الموسوعة الفقهية

الفَرعُ الثَّاني: المُصارَعةُ


تجوزُ المُصارَعةُ [996] المُصارَعةُ: رياضةٌ بَدَنيَّةٌ تَجري بَينَ اثنَينِ يُحاوِلُ كُلٌّ مِنهما أن يَصرَعَ الآخَرَ على أُصولٍ مُقَرَّرةٍ. يُنظر: ((المعجم الوسيط)) (1/513). ويُلحَقُ بها المُبارَزةُ في الكاراتيهِ والجُودو -إذا اجتُنِبَت مَحاذيرُهما- لأنَّها تُعتَبَرُ مِنَ التَّمارينِ التي تُقَوِّي الجِسمَ ويُستَعانُ بها على الجِهادِ. أمَّا ما يُسَمَّى بالمُصارَعةِ الحُرَّةِ فلا تَجوزُ، سَواءٌ بعِوَضٍ أو بغَيرِ عِوَضٍ. يُنظر: فصلُ المُصارَعةِ الحُرَّةِ. بعِوَضٍ [997] اشتَرَطَ ابنُ تيميَّةَ وابنُ القَيِّمِ، والحَنابلةُ في وَجهٍ: جَوازَ ذلك إذا قُصِدَ به نَصرُ الإسلامِ. ، وهو قَولٌ للشَّافِعيَّةِ [998] ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (4/229). ويُنظر: ((تكملة المجموع)) للمطيعي (15/137). ، ووَجهٌ للحَنابِلةِ [999] ((الإنصاف)) للمرداوي (6/67). ، وهو اختيارُ ابنِ تَيميَّةَ [1000] قال ابنُ تيميَّةَ: (الصِّراعُ والسَّبْقُ بالأقدامِ ونَحوُهما طاعةٌ إذا قُصِدَ به نَصرُ الإسلامِ، وأخذُ السَّبَقِ عليه أخذٌ بالحَقِّ، فالمُغالَبةُ الجائِزةُ تَحِلُّ بالعِوَضِ إذا كانت مِمَّا يُنتَفَعُ به في الدِّينِ، كما في مُراهَنةِ أبي بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه، وهو أحَدُ الوجهَينِ في المَذهَبِ). ((الفتاوى الكبرى)) (5/415). ويُنظر: ((المستدرك على مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (4/58)، ((الفروع)) لمحمد بن مفلح (7/190)، ((الإنصاف)) للمرداوي (6/67). ، وابنِ القَيِّمِ [1001] قال ابنُ القَيِّمِ: (فالصِّراعُ والسِّباقُ بالأقدامِ ونَحوِهما إذا قُصِدَ به نَصرُ الإسلامِ كان طاعةً، وكان أخذُ السَّبَقِ به حينَئِذٍ أخذًا بالحَقِّ لا بالباطِلِ... وعَلى هذا فكُلُّ مُغالَبةٍ يُستَعانُ بها على الجِهادِ تَجوزُ بالعِوَضِ، بخِلافِ المُغالَباتِ التي لا يُنصَرُ الدِّينُ بها). ((الفروسية)) (ص: 142-145). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما ((في قَولِ اللهِ تعالى: الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ [الروم: 1-3] قال: غُلِبَت وغَلَبَت، كان المُشرِكونَ يُحِبُّونَ أن يَظهَرَ أهلُ فارِسَ على الرُّومِ؛ لأنَّهم وإيَّاهم أهلُ أوثانٍ، وكان المُسلمونَ يُحِبُّونَ أن يَظهَرَ الرُّومُ على فارِسَ؛ لأنَّهم أهلُ كِتابٍ، فذَكَروه لأبي بَكرٍ، فذَكَره أبو بَكرٍ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: أمَا إنَّهم سيَغلِبونَ، فذَكَره أبو بَكرٍ لَهم، فقالوا: اجعَلْ بَينَنا وبَينَك أجَلًا، فإنْ ظَهَرْنا كان لَنا كَذا كَذا، وإن ظَهَرتُم كان لَكُم كَذا وكَذا، فجَعَلَ أجَلَ خَمسِ سِنينَ، فلَم يَظهَروا! فذَكَر ذلك للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، قال: ألَا جَعَلْتَه إلى دونِ -قال: أُراه- العَشرِ. قال أبو سَعيدٍ: والبِضعُ: ما دونَ العَشرِ. قال: ثُمَّ ظَهَرَتِ الرُّومُ بَعدُ، قال: فذلك قَولُه تعالى: الم * غُلِبَتِ الرُّومُ إلى قَولِه: يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ [الروم: 1-5] . قال سُفيانُ: سَمِعتُ أنَّهم ظَهَروا عليهم يَومَ بَدرٍ)) [1002] أخرجه الترمذي (3193) واللفظ له، وأحمد (2495). صحَّحه الحاكم في ((المستدرك)) (638) وقال: على شرطِ الشَّيخينِ، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (3193)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (638) وقال: على شرطِ الشَّيخينِ، وقال الترمذيَّ: حسنٌ صحيحٌ غريبٌ. .
وَجهُ الدَّلالةِ:
في الحَديثِ دَلالةٌ على المُراهَنةِ مِنَ الجانِبَينِ بعِوَضٍ على ما فيه ظُهورُ الدِّينِ، ثُمَّ إنَّ في هذه القِصَّةِ الظُّهورَ بالعِلمِ، وفي المُصارَعةِ الظُّهورَ بالقُوَّةِ والقُدرةِ، والدِّينُ إنَّما يَقومُ بهَذَينِ الأمرَينِ: العِلمِ والقُدرةِ؛ فكانتِ المُراهَنةُ عليهما نَظيرَ المُراهنةِ على الرَّميِ والرُّكوب؛ لِما فيهما مِنَ العَونِ على إظهارِ الدِّينِ وتَأييدِه، فهيَ مُراهَنةٌ على حَقٍّ، وأكلُ المالِ بها أكلٌ له بالحَقِّ [1003] يُنظر: ((الفروسية)) لابن القيم (ص: 203). .
ثانيًا: لأنَّه إذا قُصِدَ به نَصرُ الإسلامِ كان طاعةً، وكان أخذُ السَّبَقِ به حينَئِذٍ أخذًا بالحَقِّ لا بالباطِلِ [1004] يُنظر: ((الفروسية)) لابن القيم (ص: 142-145). .

انظر أيضا: