الْيَمِينُ
تُوصَفُ يَدُ الله عزَّ وجلَّ بأنَّها يَمِينٌ، وهذا ثابتٌ بالكِتابِ والسُّنَّةِ.
الدَّليلُ مِن الكِتابِ:قولُه تَعالَى:
وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر: 67] .
الدَّليلُ من السُّنَّةِ:1- حديثُ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا:
((يَمِينُ اللهِ مَلأَى، لا يَغيضُها نفقةٌ... )) [3214] أخرجه البخاري (7419)، ومسلم (993). .
2- حديثُ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا:
((... ويَطوي السَّماءَ بيَمِينِه...)) [3215] أخرجه البخاري (7382)، ومسلم (2787). .
3- حديثُ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((مَن تَصدَّقَ بعَدلِ تمرةٍ مِن كسْبٍ طيِّب -ولا يَصعَدُ إلى اللهِ إلَّا الطَّيِّبُ- فإنَّ اللهَ يَتقبَّلُها بيَمِينِه... )) [3216] أخرجه البخاري (7430) واللفظ له، ومسلم (1014). .
قال
الشافعيُّ: (للهِ تبارَك وتعالى أسماءٌ وصِفاتٌ جاءَ بها كِتابُه، وأخبَر بها نبيُّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أُمَّتَه.. أنَّه سميعٌ، وأنَّ له يَدينِ، بقَولِه:
بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ، وأنَّ له يمينًا، بقَولِه:
وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ...)
[3217] يُنظر: ((طبقات الحنابلة)) لابن أبي يعلى (1/282). .
فأهلُ السُّنَّة والجماعةِ يُؤمِنون أنَّ للهِ عزَّ وجلَّ يَدينِ، وأنَّ إحدى يَديهِ يَمِينٌ؛ فهل الأُخرى تُوصَفُ بالشِّمالِ؟ أم أنَّ كِلتا يَديهِ يَمِين؟
تحقيقُ القَولِ في صِفة الشِّمالِ:أوَّلًا: القائِلونَ بإثباتِ صِفةِ الشِّمالِ أو اليَسارِ منهم: عُثمانُ بنُ سعيدٍ الدارميُّ، و
أبو يَعلَى الفرَّاءُ، و
صِدِّيق حسن خان، ومحمَّد خليل هرَّاس، وعبد الله الغُنيمان، وإليكَ أدلَّتَهم وأقوالَهم:
أدلَّتُهم: 1- حديثُ
عبدِ اللهِ بن عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا:
((يَطوي اللهُ عزَّ وجلَّ السَّمَواتِ يومَ القِيامةِ، ثم يأخُذُهنَّ بيدِه اليُمنى، ثم يَقولُ: أنا الملكُ! أَينَ الجَبَّارونَ؟ أينَ المُتكبِّرونَ؟ ثم يَطوي الْأَرَضينَ بشِمالِه، ثم يَقولُ... )) [3218] أخرجه البخاري (7412) مختصراً باختلاف يسير، ومسلم (2788) واللفظ له. إلخ الحديث.
2- حديثُ أبي الدَّرداءِ رَضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا:
((خَلَق اللهُ آدمَ حِينَ خلَقَه، فضرَبَ كتِفَه اليُمنى فأخرجَ ذُريَّةً بيضاءَ كأنَّهم الذرُّ، وضرَبَ كتِفَه اليُسرى فأخرجَ ذُريَّةً سوداءَ كأنَّهم الحُممُ، فقال لِلّذي في يَمِينِه: إلى الجَنَّةِ ولا أُبالي، وقال للَّذي في كفه اليُسرى: إلى النَّارِ ولا أُبالي)) [3219] أخرجه أحمد (27488) واللفظ له، والبزار (4143)، والطبراني في ((مسند الشاميين)) (2213) باختلاف يسير ضعف إسناده شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (27488). .
3- مِن أدلَّتِهم وصفُ إحدى اليدينِ باليَمِين -كما في الأحاديثِ السَّابقةِ- وأنَّ هذا يَقتضي أنَّ الأخرى ليستْ يَمِينًا، فتكونُ شمالًا، وفي بعضِ الأحاديث تُذكَر اليَمِينُ، ويُذكَرُ مقابِلُها: (بيدِه الأُخرى)، وهذا يَعني أنَّ الأخرى ليستِ اليَمِينَ، فتكون الشِّمالَ.
أقوالُهم: 1- قال أبو سعيدٍ الدارميُّ: (أعجبُ مِن هذا قولُ الثَّلْجِيِّ الجاهلِ فيما ادَّعى تأويلَ حديثِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((المُقسِطون يومَ القِيامةِ على منابرَ مِن نورٍ، عن يَمِينِ الرَّحمنِ، وكِلتا يديه يَمِين ))، فادَّعى الثَّلجيُّ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تأوَّلَ كِلتا يديه يَمِينٌ؛ أنَّه خرَج من تأويلِ الغلوليِّين أنَّها يَمِينُ الأيدي، وخرَج مِن معنى اليدينِ إلى النِّعَمِ؛ يعني بالغلوليِّين: أهلَ السُّنَّة؛ يعني: أنَّه لا يكونُ لأحدٍ يَمِينانِ، فلا يُوصَفُ أحدٌ بيَمِينَيْن، ولكنْ يَمِين وشِمال بزعْمِه.
قال أبو سعيدٍ: ويلَك أيُّها المعارِضُ! إنَّما عنَى رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما قد أُطلِقَ على التي في مقابلةِ اليَمِين الشِّمال، ولكِنْ تأويلُه: «وكِلتا يَديهِ يَمِين»، أي: مُنَزَّهٌ عن النَّقصِ والضَّعفِ، كما في أيدينا الشِّمال مِن النَّقصِ وعدَمِ البَطشِ، فقال: «كِلتا يدي الرَّحمنِ يَمِينٌ»؛ إجلالًا لله، وتعظيمًا أنْ يُوصَفَ بالشِّمالِ، وقد وُصِفَت يداه بالشِّمالِ واليَسارِ، وكذلك لو لم يجزْ إطلاقُ الشِّمالِ واليَسارِ؛ لَمَا أَطلقَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولو لم يَجُزْ أن يُقال: كِلتا يدَيِ الرحمن يَمِينٌ؛ لم يَقُلْه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهذا قد جوَّزه الناسُ في الخَلْقِ؛ فكيف لا يُجوِّزُ ابنُ الثَّلجيِّ في يدَيِ اللهِ أنَّهما جميعًا يَمِينان؟! وقد سُمِّي مِن النَّاس ذا الشِّمالينِ، فجازَ نفيُ دعْوى ابنِ الثَّلجيِّ أيضًا، ويَخرجُ ذو الشِّمالينِ من معنى أصحابِ الأيدي)
[3220] يُنظر: ((الرد على بشر المريسي)) (ص: 155). .
2- قال
أبو يَعلَى الفرَّاءُ بعدَ أنْ ذكَر حديثَ أبي الدَّرداءِ رَضِيَ اللهُ عنه: (اعلمْ أنَّ هذا الخبرَ يُفيدُ جوازَ إطلاقِ القَبضةِ عليه، واليَمِينِ واليسارِ والمسحِ، وذلك غيرُ ممتنعٍ؛ لِمَا بيَّنَّا فيما قبلُ مِن أنَّهُ لا يُحيلُ صِفاتِه؛ فهو بمثابةِ اليدينِ والوَجْهِ وغيرِهما)
[3221] يُنظر: ((إبطال التأويلات)) (ص: 176). .
3- قال
محمَّدُ بنُ عبدِ الوهَّابِ في آخِرِ بابٍ مِن (كِتاب التوحيد) في المسألةِ السَّادسةِ: (التصريحُ بتسميتها الشِّمالَ)؛ يعني: حديثَ
ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنه عند
مسلمٍ.
4- قال
صِدِّيق حسَن خان: (ومِن صِفاتِه سُبحانَه: اليَدُ، واليَمِينُ، والكفُّ، والإصْبعُ، والشِّمالُ...)
[3222] يُنظر: ((قطف الثمر)) (ص: 66). .
5- قال محمَّد خليل هرَّاس: (يَظهرُ أنَّ المنعَ من إطلاقِ اليَسارِ على اللهِ عزَّ وجلَّ إنَّما هو على جِهةِ التأدُّبِ فقط؛ فإنَّ إثباتَ اليَمِين وإسنادَ بعضِ الشُّؤونِ إليها كما في قَولِه تعالى:
وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ، وكما في قَولِه عليه السَّلامُ: (إنَّ يَمِينَ اللهِ ملأى، سحَّاءُ اللَّيلَ والنَّهارَ)؛ يدلُّ على أنَّ اليدَ الأخرى المقابِلةَ لها ليستْ يَمِينًا)
[3223] يُنظر: التعليق على ((كتاب التوحيد)) لابن خزيمة (ص: 66). .
6- قال الغُنيمانُ: (تنوَّعتِ النصوصُ مِن كِتابِ اللهِ تعالى وسُنَّةِ رسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على إثباتِ اليَدينِ للهِ تعالى، وإثباتِ الأصابعِ لهما، وإثباتِ القَبضِ، وتَثنيتِهما، وأنَّ إحداهما يَمِينٌ كما مرَّ، وفي نصوصٍ كثيرةٍ، والأخرى شِمالٌ، كما في «صحيح
مسلم»، وأنَّه تعالى يَبسُطُ يدَه بالليلِ؛ ليتوبَ مسيءُ النَّهارِ، وبالنَّهارِ؛ ليتوبَ مسيءُ اللَّيلِ، وأنَّه تعالى يَتقبَّلُ الصَّدَقةَ مِن الكسْبِ الطيِّب بيَمِينِه، فيُرَبِّيها لصاحبِها، وأنَّ المقسِطينَ على منابرَ مِن نورٍ، عن يَمِينِ الرَّحمنِ، وكِلتا يديه يَمِينٌ، وغير ذلك ممَّا هو ثابتٌ عنِ اللهِ ورسولِه)
[3224] يُنظر: ((شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري)) (1/311). .
وقال أيضًا: (قدْ أتانا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بذِكرِ الأصابعِ، وبذِكرِ الكفِّ، وذِكرِ اليَمِينِ، والشِّمالِ، واليَدينِ؛ مَرَّةً مُثنَّاة، ومَرَّةً منصوصًا على واحدةٍ أنَّه يَفعلُ بها كذا وكذا، وأنَّ الأخرى فيها كذا، كما تَقدَّمتِ النُّصوصُ بذلك)
[3225] يُنظر: (ص: 318). .
ثانيًا: القائِلونَ بأنَّ كلتا يَديِ الله يَمِينٌ لا شِمالَ ولا يَسارَ فيهما منهم:
أحمدُ، و
ابنُ خُزيمةَ،
والبيهقيُّ، و
الألبانيُّ، وإليك أدلَّتَهم وأقوالَهم:
أدلَّتُهم: 1- حديثُ
عبدِ اللهِ بنِ عَمرِو بنِ العاصِ رَضِيَ اللهُ عنهما مرفوعًا:
((إنَّ المقسطينَ عندَ اللهِ على منابِرَ مِن نُورٍ، عن يَمِينِ الرَّحمنِ عزَّ وجلَّ، وكِلتا يَديهِ يَمِينٌ... )) [3226] أخرجه مسلم (1827). .
2- حديثُ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا:
((يَمِينُ اللهِ ملْأى، لا يَغيضُها نَفَقةٌ... وبيَدِه الأُخرى الفَيْضُ أو القَبضُ، يَرفعُ ويَخفِضُ )) [3227] أخرجه البخاري (7419) واللفظ له، ومسلم (993). .
أقوالُهم: 1- قال
أحمدُ بنُ حنبلٍ: (كما صحَّ الخبرُ عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: «وكِلتا يَديهِ يَمِينٌ»، الإيمانُ بذلك، فمَن لم يُؤمِنْ بذلك، ويَعلمْ أنَّ ذلك حقٌّ كما قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فهو مُكَذِّبٌ برسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)
[3228] يُنظر: ((طبقات الحنابلة)) لأبي يعلى (1/313). .
2- قال
ابنُ خُزيمةَ: (باب: ذِكرُ سُنَّةٍ ثامنةٍ تُبيِّنُ وتُوضِّحُ أنَّ لخالقِنا جلَّ وعَلا يَدينِ، كِلتاهما يَمِينانِ، لا يَسارَ لخالقِنا عزَّ وجلَّ؛ إذ اليسارُ مِن صفةِ المخلوقينَ، فَجَلَّ ربُّنا عن أنْ يكونَ له يسارٌ)
[3229] يُنظر: ((كتاب التوحيد)) (1/159). .
وقال أيضًا: (... بلِ الأرضُ جميعًا قَبضةُ ربِّنا جَلَّ وعلا، بإحْدى يَدَيه يومَ القِيامةِ، والسَّمواتُ مطوياتٌ بيَمِينه، وهي اليدُ الأخرى، وكِلتا يَدَي ربِّنا يَمِينٌ، لا شمالَ فيهما، جلَّ ربُّنا وعزَّ عن أن يكونَ له يَسارٌ؛ إذ كونُ إحدى اليدينِ يَسارًا إنَّما يكونُ مِن علاماتِ المخلوقينَ، جلَّ ربُّنا وعزَّ عن شَبهِ خَلْقِه)
[3230] يُنظر: ((المصدر السابق)) (1/197). .
3- سُئِل الشَّيخُ
الألبانيُّ: كَيفَ نُوفِّق بيْن روايةِ: (بشِمالِه) الواردةِ في حديثِ
ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما في صحيح
مسلم، وقولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (وكِلتا يَديهِ يَمِينٌ)؟
فأجاب بقَولِه: (لا تعارُضَ بيْن الحديثينِ بادئَ بَدءٍ؛ فقولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((... وكِلتا يديهِ يَمِينٌ)): تأكيدٌ لقَولِه تعالى:
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11] ، فهذا الوصفُ الذي أَخبَرَ به رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تأكيدٌ للتنْزيهِ، فيدُ اللهِ ليستْ كيَدِ البَشَرِ: شمالٌ ويَمِين، ولكِنْ كِلتا يديه سُبحانَه يَمِين.
وأمْرٌ آخَرُ؛ أنَّ روايةَ: «بشِمالِه»: شاذَّةٌ، كما بيَّنتُها في تخريج المصطَلَحاتِ الأربعةِ الواردةِ في القرآنِ «رقم 1» للمودودي.
ويُؤكِّدُ هذا أنَّ
أبا داودَ رواه وقال: «بيَدِه الأُخرى»
[3231] أخرجه أبو داود (4732)، والبيهقي في ((الأسماء والصفات)) (705). صححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4732)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (4732). ، بدَل: «بشِمالِه»، وهو الموافقُ لقولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «وكِلتا يَديهِ يَمِينٌ». واللهُ أعلَمُ)
[3232] يُنظر: ((مجلة الأصالة)) (ع: 4، ص: 68). .
مناقشةُ الأدِلَّة التي تُثبِتُ صِفةَ (الشِّمالِ) و(اليَسَار):1- حديثُ
عَبدِ اللهِ بنِ عُمرَ عندَ
مسلمٍ
[3233] أخرجه مسلم (2788) عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يطوي الله عز وجل السموات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك. أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين بشماله، ثم يقول: أنا الملك. أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟)) ، وفيه لفظةُ (الشِّمال)، تَفرَّد بها عمرُ بنُ حَمزةَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ بنِ الخَطَّابِ، عن سالمٍ، عنِ
ابنِ عُمرَ، وعُمرُ بنُ حمزةَ ضعيفٌ، والحديثُ عند
البخاريِّ [3234] أخرجه البخاري (7412) عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن الله يقبض يوم القيامة الأرض، وتكون السموات بيمينه، ثم يقول: أنا الملك)) مِن طريقِ عُبَيدِ اللهِ، عن نافعٍ، عن
ابنِ عُمرَ، وعند
مسلمٍ
[3235] أخرجه مسلم (2788) عن عبيد الله بن مقسم؛ أنه نظر إلى عبد الله بن عمر كيف يحكي رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: ((يأخذ الله عز وجل سمواته وأرضيه بيديه، فيقول أنا الله. - ويقبض أصابعه ويبسطها - أنا الملك)) حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه، حتى إني لأقول أساقط هو برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ من طَريقِ عُبَيدِ اللهِ بنِ مِقْسَمٍ عن
ابنِ عُمرَ، وليس عندهما لفظةُ (الشِّمال).
قال
البيهقيُّ: (ذِكر «الشِّمال» فيه، تَفرَّدَ به عُمرُ بنُ حَمزةَ، عن سالمٍ، وقد رَوى هذا الحديثَ نافعٌ، وعُبَيدُ الله بنُ مِقْسَمٍ عن
ابنِ عُمرَ؛ لم يذكرَا فيه «الشِّمالَ»، ورَوى ذِكرَ الشِّمالِ في حديثٍ آخَرَ في غيرِ هذه القِصَّةِ، إلَّا أنَّه ضعيفٌ بمرَّة؛ تفرَّد بأحَدِهما: جعفرُ بن الزُّبَير، وبالآخَرِ: يزيدُ الرَّقَاشيُّ، وهما متروكان، وكيف يصحُّ ذلك، وصحَّ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه سمَّى كِلْتَا يَديهِ يَمِينًا؟!)
[3236] يُنظر: ((الأسماء والصفات)) (2/55). .
2- حديثُ أبي الدَّرداءِ رَضِيَ اللهُ عنه المتقدِّمُ، وفيه:
((قال للَّتي في يَسارِه إلى النَّارِ ولا أُبالي))، وجاءَ عندَ
أحمدَ: (وقال للَّذي في كفِّه اليُسرى إلى النَّارِ ولا أُبالي)، والضميرُ هنا يعودُ على آدَمَ عليه السَّلامُ.
3- قَولُهم: (إنَّ ذِكرَ اليَمِينِ يدلُّ على أنَّ الأخرى شِمالٌ): قولٌ صحيحٌ لو لم يرِدْ ما يدلُّ على أنَّ كِلتا يدَيِ اللهِ يَمِينٌ.
مناقشةُ الأدلَّة التي تُثبِتُ أنَّ يَديِ اللهِ كِلْتَيهما يَمِينٌ: وصْفُ اليدينِ بأنَّ كِلتيهما يَمِينٌ لا يَعني عندَ العربِ أنَّ الأُخرى ليستْ يَسَارًا، بلْ قد يُوصَفُ الإنسانُ بأنَّ يديه كِلتَيهما يَمِينٌ، كما قال المرَّارُ:
وإِنَّ عَلَى الْأَمانَةِ مِنْ عَقِيلٍ فَتًى كِلْتَا اليَدَيْنِ لَهُ يَمِينُ
[3237] يُنظر: ((مختلف تأويل الحديث)) لابن قتيبة (ص: 247). .
ولا يَعني أنْ لا شمالَ له، بل هو مِن كَرمِه وعَطائِه شِمالُه كيَمِينِه.
ولُقِّبَ أبو الطيِّبِ طاهرُ بنُ الحُسينِ بنِ مُصعَبٍ، بذِي اليَمِينينِ؛ كتَب له أحدُ أصحابِه:
(لــلأمِــــــيرِ الــمُــهَـذَّبِ الــــمُـكَــنَّـى بِــطَـــيِّـبِ
ذِي الـيَـمِـيـنَـينِ طَــاهِـرِ بـْ ـنِ الحُسَـيْنِ بنِ مُصْـعَـبِ)
[3238] يُنظر: ((ثمار القلوب)) للثعالبي (ص: 291). .
كما أنَّ العربَ تُسَمِّي الرجُلَ ذا الشِّمالَينِ، وقد سُمِّي عُميرُ بنُ عبدِ عمرِو بنِ نَضلةَ رَضِيَ اللهُ عنه بذلِك، وقيل: بل هو ذُو اليَدينِ. راجع: (الإصابة).
ولا يَعنُونَ بذِي الشِّمالَينِ أنَّه لا يَمِينَ له.
التَّرجيحُ:إنَّ تَعليلَ القائلينَ بأنَّ إحْدى يَدَيِ اللهِ عزَّ وجلَّ يَمِينٌ والأخرى شمالٌ، وأنَّنا إنَّما نقولُ: كِلتاهما يَمِينٌ؛ تأدُّبًا وتعظيمًا؛ إذ الشِّمالُ مِن صِفاتِ النَّقصِ والضَّعفِ: قولٌ قَوِيٌّ، وله حَظٌّ من النَّظرِ، إلَّا أنَّنا نقولُ: إنَّ صِفاتِ اللهِ توقيفيَّةٌ، وما لم يأتِ دليلٌ صحيحٌ صريحٌ في وصْفِ إحدى يَدَيِ اللهِ عزَّ وجلَّ بالشِّمالِ أو اليَسَارِ؛ فإنَّنا لا نَتعدَّى قَولَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((كِلتاهما يَمِينٌ))، والقلبُ إلى تَضعيفِ أحاديثِ الشِّمالِ واليَسارِ أَمْيلُ. واللهُ أعلمُ.