كان الفرنسيون أصحابَ الحَقِّ في حماية النصارى في بيتِ المقدِسِ، ثمَّ استطاع الروسُ الحصولَ على هذا الحَقِّ أيام نابليون بونابرت، فلمَّا رجعت الدولةُ الفرنسية وأرادت إعادةَ حَقِّها اصطدمت مع روسيا، فكانت الدَّولة العثمانية قد ألَّفت لجنةً مِن رجال الكنائِسِ على اختلافِ مذاهِبِهم فأيَّدوا فرنسا فهدَّد الروسُ بالحربِ وأرادوا إعادةَ معاهدة خونكار أسكله سي، وحاولت الاستعانةَ بإنكلترا وفرنسا اللتين رفضتا ذلك، وألغى السلطانُ عبد المجيد الأول امتيازَ الروس بحماية النصارى في الدولة العثمانية، وأعاد إلى الصدارةِ العظمى مصطفى رشيد باشا المعروف بعدائِه للروس، فقامت روسيا باحتلالِ الأفلاق والبغدان، وقامت الحرب بين الروس والعثمانيين ولكِنَّ إنكلترا وفرنسا حاولتا التوسُّطَ، ولكن لم تنفَعْ كلُّ محاولات الصلح فوقفَتَا بجانب الدولة العثمانية خوفًا على مصالحهما فعقدتا اتفاقًا لمساعدة العثمانيين ومَنْع الروس من احتلال أيِّ جزء من الأراضي العثمانية، فأوقَفوا الهجومَ الروسي في بلاد القرم عند نهر ألما، فاضطرت روسيا إلى الرجوعِ عن بعض المناطق التي احتلَّتْها لَمَّا رأت الإمداداتِ تتوالى على الدولةِ العثمانية، وعُقِدت بعدها معاهدةُ باريس.
انتقلت قيادةُ الثورة في داغستان ضِدَّ الروس إلى الشيخ الإمام شامل بن دنكاو الداغستاني، وكان قد صَحِبَ منذ صغره الشيخَ المجاهد محمد الكمراوي قائدَ الثورة الأول في رحلته العلمية، وعكف معه على العلم والعبادة، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، حتى قامت الثورةُ المباركة وكان الإمامُ شامل الذراعَ الأيمن لمحمد الكمراوي، وقائد جيوشه وشريكه في الأمور حتى ليلة استشهاده، ثم اشترك مع القائد الثاني حمزة بك علي حتى استشهاده أيضًا، فأجمع الناسُ على تولية الشيخ الإمام شامل قيادة الثورة، ومن يومها أصبح اسمُه الإمام شامل. حمل على عاتقِه إحياءَ الدين الإسلامي ونَشْر العلم، وتطبيق الشريعة، وإقامة العدل، وتطهير المجتمع من الآثار المرذولة التي خَلَّفها الاحتلال الروسي للبلاد، وجاءت خطواتُ الإمام شامل لتحقيقِ هذا الهدف بالقضاء على المنافقين؛ حيث قام بتطهير المجتمَعِ الداغستاني من العُملاء والموالين للاحتلال الروسي، ثم ضَمَّ الشيشان مع داغستان؛ حيث لم يكن هدفُ الإمام شامل تحرير داغستان فقط من الاحتلال الروسي، بل كان يهدفُ لتطهير منطقة القوقاز بأسْرِها من الروس، واستعادة الحُكم الإسلامي عليها مرةً أخرى؛ لذلك عَمِلَ الإمامُ شامل على توسيعِ قاعدة الدولة الإسلامية، فانتقل بالثورةِ إلى الشيشان، وصار قوة كبيرة يُخشى بأسُها، وأنزلت هذه القوةُ العديدَ من الهزائمِ المدوِّية على الجيش الروسي، خاصةً في معركة ويدانو سنة 1251هـ التي قُتِل فيها ستة آلاف صليبي روسي، ولقد انضمَّ للإمام شامل مجموعةٌ من العلماء العاملين المجاهدين المخلِصين، كما انضم له الكثيرُ مِن الشيشان، وانضَمَّ له من قبائل الشركس واللاز والأبخاز وغيرهم من أهل منطقة القوقاز، وبَقُوا يقاتِلون معه.
أصدر السُّلطانُ العثماني عبد المجيد الأول فرمانًا (قانونًا) عُرِفَ باسم "إصلاحات خط همايوني" حول أوضاع النصارى في الدولةِ العثمانية، وقد تعرَّض هذا الفرمان لانتقاداتٍ كبيرة داخل الدولة. وقد تضَمَّن البنودَ التالية: المساواة بين كل مواطِني الدولة العثمانية في الحقوقِ والواجبات مهما كانت أديانُهم ومذاهبُهم. عدم إجبار أي شخص على تركِ دينه. إلغاء نظام الالتزام (جباية الأموال والضرائب من عامة الشعب لإرسالها إلى السلطان العثماني) والقضاء على الرشوة والفساد. إلزام كل المواطنين في الدولة بالخدمة العسكرية. حق التعيين في مناصب الدولة المدنية والعسكرية مكفولٌ للكفاءات بدون تمييز ديني. محو كل الألفاظ التي تمَسُّ فئة من المواطنين، سواء كانت دينية أو مذهبية. إعفاء الكنائس من الضرائب والمصروفات. يُنتخب بطاركة الكنائس من كل المِلل، وتكون فترة انتخابهم حتى وفاتِهم. لا يحق لأحدٍ نَزعُ سلطة البابا إلَّا من كنيست. تشكيل مجلس مكوَّن من رجال الكنيسة (كهنة ورهبان) ورجال من خارج الكنيسة (نصارى ليسوا رهبانًا أو كهنة) لإدارة شئون المِلَّة. السلطان شخصيًا وفقط هو من له الحَقُّ في ترخيص بناءِ وترميم الكنائس والمقابر الخاصة لغير المُسلمين. الدعاوى القضائية بين النصارى والمسلمين تُعقد في دواوين (محاكم) خاصة، ويرأسها قُضاةٌ من الطرفين.
وقَّعت كلٌّ من الدولة العثمانية وإنجلترا وفرنسا والنمسا وروسيا وبروسيا وساردونيا "معاهدة باريس"؛ وذلك لإنهاء حرب القرمِ التي شاركت فيها الدُّوَل السابقة، وتعَدُّ من كبرى الحروب التي شهدها العالَمُ في تلك الفترة، وتعدُّ هذه المعاهدة من المعاهدات التي صاغت الوجهَ السياسي لأوروبا في القرنِ التاسع عشر.
سيطر الإنجليز على الهند جزءًا بعد آخر بكُلِّ الوسائل، واستولوا على أوقاف المسلمين التي كانت المصدرَ الوحيد لكتاتيب التعليمِ، فزاد الجهل، وبالوقتِ نَفسِه قاموا بتقوية مركز الهندوس وتعليمِهم؛ ليكُونوا أعوانَهم ضِدَّ المسلمين، ودخل نتيجةَ الفقر كثيرٌ مِن المسلمين في الجيش الإنجليزي ولكِنَّهم كانوا يعامَلون بالاستهزاء مِمَّا وَلَّد لديهم الكراهة الزائدة، فحدثت ثوراتٌ ضِدَّ الجيش شَمِلَت معظم أجزاء البلاد، ثم جاءت النجدات للإنجليز فدخلوا دلهي وحاصروا المدنَ ودخلوها وانتقَموا من الأهالي شَرَّ انتقام إلى أن أنهَوا الثورات عام 1274هـ فأعلنت إنجلترا انتهاءَ حُكم شركة الهند الشرقية، وعَدَّت بلاد الهند من أملاكِ التاج البريطاني يتصَرَّفُ بها كيف يشاء، وصَبَّ الإنجليز جام غضَبِهم على المسلمين؛ لأنهم هم المحَرِّكُ للثورة فصادروا الأراضيَ والأملاكَ، وهَدَموا المساجِدَ وحَوَّلوها ثكناتٍ عَسكريَّةً، وأعان الهندوسُ الإنجليزَ على أفعالهم تلك؛ ثأرًا وانتقامًا، وبَقِيَت بعض الإمارات الصغيرة بيَدِ المسلمين.
صدر إعلانُ عهد الأمان في 20 محرم من هذه السنة، في عهد محمَّد باي، ويتكوَّنُ هذا العهد من مقدِّمة وإحدى عشرة مادة، وتشير المقدمة إلى وجوب الاهتداء بأحكام الشريعة الإسلامية الغرَّاء باعتبار أنَّ الإسلامَ هو الدينَ الرسمي للدولة التونسية، وأن الباي والسكَّان مسلمون، وأن الدولة العثمانية تؤكِّدُ الأمان لرعاياها وتراه من الحقوقِ المَرعيَّة. وتضَمَّنت موادُّ هذا العهد الأمانَ التامَّ لجميع سكَّان تونس دون النظَرِ إلى دياناتهم وأجناسِهم وجنسيَّاتِهم، ومساواة الجميعِ في مسائل الضرائبِ والرسوم الجُمركية. وتقرير الحرية في مزاولة التجارة وجميع مجالات العمل وشراء العقارات والأراضي الزراعية، بشرط أن يلتزِمَ الجميعُ القوانين العامَّةَ فيما يتَّصِلُ بالعمل وتمَلُّك العقارات. ونظَّم العَهدُ مسألةَ التجنيد؛ بحيث لا يظَلُّ المجنَّدُ في الخدمة أكثَرَ مِن مدة محددة حتى يتاحَ له الفرصةُ الملائِمةُ لتدبيرِ مَعيشتِه ومعيشة أسرته. ويلاحَظُ أنَّ هذا العهدَ فيه مزجٌ بين الاتجاه الإسلامي والاتجاه الأوربي السائد في ذلك الوقتِ.
هو مصطفى رشيد باشا الكبير، الصَّدرُ الأعظم ورئيس الوزراء في الدولة العثمانية. ولِدَ باستانبول سنة 1800 م ويعدُّ رشيد باشا أحدَ كبار رؤساء الوزارة في التاريخ التركي، وأحدَ عمالقة الدبلوماسية العثمانية خاصةً في عهد التنظيمات، وكان من دعاة التغريبِ؛ ولذلك كثيرٌ من تنظيماته كانت مقتَبَسةً من النظم الغربية التي تتعارض مع الشريعةِ الإسلامية؛ ولذلك لما أصدر أوَّلَ دستور للبلاد سمَّاه (خطا شريفا) جمع بين الشريعة والقوانين الأوروبيَّةِ، أعلن العلماءُ استنكارهم وتكفيرَهم لمصطفى رشيد باشا، واعتَبَروا الخط الشريف منافيًا للقرآنِ الكريم، وقد تولَّى الوزارة ستَّ مرات في عهد السلطان عبد المجيد الأول، كصدر أعظم، كما عمل وزيرًا للخارجية أربع مرَّاتٍ، وواليًا لأدرنه، وسفيرًا في لندن ثم باريس. توفي مصطفى رشيد باشا عن عمر يناهز السابعة والخمسين عامًا.
هو الشريف محمد بن عبد المعين بن عون بن محسن بن عبد الله بن حسين بن عبد الله بن حسن ابن أبي نمي، ولِدَ بمكة سنة 1204ه،ـ ونشأ بها، ولما استولى محمد علي باشا على مكَّةَ ذهب به إلى مصر وجلس بها عنده مدَّةَ سنواتٍ، ولَمَّا قُتِل الشريف يحيى بن سرور الشريف شمبر بمكة في شعبان سنة 1243هـ تولى عبد المطلب بن غالب إمارةَ مكة وهي إمارته الأولى وبقي أميرًا حتى قَدِمَ محمد بن عبد المعين بن عون من مصر في جمادي الآخر سنة 1243هـ وتولَّى إمارة مكة حتى سنة 1253
حيث أعيد إلى مصر، ثم صدر الأمر السلطاني على محمد على باشا
بمصر بإعادةِ محمد بن عبد المعين بن عون أميرًا لمكَّة، فأعيد إليها 1256هـ وبقي أميرًا لمكة حتى سنة 1267 حيث ورد الأمرُ السلطاني بترحيلِه وجميع أبنائه إلى تركيا، وتولية الشريف عبد المطلب بن غالب، وهي المرة الثانية لولاية الشريف عبد المطلب، ثم عاد محمد بن عبد المعين ابن عون من تركيا وتولى إمارة مكة سنة 1271هـ وبقي بها أميرًا حتى توفِّيَ في ثالث شعبان من هذه السنة، وخلَّف ستة أبناء، هم: عبد الله، وعلي، وحسين، وعون، وسلطان. وتولى بعده إمارة مكة ابنُه الأكبر عبد الله.
عزَلَ الإنجليزُ السلطانَ بهادر شاه الثاني عن الحُكمِ في الهند، ونَفَوه خارج البلاد, وهو آخِرُ سلاطين الدولة الإسلامية التي حكَمَت بلاد الهند، وبعَزلِه انتهى الحكمُ الإسلامي في الهند بعد أن استمَرَّ فيها ثمانية قرون ونصف قرن. كما يعتبر بهادرُ شاه الثاني آخِرَ حكام بني تيمور في الهند، وقد استمر حُكمُ بني تيمور في الهند قرابةَ ثلاثة قرون، وباستعمار الإنجليز بلادَ الهند عانت الهند من تعسُّفِ الإنجليز وظُلْمِهم وطغيانِهم، واستنزفت الشركةُ البريطانية ثرواتِ هذه البلادِ واستعبدت أهلَها، وأسفر ذلك في النهايةِ عن ثورة وطنية ضِدَّ هذا الظلم وذلك الإجحافِ.
تولى الشيخُ صباح الثاني الحُكمَ بعد وفاة والِدِه الشيخ جابر بن عبد الله الصباح، وكانت فترةُ حُكمِه قصيرةً، وفي فترة حكمه احتفظ بالسلطةِ السياسيةِ وتركَ السلطةَ القضائيَّةَ إلى القاضي؛ حيث كان يتولاها وحدَه وبدون تدخُّلٍ منه، وقد اتَّسَعت التجارةُ في عهدِه وكثُرَت أموال الكويت، وأراد أن يضع رسومًا جمركيَّةً على البضائِعِ الخارجةِ من الكويت لكِنَّ التجَّارَ قالوا له: " لا تجعَلْ على أموالنا ما لم يجعَلْه أبوك ولا جَدُّك مِن قَبلُ" وقالوا له: إن أموالَهم ستكون وقفًا على ما تحتاجه الكويت، فوافقَهم على ذلك. وقد لفتَ نظر الكولونيل "بلي" حين زار الكويت ثانيةً في عام 1865 باطِّلاعه على ما يجري خارجَ الكويت من أمورٍ لها صلة بالأحداثِ في أوروبا والعالم، وكان ذلك من خلال صحيفةٍ عربية كانت تصدُرُ في باريس وترسَلُ إليه حافلةً بالأخبار الأجنبية والمحلية. وفي عهده هاجم عبدُ الله بن سعود قبيلةَ العجمان، فلجؤوا إلى الكويت، فأرسل عبد الله بن سعود رسولًا يطلُبُ منه أن يطرُدَ العجمان، لكِنَّ الرسولَ أساء التعبير فقال له: إنَّ معزبَك (وتعني سيدك) يأمُرُك بإخراج العجمان، فغضب الشيخُ صباح وأمر باستنفار أهلِ الكويت لقتالِ عبد الله بن سعود، فوصل الخبرُ إلى عبد الله، فأظهر أسَفَه وبادر إلى الاعتذارِ عن سوءِ تصَرُّفِ رَسولِه.
في عام 1821م أُلقِيَ القبض على فلاديميرسكو زعيمِ مولدافيا ونُفِّذَ به حكم القتل بتهمةِ الخيانة؛ لأنه كانت له محاولات للخروجِ عن السلطنة العثمانية. ومع ذلك استمرت الثورات في رومانيا، التي أدَّت إلى معاهدة 1829م التي سُمِح لروسيا بموجِبِها باحتلالِ الإمارات الرومانية. وأصبح أميرُها يُعيَّنُ لمدى الحياة بالتوافُقِ ما بين القيصر الروسي والسلطان العثماني. وبعد عِدَّةِ ثورات قامت في تلك الإمارات قرَّر المؤتمَرُ الدولي في سنة 1858م منْحَ الإمارات نظامَ حُكمٍ ذاتي تستَمِرُّ بموجِبِه بدَفعِ الضريبة للسُّلطان العثماني, وفي عام 1881م أُعلِنَ استقلال رومانيا، وأصبح الأمير كارول المَلِكَ الأول، واستمَرَّت الحياة السياسية في العهد الملكي كما كانت عليه في السابقِ من تناوب الحُكمِ بين المحافِظين (البويار) من جهةٍ، والبورجوازيين والمثقفين والليبراليين من جهة ثانية. ووقع الاختيارُ على الأمير شارل دو هوهنزولرن سيغمارتغن الذي اتخَذَ اسم كارول دو رومانيا وأصدَرَ دستورًا جديدًا (1866م). في عام 1876م قرَّر الأمير كارول الاشتراكَ بالحرب الروسية التركية التي اندلعت في عام 1876م. لكنْ جاءت النتائج مخيِّبةً للآمال؛ إذ استُبعِدَت رومانيا عن المفاوضاتِ, وجاءت معاهدةُ السلام بعد عِدَّةِ حروب وقَعَت في المنطقة؛ لتثبت حدود «رومانيا الكبرى».
عاد الأميرُ عبد العزيز المحمد أبو عليان إلى إمارته في بُريدةَ بعد أن استرضى الإمامَ فيصل بن تركي، ولكنْ لم تكن الثقةُ بينهما تامةً، فالوحشةُ لم تفارِقْ عبد العزيز بل ازدادت؛ ذلك لأن الإمام لا ينظرُ إليه بالعين التي كان ينظرُه فيها، وما زال متَّهمًا عنده لكثرةِ نزعاته وعدم استقامته، ويزيد الإمامَ ما يتواترُ عليه من مهنَّا الصالح من أخبارٍ عن عبد العزيز لم تكُن في مصلحته، ومهنا كان طامِعًا بمركز عبد العزيز، فأثَّرت تلك الأخبار في الإمام، فاستدعى عبد العزيز إلى الرياض فقَدِمَ ومعه ابناه علي وعبد الله، فأمرهم بالبقاء عنده وجعَلَ عبد الله بن عبد العزيز بن عدوان أميرًا في بريدة، وهو من بني عم عبد العزيز المحمد.
بدأت في مصرَ أعمالُ حَفرِ قناة السويس، وهي القناة التي تربطُ بين البحرين الأبيض والأحمر، واستمَرَّ الحفر في القناة لمدة 10 سنوات ونصف، وقد شارك فيه 60 ألف فلاحٍ مصري، وبلغ طولُها آنذاك 162,5 كم، وافتُتِحَت للملاحةِ في 19 من نوفمبر 1869م.
تجدَّدت الفِتنةُ الطائفية في بلاد الشامِ؛ إذ اعتدى الموارنة على الدروز عام 1276هـ، فقام الدروز يأخُذونَ بالثأرِ، وامتَدَّ اللهيبُ مِن جبل لبنان إلى طرابلس وصيدا وزحلة ودير القمر واللاذقية ودمشق، وأسرعت الدولةُ فأرسلت فؤاد باشا وقضى على الفتنةِ، وعاقب المسؤولين عنها كلًّا بما يستحِقُّ، واحتَجَّت الدُّولُ الأوربية وهدَّدت بالتدخُّلِ، وكانت متفرقةَ الرأي ثم اجتمعت أو اتَّفَقت على أن ترسِلَ فرنسا ستة آلاف جندي لمساعدة الدولةِ فيما إذا عجزت عن إطفاءِ الفتنةِ -حسب زعمهم- وأنزلت فرنسا قوتَها في بيروت في الثاني والعشرين من محرَّم من عام 1277هـ، وهذا يُعَدُّ تدخلًا في شؤون الدولة العثمانية التي أحسَنَت القيامَ بمهمتها، لكن كان القصدُ تقوية النصارى وإظهارُهم بمظهرِ القوة، وأن أوربا كُلَّها من خَلْفِهم لتزدادَ قُوَّتُهم ويخشى خصومُهم بأسَهم، وجرى الاتفاقُ مع فؤاد باشا على أن يعوَّضَ النصارى على ما خسروه، ويُمنَحَ أهلُ الجبل حكومةً مُستقلَّةً تحت سيادة الدولةِ، وأن يرأس هذه الحكومةَ رجل نصراني لمدة ثلاث سنوات، ولا يحِقُّ عزلُه إلَّا برأي الدول الأوروبية، وتقترحه الدولةُ وتوافِقُ عليه أوروبا، وقد اختير أوَّلُ حاكم وهو داود الأرمني، ويذكَرُ أن هذا التساهل ألزم فرنسا بالانسحابِ مِن الشام إذ أخلَت المناطِقَ التي دخلَتْها في السابع والعشرين من ذي القعدة عام 1277هـ أي: بعد عشرة أشهر وخمسة أيام من دخولِها.
كان الشيخُ الإمام محمد شامل الداغستاني في عام 1834م قد دعا جميعَ رؤساء القبائل وكبار القضاة إلى اجتماعٍ في منطقةٍ وسطَ جبال القوقاز وتباحَثوا في أمرِ جهادِ الرُّوسِ، فبادر الإمامُ شامل بوضع القواعدِ اللازمة للارتقاءِ بالمقاومة الإسلاميَّةِ ضِدَّ الروس، وحوَّل القبائل إلى شَعبٍ واحدٍ، وقسَّم المناطِقَ إلى أقسامٍ عِدَّةٍ ووضع لكلِّ قسمٍ نائبًا يأخذُ على عاتقه الأمورَ الشرعيَّةَ والعُرفيَّةَ والعسكرية, وأنشأ ديوانًا أعلى للقضاءِ كان مقَرُّه في الشيشان مهمَّتُه تنفيذُ الأحكام الشرعية، وأنشأ المصانِعَ لإنتاج الأسلحة والذخائر, ووضع الشيخُ شامل تنظيمًا لحكمِ البلاد تحت رئاستِه والتفَّتْ شعوبُ القوقاز كلُّها حوله بعد أن نجحَ في ترسيخِ أحكام الإسلام في نفوسِ المسلمين وتربيتِهم التربيةَ الروحيَّةَ الجهاديَّةَ في سبيل اللهِ؛ لذلك انطلق المجاهِدون في حروبِهم ضِدَّ الروس من خلال فَهمِهم لعقيدةِ الجهاد الذي يُعتبر ذِروةَ سَنامِ الإسلام، واستطاع الشيخُ شامل خلال ثلاثين سنة إجلاءَ الروس من معظم بلاد القوقاز، وأنزل بهم هزائِمَ ساحقة، وانتشرت أخباره إلى أرجاء أوروبا، وأصبحت بطولاتُه رمزًا للأمم المقهورة, مِمَّا أثار الروسَ، فرصدوا مكافأةً لِمن يأتي برأسِ الإمام شامل 45.000 روبل فكتب الإمامُ شامل إلى الجنرال الروسي يقول فيه: "كم كانت سعادتي حين علمتُ أنَّ رأسي تساوي هذا الثَّمَنَ الضخمَ، ولكنك لن تكون سعيدًا حينما أُخبرك أنَّ رأسَك ورأس القيصر ذاتِه لا يساوي لديَّ كوبيكا واحدًا!" وقع الإمامُ شامل ضحيَّةَ التسويات الدولية؛ ففي 1856 انتهت الحربُ التركية الروسية وهو ما سمح لروسيا بالتركيزِ بقوَّتِها على الجبهة القوقازية بقوة 300,000 مقاتل، وأُوكِلت المهمة إلى الجنرال الشاب أليكساندر إيفانوفيتش بارياتسكي، فدفع بقواتِه بالهجوم من جميع الجهات على قوَّات الإمام شامل، حتى تمكَّنوا مِن أسْرِه عام (1859م) ومِن ثمَّ نَفْيه إلى خارج منطقة القوقاز. ولكِنَّه أُخلي سبيلُه بعد ذلك بشروطٍ أهمُّها الجلاءُ عن البلاد.
هو محمد بن علي السنوسي الكبير صاحِبُ الدعوة السنوسية، وواحِدٌ من كبار المُصلِحين في العالم الإسلامي في العصر الحديث. ولِدَ بمقاطعة وهران بالجزائر سنة 1202 هـ / 1798م، ورحل إلى فاس سنة 1812م، والتحق بجامِعِ القرويين وبعد تخرُّجِه فيها عُيِّن مدرسًا بالجامعِ الكبير بفاس. عاصرَ دخولَ الدولةِ السعودية الأولى للحجازِ واختلط بعُلَمائِها وأخذ عنهم، ثم عاد إلى ليبيا وقام بدعوته الإصلاحية التي اتخذت الإسلامَ طريقًا لها في العمَلِ، فدعا المجتمَعَ الليبي إلى العودةِ إلى الإسلام والاعتماد على الكتابِ والسنَّةِ ومحاربة الاختلافِ والتفَرُّق في الدينِ، ومواجهة المبشِّرين بالنصرانية، ومحاربة الاستعمار الإيطالي المتسَلِّط. لَقِيَت الدعوة التي أسَّسها السنوسي صدًى في نفوس سكان الصحراء في الشمال الإفريقي كله والسودان، وكسب صاحبُها من النفوذ والسُّمعة, وقد حقَّقت قدرًا كبيرًا من النجاح، فكَوَّن دولة إسلامية امتدَّت آثارها إلى أفريقيا الغربية. وأقام مدرسةً عِلميةً إسلاميةً خرَّجت العلماءَ والقضاة والدعاة، وله عددٌ من المؤلَّفات بلغت نحو 40 كتابًا. توفي السنوسي في الجغبوب، وخلفه ابنه أحمد المهدي في قيادة الحركة السنوسية.