الموسوعة الفقهية

المطلب الثالث: حِرمانُ القاتِلِ خَطَأً مِنَ الميراثِ


اختَلف العُلماءُ في حِرمانِ القاتِلِ خَطَأً مِنَ الميراثِ، على قَولينِ:
القَولُ الأوَّلُ: القاتِلُ خَطَأً لا يَرِثُ مِن مالِ المَقتولِ ولا مِن ديَتِه، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّةِ [125] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (6/102)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (8/557). ، والشَّافِعيَّةِ [126] ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (6/417)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/25). ، والحَنابلةِ [127] ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (6/242)، ((الإنصاف)) للمرداوي (7/274). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الآثارِ
عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: (لا يَرِثُ القاتِل) [128] أخرجه الدارمي (3086)، وعبد الرزاق (17786). حَسَّن إسنادَه ابنُ حَجَرٍ في ((موافقة الخبر الخبر)) (2/105). .
ثانيًا: لأنَّه لو وَرِثَ لم يُؤمَنْ أن يَستَعجِلَ الإرثَ بالقَتلِ؛ فاقتَضَتِ المُصلحةُ حِرمانَه، ولأنَّ القَتلَ قَطعٌ للمُوالاةِ، وهيَ سَبَبُ الإرثِ [129] يُنظر: ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/25). .
القَولُ الثَّاني: القاتِلُ خَطَأً يَرِثُ مِن مالِ المَقتولِ ولا يَرِثُ مِن ديَتِه، وهو مَذهَبُ المالِكيَّةِ [130] ((التاج والإكليل)) للمواق (6/422)، ((منح الجليل)) لعليش (9/691). ، واختارَه ابنُ القَيِّمِ [131] قال ابنُ القَيِّمِ: (فإذا قَتَل أحَدُهما صاحِبَه عَمدًا لم يَرِثْ مِن ديَتِه ومالِه شَيئًا، وإن قَتَل أحَدُهما صاحِبَه خَطَأً وَرِث مِن مالِه، ولم يَرِثْ مِن ديَتِه، ذَكَرَه ابنُ ماجه، وبه نَأخُذُ). ((إعلام الموقعين)) (6/425). ، وابنُ عُثَيمين [132] قال ابنُ عُثَيمين: (القَولُ الرَّاجِحُ في مَسألةِ القَتلِ: أنَّه إذا تَعَمَّدَ الوارِثُ قَتلَ مُوَرِّثِه عَمدًا لا شَكَّ فيه فإنَّه لا يَرِثُ. وإن كان خَطَأً فإنَّه يَرِثُ، ولكِن هَل يَرِثُ مِنَ الدِّيةِ التي سَيَبذُلُها؟ لا يَرِثُ؛ لأنَّ الدِّيةَ غُرمٌ عليه، وقد جاءَ في حَديثٍ رَواه ابنُ ماجه: (أنَّه يَرِثُ مِن تِلادِ مالِه) يَعني قديمَه، فيَرِثُ مِنَ المالِ لا مِنَ الدِّيةِ). ((الشرح الممتع)) (11/312). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
1- قَولُه تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ [النساء: 11] .
2- وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ [النساء: 12] .
وَجهُ الدَّلالةِ مِنَ الآيَتَينِ:
العُمومُ المَذكورُ في الآيَتَينِ، ولا يُمكِنُ أن يُخَصَّصَ إلَّا بدَليلٍ مِنَ الشَّرعِ، ولا دَليلَ على سُقوطِ الإرثِ في حالِ القَتلِ الخَطَأِ [133] يُنظر: ((فتح ذي الجلال والإكرام)) لابن عثيمين (4/382). .
ثانيًا: لأنَّ كُلَّ مَعنًى لا يَمنَعُ التَّساويَ في الحُرمةِ والدِّينِ لا يوجِبُ القَوَدَ ولا يُزيلُ جِهةَ التَّوارُثِ؛ فلا يَمنَعُ الميراثَ [134] يُنظر: ((الإشراف على نكت مسائل الخلاف)) للقاضي عبد الوهاب (2/1021). .
ثالثًا: أنَّه لا يَرِثُ مِنَ الدِّيةِ؛ لأنَّ الدِّيةَ واجِبةٌ عليه بجِنايَتِه، والعاقِلةُ تَحمِلُها عنه تخفيفًا، ولا يَجوزُ أن يَجنيَ جِنايةً يَستَحِقُّ بها مالًا [135] يُنظر: ((الإشراف على نكت مسائل الخلاف)) للقاضي عبد الوهاب (2/1022،1021). .

انظر أيضا: