الموسوعة التاريخية


العام الهجري : 602 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1206
تفاصيل الحدث:

قَصَدت الكرجُ في جموعها ولايةَ خلاط من أرمينيَّة، ونهبوا وقتلوا، وأسَروا وسَبَوا أهلَها كثيرًا، وجاسُوا خلالَ الديار آمنين، ولم يخرُجْ إليهم من خلاط من يمنَعُهم فبَقُوا متصرفين في النهب والسبي، والبلادُ شاغرة لا مانع لها، لأنَّ صاحِبَها صبيٌّ، والمدبِّر لدولتِه ليست له تلك الطاعة على الجُندِ، فلما اشتَدَّ البلاء على الناس تذامَروا، وحَرَّض بعضُهم بعضًا، واجتمعت العساكِرُ الإسلاميَّة التي بتلك الولاية جميعها، وانضاف إليهم من المتطوِّعة كثيرٌ، فساروا جميعُهم نحو الكرج وهم خائفونَ، فوصلت الأخبارُ إلى الكرج، فعزموا على كبسِ المسلمين، فانتقلوا من موضِعِهم بالوادي إلى أعلاه، فنزلوا فيه ليكبِسوا المسلمين إذا أظلَمَ اللَّيلُ، فأتى المسلمين الخبَرُ، فقصدوا الكرج وأمسكوا عليهم رأسَ الوادي وأسفَلَه، وهو وادٍ ليس إليه غيرُ هذين الطريقين، فلما رأى الكرجُ ذلك أيقنوا بالهلاك، وسُقِطَ في أيديهم، وطَمِعَ المسلمون فيهم، وضايقوهم، وقاتلوهم، فقَتَلوا منهم كثيرًا، وأسَروا مِثلَهم، ولم يُفلِتْ مِن الكرجِ إلَّا القليلُ، وكفى الله المسلمينَ شَرَّهم بعد أن كانوا أشرفوا على الهَلاكِ.

العام الهجري : 602 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1206
تفاصيل الحدث:

هو السُّلطانُ شِهابُ الدين أبو المظفَّر محمَّد بن سام الغوري، مَلِكُ غزنة وبعض خراسان. كان ملكًا شجاعًا غازيًا، عادلًا حَسَنَ السيرة، يحكُمُ بما يوجِبُه الشرع، يُنصِفُ الضعيفَ والمظلوم، وكان يَحضُرُ عنده العُلَماءُ. لما مات أخوه السلطان غياث الدين، قَبَضَ شهاب الدين على جماعةٍ مِن خواصِّ أخيه وأتباعه وصادرهم. قُتِلَ شهاب الدين بعد عودته من لهاوور، بمنزلٍ يقال له دميل، وقتَ صلاة العشاء، وكان سبَبُ قتله أن نفرًا من الكُفَّار الكوكرية لَزِموا عسكره عازمينَ على قتله، كما فعَلَ بهم من القَتلِ والأسر والسَّبيِ، فلما كان هذه الليلة تفَرَّق عنه أصحابُه، وكان معه من الأموالِ ما لا يُحصى، فإنَّه كان عازمًا على قصد الخطا والاستكثار مِن العساكِرِ، وتفريق المال فيهم، وكان على نيَّةٍ جيدة من قتال الكُفَّار، وبقي وحده في خركاه، فثار أولئك النفر، فقَتَل أحَدُهم بعضَ الحُرَّاس بباب سرادق شهاب الدين، فلما قَتَلوه صاح، فثار أصحابُه من حول السرادق لينظُروا ما بصاحِبِهم، فأخلَوا مواقِفَهم، وكَثُرَ الزحام، فاغتَنَم الكوكرية غفلَتَهم عن الحفظ، فدخلوا على شهابِ الدين وهو في الخركاه، فضَرَبوه بالسكاكين اثنتين وعشرين ضربةً فقتلوه، فدخل عليه أصحابُه، فوجدوه على مصلَّاه قتيلًا وهو ساجِدٌ، فأخذوا أولئك الكُفَّار فقتلوهم، وقيل: إنما قتَلَه الإسماعيليَّةُ؛ لأنهم خافوا خروجه إلى خراسان، فلمَّا قُتِلَ اجتمع الأمراء عند وزيره مؤيد الملك بن خوجا سجستان، فتحالَفوا على حِفظِ الخزانة والملك، ولزوم السَّكينة إلى أن يظهَرَ من يتولاه، وتقَدَّمَ الوزير إلى أمير داذ العسكر بإقامةِ السياسة، وضَبط العسكر.  وصيَّروا السلطان في محفَّة، وحَفُّوها بالجسم والصناجق يوهمون أنه حيٌّ, وكانت الخزانةُ على ألفين ومائتي جَمَل، وساروا إلى أن وصلوا إلى كرمان، وكاد يتخَطَّفُهم أهلُ تلك النواحي، فخرج إليهم الأميرُ تاج الدين ألدز، فجاء ونزل وقَبَّل الأرض، وكَشَف المحَّفة، فلما رأى السلطان ميتًا، شَقَّ ثيابه وبكى، وبكى الأمراءُ وكان يومًا مشهودًا. وكان ألدز من أكبَرِ مماليكه وأجَلِّهم، فلمَّا قُتِلَ شهاب الدين طَمِعَ أن يَملِكَ غزنة، وحُمِل السلطان إلى غزنة، فدُفِن في التربة التي أنشأها.

العام الهجري : 603 العام الميلادي : 1206
تفاصيل الحدث:

لَمَّا سَلَّم خوارزم شاه ترمذَ إلى الخطا سار عنها إلى ميهنة وأندخوي، وكتب إلى سونج أمير أشكار، نائب غياث الدين محمود بالطالقان يستميلُه، فعاد الرسول خائبًا لم يجِبْه سونج إلى ما أراد منه، وجمع عسكَرَه وخرج يحارِبُ خوارزم شاه، فالتَقَوا بالقرب من الطالقان، فلما تقابل العسكرانِ حمل سونج وحده مجِدًّا حتى قارب عسكرَ خوارزم شاه، فألقى سونج نفسَه إلى الأرض، ورمى سلاحه عنه، وقَبَّلَ الأرضَ، وسأل العَفْوَ، فظَنَّ خوارزم شاه أنَّه سَكرانُ، فلمَّا عَلِمَ أنه صاح ذَمَّه وسَبَّه، وقال: من يثِقُ بهذا وأشباهِه، ولم يلتفت إليه، وأخذ خوارزم شاه ما بالطالقانِ مِن مالٍ وسلاح ودوابَّ وأنفَذَه إلى غياث الدين مع رسولٍ، وحمَّله رسالةً تتضَمَّنُ التقَرُّبَ إليه والملاطفة له، واستناب بالطالقان بعضَ أصحابه، وسار إلى قلاع كالوين وبيوار، فخرجَ إليه حسام الدين عليُّ بن أبي علي، صاحب كالوين، وقاتله على رؤوس الجبال، فأرسل إليه خوارزمُ شاه يتهَدَّدُه إن لم يسَلِّمْ إليه، فقال: أمَّا أنا فمملوك، وأمَّا هذه الحصونُ فهي أمانةٌ بيدي، ولا أسَلِّمُها إلَّا إلى صاحبها، فاستحسن خوارزم شاه منه هذا، وأثنى عليه، وذمَّ سونج, ولَمَّا بلغ غياث الدين خَبَرُ سونج، وتسليمُه الطالقان إلى خوارزم شاه، عَظُمَ عِندَه وشَقَّ عليه، فسَلَّاه أصحابه، وهوَّنوا الأمر، ولَمَّا فرغ خوارزم شاه من الطالقان سار إلى هراة، فنزل بظاهِرِها.

العام الهجري : 603 العام الميلادي : 1206
تفاصيل الحدث:

توفِّيَ حُسامُ الدين أردشير، صاحِبُ مازندران، وخَلَّفَ ثلاثة أولاد، فمَلَك بعده ابنُه الأكبَرُ، وأخرج أخاه أسامةَ وهو الأوسَطُ مِن البلاد، فقَصَد جرجان، وبها المَلِك علي شاه بن خوارزم شاه تكش، أخو خوارزم شاه محمد، وهو ينوبُ عن أخيه فيها، فشكا إليه ما صنَعَ به أخوه من إخراجِه مِن البلاد، وطَلَب منه أن يُنجِدَه عليه، ويأخُذَ له البلاد؛ ليكون في طاعته، فكتَبَ علي شاه إلى أخيه خوارزم شاه في ذلك، فأمر بالمسيرِ معه إلى مازندران، وأخْذ البلاد له، وإقامة الخُطبة لخوارزم شاه فيها، فساروا عن جرجان، فاتَّفق أن ابن حسام الدين، الأخَ الأكبر صاحب مازندران، مات في ذلك الوقت، وملك البلادَ بعده أخوه الأصغَرُ، واستولى على القلاعِ والأموال، فدخل علي شاه البلادَ، ومعه أسامةُ الأخ الأوسط، فنَهَبوها وخَرَّبوها، وامتنع منهم الأخُ الصغير بالقلاع، وأقام بقلعةِ كور، وهي التي فيها الأموالُ والذخائر، وحصروه فيها بعد أن ملَّكوا أسامة البلادَ، مثل: سارية وآمل وغيرهما من البلاد والحصون، وخُطِبَ لخوارزم شاه فيها جميعها، سوى القلعة التي فيها أخوه الأصغَرُ، وهو يراسله، ويستميله، ويستعطِفُه، وأخوه لا يردُّ جوابًا، ولا يَنزِلُ عن حِصنِه.

العام الهجري : 603 العام الميلادي : 1206
تفاصيل الحدث:

ملك الكرج حصن قرس من أعمال خلاط، وكانوا قد حصروه مدةً طويلة، وضيَّقوا على من فيه، وأخذوا دخلَ الولاية عدة سنين، وكل من يتولى خلاط لا ينجِدُهم، ولا يسعى في راحة تصل إليهم، وكان الوالي بها يواصل رسله في طلب النجدة، وإزاحة من عليه من الكرج، فلا يجاب له دعاء، فلما طال الأمرُ عليه ورأى أنْ لا ناصر له، صالح الكرجَ على تسليم القلعة على مالٍ كثير وإقطاع يأخذُه منهم، وصارت دار شرك بعد أن كانت دار توحيد! ثمَّ إن الله تعالى نظر إلى قلة ناصر الإسلام، فتولاه هو، فأمات ملكة الكرج، واختلفوا فيما بينهم، وكفى الله شرهم إلى آخر السنة.

العام الهجري : 603 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1207
تفاصيل الحدث:

في الثالث من شعبان ملك غياث الدين كيخسرو، صاحِبُ قونية وبلد الروم، مدينةَ أنطاكية بالأمان، وهي للرومِ على ساحِلِ البحر، وسَبَبُ ذلك أنَّه كان حَصَرَها قبل هذا التاريخ، وأطال المقامَ عليها، وهَدَّمَ عِدَّةَ أبراج من سورها، ولم يبقَ إلَّا فَتْحُها عَنوةً، فأرسل مَن بها من الروم إلى الفرنجِ الذين بجزيرة قبرص، وهي قريبةٌ منها، فاستنجدوهم، فوصل إليها جماعةٌ منهم، فعند ذلك يَئِسَ غياث الدين منها، ورَحَلَ عنها، وتَرَك طائفةً مِن عسكره بالقُربِ منها، بالجبالِ التي بينها وبين بلاده، وأمَرَهم بقَطعِ الميرة منها، فاستمَرَّ الحالُ على ذلك مُدَّةً حتى ضاق بأهلِ البلد، واشتَدَّ الأمر عليهم، فطَلَبوا من الفرنج الخروج لدفعِ المسلمين عن مضايقَتِهم، فظَنَّ الفرنجُ أنَّ الروم يريدون إخراجهم من المدينةِ بهذا السبب، فوقع الخلافُ بينهم، فاقتتلوا، فأرسل الرومُ إلى المسلمين، وطَلَبوهم ليسَلِّموا إليهم البلدَ، فوصلوا إليهم، واجتمعوا على قتالِ الفِرنجِ، فانهزم الفرنجُ ودخل المسلمون الحِصنَ فاعتَصَموا به، ثم أرسلوا يطلُبونَ غياثَ الدين، وهو بمدينةِ قونيَّة، فسار إليهم مجِدًّا في طائفةٍ مِن عسكره، فوصلها ثاني شعبان، وتقَرَّرَ الحالُ بينه وبين الروم، وتسَلَّمَ المدينة ثالثة، وحَصَر الحِصنَ الذي فيه الفرنج، وتسَلَّمَه وقَتَلَ كُلَّ من كان به مِن الفرنجِ.

العام الهجري : 603 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 1207
تفاصيل الحدث:

سار عسكر الخليفة الناصر لدين الله من خوزستان مع مملوكه سنجر، إلى جبال لرستان، وصاحبها يعرف بأبي طاهر، وهي جبال منيعة بين فارس وأصبهان وخوزستان، فقاتلوا أهلها وعادوا منهزمين، وسبب ذلك أن مملوكًا للخليفة اسمه قشتمر من أكابر مماليكه كان قد فارق الخدمة لتقصير رآه من الوزير نصير الدين العلوي الرازي، واجتاز بخوزستان، وأخذ منها ما أمكنه ولحق بأبي طاهر صاحب لرستان، فأكرمه وعظَّمه وزوجه ابنته، ثم توفِّي أبو طاهر فقوي أمر قشتمر، وأطاعه أهل تلك الولاية، فأمر سنجر بجمع العساكر وقصْده وقتاله، ففعل سنجر ما أمر به، وجمع العساكرَ وسار إليه، فأرسل قشتمر يعتذر، ويسأل ألا يقصد ولا يخرج عن العبودية، فلم يقبل عذره، فجمع أهل تلك الأعمال، ونزل إلى العسكر، فلَقيَهم، فهزمهم، وأرسل إلى صاحب فارس بن دكلا وشمس الدين إيدغمش، صاحب أصبهان وهمذان والري، يعرِّفُهما الحال، ويقول: إنني لا قوة لي بعسكر الخليفة، وربما أضيف إليهم عساكر أخرى من بغداد وعادوا إلى حربي، وحينئذٍ لا أقدر بهم، وطلب منهما النجدة، وخوَّفهما من عسكر الخليفة إن ملكوا تلك الجبال، فأجاباه إلى ما طلب، فقوي جنانه، واستمرَّ على حاله.

العام الهجري : 604 العام الميلادي : 1207
تفاصيل الحدث:

عبر علاء الدين محمد خوارزم شاه نهر جيحون لقتال الخطا، وسبب ذلك أن الخطا كانوا قد طالت أيامهم ببلاد تركستان، وما وراء النهر، وثقُلت وطأتُهم على أهلها، ولهم في كل مدينة نائب يجبي إليهم الأموال، فاتفق أن سلطان سمرقند وبخارى، أنف وضجر من تحكُّم الكفار على المسلمين، فراسل خوارزم شاه يقول له: إن اللهَّ عزَّ وجلَّ قد أوجب عليك بما أعطاك مِن سَعة الملك وكثرة الجنود أن تستنقِذَ المسلمين وبلادهم من أيدي الكفار، فسيَّرَ إليه صاحبُ سمرقند وجوه أهل بخار وسمرقند، بعد أن حلفوا صاحبهم على الوفاء بما تضمنه، وضمنوا عنه الصدق والثبات على ما بذل، وجعلوا عند خوارزم رهائن، فشرع في إصلاح أمر خراسان، وتقرير قواعدها، وجمع عساكره جميعها، وسار إلى خوارزم، وتجهَّزَ منها، وعبر جيحون، واجتمع بسلطان سمرقند، ولَمَّا سمع الخطا به حشدوا وجمعوا وجاؤوا إليه، فجرى بينهم وقعات كثيرة ومغاورات، فتارة له وتارة عليه، ثم دخل خوارزم شاه نيسابور، وأصلح أمرها، وجعل فيها نائبًا، وسار إلى هراة، فنزل عليها مع عسكره الذين يحاصرونه، وزحف إليه بعسكره، فلم يكن فيه حيلة، فاتفقَ جماعة من أهل هراة وقالوا: هلك الناسُ من الجوع والقلة، وقد تعطلت علينا معايشنا، وقد مضى سنة وشهر، وكان الوزير يعِدُ بتسليم البلد إلى خوارزم شاه إذا وصل إليه، وقد حضر خوارزم شاه ولم يسَلِّم، ويجب أن نحتال في تسليم البلد والخلاص من هذه الشدة التي نحن فيها، فانتهى ذلك إلى الوزير، فبعث إليهم جماعة من عسكره، وأمرهم بالقبضِ عليهم، فمضى الجند إليهم، فثارت فتنة في البلد عظُمَ خَطبُها، فاحتاج الوزير إلى تداركها بنفسه، فمضى لذلك، فكتب من البلد إلى خوارزم شاه بالخبر، وزحف إلى البلد وأهله مختلطون، فخربوا برجين من السور، ودخلوا البلد فملكوه، وقبضوا على الوزير، فقتله خوارزم شاه، وملَكَ البلد، وذلك سنة 605، وأصلح حاله، وسلمه إلى خاله أمير ملك، وهو من أعيان أمرائه، فلم يزل بيده حتى هلك خوارزم شاه.

العام الهجري : 604 العام الميلادي : 1207
تفاصيل الحدث:

ملك الملك الأوحد نجم الدين أيوب بن الملك العادل أبي بكر ابن أيوب مدينةَ خلاط، وسبب ذلك أنَّه كان بمدينة ميافارقين مع أبيه، فلما كان من مُلك سيف الدين بلبان خلاط قصَدَ نجم الدين مدينة موش، وحصرها وأخذها، وأخذ معها ما يجاورها، وطَمِعَ في خلاط، فسار إليها فهزمه بلبان، فعاد إلى بلده وجمع وحشد، وسيَّرَ إليه أبوه جيشًا، فقصد خلاط، فسار إليه بلبان، فتصافَّا واقتتلا، فانهزم بلبان، وتمكن نجم الدين من البلاد وازداد منها، ودخل بلبان خلاط واعتصم بها، وأرسل رسولًا إلى مغيث الدين طغرل شاه بن قلج أرسلان، وهو صاحب أرزن الروم، يستنجده على نجم الدين، فحضر بنفسه ومعه عسكره، فاجتمعا وهَزَما نجم الدين، وحصرا موش، فأشرف الحصن على أن يُملَك، فغدر ابن قلج أرسلان بلبان وقتَلَه طمعًا في البلاد، فلما قتله سار إلى خلاط، فمنعه أهلُها عنها، فسار إلى ملازكرد، فردَّه أهلها أيضًا، وامتنعوا عليه، فلما لم يجِدْ في شيء من البلاد مطمعًا عاد إلى بلده، فأرسل أهل خلاط إلى نجم الدين يستدعونَه إليهم ليُمَلِّكوه، فحضر عندهم، وملك خلاط وأعمالَها سوى اليسير منها، وكره الملوك المجاورون له ملكَه لها؛ خوفًا من أبيه، وكذلك أيضًا خافه الكرج وكرهوه، فتابعوا الغارات على أعمال خلاط وبلادها، ونجم الدين مقيمٌ بخلاط لا يقدِرُ على مفارقتِها.

العام الهجري : 604 العام الميلادي : 1207
تفاصيل الحدث:

كثر الفرنج الذين بطرابلس وحصن الأكراد، وأكثروا الإغارة على بلد حمص وولاياتها، ونازلوا مدينة حمص، وكان جمعهم كثيرًا لم يكن لصاحبها أسدِ الدين شيركوه بن محمد بن شيركوه بهم قوَّةٌ ولا يقدر على دفعِهم ومنعِهم، فاستنجد الظاهِرَ غازي، صاحِبَ حلب، وغيره من ملوك الشام، فلم ينجده إلا الظاهر؛ فإنه سيَّرَ له عسكرًا أقاموا عنده، ومنعوا الفرنجَ عن ولايته، ثمَّ إن الملك العادل خرج من مصر بالعساكر الكثيرة، وقصد مدينةَ عكا، فصالحه صاحبُها الفرنجي على قاعدة استقرت من إطلاق أسرى من المسلمين وغير ذلك، ثم سار إلى حمص، فنزل على بحيرة قدس، وجاءته عساكرُ الشرق وديار الجزيرة، ودخل إلى بلادِ طرابلس، وحاصر موضعًا يسمَّى القليعات، وأخذه صلحًا، وأطلق صاحِبَه، وغنم ما فيه من دواب وسلاح، وخرَّبه، وتقدَّمَ إلى طرابلس، فنهب وأحرق وسبى، وغنم وعاد، وكانت مدَّة مقامه في بلد الفرنج اثني عشر يومًا، وعاد إلى بحير قدس، وترددت الرسل بينه وبين الفرنج في الصُّلح، فلم تستقِرَّ قاعدة، ودخل الشتاء، وطلبت العساكر الشرقيَّة العودَ إلى بلادهم قبل البرد الشديد، فنزل طائفةٌ من العسكر بحمص عند صاحبها، وعاد إلى دمشق فشتى بها، وعادت عساكر ديار الجزيرة إلى أماكنها.

العام الهجري : 604 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1208
تفاصيل الحدث:

حدثت زلزلة بالموصل في وقت السَّحَر، ولم تكن بها شديدة، وجاءت الأخبارُ من كثير من البلاد بأنها زلزلت ولم تكن بالقويَّة.

العام الهجري : 605 العام الميلادي : 1208
تفاصيل الحدث:

هو السلطان غياث الدين محمود بن السلطان الكبير غياث الدين محمد بن سام الغوري, صاحب غزنة والغور وفيروزكوه, وهو مِن كبار ملوك الإسلام، اتَّفق أن خوارزم شاه علاء الدين هزم الخطا مرات، ثم وقع في أسرِهم مع بعض أمرائه، فبقي خوارزم شاه يخدُم ذلك الأمير كأنَّه مملوكه، ثم قال الأميرُ للذي أسرهما: نفِّذْ غلمانك إلى أهلي ليفتَكُّوني بمال. فقال: فابعث معهم غلامَك هذا ليدُلَّهم، فبعثه ونجا علاء الدين بهذه الحيلة، وقَدِمَ، فإذا أخوه علي شاه نائبه على خراسان قد هم بالسلطنة، ففزع منه، فهرب خوارزم شاه إلى غياث الدين محمود، فبالغ في إكرامه. لما سلَّم خوارزم شاه هراة إلى خاله "أمير ملك" سنة 605، وسار إلى خوارزم، أمره أن يقصد غياث الدين محمود بن غياث، وأن يقبِضَ عليه وعلى أخيه علي شاه بن خوارزم شاه، ويأخذ فيروزكوه من غياث الدين، فسار أميرُ ملك إلى فيروزكوه، وبلغ ذلك إلى محمود، فأرسل يبذُلُ الطاعة ويطلُب الأمان، فأعطاه ذلك، فنزل إليه محمود، فقبض عليه أمير ملك، وعلى علي شاه أخي خوارزم شاه، فسألاه أن يحمِلَهما إلى خوارزم شاه ليرى فيهما رأيَه، فأرسل إلى خوارزم شاه يعرفه الخبَرَ، فأمره بقتلِهما، فقُتلا في يوم واحد معا بغيًا وعدوانًا، واستقامت خراسان كلها لخوارزم شاه، وغياث الدين محمود هو آخر ملوك الغورية، وقد كانت دولتُهم من أحسن الدول سيرةً، وأعدَلِها وأكثَرِها جهادًا.

العام الهجري : 605 العام الميلادي : 1208
تفاصيل الحدث:

هو سنجر شاه بن غازي بن مودود بن زنكي بن آقسنقر، صاحب جزيرة ابن عمر، وهو ابن عم نور الدين، صاحب الموصل، قتله ابنه غازي، وسبب ذلك أن سنجر كان سيئَ السيرة غشومًا ظلومًا لرعيته وجندِه وحَرَمِه وولَدِه، كثيرَ القهر لهم والانتقام منهم، فاقِدَ الشفقة على بنيه حتى غرَّب ابنيه محمودًا ومودودًا إلى قلعة فرح من بلاد الزوزان لتوهُّمٍ توهَّمه فيهما, ثم أخرج ابنه غازي إلى دار بالمدينة, ووكل به فساءت حاله، وكانت الدار كثيرة الخشاش فضَجِرَ من حاله, فأعمل غازي الحيلة حتى نزل من الدار التي كان قد حبسه أبوه بها واختفى، ثمَّ إن غازي بن سنجر تسلَّقَ إلى دار أبيه، واختفى عند بعضِ سراريِّه، وعلم به أكثَرُ من بالدار، فسَتَرت عليه بغضًا لأبيه، وتوقعًا للخلاصِ منه لشِدَّتِه عليهن، فبقي كذلك، وترك أبوه الطَّلبَ له ظنًّا منه أنَّه بالشام، فاتفق أنَّ أباه، في بعض الأيام شرب الخمر بظاهرِ البلد مع نُدَمائه، فلم يزل كذلك إلى آخر النهار، وعاد إلى داره، فلما دخل الخلاءَ، دخل عليه ابنه غازي فضربه بالسكينِ أربع عشرةَ ضربةً، ثم ذبحَه، وتركه مُلقًى، فاتفق أن بعض الخدم الصغار خرج إلى البابِ وأعلم أستاذ دار سنجر الخبَرَ، فأحضر أعيان الدولة وعرَّفَهم ذلك، وأغلق الأبوابَ على غازي، واستحلف الناسَ لمحمود بن سنجر شاه، وأرسل إليه فأحضره من قلعةِ فرح ومعه أخوه مودود، فلما حلفَ الناس وسكنوا فتحوا باب الدارِ على غازي، ودخلوا عليه ليأخُذوه، فمانعهم عن نفسِه، فقتلوه وألقَوه على باب الدار، فأكلت الكلابُ بعضَ لحمه، ثم دُفِنَ باقيه، ووصل محمودٌ إلى البلد ومَلَكَه، ولُقِّبَ بمعز الدين، لَقَب أبيه، فلما استقَرَّ عمد الى الجواري اللواتي واطأنَ على قتل أبيه فغرَّقَهن في دجلةَ.

العام الهجري : 606 العام الميلادي : 1209
تفاصيل الحدث:

ملك العادل أبو بكر بن أيوب بلد الخابور ونصيبين، وحصر مدينة سنجار، والجميع من أعمال الجزيرة، وهو بيد قطب الدين محمد بن زنكي بن مودود، وسببُ ذلك أن قطب الدين كان بينه وبين ابنِ عَمِّه نور الدين أرسلان شاه بن مسعود بن مودود، صاحب الموصل، عداوةٌ مستحكمة، وكان لنور الدين وزراء يحبون أن يشتغل عنهم، فحسَّنوا له مراسلة العادل والاتفاق معه على أن يقتسما بالبلاد التي لقطب الدين، وبالولاية التي لولد سنجر شاه بن غازي بن مودود، وهي جزيرة ابن عمر وأعمالها، فيكون مُلك قطب الدين للعادل، وتكون الجزيرةُ لنور الدين، فوافق هذا القولُ هوى نور الدين، فأرسل إلى العادل في المعنى، فأجابه إلى ذلك مستبشرًا، فبادر العادلُ إلى المسير من دمشق إلى الفرات في عساكره، وقصد الخابور فأخذه، فلما سمع نور الدين بوصوله كأنَّه خاف واستشعر، هذا والعادل قد ملك الخابورَ ونصيبين، وسار إلى سنجار فحصرها، فبينما الأمرُ على ذلك إذ جاءهم أمر لم يكن لهم في حساب، وهو أن مظفر الدين كوكبري، صاحب إربل، أرسل وزيره إلى نور الدين يبذُلُ من نفسه المساعدةَ على منع العادل عن سنجار، وأنَّ الاتفاق معه على ما يريده، فوصل الرسولُ ليلًا فوقف مقابل دار نور الدين وصاح، فعبَرَ إليه سفينة عبر فيها، واجتمع بنور الدين ليلًا وأبلغه الرسالة، فأجاب نور الدين إلى ما طلب من الموافقة، وحلفَ له على ذلك، وعاد الوزيرُ من ليلته، فسار مظفر الدين، واجتمع هو ونور الدين، ونزلا بعساكِرِهما بظاهر الموصل، ولما وصل مظفر الدين إلى الموصل، واجتمع بنور الدين، أرسلا إلى الملك الظاهرِ غازي بن صلاح الدين، وهو صاحِبُ حلب، وإلى كيخسرو بن قلج أرسلان، صاحب بلاد الروم، بالاتِّفاق معهما، فكلاهما أجاب إلى ذلك، فتواعَدوا على الحركة وقصْد بلاد العادل إن امتنع من الصلحِ والإبقاء على صاحب سنجار، وأرسلا أيضًا إلى الخليفة الناصر لدين الله ليرسِلَ رسولًا إلى العادل في الصلح أيضًا، فقويت حينئذ نفس صاحب سنجار على الامتناع، ووصلت رسلُ الخليفة إلى العادل وهو يحاصر سنجار، فأجاب أولًا إلى الرحيل، ثم امتنع عن ذلك، وغالط، وأطال الأمر لعله يبلغ منها غرضًا، فلم ينلْ منها ما أمَّله، وأجاب إلى الصلح على أن يكون له ما أخذ وتبقى سنجار لصاحبها، واستقرَّت القاعدة على ذلك، وتحالفوا على هذا كلُّهم، وعلى أن يكونوا يدًا واحدة على الناكثِ منهم؛ ورحل العادل عن سنجار إلى حران، وعاد مظفر الدين إلى إربل، وبقي كل واحد من الملوك في بلده.

العام الهجري : 606 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 1210
تفاصيل الحدث:

هو العلَّامة فخر الدين, إمام الدنيا في عصره، أبو المعالي وأبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسين بن الحسن بن علي القرشي التيمي البكري، الطبرستاني الأصل, الرازي المعروف بالفخرِ الرازي، ويقال له خطيبُ الريِّ، الفقيهُ الشافعي، المفسِّر المتكَلِّم, صاحب التصانيف المشهورة في الفقه والأصولين وغيرهما، أحد فقهاء الشافعية المشاهير بالتصانيف الكبار والصغار، له نحو من مائتي مصنَّف. ولد سنة 543, وقيل سنة أربعة وأربعين. حادَّ الذهن، كثير البراعة، قويَّ النظر في صناعة الطب، عارفًا بالأدب، له شعر بالفارسي والعربي، وكان ضخمَ البدن ربْعَ القامة، كبير اللحية، في صوته فخامة. اشتغل على والده الإمام ضياء الدين عمر، وبعد وفاة والده قصد الكمال السمناني، واشتغل عليه مدة، ثم عاد إلى الري، ثم قصد خوارزم وقد تمهر في العلوم، فجرى بينه وبين أهلها كلام فيما يرجع إلى المذهب والعقيدة، فأُخرِجَ من البلد، فقصد ما وراء النهر، فجرى له أيضًا ما جرى بخوارزم، فعاد إلى الريِّ، وكان بها طبيب حاذق له ثروة ونعمة، وله بنتان، ولفخر الدين ابنان، فمَرِضَ الطبيب فزوج بنتيه بابني الفخر، ولما مات الطبيب حصل الفخر على جميع أموالِه". وقد كان معظَّمًا عند ملوك خوارزم وغيرهم، وبنيت له مدارس كثيرة في بلدان شتى، وكان يحضر في مجلس وعظه الملوك والوزراء والعلماء، والأمراء، والفقراء والعامة، وله في الوعظِ مرتبةٌ عالية يعظ باللسانين الفارسي والعربي، وكان يلحقه الوجدُ حالَ وعظه، ويحضُرُ مجلِسَه أرباب المقالات والمذاهب ويسألونه. ورجع بسببِه خلق كثير من الكرَّاميَّة وغيرهم إلى مذهب أهل السنة، وكان يلقَّب في هراة بشيخ الإسلام. وقد وقع بينه وبين الكرَّاميَّة وقائع في أوقات متفرقة، وكان يبغضهم ويبغضونه، ويبالغون في الحطِّ عليه، ويبالغ هو أيضًا في ذمهم، وكان مع غزارة علمِه في فن الكلام يقول: من لزم مذهبَ العجائِز كان هو الفائز، وقد قيل في وصيته عند موته أنَّه رجع عن مذهب الكلامِ فيها إلى طريقةِ السَّلَف وتسليم ما ورد على وجهِ المراد اللائقِ بجلالِ الله سبحانه، وقد كان يصحب السلطانَ ويحب الدنيا ويتَّسِعُ فيها اتساعًا عظيمًا، حتى قيل: ملك من الذهب العين ثمانين ألف دينار، وغير ذلك من الأمتعة والمراكب والأثاث والملابس، وكان له خمسون مملوكًا من الترك، وحشم وتجمل زائد، وعلى مجلسه هيبة شديدة. وليس ذلك من صفة العلماء؛ ولهذا وأمثاله كثرت الشناعات عليه، كما قامت عليه شناعات عظيمةٌ بسبب كلمات كان يقولها. قال أبو المظفر سبط ابن الجوزي، وأبو شامة: "اعتنى الفخرُ الرازي بكتب ابن سيناء وشَرحِها. وكان يعظ وينال من الكرَّامية، وينالون منه سبًّا وتكفيرا، وقيل: إنهم وضعوا عليه من سقاه السمَّ فمات، وكانوا يرمونه بالكبائر. ولا كلامَ في فضله، وإنما الشناعاتُ قائمة عليه بأشياء؛ منها: أنه قال: قال محمد التازي، وقال محمد الرازي، يعني النبي صلى الله عليه وسلم ونفسه، والتازي: هو العربي- وقيل كان يقول محمد البادي يعني العربي يريد به النبيَّ صلى الله عليه وسلم نسبة إلى البادية. ومنها أنه كان يقرر مسائل الخصوم وشبههم بأتمِّ عبارة، فإذا جاء بالأجوبة، قنع بالإشارة. ولعله قصد الإيجاز، ولكن أين الحقيقة من المجاز", ومن مصنفاته: وتفسيره الكبير في اثنتي عشرة مجلدة كبار سماه " "فتوح الغيب" أو "مفاتيح الغيب". وفسر الفاتحة في مجلد مستقل. وشرح نصف "الوجيز" للغزالي. وله كتاب " المطالب العالية " في ثلاثة مجلدات، ولم يتمه، وهو من آخر تصانيفه، وله كتاب "عيون الحكمة " فلسفة، وكتاب في الرمل، وكتاب في الهندسة، وكتاب " الاختبارات العلائية " فيه تنجيم، وكتاب " الاختبارات السماوية " تنجيم، وكتاب " الملل والنحل "، وكتاب في النبض، وكتاب " الطب الكبير "، وكتاب " التشريح " لم يتمه، وصنف ترجمة الشافعي في مجلد مفيد، وفيه غرائب لا يوافَق عليها، ويُنسَب إليه أشياء عجيبة، وغيرها من المصنفات وهي كثيرة. قال ابن خلكان: "وكل كتبه ممتعة، وانتشرت تصانيفُه في البلاد ورُزِقَ فيها سعادة عظيمة؛ فإن الناس اشتغلوا بها ورفضوا كتبَ المتقدمين، وهو أول من اخترع هذا الترتيب في كتبِه، وأتى فيها بما لم يُسبَق إليه". قال الموفق أحمد بن أبي أصيبعة في " تاريخه:"انتشرت في الآفاق مصنفات فخر الدين وتلامذته، وكان إذا ركب مشى حوله نحو ثلاثمائة تلميذ من الفقهاء، وغيرهم، وكان خوارزم شاه يأتي إليه، وكان شديدَ الحرص جدًّا في العلوم الشرعية والحكمية، وكان طلاب العلم يقصدونَه من البلاد على اختلاف مطالبِهم في العلوم وتفنُّنِهم، فكان كلٌّ منهم يجد عنده النهاية القصوى فيما يرومه منه. قرأ الحكمة على المجد الجيلي بمراغة، وكان المجد من كبار الفضلاء وله تصانيف. قلت (الذهبي): يعني بالحكمة: الفلسفة". ومن تلامذته مصنف " الحاصل " تاج الدين محمد بن الحسين الأرموي، وشمس الدين عبد الحميد بن عيسى الخسروشاهي، والقاضي شمس الدين الخويي، ومحيي الدين قاضي مرند, ولَمَّا أثرى الفخر الرازي، لازم الأسفارَ والتجارة، وعاملَ شهاب الدين الغوري في جملةٍ من المال، ومضى إليه لاستيفاء حقِّه، فبالغ في إكرامه، ونال منه مالًا طائلًا، ثم اتصل بالسلطان محمد بن تكش المعروف بخوارزم شاه، وحظي عنده، ونال أسنى المراتبِ، ولم يبلغ أحد منزلتَه عنده, وكان الفخر الرازي خطيبَ الري، وكان أكثَرُ مُقامه بها، وتوجه إلى خوارزم ومرض بها، وامتد مرضه أشهرًا، وتوفي يوم عيد الفطر بهراة بدار السلطنة. وكان علاء الملك العلوي وزير خوارزم شاه قد تزوج بابنته, ومن كلام فخر الدين قال: " فاعلموا أنني كنت رجلًا محبًّا للعلم، فكنت أكتبُ في كل شيء شيئًا؛ لأقف على كميته وكيفيته، سواء كان حقًّا أو باطلًا، ولقد اختبرت الطرقَ الكلامية، والمناهج الفلسفيةَ، فما رأيت فيها فائدة تساوي الفائدة التي وجدتُها في القرآنِ؛ لأنَّه يسعى في تسليم العظمة والجلالة لله، ويمنَعُ عن التعمق في إيراد المعارضات والمناقضات؛ فلهذا أقول: كل ما ثبت بالدلائل الظاهرة من وجوب وجوده ووحدته، وبراءتِه عن الشركاء في القِدَم، والأزلية، والتدبير، والفعالية، فذلك هو الذي أقولُ به، وألقى الله به. وأما ما انتهى الأمر فيه إلى الدقة والغموض، وكل ما ورد في القرآن والصحاح، المتعين للمعنى الواحد، فهو كما هو، والذي لم يكن كذلك أقول: يا إله العالمين، إني أرى الخلق مطبقين على أنَّك أكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين، فلك ما مدَّ به قلمي، أو خطر ببالي فأستشهد وأقول: إن علمتَ مني أني أردتُ به تحقيق باطل، أو إبطالَ حَقٍّ، فافعل بي ما أنا أهلُه، وإن علمتَ مني أني ما سعيتُ إلا في تقرير اعتقدت أنه الحق، وتصورتُ أنه الصدق، فلتكن رحمتُك مع قصدي لا مع حاصلي، فذاك جهدُ المُقِلِّ، فأغثني وارحمني، واستر زلتي وامح حوبتي، وأقول: ديني متابعةُ الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وكتابي القرآن العظيم، وتعويلي في طلب الدين عليهما، وأمَّا الكتب التي صنفتها، واستكثرت فيها من إيراد السؤالات، فليذكرني من نظر فيها بصالحِ دعائه، على سبيل التفَضُّل والإنعام، وإلَّا فليحذف القولَ السيئَ، فإني ما أردت إلا تكثير البحثِ، وشحذ الخاطر، والاعتماد في الكل على الله".

العام الهجري : 606 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1210
تفاصيل الحدث:

هو مجد الدين أبو السعادات المبارك بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني، المعروف بابن الأثير الجزري كانت ولادته بجزيرة ابن عمر سنة 544 ونشأ بها، ثم انتقل إلى الموصل سنة خمس وستين, ثم عاد إلى الجزيرة، ثم الموصل، وتنقل في الولايات بها واتصل بخدمة الأمير مجاهد الدين قايماز بن عبد الله الخادم الزيني، فكتب له, ثمَّ اتصل بخدمة عز الدين مسعود بن مودود صاحب الموصل، وتولى ديوان رسائله وكتب له إلى أن توفي، ثم اتصل بولده نور الدين أرسلان شاه فحَظِيَ عنده، وتوفَّرت حرمتُه لديه، وكتب له مدة, ثم عرض له مرض كفَّ يديه ورجليه فمنعه من الكتابة مطلقًا، وأقام في داره يغشاه الأكابرُ والعلماء، وأنشأ رباطًا بقرية من قرى الموصل ووقفَ أملاكَه عليه وعلى داره التي كان يسكنها بالموصل، وقيل: إنه صنف كتبه كلَّها في مدة العطلة، وكان عنده جماعة يعينونه عليها في الاختيار والكتابة. كان ابن الأثير عالِمًا في عدة علوم مبرزًا فيها، منها: الفقه، والأصولان، والنحو، والحديث، واللغة، وله تصانيف مشهورة في التفسير والحديث، والنحو، والحساب، وغريب الحديث، وله رسائل مدوَّنة، وهو صاحب جامع الأصول في الحديث، وله كتاب غريب الحديث والأثر، وغيرها من المصنفات، وهو غير صاحب الكامل في التاريخ، فهذا أخوه. قال أبو البركات ابن المستوفي في تاريخ إربل في حقه: أشهر العلماء ذِكرًا، وأكبر النبلاء قدرًا، وأحد الأفاضل المشار إليهم، وفرْد الأماثل المعتمد في الأمور عليهم، أخذ النحوَ عن شيخه أبي محمد سعيد بن المبارك الدهان، وسمع الحديث متأخرًا، ولم تتقدَّم روايته. وله المصنَّفات البديعة والرسائل الوسيعة " توفي في آخر ذي الحجة.

العام الهجري : 607 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1211
تفاصيل الحدث:

هو السلطانُ الملك العادل نور الدين أبو الحارث، أرسلان شاه بن مسعود بن مودود بن أتابك عماد الدين زنكي بن آقسنقر، صاحب الموصل, وابنُ صاحبها، كان ملكًا شَهمًا، عارفًا بالأمور، جبارًا سافكًا للدماء بخيلًا. انتقل إلى مذهب الشافعي، ولم يكن في بيته شافعيٌّ سواه. وبنى المدرسة المعروفة به بالموصل للشافعية، قل أن توجد مدرسة في حسنها. كان سريع الحركة في طَلَبِ الملك، إلَّا أنه لم يكن له صبرٌ؛ فلهذا لم يتَّسِع ملكه، ولما احتُضِرَ أمر أن يرتب في الملك ولده الملك القاهر مسعود، وأعطى ولده عماد الدين زنكي قلعتين، وجعل تدبيرَ مملكتهما إلى فتاه بدر الدين لؤلؤ. وكان مرضه قد طال، ومزاجه قد فسد، وكانت مُدَّة ملكه سبع عشرة سنة وأحد عشر شهرًا، وكان شهمًا شجاعًا، ذا سياسة للرعايا، شديدًا على أصحابه، فكانوا يخافونه خوفًا شديدًا، وكان ذلك مانعًا من تعدي بعضِهم على بعض، وكان له همة عالية، أعاد ناموس البيت الأتابكي وجاهَه وحُرمَتَه، بعد أن كانت قد ذهبَت، وخافه الملوك؛ ولما اشتد مرضه وأيس من نفسه أمره الأطباء بالانحدار إلى الحامة المعروفة بعين القيارة، وهي بالقرب من الموصل، فانحدر إليها، فلم يجِدْ بها راحة، وازداد ضعفًا، فأخذه بدر الدين وأصعده في الشبارة إلى الموصل، فتوفي في التاسع والعشرين من رجب. في الطريق ليلًا ومعه الملاحون والأطباء بينه وبينهم ستر، وكان مع بدر الدين عند نور الدين مملوكان، فلما توفي نور الدين قال لهما: لا يسمع أحدٌ بموته، وقال للأطباء والملاحين: لا يتكلم أحد، فقد نام السلطانُ، فسكتوا، ووصلوا إلى الموصل في الليل، فأمر الأطباءَ والملاحين بمفارقة الشبارة؛ لئلَّا يَرَوه ميتًا، وأبعدوا، فحمله هو والمملوكان، وأدخله الدار، وتركه في الموضع الذي كان فيه ومعه المملوكان، ونزل على بابه من يثقُ به لا يمكِّن أحدًا من الدخول والخروج، وقعد مع الناس يمضي أمورًا كان يحتاجُ إلى إتمامها، فلما فرغَ مِن جميع ما يريدُه أظهَرَ موتَه وقت العصر، ودُفِنَ ليلًا بالمدرسة التي أنشأها مقابلَ داره، وضبط البلدَ تلك الليلة ضبطًا جيدًا واستقَرَّ الملك لولده، وقام بدر الدين بتدبير الدولة والنظر في مصالحِها.

العام الهجري : 607 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1211
تفاصيل الحدث:

توجَّهت مراكب من عكا فيها ملك قبرص المسمَّى إليان إلى ثغر دمياط، فدخله ليلًا وأغار على بعض البلاد، فقتل وسبى وكر راجعًا، فركب مراكبه ولم يدركه الطلبُ، وقد تقدمت له غارة مثلُها قبل هذه، وهذا شيءٌ لم يتَّفِق لغيره، وفيها عاثت الفرنجُ بنواحي القدس، فبرز إليهم الملك المعظم شرف الدين بن الملك العادل، وعمل أبو المظفر سبط ابن الجوزي ميعادًا بنابلس وحثَّ على الجهاد، وكان يومًا مشهودًا، ثم سار هو ومن معه وبصحبته المعظَّم نحو الفرنج، فقتلوا خلقًا وخربوا أماكن كثيرة، وغَنِموا وعادوا سالمين، وشرع المعظَّم في تحصين جبل الطور وبنى قلعة فيه ليكونَ إلبًا على الفرنج، فغرم أموالًا كثيرة في ذلك، فبعث الفرنجُ إلى العادل يطلُبونَ منه الأمان والمصالحة، فهادنهم وبطلت تلك العمارةُ وضاع ما كان المعظَّمُ غرم عليها.

العام الهجري : 608 العام الميلادي : 1211
تفاصيل الحدث:

جاءت الأخبار من بلاد الأندلس بأنَّ الموحِّدينَ قد كسروا الفرنجَ بطُليطِلة كسرةً عظيمة، وربما فتحوا طليطلةَ عَنوةً وقَتل منهم خلقًا كثيرًا.

العام الهجري : 608 العام الميلادي : 1211
تفاصيل الحدث:

أظهر الإسماعيليَّةُ- ومقَدَّمُهم جلالُ الدين الإسماعيليُّ، تولى بعد أبيه, وقيل: إنه كان غير راضٍ عن ممارساتِ أبيه أعلى محمد وسياستِه العدوانيَّة- الانتِقالَ عن فعل المحرَّمات واستحلالِها، وأمَرَ بإقامة الصلواتِ وشرائِعِ الإسلامِ ببلادهم من خراسان والشام، وأرسل مقدُّمُهم رسلًا إلى الخليفة، وغيره من ملوك الإسلام، يخبِرُهم بذلك، وأرسل والدتَه إلى الحجِّ، فأُكرِمَت ببغدادَ إكرامًا عظيمًا، وكذلك بطريقِ مكَّةَ.