المَطْلَبُ الثاني: الحروفُ العاطفةُ لفظًا فحسْبُ
وهي التي يختَلِفُ معنى ما قَبْلَها عمَّا بَعْدَها، وهي:
1- لكنْ:تأتي (لكِنْ) عاطفةً، فتَعطِفُ مُثبتًا على نفْيٍ أو نهيٍ. تَقولُ: ما جاء محمَّدٌ لكِنْ عَمْرٌو، لا تضرِبْ عَليًّا لكنْ زيدًا.
لا: حرفُ نهيٍ وجَزمٍ مَبْنيٌّ على السُّكونِ.
تضرب: فِعلٌ مُضارعٌ مجزومٌ بـ(لا) الناهيةِ، وعَلامةُ جزمه السُّكونُ.
عليًّا: مَفعولٌ به مَنصوبٌ، وعَلامةُ نَصبِه الفتحةُ.
لكنْ: حرفُ عَطفٍ مَبْنيٌّ على السُّكونِ.
زيدًا: معطوفٌ منصوبٌ، وعَلامةُ نَصبِه الفَتحةُ الظَّاهِرةُ.
فإذا دخلت الواوُ على (لكنْ) لم تكُنْ "لكِنْ" عاطفةً، وإنما العَطفُ للواوِ، ولكِنْ تعمَلُ عمَلَها في المعنى والاستدراكِ، وتكونُ الجُملةُ بعد الواو حينئذٍ معطوفةً على ما قبل الواوِ. تَقولُ: ما حضر عَمْرٌو ولكِنْ زيدٌ؛ إذ لو جعَلْنا زيدًا معطوفًا على عمرٍو بالواوِ لفَسَد المعنى؛ إذ الواوُ تأتي للجَمعِ لا للاستدراكِ ومخالفةِ المعطوفِ للمعطوفِ عليه في المعنى.
إعراب: ما حضر عَمْرٌو ولكنْ زيدٌما: حرفُ نَفيٍ مَبْنيٌّ على السُّكونِ لا مَحَلَّ له مِنَ الإعرابِ.
حضر: فِعلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على الفَتحِ.
عمرو: فاعِلٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ.
ولكِنْ: الواوُ حَرفُ عَطفٍ، لكِنْ: حرفٌ يفيدُ الاستدراكَ مَبْنيٌّ على السُّكونِ.
زيد: فاعِلٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ، والفِعْلُ مستترٌ تقديرُه: (حضر)، وجُملةُ (حضر زيد) معطوفةٌ على جُملة (حضر عَمرٌو).
ومنه قَولُه تعالى:
مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ [الأحزاب: 40] ؛ فتُعرَب "رسولَ" خَبَرًا لـ(كان) المحذوفةِ مع اسمِها؛ لدَلالةِ (كان) المثبَتةِ عليها، وتكونُ (كان) واسمهُا وخَبَرُها معطوفةً على الجُملةِ الأولى.
2- (لا):تأتي (لا) بعد مُثْبَتٍ، فتنفي الحُكمَ عن المعطوفِ بها، وتلي النِّداءَ وفِعلَ الأمرِ والإثباتَ. تَقولُ: يا أخي لا ابنَ عَمِّي، اضرِبْ زيدًا لا عَمْرًا، زيدٌ كاتبٌ لا شاعرٌ.
زيد: مُبتَدَأٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ.
كاتب: خَبَرٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ.
لا: حرفُ عَطفٍ مَبْنيٌّ على السُّكونِ.
شاعر: معطوفٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ.
وفي معنى الأمرِ يأتي الدُّعاءُ. تَقولُ: رَضِيَ اللهُ عن الطَّائِعين لا العاصِين.
والتحضيضُ. تَقولُ: هلَّا تضرِبُ زيدًا لا عَمْرًا.
قد يُحذَف المعطوفُ عليه قبل "لا". تَقولُ: أعطيتُك لا لتَظلِمَ؛ فإنَّ أصلَها: أعطيتُك لتَعدِلَ لا لتَظلِمَ.
3- (بل):(بل) حَرفٌ له عِدَّةُ مَعانٍ، وتختَلِفُ تلك المعاني حسَبَ ما دخل عليه:
فإن كان المعطوفُ جُملةً كان معناها الإضرابَ، بحيث يكونُ ما قَبْلَها في حُكمِ المتروكِ المعدولِ عنه إلى غيرِه، كقَولِه تعالى:
أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ [المؤمنون: 70] .
وقد يأتي ولا يفيدُ الإضرابَ، بل يكونُ المعنى الأوَّلُ تامًّا والجُملةُ الأُخرى في معنى الاستئنافِ. تَقولُ: زيدٌ فقيهٌ بلْ هو شاعِرٌ، أي: إضافةً إلى ذلك فهو شاعِرٌ. ومنه قَولُه تعالى:
وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ * بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا [المؤمنون: 62، 63].
إذا دخَلَت على مُفرَدٍ مَسبوقٍ بنَفيٍ أو نهيٍ، فهي مِثْلُ "لكِنْ" تَسلُبُ الحُكمَ عمَّا قبلها لِما بَعْدَها. تَقولُ: ما جاء محمدٌ بل عليٌّ.
ما: حرفُ نَفيٍ مَبْنيٌّ على السُّكونِ.
جاء: فِعلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على الفَتحِ.
محمد: فاعِلٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ.
بل: حَرفُ عَطفٍ مَبْنيٌّ على السُّكونِ.
علي: معطوفٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ.
إذا دخلت على ما ليس مَسبوقًا بنفيٍ أو نهيٍ فهي لإزالةِ حُكمِ ما قَبْلَها وجَعْلِه لِما بَعْدَها كذلك، لكِنَّها لا تُشبِهُ "لكِنْ"؛ إذ (لكِنْ) لا تأتي مُثبَتةً، تَقولُ: جاء محمدٌ بل عليٌّ.
تُزاد أحيانًا "لا" قبل (بل)، وتكون زائدةً للتأكيدِ. تَقولُ: جاء زيدٌ لا بلْ عَمرٌو، لا تضرِبْ عليًّا لا بلْ سعدًا، أكرِمْ محمدًا لا بلْ زيدًا، ما قام زيدٌ لا بلْ عَمرٌو.
قد تتكرَّرُ "بلْ" قبل الجُمَل، وتكونُ لإفادةِ الرُّجوعِ عن الأولى إلى الثانيةِ، وعن الثانيةِ إلى الثالثةِ، وهكذا؛ كقَولِه تعالى:
بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ [الأنبياء: 5]، وقد لا تفيدُ الرجوعَ وإنما لترجيحِ الأخيرةِ عن السَّابقة، كقَولِه تعالى:
بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ [النمل: 66] .