الفَصلُ الأوَّلُ: مُرتَضَى الزَّبِيديُّ (ت:1205هـ)
السَّيِّدُ
مُرتَضَى الزَّبيديُّ أبو الفَيضِ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبدِ الرَّزَّاقِ الحُسَينيُّ الزَّبيديُّ أبو الفَيضِ المُلَقَّبُ بالمُرتَضى، اللُّغَويُّ، النَّحويُّ.
مَوْلِدُه:وُلِد في بلجرام بالهِندِ سَنةَ خمسٍ وأربعين ومِائةٍ وألف.
مِن مَشَايِخِه:عَبدُ اللهِ ميرغني الطَّائِفيُّ، وابنُ الطَّيبِ، وعَبدُ الرَّحمنِ العَيدروس، ومُحَمَّدُ بنُ عَلاءِ الدِّينِ المِزجاجيُّ، وسُلَيمانُ بنُ يَحيى، وعَبدُ اللهِ السنديُّ، وعُمرُ بن أحمَدَ بنِ عَقيلٍ، وأحمَدُ المَلوي، والجَوهريُّ، والحَفنيُّ، والبليديُّ، والصَّعيديُّ، والمَدابِغيَّ.
ومِن تَلَامِذَتِه:السَّيِّدُ علي المَقْدِسي، والمؤرخُ عبد الرحمن الجبرتي.
مَنْزِلَتُه وَمَكَانَتُه:العَلَّامةُ الفَقيهُ المُحَدِّثُ، النَّاظِمُ النَّاثِرُ، الرَّحَّالة النَّسَّابة، رَحَلَ إلَى الحِجازِ، وأقامَ بمِصرَ، فاشتَهرَ فضلُه وانهالَت عليه الهَدَايا والتُّحَفُ، وكاتَبَه مُلوكُ الحِجازِ والهِندِ واليَمَنِ والشَّامِ والعِراقِ والمَغرِبِ الأقصَى والتُّركِ والسُّودانِ والجَزائِرِ. وارتَحَلَّ في طَلَبِ العِلمِ، وحَجَّ مِرارًا.
عَقيدتُه:قال عبدُ الحَيِّ الكتَّانيُّ: ((الحَنَفيُّ مذهبًا، القادِريُّ إرادةً، النَقْشَبنديُّ سلوكًا، الأشعَرِيُّ عقيدةً، هكذا يَصِفُ نَفْسَه في كثيرٍ من إجازاتِه التي وقفتُ عليها بخطِّه))
[734] ينظر: ((فهرس الفهارس)) للكتاني (1/ 527). .
وقد صرَّح
الزَّبيديُّ عن عقيدتِه في صَدْرِ شَرْحِه لإحياءِ عُلومِ الدِّينِ
للغَزالي، فقال: ((وبعدُ، فهذا شَرحُ كِتابِ قواعِدِ العَقائِدِ، وهو الثَّاني من كتابِ إحياءِ عُلومِ الدِّينِ للإمامِ حُجَّةِ الإسلامِ
أبي حامِدٍ الغَزاليِّ الطُّوسيِّ رحمه اللهُ تعالى، المُتكَفِّلِ لبيانِ القواعِدِ الدِّينيَّةِ، المُشتَمِلِ على محاسِنِ مُعتَقَداتِ الطَّائِفةِ السَّنِيَّةِ العَلِيَّةِ، التي هي غايةُ مَطامِحِ انتِظارِ العُلَماءِ العامِلينَ، وفي تحصيلِها فُتوحُ بابِ الرُّشدِ واليَقينِ، استمدَدْتُ في تَفصيلِ مُجمَلِها وإيضاحِ مُهِمِّها وتَبَيُّنِ مُشكِلِها بالكُتُبِ المؤَلَّفةِ في طريقَتَيِ إمامَي السُّنَّةِ والهَدْيِ، وبَدْرَيِ المعالي في سماءِ الاهتِدا والاقتِدا؛ الإمامِ
أبي الحَسَنِ الأشعَريِّ، والإمامِ
أبي منصورٍ الماتُريديِّ، مُستعينًا بحَولِ اللهِ وقُوَّتِه، متوكِّلًا عليه راجِيًا حُسْنَ مَعونتِه؛ إنَّه بالفَضْلِ جَديرٌ وعلى ما يشاءُ قَديرٌ))
[735] ينظر: ((إتحاف السادة المتقين)) للزبيدي (2/2). .
وفي هذا الكِتابِ مُخاَلفاتٌ فَجَّةٌ، وأقوالٌ غَيرُ مَقبولةٍ، فمِن ذلك نَقْلُه قَولَ الفُسَّاقِ والزَّنادِقةِ عن كِتابِ الوَجيزِ
للغَزاليِّ: ((لو ادَّعى النبُوَّةَ لكان مُعجِزةً له كافيةً))
[736] ينظر: ((إتحاف السادة المتقين)) للزبيدي (2/287). . فَضْلًا عن سُكوتِه عن بَعْضِ أقوالِ
الغَزاليِّ التي انتَقَده عليها العُلَماءُ، كزَعْمِه أنَّ الكَعْبةَ تطوفُ بالصَّالحينَ، بل أطنَبَ بما يُثبِتُ ذلك فقال:
((نَقَله صاحِبُ القُوتِ، وزاد ما نصُّه: وحَدَّثَني شيخٌ لنا عن أبي عَليٍّ الكرْمانيِّ رحمه اللهُ تعالى شيخِنا بمكَّةَ -وكان من الأبدالِ- إلَّا أنِّي ما سمِعْتُ منه هذه الحِكايةَ، قال: سمِعْتُه يقولُ: رأيتُ الكَعْبةَ ذاتَ ليلةٍ تَطوفُ بشَخصٍ مِنَ المؤمِنينَ، وقال لي هذا الشَّيخُ: ربَّما نظَرْتُ إلى السَّماءِ واقِعةً على سَطْحِ الكَعبةِ قد ماسَّتْها الكعبةُ ولَزِقَت بها. انتهى، وقال الشَّيخُ الأكبَرُ [737] يريدُ به الهالِكَ ابنَ عَرَبي الصُّوفيَّ المقبورَ. : ولقد نظَرْتُ يومًا إلى الكعبةِ وهي تسألُني الطَّوافَ بها، وزَمْزَمَ تسألُني التضَلُّعَ مِن مائِها رَغبةً في الاتِّصالِ بنا ...)) [738] ينظر: ((إتحاف السادة المتقين)) للزبيدي (4/280). ، وقَولُه:
((إنَّ تَرْكَ نوافِلِ الصَّلاةِ في السَّفَرِ خُسْرانٌ ظاهِرٌ)) [739] ينظر: ((إتحاف السادة المتقين)) للزبيدي (4/390). .
وقال في ابنِ كُلَّابٍ رأسِ الطَّائِفةِ
الأشعَريَّةِ: ((وهو رأسُ الطَّائِفةِ الكُلَّابيَّةِ مِن أهلِ السُّنَّةِ، كانت بَيْنَه وبَيْنَ
المُعتَزِلةِ مُناظَراتٌ في زَمَنِ
المأمونِ، ووفاتُه بَعْدَ الأربَعينَ ومائِتَينِ. ويقال له ابنُ كُلَّابٍ، وهو لَقَبٌ؛ لشِدَّةِ مجادَلَتِه في مجلِسِ المناظَرةِ))
[740] ينظر: ((تاج العروس)) للزبيدي (4/ 173). .
وقال أيضًا:
((وإذا عُدِّي الاستواءُ بـ "إلى" اقتضى معنى الانتهاءِ إليه، إمَّا بالذَّاتِ أو بالتَّدبيرِ، وعلى الثَّاني قَولُه عزَّ وجَلَّ: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ [فصلت: 11] . قال الجوهريُّ: أي: صَعِدَ، وهو تفسيرُ ابنِ عَبَّاسٍ، ويعني بقَولِه ذلك، أي: صَعِد أمْرُه إليه، قاله أبو إسحاقَ. أو عَمَد إليها، أو قَصَد إليها، كما تقولُ: فَرَغ الأميرُ مِن بَلَدِ كذا ثمَّ استوى إلى بَلَدِ كذا، معناه: قَصَد الاستواءَ إليه. قاله أبو إسحاقَ. أو أقبَلَ عليها، عن ثَعلَبٍ.
وقال الفَرَّاءُ: من معاني الاستواءِ أن يقولَ: كان فلانٌ مقبِلًا على فلانٍ ثمَّ استوى عليَّ وإليَّ يشاتِمُني، على معنى: أقبَلَ، فهذا معنى ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ [فصلت: 11]
أو استولى وظَهَر. نقله الجَوهريُّ، ولكِنَّه لم يُفَسِّرْ به الآيةَ المذكورةَ.
قال الرَّاغِبُ: ومتى ما عُدِّي بـ "على" اقتضى معنى الاستيلاءِ، كقَولِه عزَّ وجَلَّ: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه: 5] )) [741] ينظر: ((تاج العروس)) للزبيدي (38/ 331). .
مُصنَّفاتُه:مِن مُصَنَّفَاتِه: كتاب: ((إتحاف السَّادة المتَّقين شرح كتاب إحياء العُلوم للغزاليِّ))، وكتاب: ((تاج العَرُوس في شرح القاموس))، وكتاب: ((الجواهر المنيفة في أصول أدِلَّة مذهب الإمام أبي حنيفة))، وكتاب: ((الرَّوض المِعْطار في نسب السَّادة آل جَعفرٍ الطَّيَّار))، وكتاب: ((إتحاف سَيِّد الحيِّ بسلاسل بني علي)).
وَفَاتُه:تُوفِّي سَنةَ خمسٍ ومائَتَينِ وألف
[742] يُنظر: ((تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار)) للجبرتي (2/ 104)، ((حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر)) للبيطار (ص: 1492)، ((فهرس الفهارس)) للكتاني (1/ 526)، ((الأعلام)) للزركلي (7/ 70)، ((معجم المؤلفين)) لعمر رضا كحالة (11/ 282) ((هدية العارفين)) للبغدادي (2/ 347). .