بعد الانتصارات البحرية التي حققها العثمانيون خرج السلطان مصطفى الثاني بنفسه في هذا العام, لمحاربة النمساويين، فاستولى على قلعة ليبا وانتصر في وقعة لوغوس وقُتل الجنرال فيتراني قائد جيوش النمسا في هذه الموقعة، ثم عاد السلطان إلى الآستانة (إسطنبول حاليا). ولكن النمساويين أعادوا الكرة في السنة التالية فحاصروا قلعة طمشوار، فتقدم إليهم السلطان العثماني بجنوده وردهم عن القلعة بعد أن دحرهم دحورًا فاحشًا، ثم عاد السلطان إلى أدرنة.
حاصر بطرس الأكبر القيصر الروسي مدينة آزوف التي كانت أصلًا قد استردها العثمانيون وأخضعوها للدولة العثمانية أيام ثورة القوزاق عليهم، ثم أُجبر القيصر الروسي على فك الحصار عام 1107هـ بعد أن قاومهم خان القرم والعثمانيون الذين هناك، فردوهم بعد أن قتلوا منهم نحوًا من ثلاثين ألف جندي، فلما انشغل العثمانيون بالحرب مع المجر استغل الروس هذا الانشغال، فعادوا إلى آزوف ودخلوها هذا العام.
حاصر الجيش الروسي المكون من مائة ألف جندي قلعة أزاك العثمانية القريبة من البحر الأسود لمدة ثلاثة وستين يومًا حتى استسلمت القلعة, ولم يتمكن العثمانيون من استرجاعها إلا بعد خمسة عشرة عامًا، ثم استرجعها الروس فجأة عام 1148هـ مما تسبب في إعلان الحرب على روسيا.
بعد أن استطاعت الجيوش العثمانية أن تفكَّ الحصار الروسي عن آزوف سارت إلى المجر، ولكن لم تستطع هزيمة الجيش النمساوي بقيادة أوجين دي سافوا على نهر تيس، فقُتل يومها الصدر الأعظم محمد باشا وغرق أعدادٌ من العثمانيين في النهر، ولاحقهم القائد النمساوي حتى دخل بلاد البوسنة، ثم تولى الصدارة العظمى حسين كوبريلي، فسار نحو النمسا فتقهقرت أمامه جيوشُها ودفعهم إلى ما بعد نهر السافا.
تعتبر معاهدة كارلوفتس (كارلوفجة) إحدى أقسى المعاهدات في تاريخ الدولة العثمانية، واعتبرت بداية انحسار المد الإسلامي في أوربا، وبداية مرحلة التفكك في الدولة العثمانية، وكان من الأسباب التي أدت إلى كارلوفتس ضعف الوازع الديني عند المسلمين وبرود همَّتهم الجهادية، واستمرار ثورات الانكشارية وتقاعسهم عن أداء واجبهم، وتعاقب الحملات الصليبية واشتدادها، واتحاد القوى الأوروبية على دولة الخلافة الوحيدة، فكانت الحروب تشتعل على ثلاث أو أربع جبهات في نفس الوقت. إضافة إلى ذلك انتشار الفساد بين قيادات الدولة، ووجود قيادات عديمة الكفاءة كلُّ همها السرقة والنهب؛ فقد تم توقيع معاهدة كارلوفتس جنوب غرب زغرب على نهر الدانوب بين الدولة العثمانية وبين كل من النمسا والبندقية وروسيا وبولونيا بجهود فرنسا، فقدت الدولة العثمانية بموجبها مدينة آزوف لروسيا، وبلاد أوكرانيا وكرواتيا وإقليم بودوليا وبعض المدن لبولونيا، مثل قلنج وساحل دالماسيا، وبعض الجزر للبندقية، مثل جزيرة مورة على البحر الإدرياتيكي، وبلاد المجر وإقليم ترانسلفانيا للنمسا، وهذا مؤشر سيئ في تاريخ بعض حكام الدولة العثمانية، وهو انسحابهم في المعارك تاركين المسلمين بين يدي عدو نُزِعت من قلبه الشفقة والرحمة! وأصبحت كل الدول التي كانت تدفع الجزية عن يدٍ وهي صاغرةٌ ممتنعةً من دفعها، بل أصبحت هذه الدول تقف في وجه العثمانيين، بعد أن اتفقت فيما بينها للوقوف في وجه المد العثماني، والعمل على تقسيمها؛ وذلك خوفًا من انتشار المد الإسلامي في أوربا, وكان تنازل العثمانيين عن أراضيها بداية الانسحاب العثماني من أوربا، كما أنه يسجل الانتقال إلى عصر التفكك والاضمحلال السريع!!
كان فيض الله أفندي معلم السلطان قبل جلوسه على كرسي السلطنة، وكان السلطان ولَّاه مسند المشيخة الإسلامية وصار يستشيره في كل الأمور، فأغاظ ذلك الصدر الأعظم حسين باشا كوبريلي لتدخُّل شيخ الإسلام في الأحوال السياسية التي ليست من متعلقات وظيفته أصلًا، وكان القبودان ميزه مورتو حسين باشا مدة حياته يجتهد في التأليف بينه وبين الصدر ويزيل النفور من قلوبهما، إلا أنه بعد وفاة القبودان استبدَّ الشيخ فيض الله أفندي في آرائه وأظهر العظمة، فلم يتحمل الصدر ذلك وقدم استعفاءه من الصدارة سنة 1114هـ, ثم أقام حسين باشا كوبريلي في ضيعة له منفردًا حتى مات بعد سبعة عشر يومًا ونُقلت جثته إلى إستانبول، ودفن في مدرسته المشهورة. وبعد أن استقال الصدر حسين باشا كوبريلي وجه السلطان الصدارة إلى دال طبان مصطفى باشا الذي التزم السير على الخطة التي يرسمها له شيخ الإسلام أفندي، ولما كان هذا الصدر يميل للحرب والقتال في الوقت الذي كانت فيه الدولة في أشد الاحتياج للمسالمة والراحة بعد الحروب الطويلة لتلتفت لإصلاح أحوالها الداخلية اختلت بذلك أحوال السياسة، وارتبكت العلاقات الخارجية حتى خيف على روابط السلم أن تنقطع, فلما تحقق للسلطان وبقية الوزراء أن الصدر دال طبان بخطته هذه سيوقع الدولة فيما تخافه من الحروب, وبعد أن وقع اضطراب وشغب بين صفوف الجنود، تم عزل الصدر دال طبان مصطفى باشا ثم قُتل، وعُين للصدارة رامي محمد باشا، وكان عالِمًا بالأمور الإدارية والأحوال السياسية، وقد تمكن بمساعدة محاميه شيخ الإسلام من تحسين الأحوال وإصلاحها، إلا أن شيخ الإسلام كان يميل إلى التغلب والتحكم في كافة الأمور، والصدر يريد مراعاة حقوق مقام الصدارة العظمى، أخذ يفكر في منع تسلط الشيخ الذي لما أحس بذلك أشعل نار الفتنة حتى استفحل أمر الهياج بين الجنود، وكان السلطان في ذلك الوقت بأدرنة -مدينة في إقليم تراقيا شمال غرب تركيا- لتولعه بالقنص كأبيه، ثم انتهت الفتنة بقتل شيخ الإسلام فيض الله أفندي.
هو القائد البحري العثماني الشهير ميزو مورتا حسين باشا حاكم جزائري عثماني، كان أحد قادة رياس البحر الكبار عندما تفاوض الداي بابا حسن- حاكم جزائري- مع الفرنسيين على أن يدفع لهم جزية كبيرة وإطلاق جميع الأسرى الفرنسيين في الجزائر لم يُعجِب طائفة رياس البحر، فقتلوا الداي بابا حسن, وعينوا حسين ميزو مورتو دايا مكانه، وبعد توليه الحكم أرسل خطابًا شديد اللهجة إلى قائد الحملة الفرنسية دوكين ينذره إلا أن دوكين كان مغترًّا بقوته فرفض الاستماع لتهديد الداي الجديد لكنه بعد ذلك خضع له وانسحب من الجزائر, ويعدُّ هذا الرجل من أهم قادة البحر الذين أنجبتهم الدولة العثمانية، وحقق انتصارات كبيرة في 8 معارك بحرية، وقد أدخل إصلاحات أساسية في القوات البحرية التركية. وقيل إن ميزو مورتا حسين توفي غرقًا أثناء نومه في سفينة القيادة.
سانت بطرسبرغ مدينة روسية تقع في شمال غرب روسيا في دلتا نهر نيفا، وتعتبر أحد أكبر مراكز أوربا الثقافية. عندما احتلت روسيا مصبَّ نهر نيفا وضع القيصر بطرس الأول أساسَ مدينة سانت بطرسبرج كنافذة مطلة على أوربا، ببناء قلعة ضخمة على نهر نيفا، ثم اتسعت رغم وعورة المنطقة وكثرة المستنقعات، وسرعان ما تحولت إلى ميناء عسكري تجاري كبير، وفتحت آفاق اتصال واسع مع الحضارة الأوروبية, كانت عاصمة الإمبراطورية الروسية نحو قرنين من الزمن، وقد تحول اسمها فيما بعد إلى مدينة ليننغراد، ثم عادت إلى اسمها الأول بعد انهيار الاتحاد السوفيتي تخليدًا لمؤسسها القيصر بطرس الأول.
ظهر أحمد بن سليمان باي بن رمضان باي بن مراد الأول قائمًا في البلاد فجمع أهل الفساد، فجهَّز له إبراهيم الشريف آغة الصبايحية، وخرج له في الرابع من محرم هذه السنة وقصده نحو السوس، فالتقى عسكر من عساكر إبراهيم الشريف بأحمد بن سليمان، فوقعت الهزيمة على جيش إبراهيم الشريف، فرحل أحمد بن سليمان نحو إفريقية بقرب جندوبة، وتبعه إبراهيم الشريف، والتقيا في الحادي عشر من محرم، فانهزم أحمد بن سليمان وتشتت جمعه، وكان ينيف على ثلاثين ألفًا، ولم يكن مع إبراهيم الشريف إلا نحو ثمانية آلاف، فقصَّ آذان القتلى وبعث بها إلى تونس، فكانت أزيد من ثلاثمائة زوج، ثم دخل جبال خمير وعمدون بنفسه، وقطع قطعة من محلته وأمر عليها حسن آغة الصبايحية، وبعث بها نحو القيروان حرسًا من العدو، فبلغ ذلك أحمد بن سليمان فقصدهم فجأة وصدمهم برئيس قومه جلال بن المسعي، فانتبه له حسن آغة ونصب لهم كمينًا، فلما وردوا ماء المنايا ضربوا جلالًا فسقط عن فرسه فقُطع رأسه وبُعث به إلى تونس، فاستراح الناسُ من بغيه.
بعد أن استقال الصدر الأعظم حسين كوبريلي عام 1114هـ ثار الانكشارية على خلفه فاستُبدل برامي محمد باشا الذي سار على خطى كوبريلي في الإصلاح وإبطال المنكر ومحاربة الرشوة والتضييق على المفسدين، فثاروا عليه أيضًا وطلبوا من الخليفة أن يعزله فرفض. وكان الغضب واسعًا من السلطان وشيخ الإسلام فيض الله أفندي الذي كان يستأثر أقاربه بالمناصب العلمية والقضائية, فثاروا عليه أيضًا وطلبوا بخلع شيخ الإسلام، لكن الخليفة لم يفعل فقاموا بالتآمر ضد الخليفة مصطفى الثاني بن محمد الرابع، فخلعوه في هذا العام بعد أن قضى ثماني سنوات وثمانية أشهر، ثم توفي بعد خلعه بأربعة أشهر، ثم قام الانكشاريون بتولية أخيه أحمد الثالث, وقيل إن السلطان مصطفى لما بلغه أنهم يريدون خلعه دخل على أخيه أحمد خان وأعلمه بالأمر وتنازل له عن كرسي السلطنة في 9 ربيع الأوَّل من هذا العام.
هو السلطان العثماني مصطفى الثاني ابن السلطان محمد الرابع بن إبراهيم الأول بن أحمد الأول بن محمد الثالث بن مراد الثالث بن سليم الثاني بن سليمان القانوني بن سليم الأول بن بايزيد الثاني بن محمد الفاتح بن مراد الثاني بن محمد الأول جلبي بن بايزيد الأول بن مراد الأول بن أورخان. وُلِدَ عام 1074هـ وتولى الخلافة عام 1106هـ/1694م وفي عهده بدأ تراجع المد الإسلامي عن ديار أوروبا الشرقية؛ بسبب ضعف روحِ الجهاد، وتسرُّب أسباب الهزيمة في كيان الأمة، وقسوة الهجمات الصليبية على الدولة العثمانية، وفي عهده تم توقيع معاهدة كار لوفتس مع روسيا وطبقًا لهذه المعاهدة انسحب العثمانيون من بلاد المجر، وإقليم ترانسلفانيا، وأصبحت كلُّ الدول التي كانت تدفع الجزية ممتنعةً من دفعها وتقِفُ في وجه المد العثمانيين. وبدأت الدولة العثمانية في الانتقال الى عصر التفكُّك والاضمحلال السريع, وعلى إثر تدخل الانكشارية صاروا يطالبون بعزل الصدورِ كما يحلو لهم، ثم قرَّروا عزل السلطان نفسه ونصبوا أخاه أحمد الثالث, ثم توفي السلطان مصطفى بعد عزله بأربعة أشهر، وكان عند وفاته في التاسعة والثلاثين من عُمره.