ أنَّه قال لأمِّ المؤمنينَ:
((لقدْ قلتُ بعدَكِ أَربعَ كلماتٍ لوْ وُزِنَّ بما قلتِ لوَزنَتْهنَّ: سُبحانَ اللهِ عددَ خَلقِه، سُبحانَ اللهِ زِنةَ عَرشِه، سُبحانَ الله رِضا نَفْسِه، سُبحانَ اللهِ مِدادَ كلماتِه )) [3044] أخرجه مسلم (2726) باختلاف يسير من حديث جويرية رضي الله عنها. ، وفي الحديثِ الصَّحيحِ الإلهيِّ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((يَقولُ اللهُ تعالى: أنا عندَ ظنِّ عَبدِي بي، وأنا معه حِينَ يَذكُرني، إنْ ذكَرني في نَفْسِه، ذَكرتُه في نفْسِي، وإنْ ذَكَرني في ملأٍ، ذكرتُه في ملأٍ خيرٍ منهم )) [3045] أخرجه مطولاً البخاري (7405)، ومسلم (2675) واللفظ له من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ؛ فهذه المواضعُ المرادُ فيها بلفظِ النَّفْس عند جمهورِ العُلَماءِ: اللهُ نَفْسُه، التي هي ذاتُه المتَّصِفةُ بصِفاتِه، ليس المرادُ بها ذاتًا منفكَّةً عن الصِّفاتِ، ولا المرادُ بها صفةً للذاتِ، وطائفةٌ من النَّاسِ يَجعلونها مِن بابِ الصِّفاتِ، كما يظنُّ طائفةٌ أنَّها الذاتُ المجرَّدةُ عن الصِّفاتِ، وكِلا القولينِ خَطَأٌ)
[3046] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (9/292). .
وفي (كِتاب التَّوحِيد) من (صَحيحِ
البُخاريِّ): (بابٌ: قولُ اللهِ تعالى:
وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ، وقولُه جلَّ ذِكرُه:
تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ).
وقال
الشوكاني: (قَولُه:
وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ أي: ذاتَه المقَدَّسةَ، وإطلاقُ ذلك عليه سُبحانَه جائِزٌ في المشاكَلةِ، كقَولِه:
تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ، وفي غَيرِها)
[3047] يُنظر: ((تفسير الشوكاني)) (1/ 381). .
وقال القاسميُّ: (
وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ أي: ذاتَه المقدَّسةَ)
[3048] يُنظر: ((تفسير القاسمي)) (2/306). .
وقال
ابنُ عُثَيمين: (نفْسُ الشَّيءِ هو الشَّيءُ؛ فقَولُه تعالى:
وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ أي: يُحذِّركم إيَّاه، وليستِ النَّفْسُ شيئًا آخَرَ، واللهُ شيئًا آخَر؛ اللهُ هو النَّفْسُ، وكذلك قَولُه:
تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ، أي: تعلمُ ما عِندي أنا في نفْسي، ولا أعلمُ ما في نفْسِك، فليستِ النفسُ صفةً زائدةً على الذَّاتِ، بل هي الذاتُ نَفْسُها)
[3049] يُنظر: ((شرح صحيح البخاري)) (8/368). .
وقال الغُنَيمانُ: (المرادُ بالنَّفْسِ في هذا: اللهُ تعالى المتَّصِفُ بصِفاتِه، ولا يُقصَدُ بذلِك ذاتًا منفكَّةً عن الصِّفاتِ، كما لا يُرادُ به صِفةُ الذاتِ، كما قاله بعضُ الناسِ)
[3050] يُنظر: ((شرح كتاب التوحيد)) (1/249). .
لكن مِن السَّلَفِ مَن يَعُدُّ (النَّفْس) صِفةً للهِ عزَّ وجلَّ؛ منهم
ابنُ خُزيمةَ؛ حيثُ قال في أوَّلِ كِتاب التوحيدِ: (فأوَّلُ ما نَبدأُ به مِن ذِكرِ صِفاتِ خالِقِنا جلَّ وعلا في كِتابِنا هذا: ذِكْرُ نفْسِه، جلَّ ربُّنا عن أن تَكونَ نَفْسُه كنَفْسِ خَلقِه، وعزَّ أنْ يكونَ عَدَمًا لا نَفْسَ له)
[3051] يُنظر: ((التوحيد)) (1/11). .
وممَّن جَعَلَها منَ الصِّفاتِ
البغويُّ. يُنظر: صِفة (الأصابع).
ومِن المتأخِّرينَ
صِدِّيق حسن خان الذي قال: (ممَّا نطَقَ بها القرآنُ وصحَّ بها النَّقلُ مِن الصِّفات: النَّفْس...)
[3052] يُنظر: ((قطف الثمر)) (ص: 65). .
لكنَّه في تفسيرِ قولِه تعالى:
وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ، قال: (أي: ذاتَه المقدَّسةَ)
[3053] يُنظر: ((فتح البيان في مقاصد القرآن)) (2/216). ، واللهُ أعلمُ.