الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الأوَّلُ: السِّباقُ بعِوَضٍ في الخُفِّ والحافِرِ والنَّصلِ إذا كان العِوَضُ مِن غَيرِ المُتَسابقَينِ


يَجوزُ السِّباقُ بعِوَضٍ في الخُفِّ والحافِرِ والنَّصلِ [933] [الإبِلُ، والخَيلُ، والسِّهامُ]، ويُقاسُ عليه آلاتُ الحَربِ الحَديثةُ، كالدَّبَّاباتِ، والطَّائِراتِ، والسُّفُنِ، والغَوَّاصاتِ، والبَنادِقِ والرَّشَّاشاتِ. يُنظر: ((فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الأولى)) (15/194)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (10/99). وألحَقَ الشَّافِعيَّةُ بالخَيلِ: الفِيَلةَ والبِغالَ والحَميرَ، وألحَقوا بالسِّهامِ: الرِّماحَ والرَّميَ بالأحجارِ بمِقلاعٍ أو يَدٍ، والرَّميَ بالمَنجَنيقِ، والرَّميَ بالمِسَلَّاتِ والإبَرِ، والتَّرَدُّدَ بالسُّيوفِ والرِّماحِ. يُنظر: ((روضة الطالبين)) للنووي (10/350)، ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (4/229)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/312). إذا كان العِوَضُ مِن غَيرِ المُتَسابقَينِ.
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لا سَبَقَ [934] السَّبَقُ -بفَتحِ الباءِ-: هو المالُ الذي يُعطى لمن سَبَقَ. يُنظر: ((الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي)) للأزهري (ص: 269)، ((معالم السنن)) للخطابي (2/255)، (النهاية في غريب الحديث)) لابن الأثير (5/279). إلَّا في خُفٍّ أو حافِرٍ أو نَصلٍ)) [935] أخرجه أبو داود (2574) واللفظ له، والترمذي (1700)، والنسائي (3585). صحَّحه ابنُ حبان في ((صحيحه)) (4690)، وابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (4/ 160)، وابن القطان في ((الوهم والإيهام)) (5/746)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2574)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1394). .
ثانيا: مِنَ الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على ذلك: الباجيُّ [936] قال الباجِيُّ: (فإن أخرَجَه -أي: السَّبَقَ- غَيرُهم -أي: المُتَسابقَينِ- كالإمامِ وغَيرِه، على أنَّه لِمَن سَبَقَ؛ فلا خِلافَ في جَوازِه). ((المنتقى شرح الموطإ)) (3/216).. ، وابنُ رُشدٍ الجَدُّ [937] قال ابنُ رُشدٍ الجَدُّ: (هذا الوَجهُ في الجَوازِ مِثلُ أن يُخرِجَ الإمامُ الجُعلَ فيَجعَلَه لمَن سَبقَ مِنَ المُتَسابقَينِ، فهو مِمَّا لا اختِلافَ فيه بَينَ أهلِ العِلمِ أجمَعينَ). ((المقدمات الممهدات)) (3/475). ، والقاضي عِياضٌ [938] قال القاضي عِياضٌ: (فأمَّا المُتَّفَقُ على جَوازِه: فأن يُخرِجَ الوالي سَبَقًا يَجعَلُه للسَّابقِ مِنَ المُتَسابقَينِ، ولا فرَسَ له في الحَلْبةِ، فمِن سَبَقَ له، وكذلك لَو أخرَجَ أسْباقًا، أحَدُها للسَّابقِ، والثَّاني للمُصَلِّي، والثَّالِثُ للتَّالي، وهَكَذا، فهو جائِزٌ، ويَأخُذونَه على شُروطِهم. وكَذلك إن فعَلَ ذلك مُتَطَوِّعًا رَجُلٌ مِنَ النَّاسِ مِمَّن لا فرَسَ له في الحَلْبةِ). ((إكمال المعلم بفوائد مسلم)) (6/284). ، والنَّوَويُّ [939] قال النَّوويُّ: (فأمَّا المُسابَقةُ بعِوَضٍ فجائِزةٌ بالإجماعِ، لَكِنْ يُشتَرَطُ أن يَكونَ العِوَضُ مِن غَيرِ المُتَسابقَينِ). ((شرح صحيح مسلم)) (13/14). ، والقَرافيُّ [940] قال القَرافيُّ: (ولَه [أي: للسِّباقِ] ثَلاثُ صُوَرٍ؛ الأولى: أن يَجعَلَ الوالي أو غَيرُه مُحَلِّلًا للسَّابِقِ... فلا يُختَلَفُ في إباحةِ الأولى). ((الذخيرة)) (3/465). ، وابنُ تَيميَّةَ [941] قال ابنُ تيميَّةَ: (فإذا أخرَجَ وليُّ الأمرِ مالًا مِن بَيتِ المالِ للمُتَسابِقَينِ بالنُّشَّابِ والخَيلِ والإبِلِ، كان ذلك جائِزًا باتِّفاقِ الأئِمَّةِ). ((مجموع الفتاوى)) (28/22). ، وابنُ حَجَرٍ [942] قال ابنُ حَجَرٍ: (واتَّفَقوا على جَوازِها بعِوَضٍ، بشَرطِ: أن يَكونَ مِن غَيرِ المُتَسابقَينِ: كالإمامِ حَيثُ لا يَكونُ له مَعَهم فرَسٌ). ((فتح الباري)) (6/73). ، والعَينيُّ [943] قال العَينيُّ: (إن كان اشتِراطُ العِوَضِ مِنَ الإمامِ فإنَّه يَجوزُ بالإجماعِ؛ لأنَّ هذا مِمَّا يُحتاجُ إليه؛ لأنَّه حَثٌّ على الجِهادِ). ((البناية شرح الهداية)) (12/254). . ونَقَله ابنُ حَزمٍ [944] قال ابنُ حَزمٍ: (لا أعلَمُ خِلافًا في إباحةِ أن يَجعَلَ السُّلطانُ أوِ الرَّجُلُ شَيئًا مِن مالِه للسَّابقِ في الخَيلِ خاصَّةً). ((مراتب الإجماع)) (ص 157). ، وأبو العَبَّاسِ القُرطُبيُّ [945] قال أبو العَبَّاسِ القُرطُبيُّ: (فالمُتَّفَقُ عليها: أن يُخرِجَ الإمامُ أو غَيرُه مُتَطَوِّعًا سَبَقًا، ولا فَرَسَ له في الحَلْبةِ، فمَن سَبَق فله ذلك السَّبَقُ). ((المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم)) (3/701). ، وأبو عَبدِ اللهِ القُرطبيُّ [946] قال أبو عَبدِ اللهِ القُرطُبيُّ: (الأسباقُ ثَلاثةٌ: سَبَقٌ يُعطيه الوالي، أوِ الرَّجُلُ غَيرُ الوالي، مِن مالِه مُتَطَوِّعًا، فيَجعَلُ للسَّابقِ شَيئًا مَعلومًا، فمَن سَبَقَ أخَذه... وهذا مِمَّا لا خِلافَ فيه). ((الجامع لأحكام القرآن)) (9/147). في الخَيلِ خاصَّةً.
ثالثًا: القياسُ على ما إذا قال الإمامُ: مَن دَخَلَ هذا الحِصنَ فلَه مِنَ النَّفَلِ كَذا وكَذا، فكَما أنَّه يَجوزُ هذا فمِن بابِ أَولى أن يَجوزَ العِوَضُ مِنَ الإمامِ في السِّباقِ؛ لِما فيه مِنَ الاستِعدادِ للجِهادِ في سَبيلِ اللهِ [947] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (6/206). .
رابعًا: لأنَّ هذا قد خَرَجَ مِن مَعنى القِمارِ إلى بابِ المُكارَمةِ والتَّفضُّلِ على السَّابقِ، وقد أخرَجَه على يَدِه بكُلِّ حالٍ [948] يُنظر: ((إكمال المعلم بفوائد مسلم)) للقاضي عياض (6/284). .
خامسًا: لأنَّ فيه مَصلَحةً وحَثًّا على تَعليمِ الجِهادِ ونَفعًا للمُسلِمينَ [949] يُنظر: ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (3/706)، ((حاشية ابن عابدين)) (6/403). .

انظر أيضا: