قام الأمراء الذين ولَّوا الأشرف قانصوه السلطنة بخلعِه في هذه السنة، وكان قد هرب منهم ولكنهم قبضوا عليه فأُرسل إلى سجن الإسكندرية، ثم قُتل فيه خنقًا، فكانت مدة سلطنته سنة وثمانية أشهر، فبايعوا بعده جانبلاط الذي كان أتابك العساكر، فتلقب بالسلطان الأشرف أبي النصر جانبلاط.
هو المعلم أسد البحر شهاب الدين أحمد بن ماجد بن محمد السَّعْدي النجدي، من نجد عُمان، ويقال له السائح ماجد، وهو من علماءِ فنِّ الملاحة وتاريخه عند العربِ، ومِن كبارِ ربابنةِ العرب في البحر الأحمر والخليج العربي والمحيط الهندي وخليج البنغال وبحر الصين. ولِدَ ابنُ ماجد عام 821هـ بنجد عُمان في عائلة تهتمُّ بركوب البحر، فكان أبوه وجَدُّه ملاحَينِ مشهورين، ولابن ماجد الفضلُ في إرساء قواعد الملاحة للعالم، وقد بقيت آراؤه وأفكاره في مجال الملاحة سائدةً في كلٍّ من البحر الأحمر والخليج العربي وبحر الصين. وهو أوَّلُ من كتب في المرشدات البحرية الحديثة، وصنَّف (الفوائد في أصول علم البحر والقواعد)، وأرجوزةً سمَّاها (حاوية الاختصار في أصول علم البحار) و(الأرجوزة السبعية) و(القصيدة المسماة بالهدية) و(أرجوزة بر العرب في خليج فارس)، و(المراسي على ساحل الهند الغربية) ورسائلَ أخرى. أما ما أُشيع من أنَّ ابن ماجد أرشد قائِدَ الأسطول البرتغالي فاسكو دي غاما إلى طريقِ الهند: فهو باطِلٌ وغير صحيحٍ، قال أحمد علاونة: "هو قول باطل مدارُه على النهروالي في كتابه (البرق اليماني في الفتح العثماني) وقد ذكر هذه الأسطورةَ بعد ثمانين سنة من حدوثِها، ولم يذكر أيُّ مؤرِّخٍ بعد النهروالي هذه الأسطورة، ثم جاء المستشرق فران عام 1922 ونفخ فيها من روحِه وتابعه عليها كثيرون منهم الزِّركْلي" وقد أورد العلاونة بعض الأدلة على بطلان إرشاد ابن ماجد لفاسكو دي غاما منها: أ- أن الروايةَ ذكَرت أنَّ ابن ماجد أرشد دي غاما وهو سكران، وهذا غير معقول أن يطمئنَّ قائد عسكري لفاقد الوعي ليدلَّه على طريق محفوف بالمخاطر. ب- لم تكن لابن ماجد خبرةٌ في الساحل الإفريقي. ج- لم يرد ذكر هذه الحادثة في أي من أعمال ابن ماجد النثرية والشعرية. د- كان ابن ماجد يعرِفُ حَقَّ المعرفة نوايا البرتغاليين وما يضمرونه من شَرٍّ للمسلمين. ه- لا يوجد مؤرِّخٌ برتغالي ممَّن عاصروا دي غاما وعُنُوا بتاريخ رحلاته أو ممَّن جاؤوا على آثارهم ذكروا أحمد بن ماجد. و- عاصر وصول البرتغاليين إلى المحيط الهندي عددٌ من المؤرخين العرب، ومنهم من عاصر ابن ماجد، ولم يذكُرْ أيٌّ منهم صلةَ ابن ماجد بالبرتغاليين.
قام الأمير قوصروه نائب دمشق بالانشقاق والخروج عن طاعة السلطان الأشرف جانبلاط وأعلن نفسه سلطانًا فيها، لكن السلطان جانبلاط قام بتجهيز جيش بقيادة طومان باي ومعه الأمير قانصوه الغوري فسارا إلى الشام، ولما وصل طومان باي اتفق مع الأمير قوصروه على الخروج عن طاعة الأشرف جانبلاط، واتفقا على الغدر بالسلطان جانبلاط واتَّفقا على أن يسيرا معًا إلى مصر لقتال السلطان جانبلاط، فزحفا معًا وأعلنا خلع السلطان جانبلاط وتعيين السلطان طومان باي وتلقُّبه بالعادل, فقُبِضَ على جانبلاط وأُرسل بالحديد إلى سجن الإسكندرية، ثم أُمر بخنقه في سجنه, فقُتِل بعد أن كانت مدة سلطنته ستة أشهر وعدة أيام، ويذكر أن أصل طومان باي من الشراكسة اشتراه الأمير يشبك وأهداه للملك الأشرف قايتباي الذي استخدمه ورقَّاه وأعتقه. عين الملك العادل طومان باي الأمير قوصروه أتابكًا للعسكر، ولم يدم الأمر كثيرًا حتى غدر طومان باي بقوصروه وأمر بقتله هو أيضًا، فنفر الجند منه وبدؤوا بالتآمر عليه.
حصل بمدينة زَبيد مرض عظيم ومات بسببه خلائق لا يُحصَون، وكثر الوباء واستمر الدعاء لذلك في الصلاة والخطب، ودام ذلك إلى شهر ذي القعدة، واشتد في آخر شعبان ورمضان فبلغ الموتى بزَبيد في كل يوم فوق ستين نفسًا، وكان غالبه في النساء والأطفال، وانتقل إلى بوادي زبيد وحيس وموزع وغيرها.
هو السلطان العادل طومان باي بعد أن تسلطن العادل طومان باي قام بعزل أنصار الأشرف جانبلاط وولَّى أنصاره هو، وقتل بعض الأمراء وقبض على آخرين وسجنهم، فأثار هذا حفيظة بعض الأمراء عليه، حتى الذين كانوا نصروه بالأمس على جانبلاط، فاتَّفَق الأمراء بقيادة قانصوه الغوري وقاموا بخلعِه فهرب العادل طومان باي، ولكنه قُبِض عليه ثم قُتِلَ بعد أن كانت مدة سلطنته ثلاثة أشهر وعشرة أيام، وكان قانصوه الغوري أولًا قد هاب السلطنة، لكن اتَّفق الأمراء على سلطنته، فبويع بحضور الخليفة المستمسك بالله والقضاة الأربعة، وتلقب بالملك الأشرف قانصوه بن عبد الله الأشرفي الغوري.
بعث ملك البرتغال منويل من دار ملكه أشبونة قوةً بحرية للاستيلاء على بعض ثغور المغرب، فألجأهم هيجان البحر وموجه إلى ساحل البريجة فيما بين آزمور وتيط، وكانت البريجة بناء متخذًا هنالك للحراسة ونحوها، وكان يسمى برج الشيخ، فنزلت طائفةٌ منهم إلى البر فتطوفوا بالبريجة وما حولها، وأعجبهم المكان فعزموا على المقام به وشرعوا في إدارة السور على قطعة من الأرض، فنذر بهم أهل تلك البلاد من المسلمين وتسابقوا إليهم على الصعب والذَّلول، ففر النصارى إلى البريجة وتحصنوا بها، وأفسد المسلمون كل ما كانوا عملوه في تلك الأيام وأحجروهم بحصنهم، ووضعوا عليهم الرَّصَد إلى أن فتَرَ عزمهم وأيِسوا من نجاح سعيهم، فعاد جُلُّهم أو كلهم إلى أشبونة. وقد خططوا للعودة إلى هذا الموضع لاحقًا.
قامت الدولة الصفوية الشيعية في تبريز من بلاد فارس بزعامة إسماعيل الأول بن حيدر بن إبراهيم بن جنيد الصفوي، كان جده إبراهيم شيخ الطريقة الصفوية فنُسب إليها، ويذكر أن مؤسس الطريقة أصلًا هو الشيخ صفي الدين إسحاق، وكان حسن الطويل التتاري زعيم القبيل الأبيض جده لأمه, فلما توفي الطويل سنة 883, شاعت الفوضى في بلاد فارس حتى استطاع إسماعيل الصفوي الاستيلاء عليها بعد معركة مشهورة جرت سنة 907, فاستطاع أن يقضي على الدول الصغيرة التي أنشأها تيمورلنك وأحفاده، وبعد هذا بدأ بتأسيس الدولة الصفوية في تبريز التي كانت عاصمة القبيل الأبيض بزعامة آخر ملوكها مراد بن يعقوب بن أوزن حسن الطويل، فجعلها عاصمةً له بعد أن احتَلَّها وضم إيران وأذربيجان والأناضول الشرقية، وجعل المذهب الجعفري مذهبًا للدولة الصفوية وتلقَّب بالشاه، قال قطب الدين الحنفي في الأعلام: "إنه قتل زيادة على ألف ألف نفس، قال بحيث لا يُعهد في الجاهلية ولا في الإسلام ولا في الأمم السابقة من قبلُ في قتل النفوس ما قتله شاه إسماعيل، وقتل عدة من أعاظم العلماء، بحيث لم يبق من أهل العلم أحد من بلاد العجم، وأحرق جميع كتبهم ومصاحفهم، وكان شديد الرفض بخلاف آبائه، وافتتح ممالك العجم جميعها، وكان يقتل من ظفر به وما نهبه من الأموال قسَّمه بين أصحابه ولا يأخذ منه شيئًا، ومن جملة ما ملك: تبريز وأذربيجان، وبغداد وعراق العجم وعراق العرب، وخراسان، وكاد أن يدعي الربوبية! وكان يسجد له عسكرُه ويأتمرون بأمره".
بعد أن أعلن إسماعيل الصفوي قيامَ الدولة الصفويَّة وعاصمتها تبريز، كان أول عملٍ قام به هو إعلانَ أنَّ مذهبَ دولته هو مذهب الإماميَّة الاثني عشرية، وأنه سيعمِّمُه في جميع بلاد إيران، وعندما نُصِحَ أنَّ مذهب أهل إيران هو مذهب الشافعي لم يستجبْ لنصحِهم وهدَّد من لم يستجب لأمره بالتشيعِ، فإنَّ مصيره القتل, فأمر الخطباء في المساجد بسبِّ الخلفاء الراشدين الثلاثة، مع المبالغةِ في تقديسِ الأئمة الاثني عشر, ثم صَكَّ عملة للبلاد كتب عليها: "لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي ولي الله"، ثم كتب اسمه, وقد عانى أهلُ السنة في إيران معاناةً هائلة وأُجبروا على اعتناق المذهب الإمامي بعد أن قتَلَ الشاه إسماعيل في بضع سنين زيادةً على ألف ألف نفسٍ بحيث لا يُعهَد في الجاهلية ولا في الإسلام ولا في الأُمم السابقة من قَبلُ في قتل النفوسِ ما قتله شاه إسماعيل! وقتل عِدَّةً من أعاظم العلماء بحيث لم يبقَ من أهل العلم أحدٌ في بلاد العجم، وأحرق جميعَ كتبهم ومصاحفهم، وكان شديد الرفض بخلاف آبائه، ولم يكتفِ الشاه إسماعيل بنشر المذهب الشيعي في إيران، بل حرص على نشره خارج إيران، فوصلت دعوته للتشيع إلى الأقاليم التابعة للدولة العثمانية، فكان من الطبيعي أن يتصدى لتلك الدعوة السلطانُ سليم الأول سلطان الدولة العثمانية السُّنِّية.
أصدرت الملكة إيزابيلا مرسومًا يقضي بتخيير المسلمين في الأندلس بين أن يتنصَّروا أو يرحلوا عن الأندلس، فرحل ما يقارب الثلاثمائة ألف مسلم من الأندلس من غرناطة إلى المغرب العربي، ومنها انتشروا في أفريقيا وبعضهم إلى الشام، بعد أن أمرت الملكة إيزابيلا بتحويل مساجدهم إلى كنائس.
قام في ينبع الأمير دراج- جد الأشراف ذوي هجار القاطنين بينبع النخل- بدور نبيل في حفظ مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم من عبث أميرِها حسن بن الزبير الذي تهجم على مخزون الحجرة الشريفة، ودخل المدينة في ربيع الأول سنة 901 وسيطر على الأوضاع بالمدينة، واطمأن الناس بوصوله إليها. إلا أن هذا الأمير دراج توفي سنة 902، وتنازع أبناؤه على إمرة ينبع، فبرز منافس قوي من الأشراف لأبناء دراج على الإمارة فتح بابًا لصراع سياسي وعسكري فترة من الزمن، هو يحيى بن سبع، وبالرغم من توليه الإمارة في جمادى الآخرة سنة 903 إلا أن ذلك لم يصدر من السلطان المملوكي إنما من أمير مكة، فحمل هذا الأمير الينبعي على المماليك، ودخل معهم في صراع مسلح مستعينًا بقبائل ينبع وما جاورها في قطع طريق قوافل أمراء حج المماليك. ودخل في حلبة هذا الصراع سنة 908 أمير مكي خارج على إخوته هو أحمد بن محمد بن بركات المعروف بالجازاني، وعاشت الحجاز فترة من الصراع الحامي حتى هُزِم ابن سبع سنة 912, وتواصلت الصراعات في مكة وما حولها بسبب الجازاني وابن سبع في هذا العام وما بعده، ونالت جُدَّة منها نصيبًا، فما إن يخرج أمير من مكة حتى يهاجم جُدَّة ليسيطر على تجارتها ويجبي مكوسها ويموِّل عسكره ورجاله استمرارًا للصراع المسلح, وقُتل الجازاني سنة 909 في شهر رجب وهو يطوف بالبيت العتيقِ.
احترق من مدينة عدن جانبٌ عظيم، من نصف الليل إلى قرب الفجر، وتلفت فيه بيوت كثيرة من بيوت التجار، وجانبٌ من السوق الكبير، وجانب من حافة اليهود، وحافة الحبوش بأسرها وأحدقت النار بالمدرسة السفيانية، وتلفت فيها أموال جليلة. ويقال: إنه بلغ عدد البيوت المحترقة تسعمائة بيت, وذهب في هذا الحريق من الأموال والأنفس ما لا يعلمه إلَّا الله تعالى.
هو الشيخ الإمام العلامة المحدِّث المسنِد جمال الدين يوسف بن حسن بن أحمد الصالحي المعروف بابن المبرد، ويعرف أيضًا بابن عبد الهادي الدمشقي الصالحي الحنبلي المتقِن المتفنِّن، من فقهاء الحنابلة ومن أهل دمشق، ولد سنة 840 بالصالحية في دمشق، له مشاركة في عدة علوم، وله تصانيف كثيرة نحو الأربعمائة أكثرها بخطه، منها: مغني ذوي الأفهام في فقه الحنابلة, والإغراب في أحكام الكلاب, والجوهر المنضد في طبقات متأخري أصحاب أحمد, والشجرة النبوية في نسب خير البرية صلى الله عليه وسلم, والقواعد الكلية والضوابط الفقهية, وسير الحاث إلى علم الطلاق الثلاث, وغيرها من المصنفات.
عقدت الدولة العثمانية صلحًا مع كلٍّ من المجر، وفرنسا، وإنجلترا، وإسبانيا، والبرتغال، وبولونيا، ونابولي، ورودس، وأوجد هذا الصلح هدوءًا على الجبهة العثمانية الأوربية، استمر 20 عامًا، وقد خاضت خلالها الدولة العثمانية حروبًا ضارية في الشرق الإسلامي.
أخذ الإسبان والبرتغال يجتاحون أطراف العالم الإسلامي ويؤسِّسون مراكزَ عسكرية ومخافرَ أمامية في بلاد المغرب شمال إفريقيا والخليج العربي؛ للضغط على سلطنة المماليك سياسيًّا وإرباكها في حماية الثغور وخطوط التجارة التقليدية في البحر المتوسط. فنجحت إسبانيا من جانبها في احتلال ميناء المرسى الكبير في الجزائر سنة 910 (1505م) ثم وهران سنة 913 (1508م) ثم بجاية سنة 1510م. ونجحت البرتغال من جانبها في الاستيلاء على جزيرة سوقطرة سنة 911 (1506م) ثم مضيق هرمز سنة 907 (1509م) والبدء في التخطيط للتسلل إلى موانئ الخليج.
هي الملكة إيزابيلا بنت خوان الثاني ملكة قشتالة، الكاثوليكية المتعصِّبة، قبلت الزواج بالشاب فرديناند ملك أراغوان الذي كان يصغرُها بسنة، وكان عمرها حين تزوجها تسع عشرة سنة؛ وذلك من أجل اتحاد المملكتين ضد المسلمين وطردهم من الأندلس، وقد اشتهرت في التاريخ بتعاونها مع زوجها فرديناند في القضاء على مملكة غرناطة سنة 897 آخر دولة للمسلمين في الأندلس, حيث تسلَّماها من أبي عبد الله الصغير محمد بن علي آخر حكام بني نصر بن الأحمر، ثم عملا على اضطهاد المسلمين وإجبارهم على ترك دينهم والتنصر، وأسسا محاكم التفتيش لهذا الغرض, كما تم إجلاء مئات الألوف من المسلمين إلى شمال أفريقيا في عهديهما!
لما أُخمدت ثورات المسلمين في الأندلس بالقوة وألغي الإسلام رسميًّا في مملكة غرناطة، تعرض المسلمون لحملة شرسة لتنصيرهم بالقوة, وكان الأندلسيون على صلة وثيقة بإخوانهم في المغرب، الذين كانوا يقفون معهم في محنتهم يحاولون تثبيتهم على دينهم، ومن ذلك فتوى مفتي وهران: أحمد بن بوجمعة المغراوي، وهو أندلسي من بلدة المغرو بمقاطعة قلعة رباح، حيث أرسل لهم فتوى في غرة رجب سنة 910 (18/ 11 / 1504 م) هذا نصها: " الحمد لله والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا، إخواننا القابضين على دينهم كالقابض على الجمر، من أجزل الله ثوابَهم فيما لقُوا في ذاته، وصبروا النفوسَ والأولاد في مرضاته، الغرباء القرباء إن شاء الله، من مجاورة نبيه في الفردوس الأعلى من جناته، وارثو سبيل السلف الصالح في تحمل المشاق، وإن بلغت النفوس إلى التراقِ. نسأل الله أن يلطف بنا، وأن يعيننا وإياكم على مراعاة حقه بحسن إيمان وصدق، وأن يجعل لنا ولكم من الأمور فرجًا ومن كل ضيق مخرجًا. بعد السلام عليكم من كتابه إليكم، من عُبيد الله أصغر عبيده، وأحوجِهم إلى عفوه ومزيده، عبيد الله أحمد بن بوجمعة المغراوي ثم الوهراني، كان الله للجميع بلطفه وستره، سائلًا من إخلاصكم وغربتكم حسن الدعاء بحسن الخاتمة والنجاة من أهوال هذه الدار، والحشر مع الذين أنعم الله عليهم من الأبرار، مؤكِّدًا عليكم في ملازمة دين الإسلام، آمرين به من بلغ من أولادكم إن لم تخافوا دخول شرٍّ عليكم من إعلام عدوكم بطويَّتكم. فطوبى للغرباء الذين يَصلحون إذا فسد الناس، وإنَّ ذاكِرَ الله بين الغافلين كالحيِّ بين الموتى. فاعلموا أن الأصنام خشب منجور، وحجر جلمود لا يضر ولا ينفع، وأن المُلكَ مُلك الله، ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله. فاعبدوه، واصطبروا لعبادته. فالصلاةَ ولو بالإيماء، والزكاةَ ولو كأنها هديةٌ لفقيركم أو رياء؛ لأن الله لا ينظر إلى صوركم ولكن إلى قلوبكم. والغُسلَ من الجنابة ولو عومًا في البحور. وإن مُنِعتم فالصلاةَ قضاءً بالليل لحقِّ النهار، وتسقط في الحُكم طهارةُ الماء، وعليكم بالتيمم ولو مسحًا بالأيدي للحيطانِ، فإن لم يمكن فالمشهورُ سقوط الصلاة وقضاؤها لعدم الماء والصعيد، إلَّا أن يمكنكم الإشارة إليه بالأيدي والوجه إلى تراب طاهر أو حجر أو شجر مما يتيمَّم به، فاقصدوا بالإيماء، نقله ابن ناجي في شرح الرسالة لقوله عليه السلام: "فآتوا منه ما استطعتم" وإن أكرهوكم في وقت صلاة إلى السجود للأصنام، أو حضور صلاتهم، فأحرِموا بالنيَّة وانووا صلاتَكم المشروعة، وأشيروا لِما يشيرون إليه من صنمٍ ومقصودكم الله. وإن كان لغير القبلة تسقط في حقِّكم كصلاة الخوف عند الالتحام. وإن أجبروكم على شرب الخمر، فاشربوه لا بنيَّة استعماله. وإن كلَّفوا عليكم خنزيرًا، فكلوه ناكرين إيَّاه بقلوبكم ومعتقدينَ تحريمَه. وكذا إن أكرهوكم على محرَّم. وإن زوَّجوكم بناتِهم فجائز لكونهم أهل الكتاب. وإن أكرهوكم على إنكاحِ بناتكم منهم، فاعتَقِدوا تحريمه لولا الإكراهُ، وأنكم ناكرون لذلك بقلوبكم، ولو وجدتم قوة لغيرتموه. وكذا إن أكرهوكم على رِبًا أو حرام، فافعلوا منكِرينَ بقلوبكم، ثم ليس عليكم إلا رؤوس أموالكم، وتتصدَّقون بالباقي إن تبتم لله تعالى، وإن أكرهوكم على كلمة الكفر، فإن أمكنكم التورية والإلغاز فافعلوا. وإلا فكونوا مطمئني القلوب بالإيمان إن نطقتم بها ناكرين لذلك. وإن قالوا اشتموا محمدًا، فإنهم يقولون له مَمَّد، فاشتموا ممَّدًا، ناوين أنه الشيطان، أو ممَّد اليهود فكثير بهم اسمه. وإن قالوا عيسى ابن الله، فقولوها إن أكرهوكم، وانووا إسقاط مضاف أي عبد الله مريم معبود بحق. وإن قالوا قولوا المسيح ابن الله فقولوها إكراهًا، وانووا بالإضافة للمِلْك، كبَيتِ الله لا يلزم أن يسكُنَه أو يحُلَّ به. فإن قالوا قولوا مريم زوجة له فانووا بالضمير ابن عمها الذي تزوجها في بني إسرائيل ثم فارقها قبل البناء، قاله السهيلي في تفسير المبهم من الرجال في القرآن، أو زوَّجها الله منه بقضائه وقدره. وإن قالوا عيسى توفي بالصلب، فانووا من التوفية والكمال والتشريفِ من هذه، وأمانته وصلبه وإنشاء ذِكرِه، وإظهار الثناء عليه بين الناس، وأنه استوفاه الله برفعه إلى العلو وما يعسر عليكم فابعثوا فيه إلينا نرشدكم إن شاء الله على حسب ما تكتبونَ به. وأنا أسأل الله أن يبدل الكَرَّةَ للإسلام؛ حتى تعبدوا الله ظاهرًا بحولِ الله من غير محنة ولا وَجلةٍ، بل بصدمةِ الترك الكرامِ. ونحن نشهد لكم بين يدي الله أنكم صدقتم الله ورَضِيتم به. ولا بد من جوابكم. والسلام عليكم جميعًا. بتاريخ غرة رجب سنة 910، عرف الله خيره. يصل إلى الغرباء إن شاء الله تعالى" قال الأستاذ محمد عنان: "عثرت على هذه الوثيقة خلال بحوثي في مكتبة الفاتيكان الرسولية برومة. وهى تقع ضمن مجموعة خطية من المخطوطات البورجوانية (Borgiani), وقد ورد وصف هذا المخطوط في فهرس مكتبة الفاتيكان (فهرس دللافيدا) بأنه المقدمة القرطبية. وفي صفحة عنوانه بأنه كتاب نزهة المستمعين. وتشغل هذه الوثيقة في المخطوط المشار إليه أربع صفحات (136 - 139) ومن جهة أخرى فقد عثرت بنص هذه الوثيقة مثبتًا في إحدى مخطوطات الألخميادو المحفوظة بمكتبة أكاديمية التاريخ بمدريد (مجموعة سافدرا)"
حدثت وقعةٌ مشهورة بين السلطانِ عامر بن عبد الوهاب والأمير محمد بن الحسين البهَّال صاحب صعدة على باب صنعا، وانهزم فيها البهال وعساكره هزيمةً عظيمة ما سُمِع بمثلها قط، وأُسِرَ فيها إمام الزيدية محمد بن علي الوشلي إمام أهل البدعة ورئيسهم، وقُتل منهم جمعٌ لا يحصى، ونهبهم الناسُ، وكانوا يأتون بهم وبخيلِهم واحدًا واثنين وأخذ السلطان عامر مدينة صنعا.
هو السلطان أبو عبد الله محمد الشيخ بن أبي زكريا يحيى بن زيان الوطاسي، المعروف بمحمد الشيخ الوطاسي سلطان المغرب, وبنو وطاس فرقة من بني مرين غير أنهم ليسوا من بني عبد الحق، وكان بنو الوزير من بني وطاس يتطلَّعون إلى الرياسة ويسعَون في الخروج على بني عبد الحق، وقد تكرر ذلك منهم ثم أذعنوا إلى الطاعة، وراضوا أنفسهم على الخدمة فاستعملهم بنو عبد الحق في وجوه الولايات والأعمال واستظهروا بهم على أمور دولتهم فحسن أثرُهم لديها وتعدد الوزراء منهم, فلمَّا ولي والد محمد الشيخ أبي زكريا يحيى بن زيان الوزارة للسلطان عبد الحق، ثم تولى بعده ابنه يحيى فقتله السلطان عبد الحق لما رأى منافسته له في الحكم، فر أخوه أبو عبد الله محمد الشيخ إلى الصحراء وبقي متنقلًا في البلاد. كان أبو عبد الله شجاعًا مِقدامًا, فجمع حوله وهو في الصحراء الأتباع ودخل بهم أصيلا وتمكَّن من حكمها, فلما أحس من نفسه القدرة في الاستيلاء على كرسي فاس جمع جنده وزحف بهم على فاس، فتمكن من دخولها وتنحية الشريف الإدريسي وأخذ البيعة لنفسِه, ثم تفرغ لتدويخ القبائلِ التي بأحواز فاس وغيرها فدخلوا في طاعته واغتبطوا به, وكان له دور عظيم في جهاد الفرنج في المغرب وسواحلها، وبعد وفاة محمد الشيخ تولى بعده ابنه محمد المعروف بالبرتغالي. وهذا السلطان أبو عبد الله محمد الشيخ الوطاسي يختلف عن السلطان أبي عبد الله محمد الشيخ المهدي السعدي المتوفي سنة 964 (1557م) ومؤسس الدولة السعدية بالمغرب، وهو الذي قضى على دولة الوطاسي.
كان البرتغال قد تشوَّفوا للاستيلاء على أَسَفي (بلدة على شاطئ البحر المحيط بأقصى المغرب) وكان أهلها فيهم شجاعة أكثر من غيرهم من أهل الثغور، فزحف إليها البرتغال وجرى بينهم وبين أهلها قتال شديد هلك فيه عدد كبير من البرتغال، وعظُم عليهم أن تمتَنِعَ منهم بلدة صغيرة ليس لها حامية سوى أهلها، ثم طاولوها بالحصار حتى قل القوت عند أهل أسفي وأشرفوا على الهلاك، فحينئذ شارطوا البرتغال وأسلموها إليهم على الأمان فاستولوا عليها وحصنوها غاية التحصين؛ لتوقُّعهم كرَّة المسلمين عليهم، فكان الأمر كذلك، حيث رجعت للمسلمين بعد أربعين سنة!