في التاسع عشر من شوال قَدِمَ رسول الملك الظاهر مَجْد الدين عيسى صاحب ماردين بأن تَيْمورلنك أخذ تبريز، وبعث إليه يستدعيه إلى عنده بها، فاعتذر بمشاورة سلطان مصر، فلم يقبل منه، وقال: ليس لصاحب مصر عليك حكم، ولأسلافك دهر بهذا الإقليم، وأرسل إليه خِلعةً وصكة ينقُشُ بها الذهبَ والدنانير، ثم قدم رسول صاحب بسطام بأن تيمور قتل شاه منصور متملك أصفهان، وبعث برأسه إلى بغداد، وبعث بالخلعة والصكة إلى السلطان أحمد بن أويس متملك بغداد، فلبس الخِلعة وضرب الصكة، ثم إن تيمور مَلَكَ بغداد في يوم السبت الحادي والعشرين منه؛ وذلك أنَّ ابن أويس كان قد أسرف في قتل أمراء دولته، وبالغ في ظلم رعيته، وانهمك في الفجور؛ فكاتب أهلُ بغداد تيمور بعد استيلائه على تبريز يحثُّونه على المسير إليهم، فتوجه إليها بعساكره حتى بلغ الدربند، وهو عن بغداد مسيرة يومين، فبعث إليه ابن أويس بالشيخ نور الدين الخراساني، فأكرمه تيمور وقال: أنا أترك بغداد لأجلك, ورحل يريد السلطانية، فبعث الشيخ نور الدين كتُبَه بالبشارة إلى بغداد، وقَدِمَ في إثرها، وكان تيمور قد سار يريد بغداد من طريق آخر، فلم يشعر ابن أويس -وقد اطمأن- إلا تيمور قد نزل غربي بغداد، قبل أن يَصِلَ إليها الشيخ نور الدين، فدهش عند ذلك ابن أويس وأمر بقطع الجسر، ورحل بأمواله وأولاده وقت السَّحَر من ليلة السبت، وترك البلاد، فدخلها تيمور، وأرسل ابنه في إثر ابن أويس، فأدركه بالحلة، ونهب ماله، وسبى حريمه، وقتل وأسر كثيرًا ممن معه، ونجا ابن أويس في طائفةٍ وهم عراة، فقصد حلب وتلاحق به من تبقى من أصحابه، وأمَّا تيمور فإنه لما مَلَك بغداد صادر أهلها ثلاثَ مرات؛ في كل مرة منهم ألف تومان، وخمسمائة تومان، وكل تومان مبلغ ثلاثين ألف دينار عراقي، والدينار العراقي بقدر درهم مصر الفضة، حتى أفقرهم كلهم، وكان جملة ما أخذ منهم نحو مائة ألف ألف وخمسة وثلاثين ألف ألف درهم، بعد أن تنوَّع في عقوبتهم، وسقاهم المِلحَ والماء، وشواهم على النار، ولم يُبقِ لهم ما يستر عوراتهم، وصاروا يخرجون فيلتقطون الخِرَق من الطرقات حتى تُستَرَ عوراتهم وتُغطى رؤوسهم، ثم إنه بعث ابنه إلى الحلَّة، فوضع في أهلها السيف يومًا وليلة، وأضرم فيها النار حتى احترقت، وفني معظم أهلها ويقال: إنه قتل في العقوبة من أهل بغداد ثلاثة آلاف نفس، وبعث تيمور من بغداد العساكر إلى البصرة، فلَقِيَهم صاحبها الأمير صالح بن جولان، وحاربهم وأسر ابن تيمور، وقتل منهم خلقًا كثيرًا، فبعث إليه عسكرًا آخر في دجلة، فظفر بهم ابن جولان أيضًا، وفي التاسع عشر ذي الحجة أمر السلطان في القاهرة ومصر بتجهيز الناس للسفر لقتال تيمورلنك.
خرج أربعةٌ من رهبان النصارى بمدينة القدس، ودَعَوا الفقهاء لِمناظرتهم، فلما اجتمع الناس لهم جهَروا بالسوء من القول، وصرَّحوا بذم الملة الإسلامية، والإزراء على القائم بها، وأنَّه كذابٌ وساحر، وما الحق إلا في دين عيسى! فقُبِض عليهم وقُتِلوا وحُرقوا بالنار، فكان من الأيام المشهورة بالقدس.
قام تيمورلنك بإرسال رسُلٍ مع هدايا إلى السلطان الظاهر برقوق صاحب الديار المصرية، ولكِنَّ السلطان قتَلَهم، فلما بلغ تيمورلنك ما فعله السلطان قام بكتابة رسالة كلها تهديد ووعيد، فأجابه السلطان بما يناسب رسالته من قوة وعدم خوف، وأمر السلطان برقوق بتجهيز العساكر حتى أخذ من خزانة أموال اليتامى؛ لتجهيز العسكر، وخرج من مصر في الرابع عشر من ربيع الآخر، ثم رحل عن غزة في الثاني عشر من جمادى الأولى، وقدم إلى مدينة دمشق رسل طقتمش خان، صاحب كرسي أزبك خان ببلاد القبجاق، بأنَّه يكون عونًا مع السلطان على تيمورلنك، ثم في العشرين منه دخل السلطان إلى دمشق، ثم في السابع عشر من رجب برزت العساكِرُ من دمشق تريد حلب، ولكن قدم الخبر أن تيمورلنك قد عاد إلى بلادِه.
صاحب مملكة فاس من بلاد الغرب السلطان أبو العباس أحمد بن أبي سالم بن إبراهيم بن أبي الحسن على بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق المريني ملك الغرب، تولى حكم بلاد المغرب بعد خلع السعيد محمد بن عبد العزيز أبي الحسن في ذي الحجة 774. توفي أبو العباس أحمد في المحرَّم، وأقيم بعده ابنه أبو فارس عبد العزيز، وهو غير متملِّك تونس المتوكل على الله أبو العباس أحمد الحفصي صاحب تونس مع أنَّ اسمهما يكاد يتطابق.
هو السلطانُ أبو العباس أحمد بن محمد بن أبي بكر بن يحيى بن إبراهيم بن يحيى عبد الواحد بن أبي حفص عمر بن ونودين الهنتاتي المغربي أبو العباس، ويلقَّبُ أبا السباع سلطان الحفصيين. ولي تونسَ وما معها من بلاد المغرب في سنة 772، وكان شهمًا شجاعًا ولي كلَّ من ذُكِر في عمود نسبه المملكة إلا أباه وجدَّ أبيه, وكانت وفاتُه في شعبان، توفي في ليلة الخميس رابع شعبان بمحل ملكه مدينة تونس من بلاد المغرب بعد أن حكمها أربعًا وعشرين سنة وثلاثة أشهر ونصفًا، وقام من بعده على ملك تونس ابنه السلطان أبو فارس عبد العزيز، وكان من أجَلِّ ملوك الغرب.
لَمَّا تيقَّن السلطان برقوق من عودة تيمورلنك إلى بلاده وجَّه في يوم الاثنين أول شعبان القان غياث الدين أحمد بن أويس من دمشق إلى بغداد، بعد أن قدم له جميع ما يحتاج إليه، وعند وداعه خلع عليه أطلسين بشاش متمر، وسيف بسقط ذهب، وأعطى تقليدًا بنيابة السلطنة ببغداد، ولما وصل إلى ظاهر بغداد خرج إليه نائب تيمور بها، وقاتله فانكسر النائب، ودخل بغداد، وأطلق المياه على عسكر ابن أويس ليُغرقه، فأعانه الله وتخلَّص منها بعد يومين، وعبر أويس بغداد، وقد هرب نائب تيمورلنك منها، فاستولى عليها ابن أويس، واستخدم جماعةً من التركمان والعربان، فلما بلغ ذلك تيمور جهَّز أمراءه بالأموال إلى سمرقندي.
قام طقتمش زعيم القبيل الأبيض والأزرق المغولي الذي كان انتصر على الروس فاغتَرَّ بقوته فأراد أن يحارب تيمورلنك فأغار على فارس التي مع تيمورلنك حتى حاصر بخارى، وهذا الذي اضطر تيمورلنك لملاقاته في معركة جرت في جمادى الآخرة وانتهت بهزيمة طقتمش.
هو الشريف أبو الحسن علي بن عجلان بن رميثة، واسمُ رُميثة منجد بن أبي نمي بن أبي سعد حسن بن علي بن قتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم بن عيسى بن عيسى بن حسين بن سليمان بن علي بن عبد الله بن محمد بن موسى بن عبد الله المحض بن موسى بن الحسن السبط بن الحسن بن علي بن أبي طالب المكي الحسني، أمير مكة المشرفة، وَلِيَها ثماني سنين ونحو ثلاثة أشهر مستقلًّا بالإمارة، غير سنتين أو نحوهما؛ فإنه كان فيهما شريكًا لِعَنان بن مغامس بن رميثة، ووقع له أمورٌ بمكة مع الأشراف ووقائع، وآخِرَ الأمر توجَّه أخوه الشريف حسن بن عجلان إلى القاهرة يريد إمرة مكة، فقبض عليه السلطان وحبسه، وبعث إلى أخيه علي هذا باستمراره على إمرة مكة، فاستمَرَّ على إمرتها إلى أن وقع بينه وبين بعض القوَّاد، وخرج إليهم عليٌّ، فبدره بعضُهم وسايرَه وهو راكب على راحلته، والشريف عليٌّ على الفرس، فرمى القائد بنفسه على الشريف عليٌّ وضربَه بجنبية كانت معه، فوقعا جميعًا على الأرض، فوثب عليه عليٌّ وضربه بالسيف ضربةً كاد منها يهلك، وولى عليٌّ راجعًا إلى الحلة، فأغرى به شخصٌ يقال له أبو نمي غلام لصهره حازم بن عبد الكريم جنديًّا، وعتبة وحمزة وقاسمًا، فوثبوا عليه وقتلوه وقطَّعوه وبعثوا به إلى مكة، فدُفِن بالمعلَّاة مع أبيه عجلان، وكان قتلُه يوم الأربعاء سابع شوال، ووَلِيَ إمرة مكة بعده أخوه حسن بن عجلان.
قدم الأمير طولو بن علي شاه المتوجِّه إلى طَقتمش خان، وأنه بعد ما اتفق معه على محاربة تيمورلنك توجَّه تيمورلنك لمحاربته، فسار إليه وقاتله ثلاثةَ أيام، فانكسر من تيمور، ومَرَّ إلى بلاد الروس؛ فخرج طولو من سراي إلى القرم، ومضى إلى الكفا، فعوَّقه متمَلِّكُها ليتقرَّبَ به إلى تيمور، حتى أخذ منه خمسين ألف درهم، فملك تيمور القرم والكفا وخرَّبَها.
هو السلطانُ أبو فارس عبد العزيز بن السلطان أبي العباس أحمد بن أبي سالم بن إبراهيم بن أبي الحسن المريني ملك الغرب وصاحب فاس، أبو فارس، أقيم بعده على سلطنة فاس أخوه أبو عامر عبد الله. وهو يختلف عن السلطان أبي فارس عبد العزيز بن أبي العباس أحمد الحفصي ملك بلاد المغرب الذي توفي سنة 837.
حضر الأمير علاء الدين ألطبغا نائب الملك الظاهر مجد الدين عيسى صاحب ماردين، فأنعم عليه وعلى من معه، وكان سببُ قدومه أنَّ الظاهِرَ عيسى لما قبض عليه تيمورلنك وأقام في أسْرِه، قام ألطبغا بأمر ماردين ومنع تيمورلنك منها، وكان الظاهر قد أقام في مملكة ماردين الملك الصاع شهاب الدين أحمد بن إسكندر بن الملك الصالح صالح، وهو ابنُ أخيه وزوجُ ابنته، فقاتل أصحاب تيمورلنك قتالًا شديدًا، وقتل منهم جماعة، فشقَّ هذا على تيمورلنك، ثم أفرج عن الظاهر بعد أن أقام في أسره سنتين وسبعة أشهر، وحَلَّفه على الطاعة له وإقامة الخُطبة باسمه، وضَرْب السكة له، والقَبْض على ألطبغا وحَمْله، فعندما حضر إلى ماردين فرَّ منه ألطبغا إلى مصر، فرتَّب له السلطان ما يليقُ به، وقَدِمَت رسل تيمور إلى دمشق فعُوِّقوا بها، وحُمِلت كتُبُهم إلى السلطان فإذا فيها طلب أطلمش، فأمر أن يُكتَب إلى أطلمش بما هو فيه ورفيقه من إحسان السلطان، وكتب جوابه بأنه متى أرسل من عنده من أصحاب السلطان خبر إليه أطلمش.
هو أبو عامر عبد الله بن السلطان أبي العباس أحمد بن أبي سالم إبراهيم بن أبي الحسن المريني ملك المغرب صاحب فاس، وأقيم بعده أخوه أبو سعيد عثمان بن أبي العباس، والشيخ أبو العباس أحمد بن علي القبايلي هو القائم بتدبير الدولة على عادته منذ موت السلطان أبي العباس أحمد في أيام أبي فارس عبد العزيز، وأبي عامر عبد الله.
بلغ تيمورلنك موتُ محمد بن فيروز شاه تغلق ملك الهند وقيام صراع عنيف بين أمراء الولايات الهندية في عهد ابنه إسكندر، وأنَّ الحُكمَ استقَرَّ أخيرًا لابنه الآخر محمود، فتوجَّه تيمورلنك إلى الهند بجيش كبير مزوَّد بآلات الحرب الهائلة، فحاول السلطان محمود أن يقاتلَه، ولكنَّه انهزم فاحتَلَّ تيمورلنك دلهي وهرب السلطان محمود إلى كجرات، وأمعن تيمورلنك في القتل والنهب والتخريب، واستولى كذلك على كشمير، ثم عاد إلى بلاده تاركًا في هذه المناطق عاملًا له مِن قِبلِه.
لما أحرز العثمانيون الانتصاراتِ العديدةَ في المُدَد القصيرة، خاف ملوك أوروبا وخاصة ملك المجر الذي استغاث بالبابا والملوك، فأعلنها البابا حربًا صليبية دعا إليها الملوكَ؛ فاستجاب دوق بورغونيا شرق فرنسا، وأمراء النمسا وبافاريا قرب ألمانيا، وفرسان القديس يوحنا الذين كانوا يومها بمالطة، فسار الجميع يقودُهم ملك المجر "سيجموند الأول"، وبلغ قوامهم 120 ألف جندي مجتازين نهر الدانوب، وحاصروا مدينة نيكوبلي شمالي بلغاريا، وفاجأهم الجيش العثماني بقيادة السلطان بايزيد الأول ومعه مائتا ألف مقاتل، ومعه أيضًا أمير الصرب اصطفان بن لازار، ومعه كثير من الشعوب النصرانية الخاضعة للحماية العثمانية، فكان اللقاءُ بين الجيشين يوم 23 ذي القعدة سنة 800 (27 سبتمبر سنة 1396)، وقاتلهم قتالًا عنيفًا كانت نتيجتها انتصار العثمانيين على الجيوش المتألِّبة عليهم، وأسر كثير من أشراف فرنسا، منهم الكونت دي نيفر نفسه، وقُتِل أغلبهم وأُطلِقَ سراح الباقي، والكونت دي نيفر بعد دفع فداء اتُّفِق على مقداره. ويُقال إن السلطان بايزيد لما أطلق سراح الكونت دي نيفر وكان قد ألزم بالقَسَم على ألا يعود لمحاربته قال له: إني أجيز لك ألَّا تحفظ هذا اليمين؛ فأنت في حِلٍّ من الرجوع لمحاربتي؛ إذ لا شيء أحب إلي من محاربة جميع مسيحيي أوروبا والانتصار عليهم!! هذا وقد شدَّد الحصار بعد ذلك على مدينة القسطنطينية، ولولا إغارة تيمورلنك المغولي على بلاد آسيا الصغرى لتمكَّن السلطان بايزيد من فتحها، لكن الأمور مرهونة بأوقاتها، فاكتفى بإبرام الصلح مع ملكها هذه المرة بشرط دفع عشرة آلاف ذهب سنويًّا من عملة وقتها، وأن يجيز للمسلمين أن يبنوا بها جامعًا لإقامة شعائر الدين الحنيف، وأن تُقام لهم محكمة شرعية للنظر في قضايا المستوطِنين بها منهم.
ركِبَ السلطان الظاهر برقوق بعد صلاة الظهر يريد المقياسَ من شهر ذي القعدة، وفتح الخليج على العادة، ومعه الأمراء إلا الأمير ألي باي الخازندار؛ فإنه كان قد انقطع في داره أيامًا لمرض نزل به فيما أظهره، وفي باطن أمره أنَّه قصد الفتك بالسلطان؛ فإنه علم أنَّه إذا نزل الخليج يدخل إليه ويعودُه على ما جرت به عادتُه مع الأمراء، فدبَّر اغتَيال السلطان، وأخلى إسطبله وداره من حريمه وأمواله، وأعدَّ قومًا اختارهم لذلك، وكان سبب هذا فيما يظهرُ أن بعض مماليكه المختصِّين به وكان شاد شراب خاناته تعرَّض لجارية من جواري الأمير أقباي الطرنطاي، يريد منها ما يريدُه الرجل من المرأة، وصار بينهما مُشاكلةٌ، فبلغ ذلك أقباي، فقَبَض عليه وضربه ضربًا مبرِّحًا، فحنق ألي باي وشكاه للسلطان فلم يلتفِت إلى قولِه، وأعرض عن ذلك، وكان ألي باي في زعمه أن السلطان يزيل نعمة أقباي لأجله، فغضِبَ من ذلك وحرَّك ما عنده من البغي الكامن، فلما فتح السلطان الخليجَ وركب إلى جهة القلعة اعترضه مملوكٌ من خشداشيته -زملاء عمله- اليلبغاوية، يُعرَف بسودن الأعور، وأسَرَّ إليه أنَّ دارَه التي يسكنها تُشرِفُ على إسطبل الأمير ألي باي، وأنَّه شاهد مماليك ألي باي وقد لبسوا بدلةَ الحرب، ووقفوا عند بوائك الخيل، وستروا البوائِكَ بالأنخاخ لِيَخفى أمرهم، فكتم السلطانُ الخبر، وأمر الأميرَ أرسطاي رأس نوبة أن يتوجَّه إلى دار الأمير ألي باي، ويُعلِمَهم أنَّ السلطانَ يدخل لعيادته، فلما أُعلِمَ بذلك اطمأنُّوا، ووقف أرسطاي على باب ألي باي ينتظر قدوم السلطان، وعندما بعث السلطان أرسطاي أمير الجاويشية بالسكوتِ، وأخذ العصابةَ السلطانية التي تُرفَعُ على رأس السلطان فيُعلَم بها مكانه، يريد بذلك تعميةَ خبرِه، وسار إلى تحت الكبش، وهو تجاه دار ألي باي، والناس من فوقه قد اجتمعوا لرؤية السلطان، فصاحت به امرأةٌ: لا تدخُل؛ فإنهم قد لبسوا آلة القتال، فحرَّك فرسه وأسرع في المشيِ ومعه الأمراء، ومن ورائه المماليكُ، يريد القلعة، وأما ألي باي فإنَّ بابه كان مردودَ الفردتين، وضبته مطرفة ليمنَعَ من يدخل حتى يأتيَ السلطان، فلما أراد اللهُ مَرَّ السلطان حتى تعدَّى بابه، وكان في طريقِه، فلم يعلموا بمروره حتى تجاوزَهم بما دبرَّه من تأخير العصائب وسكوت الجاويشية، وخرج أحد أصحاب ألي باي يريد فتح الضبة فأغلقها، وإلى أن يحضر مفتاح الضبة ويفتح فاتهم السلطان، وصار بينهم وبينه سدٌّ عظيم من الجمدارية، قد ملؤوا الشارع بعرضه، فخرج ألي باي بمن معه لابسين السلاح، وعمدهم نحو الأربعين فارسًا يريد السلطان، وقد ساق ومعه الأمراء حتى دخل باب السلسلة، وامتنع بالإسطبل، فوقف ألي باي تجاه الإسطبل بالرميلة تحت القلعة، ونزل إليه طائفةٌ من المماليك السلطانية لقتاله، فثبت لهم وجُرح جماعة، وقُتِل من السلطانية بيسق المصارِع ثم انهزم ألي باي، وتفرَّق عنه من معه، هذا وقد ارتجَّت مصر والقاهرة، وجفل الناسُ من مدينة مصر، وكانوا بها للفرجة على العادة في يوم الوفاء، وطلبوا مساكِنَهم خوفًا من النهابة، وركب يلبغا المجنون ومعه مماليكه لابسين بدلة القتال يريد القلعة، واختلف الناسُ في السلطان، وأرجفوا بقتله وبفراره، وتباينت الأقوالُ فيه، واشتد الخوفُ وعَظُم الأمر، وبات السلطانُ بالإسطبل، وقد نَهَبت العامة بيت ألي باي وخرَّبوه، ونهبوا دار الأمير يلبغا المجنون وخربوها، وأما ألي باي فإنه لما تفرَّق عنه أصحابه اختفى في مستوقد حمام، فقُبِض عليه، وحُمِل إلى السلطان فقَيَّده وسجنه بقاعة الفضة من القلعة، فلما أصبح نهار الأحد نزع العسكر آلةَ الحرب وتفرَّقوا، وعُصر ألي باي، فلم يُقِرَّ على أحد، وأُحضر يلبغا المجنون فحلف أنه لم يوافقْه، ولا عِلمَ بشيء من خبره، وأنه كان مع الوزير بمصر.
هو السلطان أبو سعيد بن عثمان بن أبي العباس أحمد بن أبي سالم إبراهيم بن أبي الحسن المريني ملك المرينيين، لما اغتِيلَ نُصب ولده الناصر عبد الحق خلفًا له وتولى الوصايةَ عليه أبو زكريا يحيى الوطاسي زعيم بني وطاس، والذي به قامت دولة بني وطاس التي خلفت دولة بني مرين فيما بعد.