الفَصلُ العِشرونَ: أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ)
أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ
أحمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إسماعيلَ بنِ يُونُسَ، المُرَادِيُّ، المِصْرِيُّ، النَّحْويُّ، اللُّغَويُّ، المَعْرُوفُ بِ
النَّحَّاسِ.
مِن مَشَايِخِه:مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرِ بنِ أَعْيَنَ، وَبَكْرُ بنُ سَهْلٍ الدِّمْيَاطِيُّ، والحَسَنُ بنُ غُلَيْب، و
أبو عَبْد الرَّحْمَن النَّسَائِيُّ، وجَعْفَرٌ الفِرْيَابِيُّ، ومُحَمَّدُ بنُ الحَسَن بن سَمَاعَة، وعُمَرُ بنُ أَبِي غَيْلان، وعَلِيُّ بن سُلَيْمَان الأَخْفَش، وأبو بَكْرِ بنُ الأَنْبَارِيِّ، و
أبو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ، وَ
نِفْطَوَيْهِ.
ومِن تَلَامِذَتِه:أبو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِي الأدْفوِي.
سَبَب تَسْمِيَتِه بالنَّحَّاس:هذه النِّسْبَةُ إلى مَن يَعْمَل النُّحَاسَ، وأهلُ مِصرَ يقولون لمَن يعمَلُ الأَوَانِيَ النُحَاسِيَّة: النَّحَّاس.
مَنْزِلَتُه وَمَكَانَتُه:كان
أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ رحمه الله إمامًا في العَرَبِيَّة، عالِمًا بالنَّحْوِ واللُّغَة، يُنظَّر في زَمَانِه بابنِ الأَنْبَارِيِّ، وَب
نِفْطَوَيْه للمِصْرِيين.
وكان مِن أَذْكِيَاء العَالَم، حَرِيصًا على العِلْم لا يَتَكَبَّر أن يَسْأَل الفُقَهَاءَ وأَهْلَ النَّظَر، وأن يُنَاقِشَهم فيما أَشْكَل عليه في تَصَانِيفِه.
وكان يحضُرُ حَلْقةَ ابنِ الحَدَّادِ الشَّافِعِيِّ، وكانت لابنِ الحَدَّادِ ليلةٌ في كلِّ جُمْعَة يُتكَلَّم فيها عنده في مَسَائِل الفِقْه على طَرَائِق النَّحْوِ، فكان
أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاس لا يَدَع حُضُورَ مَجْلِسِه تلك اللَّيْلَة.
وقِيل: إنَّه كان شَدِيدَ البُخْلِ، مُقَتِّرًا عَلَى نَفْسِه؛ يَهَبُونَه العِمَامَة، فكان يُقسِّمُها إلى ثَلاثِ عَمَائِمَ، وكان يَلِي شِرَاء حَوَائِجِه بِنَفْسِه، ويَتَحَامَلُ فيها على أَهْلِ مَعْرِفَتِه.
وقد جَرَت بينه وبين مُنْذِر بن سَعِيد القاضي رحمه الله واقعةٌ، قال مُنْذِر: (أَتَيْتُ
ابنَ النَّحَّاس في مَجْلِسِه، فَأَلْفَيْتُه يُمْلِي في أخْبَارِ الشُّعَرَاءِ شِعْرَ قَيْسِ بنِ مُعَاذٍ المَجْنُون، حيث يقولُ:
خَلِيلَيَّ هَلْ بِالشَّامِ عَينٌ حَزِينةٌ
تُبَكِّي على نَجدٍ لَعلِّي أُعينُها
قَد أسْلَمَهَا البَاكُون إلَّا حَمَامةً
مُطَوَّقَةً بَاتَت وبَات قَرِينُها
فلما بلغ هذا الموضِعَ قُلْتُ: بَاتَا يَفْعَلَانِ ماذا، أعزَّك اللهُ؟! فقال لي: وكيف تقولُ أنتَ يا أَنْدَلُسِيُّ؟ فقلتُ: "بَانَتْ وبَان قَرِينُهَا" فَسَكَت.
قال القاضي: فما زال يَسْتَثْقِلُنِي بَعْدَها حتى مَنَعَنِي
((العَيْنَ)) -أي: كتابَ الخَلِيلِ-، وكنتُ ذَهَبْتُ إلى الانْتِسَاخ مِن نُسْخَتِه، فَلَمَّا قُطِع بي قِيل لي: أين أَنْتَ مِن أبي العَبَّاسِ بن وَلَّادٍ؟ فَقَصَدْتُه فَوَجَدْتُ رَجُلًا كَامِلَ العِلْمِ والأَدَب، حَسَنَ المُرُوءَةِ، وسَأَلْتُه الكِتَاب، فَأَخْرَجَه إليَّ، ثم تَقَدَّم
أبو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ حين بَلَغَه إباحةُ أبي العبَّاسِ كِتَابَه إليَّ، وعاد إلى ما كُنْتُ أَعْرِفُه منه).
عَقيدتُه:قال القِفْطي: (وله كِتابُ تفسيرِ أسماءِ اللهِ عزَّ وجَلَّ، أحسَنَ فيه، ونَزَع في صَدْرِه لاتِّباعِ السُّنَّةِ والانقيادِ للآثارِ)
[303] ينظر: ((إنباه الرواة على أنباه النحاة)) للقفطي (1/ 137). .
وفي كُتُبِه ما يؤيِّدُ ذلك؛ فقد قال في تفسيرِ قَولِه تعالى:
وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات: 96] : (قال
أبو عُبَيدٍ: أي: وما تَعمَلون منه الأصنامَ وتَنْحِتونه عليه وهو الخَشَبُ والحِجارةُ وغَيرُهما. قال قتادةُ: وما تَعْمَلون بأيديكم، ويجوزُ أن يكونَ "ما" نفيًا، أي: وما تَعْمَلونه ولكِنَّ اللهَ خالِقُه. ويجوزُ أن يكونَ بمعنى المصدَرِ، أي: وعَمَلَكم)
[304] ينظر: ((معاني القرآن)) للنحاس (6/45). .
وقال في قَولِه تعالى:
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ [المائدة: 77] : (الغُلُوُّ: التجاوُزُ، قال
أبو عُبَيدٍ: كما فعَلَتِ
الخوارِجُ؛ أخرجهم الغُلُوُّ إلى أنْ كَفَّروا أهلَ الذُّنوبِ)
[305] ينظر: ((معاني القرآن)) للنحاس (2/ 345). .
وقال أيضًا في قَولِه تعالى:
وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء: 164] : (مَصدَرٌ مُؤَكِّدٌ، وأجمع النَّحْويُّونَ على أنَّك إذا أكَّدْتَ الفِعْلَ بالمَصدَرِ لم يكُنْ مجازًا، ... فكذا لَمّا قال: "تكليمًا" وجب أن يكونَ كلامًا على الحقيقةِ مِن الكلامِ الذي يُعقَلُ)
[306] ينظر: ((إعراب القرآن)) للنحاس (1/ 251). .
وقال في قَولِه تعالى:
وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ [القصص: 68] : (قال عليُّ بنُ سُلَيمانَ: هذا وقْفُ التَّمامِ، ولا يجوزُ أن يكونَ «ما» في مَوضِعِ نَصبٍ بـ "يختار"؛ لأنَّها لو كانت في مَوضِعِ نَصبٍ لم يَعُدْ عليها شَيءٌ. قال: وفي هذا رَدٌّ على القَدَريَّةِ)
[307] ينظر: ((إعراب القرآن)) للنحاس (3/ 165). .
وفي قَولِه تعالى:
فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ * مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ * إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ [الصافات: 161 - 163] : (ففي هذه الآيةِ رَدٌّ على القَدَريَّةِ مِن كِتابِ اللهِ جَلَّ وعَزَّ، وفيها مِنَ المعاني أنَّ الشَّياطينَ لا يَصِلونَ إلى إضلالِ أحَدٍ إلَّا مَن كَتَبَ اللهُ جَلَّ وعَزَّ عليه أنَّه لا يَهْتَدي، ولو عَلِمَ اللهُ جَلَّ وعَزَّ أنَّه يهتَدي لحالَ بَيْنَه وبَيْنَهم)
[308] ينظر: ((إعراب القرآن)) للنحاس (3/ 300). .
وقال في تفسير قوله تعالى:
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة: 22، 23]: (أما قول من قال: معناه منتظرة فخطأ. سمعت علي بن سليمان يقول: نظرت إليه بمعنى انتظرته، وإنما يقال: نظرته، وهو قول إبراهيم بن محمد بن عرفة وغيره ممن يُوثَقُ بعلمه، وأما من قال: إن المعنى إلى ثواب ربِّها فخطأ أيضًا على قول النحويين الرؤساء؛ لأنه لا يجوز عندهم ولا عند أحد علمته: نظرتُ زيدًا أي: نظرتُ ثوابَه. ونحن نذكر الاحتجاج في ذلك من قول الأئمة والعلماء وأهل اللغة إذا كان أصلًا من أصول السُّنَّةِ، ونذكر ما عارض به أهلُ الأهواء)
[309] ينظر: ((إعراب القرآن)) للنحاس (5/ 55). .
مُصَنَّفَاتُه:مِن مُصَنَّفَاتِه: كتابُ: ((تفسير القُرآنِ))، وكتاب: ((إعراب القُرآنِ))، وكتاب: ((النَّاسخ والمنسوخ))، وكتاب: ((معاني القُرآنِ))، وكتاب: ((الكَافِي في العَرَبيَّة))، وكتاب: ((المُقْنِع فِي اخْتِلَاف البَصرِيين والكُوفِيين))، وكتاب: ((تفسيرُ أَبيَات سِيبَوَيْه)) -وهو كتاب قيل فيه: لم يُؤَلَّف مِثلُه-، وكتاب: ((شرح المُعَلَّقَات))، وكتاب: ((أدب الكَاتِب))، وكتاب: ((التُّفاحة في النَّحْو)).
سَبَب وَفَاتِه:قَيل: إنه جَلَس على شاطِئِ النِّيلِ بمِصرَ يُقَطِّعُ عرُوض شِعْرٍ، فسَمِعَهُ جَاهِلٌ، فقال: هَذَا يسحَرُ النِّيلَ حَتَّى ينقُصَ، ولا يَزَيدَ؛ فَتَغْلُوَ الأسْعَارُ! فرَفَسَه بِرِجْلِه فأَلقَاهُ فِي النِّيل، فَغِرقَ رحمه الله.
وَفَاتُه:تُوفِّي سَنةَ ثمانٍ وثلاثينَ وثلاثِ مِائةٍ. وقيل: سَنةَ سبعٍ وثلاثينَ وثلاثِ مِائة
[310] يُنظَر: ((طبقات النحويين واللغويين)) لمحمد بن الحسن الزُّبَيدي (ص 220)، ((نزهة الألباء في طبقات الأدباء)) لكمال الدين الأنباري (ص 217)، ((معجم الأدباء)) لياقوت الحموي (1/ 468)، ((إنباه الرواة على أنباه النحاة)) للقِفْطي (1/ 136)، ((وفيات الأعيان)) لابن خَلِّكان (1/ 99)، ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (15/ 401)، ((الوافي بالوفيات)) للصفدي (7/ 237)، ((البداية والنهاية)) لابن كثير (15/ 200)، ((البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة)) للفيروزابادي (ص 84)، ((بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة)) للسيوطي (1/ 362)، ((الأعلام)) للزركلي (1/ 208)، ((الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء والنحو واللغة)) لمجموعة باحثين (1/ 288). .