المَطلبُ الثَّالثُ: مُعتَقدُ الشِّيعةِ الإماميَّةِ في الأنبياءِ عليهم السَّلامُ
اعتِقادُ الشِّيعةِ في هذا المَوضوعِ يتَمَثَّلُ في عِدَّةِ جَوانِبَ؛ منها:
1- زَعمُهم أنَّ الأنبياءَ عليهم السَّلامُ يُقِرُّونَ بوِلايةِ عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه، وأنَّ منهم مَن عوقِبَ لرَفضِه وِلايتَه:عن حبَّةَ العُرَنيِّ قال: قال أميرُ المُؤمِنينَ عليه السَّلامُ: (إنَّ اللهَ عَرَضَ وِلايتي على أهلِ السَّماواتِ وأهلِ الأرضِ أقَرَّ بها مَن أقَرَّ، وأنكَرَها مَن أنكرَ، أنكرَها يونُسُ فحَبَسَه اللهُ في بَطنِ الحوتِ حتَّى أقَرَّ بها)
[1683] يُنظر: ((بصائر الدرجات)) للصفار (ص: 22)، ((بحار الأنوار)) للمجلسي (26/282). .
2- تَفضيلُ الأئِمَّةِ على الأنبياءِ عليهم السَّلامُ:الأنبياءُ عليهم السَّلامُ هم أفضَلُ البَشَرِ، ولا يُمكِنُ أبَدًا أن يُفضَّلَ أحَدٌ مِنَ البَشَرِ عليهم.
قال
الطَّحاويُّ في بَيانِ اعتِقادِ أهلِ السُّنَّةِ: (ولا نُفضِّلُ أحَدًا مِنَ الأولياءِ على أحَدٍ مِنَ الأنبياءِ عليهم السَّلامُ)
[1684] ((العقيدة الطحاوية)) (ص: 83). .
وتَفضيلُ الأئِمَّةِ على الأنبياءِ هو مَذهَبُ غُلاةِ الرَّوافِضِ، كما نَقل ذلك عنهم عَبدُ القاهِرِ البَغداديُّ
[1685] ((أصول الدين)) (ص: 298). ، والقاضي عِياضٌ
[1686] ((الشفا بتعريف حقوق المصطفى)) (ص: 1078). ، وابنُ تَيميَّةَ
[1687] ((منهاج السنة)) (1/177). .
وقد شَنَّعَ عليهم العُلماءُ بسَبَبِ ذلك، فقال عياض: (نَقطَعُ بتَكفيرِ غُلاةِ الرَّافِضةِ في قَولِهم: إنَّ الأئِمَّةَ أفضَلُ مِنَ الأنبياءِ)
[1688] ((الشفا بتعريف حقوق المصطفى)) (ص: 1078). .
وقد قَرَّرَ الحُرُّ العامِليُّ الشِّيعيُّ أنَّ تَفضيلَ الأئِمَّةِ الاثنَي عَشَرَ على الأنبياءِ مِن أُصولِ مَذهَبِ الشِّيعةِ
[1689] يُنظر: ((الفصول المهمة في أصول الأئمة)) باب أنَّ النَّبيَّ والأئمَّةَ الاثني عشر عليهم السَّلامُ أفضلُ من سائِرِ المخلوقاتِ من الأنبياءِ والأوصياءِ السَّابقين والملائكةِ وغيرِهم (ص: 151). ، وذَكرَ أنَّ الرِّواياتِ عِندَهم في ذلك أكثَرُ مِن أن تُحصى)، وفي بحارِ الأنوارِ للمَجلسيِّ بابٌ بعُنوانِ: بابُ تَفضيلِهم عليهم السَّلامُ على الأنبياءِ وعلى جَميعِ الخَلقِ وأخذِ ميثاقِهم عنهم وعن المَلائِكةِ وعن سائِرِ الخَلقِ، وأنَّ أولي العَزمِ إنَّما صاروا أولي العَزمِ بحُبِّهم صَلواتُ اللهِ عليهم
[1690] ((بحار الأنوار)) (26/267). ، ضَمَّنَه 88 حَديثًا مِن أحاديثِهم المَنسوبةِ للاثنَي عَشَرَ، ثُمَّ قال: (والأخبارُ في ذلك أكثَرُ مِن أن تُحصى، وإنَّما أورَدنا في هذا البابِ قليلًا منها، وهي مُتَفرِّقةٌ في الأبوابِ، لا سيَّما بابِ صِفاتِ الأنبياءِ وأصنافِهم عليهم السَّلامُ، وبابِ أنَّهم عليهم السَّلامُ كَلِمةُ اللهِ، وبابِ بُدُوِّ أنوارِهم، وبابِ أنَّهم أعلَمُ مِنَ الأنبياءِ، وأبوابِ فضائِلِ أميرِ المُؤمِنينَ و
فاطِمةَ صَلواتُ اللهِ عليهما)
[1691] ((بحار الأنوار)) (26/297، 298). .
وقال ابنُ بابَويهِ القُمِّيُّ: (يجِبُ أن يُعتَقَدَ أنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ لم يخلُقْ خَلقًا أفضَلَ مِن مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والأئِمَّةِ، وأنَّهم أحَبُّ الخَلقِ إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ وأكرَمُهم، وأوَّلُهم إقرارًا به لمَّا أخَذَ اللهُ ميثاقَ النَّبيِّينَ في الذَّرِّ، وأنَّ اللهَ تعالى أعطى كُلَّ نَبيٍّ على قَدْرِ مَعرِفتِه نَبيَّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وسَبقِه إلى الإقرارِ به، ويُعتَقَدُ أنَّ اللهَ تعالى خَلق جَميعَ ما خَلقَ له ولأهلِ بَيتِه عليهم السَّلامُ، وأنَّه لولاهم ما خَلقَ السَّماءَ ولا الأرضَ، ولا الجَنَّةَ ولا النَّارَ، ولا آدَمَ ولا حَوَّاءَ، ولا المَلائِكةَ ولا شَيئًا مِمَّا خَلقَ، صَلواتُ اللهُ عليهم أجمَعينَ)
[1692] ((الاعتقادات)) (ص: 106). .
وقد نَقَل المَجلِسيُّ كلامَ ابنِ بابَويهِ وعَقَّبَ عليه بقَولِه: (اعلَمْ أنَّ ما ذَكرَه رَحِمَه اللهُ مِن فضلِ نَبيِّنا وأئِمَّتِنا صَلواتُ اللهِ عليهم على جَميعِ المَخلوقاتِ وكونِ أئِمَّتِنا أفضَلَ مِن سائِرِ الأنبياءِ هو الذي لا يرتابُ فيه مَن تَتَبَّع أخبارَهم عليهم السَّلامُ على وَجهِ الإذعانِ واليقينِ، والأخبارُ في ذلك أكثَرُ مِن أن تُحصى، وعليه عُمدةُ الإماميَّةِ، ولا يأبى ذلك إلَّا جاهِلٌ بالأخبارِ)
[1693] ((بحار الأنوار)) (26/297). .
وقد ألَّف بَعضُ شُيوخِهم مُؤَلَّفاتٍ في تَقريرِ هذا الأمرِ
[1694] مثل كتاب: ((تفضيل الأئمة على الأنبياء))، وكتاب: ((تفضيل علي عليه السلام على أولي العزم من الرسل)) كلاهما لهاشم البحراني، وكتاب: ((تفضيل أمير المؤمنين علي على من عدا خاتم النبيين)) لمحمد باقر المجلسي، وكتاب: ((تفضيل الأئمة على غير جدهم من الأنبياء)) لمحمد كاظم الهزار. .
وهذه المَقالةُ جاهَرَ بها الخُمينيُّ وغَيرُه، فقال: (ثُبوتُ الوِلايةِ والحاكِميَّةِ للإمامِ لا تَعني تَجَرُّدَه عن مَنزِلتِه التي هي له عِندَ اللهِ، ولا تَجعَلُه مِثلَ مَن عَداه مِنَ الحُكَّامِ، فإنَّ للإمامِ مَقامًا مَحمودًا ودَرَجةً ساميةً وخِلافةً تَكوينيَّةً تَخضَعُ لوِلايتِها وسَيطَرَتِها جَميعُ ذَرَّاتِ هذا الكونِ. وإنَّ مِن ضَروريَّاتِ مَذهَبِنا أنَّ لأئِمَّتِنا مَقامًا لا يَبلُغُه مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ولا نَبيٌّ مُرسَلٌ... وقد ورَدَ عنهم: "إنَّ لنا مَعَ اللهِ حالاتٍ لا يسَعُها مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ولا نَبيٌّ مُرسَلٌ". ومِثلُ هذه المَنزِلةِ مَوجودةٌ ل
فاطِمةَ الزَّهراءِ عليها السَّلامُ، لا بمَعنى أنَّها خَليفةٌ أو حاكِمةٌ أو قاضيةٌ فهذه المَنزِلةُ شَيءٌ آخَرُ وراءَ الوِلايةِ والخِلافةِ والإمرةِ)
[1695] ((الحكومة الإسلامية)) (ص: 52). .
ولم يكتَفِ الإماميَّةُ بتَفضيلِ أئِمَّتِهم على الأنبياءِ عليهم السَّلامُ، بل قالوا: إنَّ الأنبياءَ لم يستَحِقُّوا ما هم فيه مِن فضلٍ إلَّا بسَبَبِ الوِلايةِ؛ ففي رِوايةٍ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: (والذي نَفسي بيدِه ما استَوجَبَ آدَمُ أن يخلُقَه اللهُ وينفُخَ فيه مِن روحِه وأن يتوبَ عليه ويرُدَّه إلى جَنَّتِه إلَّا بنُبوَّتي والوِلايةِ لعَليٍّ بَعدي، والذي نَفسي بيدِه ما أرى إبراهيمَ مَلكوتَ السَّماواتِ والأرضِ ولا اتَّخَذَه خَليلًا إلَّا بنُبوَّتي والإقرارِ لعَليٍّ بَعدي، والذي نَفسي بيدِه ما كَلَّمَ اللهُ موسى تَكليمًا ولا أقامَ عيسى آيةً للعالَمينَ إلَّا بنُبوَّتي ومَعرِفةِ عليٍّ بَعدي، والذي نَفسي بيدِه ما تَنَبَّأَ نَبيٌّ إلَّا بمَعرِفتي والإقرارِ لنا بالوِلايةِ، ولا استَأهَل خَلقٌ مِنَ اللهِ النَّظَرَ إليه إلَّا بالعُبوديَّةِ له والإقرارِ لعَليٍّ بَعدي)
[1696] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (40/96). .
وعَقَدَ المَجلِسيُّ في كِتابِه بحار الأنوارِ بابَ (أنَّ دُعاءَ الأنبياءِ استُجيبَ بالتَّوسُّلِ والاستِشفاعِ بهم صَلواتُ اللهِ عليهم أجمَعينَ)، مَعَ أنَّ دَعَواتِ الأنبياءِ المَذكورةَ في القُرآنِ ليس فيها مُطلقًا التَّوسُّلُ بأحَدٍ مِنَ المَخلوقينَ، وإنَّما فيها التَّوسُّلُ إلى اللهِ بأسمائِه الحُسنى!
ورَوَوا أنَّ الأئِمَّةَ نالوا جَميعَ العُلومِ التي وهَبَها اللهُ للمَلائِكةِ والأنبياءِ والرُّسُلِ، ونالوا علومًا لم يهَبْها اللهُ للأنبياءِ ولا المَلائِكةِ؛ فقد عَقدَ الكُلينيُّ في (أُصول الكافي) بابًا بعُنوانِ: (إنَّ الأئِمَّةَ يعلمونَ جَميعَ العُلومِ التي خَرَجت إلى المَلائِكةِ والأنبياءِ والرُّسُلِ عليهم السَّلامُ)، ورَوى عن أبي عَبدِ اللهِ قال: (إنَّ للهِ تَبارَك وتعالى عِلمَينِ: علمًا أظهَرَ عليه مَلائِكتَه وأنبياءَه ورُسُلَه، فما أظهَرَ عليه مَلائِكتَه ورُسُلَه وأنبياءَه فقد عَلِمْناه، وعلمًا استَأثَرَ به، فإذا بَدا للهِ في شَيءٍ منه أعلَمَنا ذلك، وعَرَضَ على الأئِمَّةِ الذينَ كانوا مِن قَبْلِنا)
[1697] يُنظر: ((الكافي)) للكليني (1/255). .
ومِنِ اعتِقاداتِ الشِّيعةِ الإماميَّةِ أنَّ جَميعَ الكُتُبِ التي نَزَلت على الأنبياءِ السَّابقينَ كالتَّوراةِ والإنجيلِ والزَّبورِ وغَيرِها مَوجودةٌ لدى الأئِمَّةِ، يقرؤونها بلُغاتِها الأساسيَّةِ؛ فقد عَقدَ الكُلينيُّ بابًا بعُنوانِ: (إنَّ الأئِمَّةَ عِندَهم جَميعُ الكُتُبِ التي نَزَلت مِن عِندِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، وإنَّهم يعرِفونَها على اختِلافِ ألسِنَتِها، وهو بابٌ يحتَوي على عِدَّةِ رِواياتٍ بهذا المَضمونِ، منها أن
جعفرًا الصَّادِقَ قال: (وإنَّ عِندَنا عِلمَ التَّوراةِ والإنجيلِ والزَّبورِ، وتِبيانَ ما في الألواحِ)
[1698] يُنظر: ((الكافي)) للكليني (1/225). .
وعن
جَعفَرٍ أنَّه سُئِل عن قَولِه: (إنَّ عِندي الجَفرَ الأبيضَ، فقال: (زَبورُ داوُدَ، وتَوراةُ موسى، وإنجيلُ عيسى، وصُحُفُ إبراهيمَ عليهم السَّلامُ...)
[1699] يُنظر: ((الكافي)) للكليني (1/240). .
وعن
جَعفرٍ الصَّادِقِ أنَّه قال: (لو كُنتُ بَيْنَ موسى والخَضِرِ لأخبَرتُهما أنِّي أعلَمُ منهما، ولأنبَأتُهما بما ليس في أيديهما؛ لأنَّ موسى والخَضِرَ عليهما السَّلامُ أُعطِيا عِلمَ ما كان، ولم يُعطَيَا عِلمَ ما يكونُ وما هو كائِنٌ حتَّى تَقومَ السَّاعةُ، وقد وَرِثناه مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وِراثةً)
[1700] يُنظر: ((الكافي)) للكليني (1/261). .
وهذا هو المَذهَبُ الذي استَقَرَّ عليه مَذهَبُ الاثنَي عَشريَّةِ عَبرَ التَّغَيُّراتِ والتَّطَوُّراتِ التي تُلاحِقُه، والتي أشارَ الممقانيُّ إلى طَبيعَتِها، وهو التَّطَوُّرُ نَحوَ الغُلُوِّ، فإنَّ الشِّيعةَ في مَسألةِ تَفضيلِ الأنبياءِ على الأئِمَّةِ كانوا ثَلاثَ فِرَقٍ، كما قال الأشعَريُّ: (فِرقةٌ: يقولونَ بأنَّ الأنبياءَ أفضَلُ مِنَ الأئِمَّةِ، غَيرَ أنَّ بَعضَ هؤلاء جوَّزوا أن يكونَ الأئِمَّةُ أفضَلَ مِنَ المَلائِكةِ. والفِرقةُ الثَّانيةُ: يزعُمونَ أنَّ الأئِمَّةَ أفضَلُ مِنَ الأنبياءِ والمَلائِكةِ. والفِرقةُ الثَّالثةُ: وهم القائِلونَ بالاعتِزالِ والإمامةِ، يقولونَ: إنَّ المَلائِكةَ والأنبياءَ أفضَلُ مِنَ الأئِمَّةِ)
[1701] ((مقالات الإسلاميين)) (1/120). .
وأضاف المفيدُ مذهبًا رابعًا لهم، وهو أفضليَّةُ الأئمَّةِ على سائِرِ الأنبياءِ ما عدا أُولي العَزمِ
[1702] يُنظر: ((أوائل المقالات)) (ص: 42). .
والذي يظهَرُ أنَّ مَذهَبَهمُ استَقَرَّ على تَفضيلِ الأئِمَّةِ على جَميعِ الأنبياءِ حتَّى أولي العَزمِ منهم، وقد عَقدَ المَجلِسيُّ بابًا بعُنوانِ: (إنَّ أولي العَزمِ إنَّما صاروا أولي العَزمِ بحُبِّهم صَلواتُ اللهِ عليهم)
[1703] ((بحار الأنوار)) (26/267). ، ولم يستَثنِ مِن ذلك أحَدًا مِنَ الأنبياءِ عليهم السَّلامُ.
وجاءت عِندَهم نُصوصٌ تَعقِدُ مُقارَناتٍ بَيْنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وعَليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه، وتَنتَهي بأنَّ لعَليٍّ فَضلَ التَّمَيُّزِ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ حَيثُ شارَكه عليٌّ في خَصائِصِه، وانفرَدَ عنه بفضائِلَ لم يُشارِكْه فيها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
[1704] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (39/89). ومن أمثلة ذلك: ما رووه عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((أعطيتُ ثلاثًا وعليٌّ مُشاركي فيها، وأعطِيَ عليٌّ ثلاثًا ولم أشاركْه فيها، فقيل: يا رسولَ اللهِ: وما هي الثَّلاثُ التي شاركك فيها عليٌّ عليه السَّلامُ؟ قال: لي لواءُ الحَمدِ وعليٌّ حامِلُه، والكوثَرُ لي وعليٌّ ساقيه، ولي الجنَّةُ والنَّارُ وعليٌّ قسيمُهما، وأمَّا الثَّلاثُ التي أُعطيَها عليٌّ ولم أشاركْه فيها: فإنَّه أعطيَ ابنَ عَمٍّ مثلي ولم أُعطَ مثلَه، وأعطِيَ زوجتَه فاطمةَ ولم أُعطَ مثلَها، وأعطِيَ ولديه الحَسَنَ والحُسَينَ ولم أُعطَ مِثلَهما)). ((بحار الأنوار)) (39/90). ويُنظر: ((عيون أخبار الرضا)) لابن بابويه (ص: 212)، ((مناقب آل أبي طالب)) لابن شهر آشوب (2/47). !
وينسُبونَ لعَليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه قال: (لم يفُتْني ما سَبَقَني، ولم يعزُبْ عنِّي ما غابَ عنِّي)
[1705] يُنظر: ((الكافي)) للكليني (1/197). .
ومَعلومٌ أنَّه قد أنكرَ أميرُ المُؤمِنينَ عَليٌّ رَضِيَ اللهُ عنه تَفضيلَه على الشَّيخَينِ
أبي بَكرٍ وعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، وتَوعَّدَ مَن يقولُ بذلك أن يجلدَه حَدَّ المُفتَري
[1706] لفظُه: عن الحَكَمِ بنِ جحلٍ، قال: خطَبَنا عليٌّ بالبصرةِ فقال: ألا لا يُفَضِّلْني أحدٌ على أبي بَكرٍ وعُمَرَ، لا أوتى بأحَدٍ فضَّلني عليهما إلَّا جلَدتُه حَدَّ المفتري. أخرجه الدارقطني في ((المؤتلف والمختلف)) (2/807)، والبيهقي في ((الاعتقاد)) (ص358) واللفظ له، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (44/365). ذكر ابن تَيميَّةَ في ((مجموع الفتاوى)) (28/474) أنَّه رويَ بأسانيدَ جيِّدةٍ. . وتَواتر عن عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه مِن ثَمانينَ وجهًا
[1707] ((منهاج السنة)) لابن تَيميَّةَ (4/137). أنَّه كان يقولُ على مِنبَرِ الكوفةِ: (خَيرُ هذه الأُمَّةِ بَعدَ نَبيِّها:
أبو بَكرٍ وعُمَرُ)
[1708] أخرجه البخاري (3671) باختلافٍ يسيرٍ، ولفظُه: عن محمَّدِ بنِ الحنَفيَّةِ قال: قلتُ لأبي: أيُّ النَّاسِ خيرٌ بعدَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ قال: أبو بكرٍ. قلتُ: ثمَّ من؟ قال: ثمَّ عُمَرُ. وخَشِيتُ أن يقولَ: عُثمانُ، قلتُ: ثمَّ أنت؟ قال: ما أنا إلَّا رجُلٌ من المسلِمين. . وقد نَقَلت ذلك كُتُبُ الشِّيعةِ نَفسُها
[1709] يُنظر: ((تلخيص الشافي)) للطوسي (2/428). .
ومِمَّا رَوته كُتُبُ الشِّيعةِ أنَّه قيل لأميرِ المُؤمِنينَ: أنتَ نَبيٌّ؟ قال: (وَيلَك! إنَّما أنا عَبدٌ مِن عَبيدِ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)
[1710] يُنظر: ((التوحيد)) لابن بابويه (ص: 174). .
قال ابنُ بابَويهِ: (يعني بذلك عَبدَ طاعَتِه لا غَيرَ ذلك)
[1711] ((التوحيد)) (ص: 175). .
ويُحتَمَلُ أنَّ هذا الاتِّجاهَ الغاليَ الذي استَقَرَّ عليه المَذهَبُ الاثنَا عَشريُّ كان مِن آثارِ فِرقةٍ مِن فِرَقِ الشِّيعةِ تَذهَبُ إلى تَفضيلِ عليٍّ على مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُقالُ لها: العلبائيَّةُ
[1712] العلبائيَّةُ: من فِرَقِ الشِّيعةِ، وهم أصحابُ العلباءِ بنِ ذراعٍ الدَّوسيِّ أو الأسديِّ، كان يفضِّلُ عليًّا على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم! وكان يَذُمُّ محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم! وزعم أنَّه بُعِث ليدعو إلى عليٍّ، فدعا إلى نفسِه! وهم قليلٌ جِدًّا، يأتَلِفون مع السَّبَئيَّةِ ولا يفارقونَهم. يُنظر: ((الملل والنحل)) للشهرستاني (1/175)، ((السيوف المشرقة ومختصر الصواقع المحرقة)) للألوسي (ص: 91). ويُنظر: ((رجال الكشي)) (ص: 571)، ((بحار الأنوار)) للمجلسي (25/305). .
والصَّحيحُ الذي لا شَكَّ فيه أنَّ الأنبياءَ هم أرفعُ النَّاسِ رُتبةً، وهم مُقدَّمونَ على غَيرِهم مِن صالحي عِبادِ اللهِ، كما في قَولِ اللهِ تعالى:
فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ [النساء: 69] ، فرَتَّبَ اللهُ سُبحانَه عِبادَه السُّعَداءَ المُنعَمَ عليهم أربَعَ مَراتِبَ، فيها تَقديمُ الأنبياءِ على غَيرِهم
[1713] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تَيميَّةَ (11/221). ، والقُرآنُ يدُلُّ في جَميعِ آياتِه على اصطِفاءِ الأنبياءِ واختيارِهم على جَميعِ العالَمينَ
[1714] يُنظر: ((مختصر التحفة الاثني عشرية)) للألوسي (ص: 101). .
وقال ابنُ تَيميَّةَ: (اتَّفقَ سَلفُ الأُمَّةِ وأئِمَّتُها وسائِرُ أولياءِ اللهِ تعالى على أنَّ الأنبياءَ أفضَلُ مِنَ الأولياءِ الذين ليسوا بأنبياءَ)
[1715] ((مجموع الفتاوى)) (11/221). ويُنظر: ((مختصر التحفة الاثني عشرية)) للألوسي (ص: 101). .
ورَوى الشِّيعةُ في كُتُبِهم عن عَمرِو بنِ هارونَ عن
جَعفرٍ الصَّادِقِ عن آبائِه عن عَليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه قال: (إنَّ اللهَ تعالى قال لسُكَّانِ الجَنَّةِ مِنَ المَلائِكةِ وأرواحِ الرُّسُلِ ومَن فيها: ألا إنِّي زَوَّجتُ أحَبَّ النِّساءِ إليَّ إلى أحَبِّ الرِّجالِ إليَّ بَعدَ النَّبيِّينَ)
[1716] يُنظر: ((الأمالي)) لابن بابويه (ص: 559)، ((تفسير فرات)) (ص: 413). ، يعني زَوَّجَ
فاطِمةَ بعَليٍّ رَضِيَ اللهُ عنهما، وفي هذه الرِّوايةِ الشِّيعيَّةِ التَّصريحُ بأنَّ الأنبياءَ أفضَلُ مِن عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه.
المعجِزاتُ بَيْنَ الأنبياءِ عليهم السَّلامُ والأئِمَّةِ:يرى أهلُ السُّنَّةِ أنَّ المُعجِزاتِ لا يأتي بها أحَدٌ إلَّا الأنبياءُ عليهم السَّلامُ
[1717] يُنظر: ((المحلى)) لابن حزم (1/35). ، خِلافًا للرَّوافِضِ الذينَ جَعَلوا عَلامةَ الإمامِ عِندَهم صُدورَ المُعجِزةِ منه؛ لأنَّهم يقولونَ: إنَّ الإمامةَ استِمرارٌ للنُّبوَّةِ، وكما أنَّ اللهَ سُبحانَه يختارُ مَن يشاءُ مِن عِبادِه للنُّبوَّةِ والرِّسالةِ، ويُؤَيِّدُه بالمُعجِزةِ، فكذلك يختارُ للإمامةِ مَن يشاءُ ويُؤَيِّدُه بالمُعجِزاتِ.
قال البَحرانيُّ في كِتابِه الذي صَنَّفه في مُعجِزاتِ الأئِمَّةِ: (إنَّ اللهَ أظهَرَ على أيديهم المَعاجِزَ والدَّلائِلَ؛ لأنَّهم حُجَّتُه على عِبادِه)
[1718] ((ينابيع المعاجز)) (ص: 2). .
فهم يرَونَ أنَّ المُعجِزاتِ جَرت للأئِمَّةِ لإقامةِ الحُجَّةِ على الخَلقِ، وليست مِن قَبيلِ الكراماتِ التي لعامَّةِ الأولياءِ، بل هي مِن جِنسِ مُعجِزاتِ الأنبياءِ عليهم السَّلامُ، وقد بَوَّبَ المَجلِسيُّ لهذا المَعنى بابًا بعُنوانِ: (إنَّهم يقدِرونَ على إحياءِ المَوتى وإبراءِ الأكمَهِ والأبرَصِ وجَميعِ مُعجِزاتِ الأنبياءِ)
[1719] ((بحار الأنوار)) (27/29-31). ، وأورَدَ فيه جُملةً مِن أحاديثِهم.
وعَرَّف القُزوينيُّ المُعجِزةَ التي تَحصُلُ للأئِمَّةِ بأنَّها (ما كان خارِقًا للعادةِ أو صارِفًا للقُدرةِ عِندَ التَّحَدِّي، مَعَ عَدَمِ المُعارَضةِ، والمُطابَقةِ للدَّعوى)
[1720] ((قلائد الخرائد)) (ص: 72). .
وقد صَنَّفوا المُصَنَّفاتِ في مُعجِزاتِ الأئِمَّة كما يكتُبُ أهلُ السُّنَّةِ في مُعجِزاتِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
[1721] مثل كتاب ((عيون المعجزات)) لحُسَينِ بنِ عبدِ الوهَّابِ، من أهلِ القَرنِ الخامِسِ، وقد جاء فيه من معجزاتِهم: أنَّهم يحيون الموتى (ص: 32)، ويتحَدَّثون مع الحيواناتِ، وتشهَدُ لهم بالإمامةِ (ص: 17، 22، 25، 32)، ويحَدِّثون بما كان وما يكون (ص: 57)، ويرون أعمالَ العبادِ بواسطةِ عمودٍ من نورٍ يكونُ معهم منذُ ولادتِهم (ص: 80)، ومثل كتاب ((ينابيع المعاجز وأصول الدّلائل)) لهاشم البحراني، ذكر فيه (21) بابًا، وللبحرانيِّ أيضًا كتابٌ آخرُ في نفسِ الموضوعِ، ولعلَّه أوسعُ ما كُتِب عندَهم، سمَّاه ((مدينة المعاجز)) يذكرُ عِندَ كُلِّ إمامٍ ما يَنسُبون له من معجزاتٍ؛ فمثلًا عقد الباب الأوَّل في معجزات أمير المُؤمِنين، فذكر (550) معجزةً؛ منها ذكر معاجز ميلاده (ص: 5)، مناجاة الله له (ص: 9)، وعروجه للسماء (ص: 12)، وكلام الأرض معه (ص: 16)، وكلام إبليس معه (ص: 16)، وذكر له معجزاتٍ قبل وجودِه، فذكر أنَّه حضر عِندَ فِرعَونَ، وقال في التَّعقيبِ على ذلك بأنَّ الرَّسولَ قال لعليٍّ: (إنَّ اللهَ أيَّد بك النَّبيِّين سرًّا، وأيَّدني بك جهرًا). وهكذا يذكُرُ لكُلِّ إمامٍ معجزاتِه حتَّى إمامِهم المنتَظَرِ، ذكَر من معجزاتِه: قراءتَه وقتَ ولادتِه الكُتُبَ المنزَّلةَ، والصُّعودَ إلى سُرادِقِ العَرشِ. .
ورَوَوا أنَّ لدى الأئِمَّةِ بَعضَ مُعجِزاتِ الأنبياءِ السَّابقينَ عليهم السَّلامُ، فعَقدَ الكُلينيُّ بابًا بعُنوانِ: (بابُ ما عِندَ الأئِمَّةِ مِن آياتِ الأنبياءِ)، ومِمَّا رَوى فيه عن أبي جَعفرٍ أنَّه قال: (كانت عَصا موسى لآدَمَ عليه السَّلامُ فصارت إلى شُعَيبٍ، ثُمَّ صارت إلى موسى بنِ عِمرانَ، وإنَّها لعِندَنا، وإنَّ عَهدي بها آنِفًا وهي خَضراءُ كهَيئَتِها حينَ انتُزِعت مِن شَجَرَتِها، وإنَّها لتَنطِقُ إذا استُنطِقَت، أعِدَّت لقائِمِنا عليه السَّلامُ يصنَعُ بها ما كان يصنَعُ موسى، وإنَّها لتُرَوِّع وتَلقَفُ ما يأفِكون وتَصنَعُ ما تُؤمَرُ به، إنَّها حَيثُ أقبَلَت تَلقَفُ ما يأفِكون، يُفتَحُ لها شُعبَتانِ: إحداهما في الأرضِ، والأُخرى في السَّقفِ، وبَينَهما أربَعونَ ذِراعًا تَلقَف ما يأفِكون بلسانِها)
[1722] يُنظر: ((الكافي)) للكليني (1/231). .
وتلك المُعجِزاتُ المَنسوبةُ عِندَهم للأئِمَّةِ ليست شَيئًا مَضى وانتَهى، بل لا تَزالُ تَتَولَّدُ عِندَ الشِّيعةِ وتَتَجَدَّدُ، وقد اتَّخَذت صورةً واقِعيَّةً تَتَمَثَّلُ في جانِبَينِ:
الجانِبُ الأوَّلُ: ما ينسُبونَه للمَهديِّ المُنتَظَرِ مِن مُعجِزاتٍ وخَوارِقَ ينقُلُها جُملةٌ مِن شُيوخِهم الذينَ يزعُمونَ الصِّلةَ به، فهذا ابنُ المُطَهَّرِ الحليُّ يستَعيرُ كِتابًا كبيرًا ليرُدَّ عليه ولا يسمَحُ له صاحِبُ الكِتابِ باستِعارَتِه إلَّا ليلةً واحِدةً، فيأتيه المُنتَظَرُ فينسَخُ له الكِتابَ كُلَّه
[1723] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (51/361). !
وحِكاياتُهم في هذا البابِ كثيرةٌ سَجَّل جُملةً منها النُّوريُّ الطَّبَرسيُّ في كِتابِه (جَنَّة المَأوى)، فهم يعتَقِدونَ أنَّ المُعجِزاتِ تَجري إلى الآنَ على يدَي غائبِهم، ويُظهِرُها في أشخاصِ شُيوخِهم وآياتِهم.
الجانِبُ الثَّاني: ما يدَّعونَه مِن حُصولِ الخَوارِقِ عِندَ قُبورِ الأئِمَّةِ، وقد ألَّف شُيوخُ الشِّيعةِ في ذلك مُصَنَّفاتٍ
[1724] مثل: ((المعجزات)) لمحمد علي البلداوي، جمَع فيه المعجزاتِ التي ظهَرت عِندَ المشهَدينِ الكاظِميَّينِ والعسكريَّينِ. يُنظر: ((الذريعة إلى تصانيف الشيعة)) للطهراني (21/215). .
وقد عَقدَ المَجلِسيُّ جُملةً مِن أبوابِ كِتابه (بحار الأنوارِ) لهذا الغَرَضِ، مِثلُ: (البابُ التَّاسِعُ والعِشرونَ: ما ظَهَرَ عِندَ الضَّريحِ المُقدَّسِ مِنَ المُعجِزاتِ والكراماتِ)
[1725] ((بحار الأنوار)) (42/311). ، ومِثلُ: (البابُ الخَمسونَ: جَورُ الخُلفاءِ على قَبرِه الشَّريفِ وما ظَهَرَ مِنَ المُعجِزاتِ عِندَ ضَريحِه ومِن تُربَتِه وزيارَتِه)
[1726] ((بحار الأنوار)) (45/390). ، وذَكَر عِندَ الحَديثِ عن كُلِّ إمامٍ ما له مِن مُعجِزاتٍ، وساق كثيرًا مِن قِصَصِ مُعجِزاتِهم في أبوابِه التي عَقدَها في أخبارِ كُلِّ إمامٍ، ومِن ذلك: قِصَصٌ تَتَحَدَّثُ عن شِفاءِ الأمراضِ المُستَعصيةِ عِندَ زيارةِ المَرضى للضَّريحِ، فتَذكُرُ مَثَلًا: أنَّ أعمى أبصَرَ بمُجَرَّدِ مُجاورَتِه للضَّريحِ
[1727] يُنظر: ((بحار الأنوار)) (42/317). ، وأنَّ الحَيواناتِ تَذهَبُ لأضرِحةِ أئِمَّتِهم طَلبًا للشِّفاءِ، فهذا حَيوانٌ يتَمَرَّغُ على القَبرِ لشِفاءِ جُرحِه فيَشفى
[1728] يُنظر: ((بحار الأنوار)) (42/312). ، وجاؤوا بقِصَصٍ تَتَحَدَّثُ عن كونِ الضَّريحِ يودَعُ الأماناتِ فيَحفَظُها
[1729] يُنظر: ((بحار الأنوار)) (42/318). ، وأنَّ الضَّريحَ يُخاطَبُ فيستَجيبُ، فهذا أحَدُ زوَّارِ القَبرِ يتَمَزَّقُ رِداؤُه عِندَ الضَّريحِ فيقولُ: ما أعرِفُ عِوَضَ هذا إلَّا مِنك، فيتَحَقَّقُ له ما أرادَ
[1730] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (42/316). .
وقد استَنكرَ
جَعفرٌ الصَّادِقُ ما ينسُبُه له شيعةُ الكوفةِ مِن تلك المُبالغاتِ، فقال -كما تَروي كُتُبُ الشِّيعةِ-: (واللهِ لو أقرَرتُ بما يقولُ فيَّ أهلُ الكوفةِ لأخَذَتْني الأرضُ، وما أنا إلَّا عَبدٌ مَملوكٌ، لا أقدِرُ على شَيءٍ بضَرٍّ ولا بنَفعٍ)
[1731] يُنظر: ((تنقيح المقال)) للممقاني (3/332). .
وقَولُهم بأنَّ الأئِمَّةَ هم الحُجَّةُ على النَّاسِ، ولا تَقومُ الحُجَّةُ على خَلقِه إلَّا بهم؛ ولهذا جَرَت المُعجِزاتُ على أيديهم لإثباتِ الإمامةِ؛ فهذا لا دَليلَ عليه في كِتابِ اللهِ سُبحانَه، بل تَجِدُ ما يُخالفُه، وهو أنَّ حُجَّةَ اللهِ على عِبادِه قامت بالرُّسُلِ عليهم السَّلامُ، كما قال اللهُ تعالى:
لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء: 165] .
وأمَّا تلك المُعجِزاتُ التي ينسُبونَها للأضرِحةِ أو الغائِبِ المُنتَظَرِ، فحَقيقَتُها أنَّها دَعوى للشِّركِ باللهِ تعالى، فهم أمواتٌ قد أفضَوا إلى ما قدَّموا، لا يملِكونَ لأنفُسِهم نَفعًا ولا ضَرًّا، وهم في حَياتِهم كانوا يلجؤون إلى اللهِ سُبحانَه، وينفونَ عن أنفُسِهم الحَولَ والقوَّةَ، وقد نَقَلت كُتُبُ الشِّيعةِ نَفسُها أحاديثَ كثيرةً في هذا المَعنى، واللهُ سُبحانَه أمَرَ نَبيَّه أن يقولَ:
قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ [الأعراف: 188] ، وأن يقولَ:
قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ [يونس: 49] ، وأن يقولَ:
قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ [الأنعام: 50] ، وأن يقولَ:
قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا [الإسراء: 93] ، وأن يقولَ:
قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ [الكهف: 110] ، فهذا هو رَسولُ الهدى وخاتَمُ الأنبياءِ وسَيِّدُ الأوَّلينَ والآخِرينَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فكيف بمَن دونَه؟!