المَبْحَثُ الأوَّلُ: تعريفُ المُبتَدَأِ
المُبتَدَأُ: هو اسمٌ صريحٌ أو مُؤَوَّلٌ بالصَّريحِ، مَرفوعٌ، مجَرَّدٌ عن العوامِلِ اللَّفظِيَّةِ غَيرِ الزَّائِدةِ وما أشبَهَها، مُخْبَرٌ عنه، أو وصْفٌ رافعٌ لمعمولٍ سدَّ مَسَدَ الخَبَرِ
يُنظَر: ((أوضح المسالك)) لابن هشام (1/186). .
فاشتِراطُ الاسميَّةِ يُخرِجُ الفِعْلَ والحَرْفَ، واشتراطُ كَونِه مَرفوعًا يخرجُ المنصوباتِ والمجروراتِ، واشتراطُ تجَرُّدِه عن العوامِلِ اللَّفظيَّةِ غيرِ الزائدةِ إخراجٌ له عن دُخولِ "كان" وأخواتِها و"إنَّ" وأخواتِها، ونَحوِهما.
مثالُ الاسمِ الصَّريحِ: (العِلْمُ نافعٌ). العِلْمُ: مُبتَدَأٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ. نافِعٌ: خَبَرٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ.
مثالُ المؤَوَّلِ بالصَّريحِ قَولُه تعالى:
وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [البقرة: 237] فـ(أن تَعْفُوا) في تأويلِ مَصدَرٍ في مَحَلِّ رَفعٍ مُبتَدَأٌ، و(أقرَبُ) خَبَرٌ، والتقديرُ: (عَفْوُكم خيرٌ لكم).
والاسمُ الصَّريحُ نَوعانِ: ظاهِرٌ، وضَميرٌ:
فالظَّاهِرُ، نحوُ: اللهُ رحيمٌ، محمدٌ رسولُ اللهِ، المؤمِنون إخوةٌ، هذا بيتُ صديقي، مَن الطارِقُ؟
أمَّا الضَّميرُ فهو اثَنَا عَشَرَ لَفظًا:
"أنا" و"نحن" من ضمائِرِ المتكلِّمِ: أنا مُسلِمٌ، أنا مُسلِمةٌ. نحن مُسلِمون، نحن مُسلِماتٌ.
"أنتَ"، "أنتِ"، "أنتما"، "أنتم"، "أنتنَّ" من ضمائر المخاطَبِ: أنتَ ناجِحٌ، أنتِ ناجِحةٌ، أنتما ناجِحانِ، أنتما ناجِحَتانِ، أنتم ناجِحون، أنتنَّ ناجِحاتٌ.
"هو"، "هي"، "هما"، "هم"، "هنَّ" من ضمائر الغَيبةِ: هو مجتَهِدٌ، هي مجتَهِدةٌ، هما مجتَهِدان، هما مجتَهِدتان، هم مجتَهِدون، هنَّ مجتَهِداتٌ.
وقَولُنا في التعريفِ: (مجرَّد عن العوامِلِ اللَّفظيَّةِ غيرِ الزَّائِدةِ)؛ لأنَّ المُبتَدَأَ قد يكون مجرورًا بحرفِ الجَرِّ الزَّائِدِ لَفظًا، ومَرفوعًا محَلًّا.
أمثلةُ المرفوعِ لفظًا: (اللهُ ربُّنا)، (محمدٌ نبيُّنا)، (الإسلامُ دينُ الحقِّ).
أمثلة المرفوعِ محَلًّا: قَولُه تعالى:
هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ [فاطر: 3] ، فـ
خَالِقٍ مُبتَدَأٌ مَرفوعٌ مَحَلًّا مجرورٌ لَفظًا بـ(من) الزائدةِ.
وقَولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ
»
أخرجه من طرق الترمذي (2380) واللفظ له، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (6768)، وابن ماجه (3349)، وأحمد (17186) من حديثِ المِقدامِ بنِ مَعْدِيْكَرِبَ رضي الله عنه. ؛ فـ(حسْبِ) مُبتَدَأٌ مَرفوعٌ مَحَلًّا مجرورٌ لَفظًا بالباءِ الزَّائِدةِ.
ومنه: (رُبَّ أخٍ لك لم تَلِدْه أُمُّك)؛ فـ(أخٍ) مُبتَدَأٌ مَرفوعٌ مَحَلًّا مجرورٌ لَفظًا بحَرفِ الجَرِّ الشَّبيهِ بالزَّائِدِ.
وهذا المقصودُ بقَولِنا: «وما أشبَهَها»؛ لأن (رُبَّ) حَرفُ جَرٍّ شبيهٌ بالزَّائِدِ، ويدُلُّ على ذلك رفعُ المعطوفِ، في نحوِ: (رُبَّ رجلٍ قائِمٍ وامرأةٌ) من بابِ العَطفِ على المحَلِّ، وسيأتي في بابِ العَطفِ.
ومعنى: (أو وصْفٌ رافعٌ لمعمولٍ سدَّ مَسَدَّ الخبَرِ) أن يكونَ المُبتَدَأُ اسمَ فاعِلٍ، أو اسمَ مَفعولٍ، أو صِفةً مُشبَّهةً، وتقدَّمَه نفيٌ أو استفهامٌ؛ فإنَّه يعمَلُ في مَعمولِه بالرَّفعِ، ويَسُدُّ ذلك المعمولُ مَسَدَّ الخَبَرِ، نَحوُ: أقائمٌ أخوك؟
الهمزةُ: حَرفُ استفهامٍ مَبْنيٌّ لا مَحَلَّ له مِنَ الإعرابِ.
قائم: مُبتَدَأٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ.
أخو: فاعِلٌ لـ(قائم) مرفوعٌ بالواو؛ لأنَّه من الأسماءِ السِّتَّةِ، سَدَّ مَسَدَ الخَبَرِ. والكافُ: ضميرٌ مُتَّصِلٌ مَبْنيٌّ على الفَتحِ في مَحلِّ جَرٍّ مُضافٌ إليه.
شُروطُ إعمالِ الوَصفِ الرَّافِعِ لِمَعمولِه:قد يكونُ المُبتَدَأُ وصْفًا يرفَعُ مَعمولَه ويكتفي به عن الخَبَرِ، لكِنْ بشُروطٍ، وهي:
1- أن يكونَ مِنَ الأسماءِ المشتَقَّةِ؛ كاسمِ الفاعِلِ والمفعولِ والصِّفةِ المشَبَّهةِ، نَحْوُ: قائِمٌ، مضروبٌ، كريمٌ، حَسَنٌ، أو ما يجري مجراها؛ مِثلُ: المنسوبِ، نَحْوُ: قُرشِيٌّ، أو الجامِدِ المتضَمِّنِ معنى الصِّفةِ، مِثلُ: أسَد بمعنى شُجاع، والمُصَغَّر، نَحْوُ: أصُخَيْرٌ المرتَفِعانِ؟ أي: أهما من الصُّخورِ الصَّغيرةِ؟
2- أن يلزمَ حالةَ الإفرادِ ومُطابقةَ الفاعِلِ في التذكيرِ والتأنيثِ؛ فلا يجوزُ: أقائمانِ الزَّيدانِ، فإنما يكونُ (الزَّيدان) هنا مُبتَدَأً مُؤَخَّرًا، و(قائمانِ): الخبَرُ. إلَّا على لغةِ (أكَلوني البراغيثُ) فيجوزُ ذلك، وسيأتي بيانُها في مبحث (أحكام الفاعل). وإنما لَزِمَ ذلك لشِدَّةِ شِبهِ الوَصفِ بالفِعْلِ.
3- أن يكونَ مَعمولُه مُنفَصِلًا، فلا يجوزُ أن يكتفيَ رافِعُ المعمولِ المتَّصِلِ به عن الخَبَرِ. فلا يجوزُ: (أذاهِبون؟) أو (ما ضارِبون)، فلا بدَّ أن يكونَ اسمًا ظاهرًا منفَصِلًا، ويجوزُ أن يكونَ معمولُه ضميرًا منفَصِلًا، نحو (أذاهِبٌ أنت؟).
4- أن يَعتَمِدَ على نفْيٍ أو استفهامٍ قَبْلَه؛ تَقولُ: ما قائمٌ الزيدانِ، وهل ذاهبٌ محمدٌ؟
5- أن يَتِمَّ المعنى بالوقوفِ على مَعمولِ الوَصفِ، فقَولُك: أحاضرٌ والدُه عليٌّ، لا يتِمُّ المعنى بقَولِك: أحاضِرٌ والِدُه، ولهذا يُعرَبُ الوَصفُ إعرابًا آخَرَ، فيكونُ (عليٌّ) مُبتَدَأً مُؤَخَّرًا، وحاضِرٌ: خبرًا مُقدَّمًا، ووالِدُه: فاعلٌ بـ(حاضِر)
يُنظَر: ((شرح الكافية الشافية)) لابن مالك (1/ 74)، ((التذييل والتكميل في شرح كتاب التسهيل)) لأبي حيان الأندلسي (3/ 270)، ((النحو الوافي)) لعباس حسن (1/ 445). .