الْهَرْوَلَةُ والمَشْيُ
صِفَتاِن فِعليَّتانِ ثابِتَتانِ للهِ عزَّ وجلَّ بالأحاديثِ الصَّحيحةِ.
الدَّليلُ:1- حديثُ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا:
((... وإنْ أَتاني يَمشي أتيتُه هَرْوَلَةً )) [3090] أخرجه البخاري (7405)، ومسلم (2675). .
2- الحديثُ القُدسيُّ:
((يا ابنَ آدَمَ، قُمْ إليَّ أَمْشِ إليكَ، وامشِ إليَّ أُهَروِلْ إليكَ)) [3091] أخرجه أحمد (15925)، ووكيع في ((أخبار القضاة)) (2/203)، وأبو نعيم في ((معرفة الصحابة)) (7226) من حديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. صححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (4340)، وصحَّح إسنادَه المنذريُّ في ((الترغيب والترهيب)) (4/125)، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (10/199): رجاله رجال الصحيح غير شريح بن الحارث وهو ثقة. .
قال أبو إسماعيلَ الهرويُّ: (بابُ الهَرْوَلَةِ للهِ عزَّ وجلَّ)
[3092] يُنظر: ((الأربعون في دلائل التوحيد)) (ص: 79). ، ثم أورَدَ الحديثَ.
وقال أبو إسحاقَ الحربيُّ -بعدَ أنْ أوردَ حديثَ أبي هُرَيرةَ المتقدِّم ذكرُه-: (قَولُه: هَرْوَلَةً: مَشيٌ سريعٌ)
[3093] يُنظر: ((غريب الحديث)) (2/684). .
وقال
أبو موسى المدينيُّ -في الحديثِ عنِ اللهِ تبارَك وتعالى:
((مَن أتاني يَمشي أتيتُه هَرْوَلَةً)): (هي مشيٌ سريعٌ، بَينَ المشيِ والعَدْوِ)
[3094] يُنظر: ((المجموع المغيث)) (3/96). .
وهذا إثباتٌ منهما للصِّفةِ على حقيقتِها، وهي المشيُ السَّريعُ، وهي في حَقِّ اللهِ تعالَى على ما يَليقُ بكَمالِهِ وجَلالِه.
وقال عُثمانُ بنُ سَعيدٍ الدارميُّ: (قدْ أجْمَعْنا على أنَّ الحركةَ والنزولَ، والمَشيَ والهَرولةَ، والاستواءَ على العرشِ وإلى السَّماءِ: قديمٌ، والرِّضا والفَرَحَ والغَضب، والحُبَّ والمقت: كلُّها أفعالٌ في الذَّاتِ للذَّاتِ، وهي قديمةٌ)
[3095] يُنظر: ((نقض الدارمي على المريسي)) (1/561). .
وقال
ابنُ القيِّمِ: (قال تعالى في آلهةِ المشركينَ المعطِّلِين:
أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا، فجعل سُبحانَه عدمَ البَطْشِ والمشيِ والسَّمعِ والبصرِ دَليلًا على عدمِ إلهيَّةِ مَن عُدِمَتْ فيه هذه الصِّفاتُ؛ فالبطشُ والمشيُ مِن أنواعِ الأفعالِ، والسَّمعُ والبصرُ مِن أنواع الصِّفاتِ، وقد وصَفَ نفْسَه سُبحانَه بضدِّ صفةِ أربابِهم وبضدِّ ما وصفَه به المعطِّلةُ والجهميَّةُ)
[3096] يُنظر: ((الصواعق المرسلة)) (3/915). .
وقد سُئلَت اللَّجنةُ الدَّائمةُ للبُحوثِ العِلميَّةِ والإفتاءِ بالسعوديَّة: (هل للهِ صِفةُ الهَرْوَلَةِ)؟
فأجابت: (... نعم، صِفةُ الهَرْوَلَةِ على نحوِ ما جاءَ في الحديثِ القدسيِّ الشريفِ على ما يَليقُ به؛ قال تعالى:
((إذا تَقرَّبَ إليَّ العبدُ شبرًا تقرَّبتُ إليه ذِراعًا، وإذا تَقرَّبَ إليَّ ذراعًا تقرَّبتُ منه باعًا، وإذا أتاني ماشيًا أتيتُه هَرْوَلَةً )). رواه
البخاريُّ، و
مُسلمٌ)
[3097] يُنظر: ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (3/142). .
وقال
ابنُ باز: (... تقرُّبُه إلى عِبادِه العابِدينَ له والمسارعينَ لطاعتِه، وتقرُّبُه إليهم لا يُشابِهُ تَقرُّبَهم، وليس قُربُه منهم كقُربِهم منه، وليس مَشيُه كمشيِهم، ولا هرولتُه كهرولتِهم، بل هو شيءٌ يَليقُ باللهِ لا يُشابِهُ فيه خَلْقَه سُبحانَه وتعالى، كسائرِ الصِّفاتِ؛ فهو أعلمُ بالصِّفاتِ، وأعلمُ بكيفيَّتِها عزَّ وجلَّ... المعنى يجبُ إثباتُه للهِ من التقرُّبِ، والمشيِ والهرولةِ، يجبُ إثباتُه للهِ على الوَجهِ اللائقِ به سُبحانَه وتعالى، مِن غيرِ أن يُشابِهَ خَلْقَه في شيءٍ من ذلك)
[3098] يُنظر: ((فتاوى نور على الدرب)) (1/67). .
وقال
ابنُ عُثَيمين: (صِفةُ الهَرْوَلَة ثابتةٌ للهِ تعالى، كما في الحديثِ الصَّحيحِ الذي رواه
البخاريُّ و
مسلمٌ عن أبي هُرَيرةَ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((يَقولُ اللهُ تعالى: أنا عند ظنِّ عَبْدِي بي... فذَكَر الحديثَ، وفيه: وإنْ أتاني يَمشِي أتيتُه هَرْوَلَةً ))، وهذه الهَرْوَلَةُ صِفةٌ من صِفاتِ أفعالِه التي يجبُ علينا الإيمانُ بها من غيرِ تكييفٍ ولا تمثيلٍ؛ لأنَّه أخبرَ بها عن نفْسِه، فوجَبَ علينا قَبولُها بدون تكييف؛ لأنَّ
التكييفَ قولٌ على اللهِ بغير عِلمٍ، وهو حرامٌ، وبدون تمثيلٍ؛ لأنَّ اللهَ يَقولُ:
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11] )
[3099] يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن عثيمين)) (1/182). .
وقال
ابنُ عُثَيمين: (مِن المعلومِ أنَّ السَّلَفَ يُؤمِنونَ بأنَّ اللهَ تعالى يأتي إتيانًا حقيقيًّا للفَصلِ بيْن عِبادِه يومَ القِيامةِ على الوَجهِ اللَّائقِ به، كما دلَّ على ذلك كِتابُ اللهِ تعالى، وليسَ في هذا الحديثِ القُدسيِّ إلَّا أنَّ إتيانَه يكونُ هرولةً لِمَن أتاه يَمشي، فمَن أثْبَتَ إتيانَ اللهِ تعالى حقيقةً لم يُشكِلْ عليه أنْ يكونَ شيءٌ مِن هذا الإتيانِ بصِفةِ الهرولةِ على الوجهِ اللَّائقِ به، وأيُّ مانعٍ يمنعُ مِن أنْ نُؤمِنَ بأنَّ الله تعالى يأتي هرولةً، وقدْ أخبرَ اللهُ تعالى به عن نفْسِه، وهو سُبحانَه وتعالى يَفعَلُ ما يشاءُ، وليسَ كمِثلِه شيءٌ، وهو السَّميعُ البصيرُ؟!
وليسَ في إتيانِ اللهِ تعالى هرولةً -على الوجهِ اللَّائقِ به بدون تَكييفٍ ولا تمثيلٍ- شيءٌ من النَّقصِ؛ حتى يُقال: إنَّه ليسَ ظاهرَ الكلامِ، بل هو فِعلٌ من أفعالِه يَفعلُه كيفَ يشاءُ)
[3100] يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن عثيمين)) (1/188). .