المطلب العاشِر: سُنَن صلاةِ الجِنازة
الفرع الأوَّل: رفْعُ اليَدينِ مع التَّكبيرِالمسألة الأولى: رفْعُ اليَدينِ معَ التكبيرةِ الأُولىيُشرَعُ للمصلِّي على الجِنازة أن يرفعَ يديه في أوَّلِ تكبيرةٍ يُكبِّرُها.
الدَّليل من الإجماع:نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ المنذرِ
[8370] قال ابنُ المنذر: (أجمَعوا على أنَّ المصلِّي على الجِنازَة يرفع يديه في أوَّل تكبيرة يُكبِّرها). ((الإجماع)) (ص:44). ، و
ابنُ قُدامةَ
[8371] قال ابنُ قُدامةَ: (أجمَع أهلُ العلم على أنَّ المصلِّيَ على الجنائز يرفع يديه في أوَّل تكبيرةٍ يُكبِّرها). ((المغني)) (2/366). المسألة الثانية: رفْعُ اليدينِ مع التَّكبيراتِ سِوى تكبيرةِ الإحراميُسنُّ للمصلِّي على الجِنازة أنْ يَرفعَ يديه في كلِّ تكبيرةٍ، وهو مذهبُ الشافعيَّة
[8372] ((المجموع)) للنووي (5/231)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/342). ، والحَنابِلَة
[8373] ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (2/230)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/116). ، وقولُ بعضِ الحَنفيَّة
[8374] ((تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق)) للزيلعي (1/241)، ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (1/219). وقولٌ للمالكيَّة
[8375] ((شرح التلقين)) للمازري (1/1151)، ((شرح مختصر خليل للخرشي مع حاشية العدوي)) (2/128). ، وقال به بعضُ السَّلفِ
[8376] ((الأوسط)) لابن المنذر (5/468). وينظر: ((المجموع)) للنووي (5/232). ، وهو قولُ
داودَ الظاهريِّ [8377] ((المجموع)) للنووي (5/232). ، واختارَه ابنُ المنذر
[8378] ((الإقناع)) لابن المنذر (1/161). ، و
ابنُ باز [8379] ((مجموع فتاوى ابن باز)) (13/148). ، و
ابنُ عُثَيمين [8380] ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (13/70). الأدلَّة:أولًا: من الآثار1- عن نافعٍ، عن
ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، أنَّه: (كان يرفعُ يَديهِ في كلِّ تكبيرةٍ على الجِنازة)
[8381] أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (11498)، والبخاري في ((قرة العينين)) (106)، والبيهقي (7243). صحَّح إسنادَه ابنُ حجر في ((الدراية)) (1/236)، وجوَّد إسنادَه ابنُ باز في تعليقِه على ((فتح الباري)) لابن حجر (3/227). 2- عنِ
ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: (أنَّه كان يرفعُ يَديهِ في تكبيراتِ الجِنازة)
[8382] أخرجه سعيدُ بن منصور كما قال الحافظُ ابن حجر في ((التلخيص الحبير)) (2/291) وصحَّحه. ثانيًا: لأنَّها تكبيرةٌ حالَ الاستقرارِ؛ أشبهتِ الأُولى
[8383] ((المغني)) لابن قدامة (2/366). الفرع الثَّاني: الجهرُ والإسرارُ في صلاةِ الجِنازة المسألة الأولى: القراءةُ إذا كانتْ صلاةُ الجِنازة نهارًايُسرُّ بالقِراءةِ في صَلاةِ الجِنازةِ نَهارًا.
الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّةعن أبي أُمامةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، أنَّه قال:
((السُّنَّةُ في الصَّلاةِ على الجِنازة أن يقرأَ في التكبيرةِ الأُولى بأمِّ القرآنِ مخافَتَةً، ثم يُكبِّرُ ثلاثًا، والتَّسليمُ عند الآخِرةِ )) [8384] أخرجه النسائي (1989)، وابن المنذر في ((الأوسط)) (3165)، والطبراني في ((مسند الشاميين)) (3000). قال النوويُّ في ((المجموع)) (5/233): إسنادُه على شرْط الشَّيخينِ، وقال ابنُ الملقِّن في ((تحفة المحتاج)) (1/595): إسناده على شرط الصَّحيح، وصحَّح إسنادَه ابن حجر في ((فتح الباري)) (3/242)، وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (1988). ثانيًا: من الإجماعنقَل الإجماعَ على ذلك:
ابنُ قُدامة [8385] قال ابنُ قُدامةَ: (ويُسِرُّ القراءةَ والدعاءَ في صلاةِ الجِنازَة، لا نعلم بين أهلِ العِلم فيه خلافًا). ((المغني)) (2/363). ، و
العينيُّ [8386] قال العينيُّ: (فقد يستدلُّ به على الجَهر بها، وهو أحدُ الوجهين لأصحاب الشافعيِّ فيما إذا كانت الصلاةُ عليها ليلًا، قال شيخُنا زَينُ الدِّين: والصَّحيح أنَّه يُسرُّ بها ليلًا أيضًا، وأمَّا النَّهار فاتَّفقوا على أنَّه يُسرُّ فيه). ((عمدة القاري شرح صحيح البخاري)) (8/140). المسألة الثانية: القِراءةُ إذا كانتْ صلاةُ الجِنازة ليلًايُسرُّ بالقراءةِ في صلاةِ الجنازةِ ولو كانتِ الصَّلاةُ ليلًا، وهو الأصحُّ عند الشافعيَّة
[8387] ((المجموع)) للنووي (5/234)، ((روضة الطالبين)) للنووي (2/125). ، والحَنابِلَة
[8388] ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/362)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/113). الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّةعن أبي أُمامةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، أنَّه قال:
((السُّنَّةُ في الصَّلاةِ على الجِنازة أن يقرأَ في التكبيرةِ الأُولى بأمِّ القرآن مخافَتَةً، ثم يُكبِّرَ ثلاثًا، والتَّسليمُ عند الآخِرةِ )) [8389] أخرجه النسائي (1989)، وابن المنذر في ((الأوسط)) (3165)، والطبراني في ((مسند الشاميين)) (3000). قال النوويُّ في ((المجموع)) (5/233): إسنادُه على شرْط الشَّيخينِ، وقال ابنُ الملقِّن في ((تحفة المحتاج)) (1/595): إسناده على شرط الصَّحيح، وصحَّح إسنادَه ابن حجر في ((فتح الباري)) (3/242)، وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (1988). وَجهُ الدَّلالةِ: أنَّه لم يُفرِّق في المخافَتَة بينَ ليلٍ ونَهار.
ثانيًا: لأنَّها لا تُقاسُ على المكتوبةِ؛ لأنَّها مؤقَّتةٌ، والجِنازة غيرُ مؤقَّتة، فأشبهتْ تحيَّةَ المسجدِ ونحوَها
[8390] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/113). المسألة الثالثة: الجهرُ بالتَّكبيراتِيَجهرُ الإمامُ بالتَّكبيراتِ في صلاةِ الجِنازة؛ نصَّ على ذلك الحَنفيَّة
[8391] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/241)، ((حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح)) (ص: 387). ، والشافعيَّة
[8392] ((المجموع)) للنووي (5/234)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/342). نصَّ الشافعيَّة على تخصيصه بالإمامِ والمُبلِّغ؛ قال الرمليُّ: (واتَّفقوا على جهرِه بالتكبيرِ والسَّلام: أي الإمام، أو المبلِّغ، لا غيرهما). ((نهاية المحتاج)) (2/475). ، والحَنابِلَة
[8393] ((الإنصاف)) للمرداوي (2/367). ؛ وذلك لأنَّ الإمامَ يُسمِعُ مَن يَليه؛ لأنَّهم يَقتدُونَ به، فيُكبِّرونَ بتكبيرِه، ويُسلِّمونَ بسلامِه
[8394] ((التاج والإكليل)) للمواق (2/217). المسألة الرابعة: الجهرُ بالتَّسليمِيَجهرُ الإمامُ بالتَّسليمِ، ويُخافِتُ بها المأمومُ، وهو مذهبُ الجُمهورِ: المالِكيَّة
[8395] ((التاج والإكليل)) للمواق (2/217). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/119)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/685). ، والشافعيَّة
[8396] ((المجموع)) للنووي (5/234)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/342). قال البجيرميُّ في حاشيته: (التكبيرُ والسَّلام، فيَجهَر بهما اتِّفاقًا الإمامُ والمبلِّغ، لا غيرهما). ((حاشية البجيرمي)) (1/473). والحَنابِلَة
[8397] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/116)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (1/884). ؛ وذلك لأنَّ الإمامَ يُسمِعُ مَن يليه؛ لأنَّهم يقتدون به، فيُسلِّمون بسلامِه، بخلافِ مَن خَلْفَه إنَّما يُسلِّمُ ليتحلَّلَ من صلاتِه، فيُسلِّم في نفسِه
[8398] ((التاج والإكليل)) للمواق (2/217). ، وقياسًا على غيرِها من الصَّلوات
[8399] ((شرح التلقين)) للمازري (1/1152). المسألة الخامسة: الإسرارُ بالصَّلاةِ على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم والدُّعاءِيُسرُّ بالصَّلاةِ على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم والدُّعاءِ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحَنفيَّة
[8400] (ولا يجهر بما يقرأ عقيبَ كلِّ تكبيرةٍ؛ لأنَّه ذِكرٌ، والسُّنة فيه المخافتةُ). ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/314)، (ويخافت في الكلِّ إلَّا في التكبير). ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/241). ، والمالِكيَّة
[8401] ((منح الجليل)) لعليش (1/498). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/128). ، والشافعيَّة
[8402] ((المجموع)) للنووي (5/234)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/342). ، والحَنابِلَة
[8403] ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (2/227). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/363). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك
[8404] قال ابنُ قُدامةَ: (ويسرُّ القراءةَ والدُّعاء في صلاةِ الجِنازَة، لا نعلمُ بين أهل العِلم فيه خلافًا). ((المغني)) (2/363). وقال الخطيبُ الشربينيُّ: (أمَّا الصلاةُ على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم والدعاء- أي: في صلاة الجِنازَة- فيُندَبُ الإسرارُ بهما اتفاقًا). ((مغني المحتاج)) (1/342). الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّةعن أبي أُمامةَ بنِ سَهلٍ، أنَّه أخبَرَه رجلٌ من أصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: أنَّ
((السُّنَّة في الصَّلاةِ على الجِنازة أن يُكبِّرَ الإمامُ، ثم يقرأَ بفاتحةِ الكتابِ- بعدَ التكبيرة الأولى- سِرًّا في نفْسِه، ثم يُصلِّيَ على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ويُخلِصَ الدُّعاءَ للميِّت، ثم يُسلِّمَ سِرًّا فِي نَفْسِهِ )) [8405] أخرجه الشافعي في ((المسند- ترتيب سنجر)) (588)، والطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (2868)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (7209) من حديث أبي أمامة عن رجل من أصحاب النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. وأخرجه ابن أبي شيبة (3/296)، وابن الجارود (540)، والطبراني في ((مسند الشاميين)) (3000) من حديث أبي أمامة به، وهو عند النسائي (1989) مختصرًا. قال البيهقي ((السنن الكبرى)) (4/39): رواية قوية. وصحَّح إسنادَه ابنُ القيِّم في ((جلاء الأفهام)) (192)، وقال الألباني في ((أحكام الجنائز)) (155): صحيحٌ على شرط الشيخين وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ السُّنَّةَ قراءةُ الفاتحةَ سرًّا، فمِن بابِ أولى الصلاةُ على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، والدُّعاء؛ لأنَّ الأصلَ في الدعاء أن يكونَ سِرًّا.
ثانيًا: لأنَّه أوقعُ في النَّفْسِ من الجهرِ، ولأنَّه مُحتوٍ على ثناءٍ وصلاةٍ على محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم، والإسرارُ بذلِك أفضلُ
[8406] ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/128). الفرع الثالث: الصفوفُ على صلاةِ الجِنازةيُستحبُّ أن تُجعلَ الصفوفُ على الجِنازة ثلاثةَ صُفوفٍ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفِقهيَّةِ الأربعة: الحَنفيَّة
[8407] ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 385). ويُنظر: ((مجمع الأنهر)) لشيخي زاده (1/270). ، والمالِكيَّة
[8408] ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/17). قال الحطاب: (الحادي عَشرَ: قال في العُمدة: وتُستحبُّ أن تُصَفَّ الجماعةُ على الجِنازَة ثلاثةَ صفوفٍ. انتهى. وأصلُه الحديث، والله أعلم). ، والشَّافعيَّة
[8409] ((المجموع)) للنووي (5/215). ويُنظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/323). ، والحَنابِلَة
[8410] ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/111). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/367). الأدلَّة: أوَّلًا: من السُّنَّة1- عن مَرْثدِ بنِ عبدِ اللهِ اليَزنيِّ، قال: كان مالكُ بنُ هُبَيرةَ إذا صلَّى على جِنازة، فتقالَّ الناسُ عليها، جزَّأهم ثلاثةَ أجزاءٍ، ثم قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم:
((مَن صلَّى عليه ثلاثةُ صفوفٍ، فقَدْ أَوْجَبَ)) [8411] أخرجه أبو داود (3166)، والترمذي (1028) وابن ماجه (1490)، وأحمد (16770)، وأبو يعلى (6831). قال الحاكم: صحيحٌ على شرط مسلم. وحسَّنه الترمذيُّ في سننه، والنوويُّ في ((المجموع)) (5/211)، وقال ابن باز في ((حاشية بلوغ المرام)) (351): سندُه جيِّد، إلَّا أنَّ فيه ابنَ إسحاق، وقد عَنْعَن. وقال الألباني ((تخريج المشكاة)) (1629): (فيه عنعنةُ ابن إسحاق، وهو مدلِّس، ومع ذلك فقد صحَّحه جمعٌ). وقد صرَّح محمَّد بن إسحاق بالتحديث عند الرُّوياني في مسنده (1537)؛ فانتفتْ شبهة تدليسه. وأورده الألباني في ((أحكام الجنائز)) (ص: 127) وقال: لهذا الحديث شاهدًا من حديث أبي أُمامة 2- عن
جابرِ بنِ عبدِ اللهِ، رَضِيَ اللَّهُ عنهما، قال: قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم:
((قد تُوفِّي اليومَ رجلٌ صالحٌ من الحَبَش؛ فهَلُمَّ فصلُّوا عليه، قال فصَفَفْنا فصلَّى النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عليه ونحن صفوف، قال أبو الزبير عن جابرٍ: كنتُ في الصفِّ الثَّاني )) [8412] أخرجه البخاري (1320) واللفظ له ومسلم (952). وَجهُ الدَّلالةِ:في الحديثِ دَلالةٌ على أنَّ للصفوفِ تأثيرًا على الجِنازة، ولو كان الجمعُ كثيرًا؛ لأنَّ الظَّاهِرَ أنَّ الذين خرَجوا معه صلَّى الله عليه وسلَّم كانوا عددًا كثيرًا، وكان المصلَّى فضاءً، ولا يَضيقُ بهم لو صفُّوا فيه صفًّا واحدًا، ومع ذلك فقد صفَّهم
[8413] ((فتح الباري)) لابن حجر (3/188). ثانيًا: من الآثارعن شراحيلَ الكنديِّ رَضِيَ اللهُ عنه- وكان من الصَّحابةِ- أنَّه صلَّى على جِنازة، فجَعَلهم ثلاثةَ صفوفٍ
[8414] أخرجه أبو نعيم في ((معرفة الصحابة)) (3733)، وابن منده، كما في ((الإصابة)) لابن حجر (3/326)، وصحَّح إسنادَه.