رفضت البوسنة والهرسك دعوةَ مندوبيها لحضور المجلس النيابي في استانبول عام 1327هـ مع أنها لا تزال تتبع الدولة العثمانية اسمًا، واتجهت نحو الصرب، وهذا ما أثار النمسا التي اتفقت مع روسيا سرًّا على أن تضم البوسنة والهرسك إليها مقابِلَ إبقاء مضائق البوسفور والدردنيل مفتوحةً دائمًا لروسيا، وبالفعل قامت النمسا باحتلالهما، وزاد العداء بين النمسا والصرب، وأما إيطاليا فكان لها مطامِعُ فيهما، فعقدت أيضًا اتفاقًا سريًّا مع روسيا للوقوف بوجه النمسا إذا استمرَّت بتعديها على البلقان، وأعلن الجبل الأسود الحربَ على الدولة العثمانية هذا العام، ووقف بجانبه أعضاء التحالف البلقاني، وهم صربيا وبلغاريا واليونان، وتمكنوا من إحراز النصر على العثمانيين، واستعملوا الطائراتِ لأول مرة وقصفوا مدينة أدرنة، وفقدت الدولة العثمانية معظمَ أراضيها في أوربا، ثم بعد وقف القتال جرى الاتفاقُ على استقلال ألبانيا، وقُسِّمَت الأراضي الباقية التي كانت للعثمانيين بين أعضاء التحالف البلقاني، وعُرِفَت هذه الحرب باسم حربِ البلقان الأولى.
دعا جلالةُ ملك أفغانستان حبيب الله خان جميعَ وجوه مملكته ورجال حكومته وأعيانها وتجارها، دعاهم لاجتماع عظيم، وعَرَض عليهم القضيةَ الطرابلسية وما يعانيه المسلمون في طرابلس الغرب من الظلم والعدوان، ودعاهم إلى الإنفاق وجمْع الأموال وفتْح كتاب أسماه كتاب (إغاثة يتامى وشهداء ومجروحي مجاهدي طرابلس الغرب) وقال لهم: افتحوا كيس همَّتكم وبلُّوا قلوبكم بماء الشفقة الأخوية، أعينوا يتامى وأيامى أولئك المجاهدين الذين جادوا بأرواحهم لأجل حفظ وطنهم وشَرَفِ مِلَّتِهم، أعينوهم على الأقل بلفائف يشدُّون بها جروحَهم، لا تنظروا إلى قلة ما تعطونه من المال وكثرته، أعطوا ما تتمكنون من إعطائه وأثبتوا أسماءكم في هذا الكتاب، إن الله لا يُضيعُ أجر من أحسن عملًا. وقد تبرع هو بمبلغ عشرين ألف روبية، وكان يقول وكله حماس: ألا ليتني قريب منهم أمدهم بالفعل لا بالقول، ألا ليتني طائرٌ أطير لمساعدة إخواني المسلمين.
أبلى الشعب الليبي بلاءً حسنًا في جهاده ضد المحتل الإيطالي الصليبي، فلما طارت أخبارُ معارك بنغازي وطرابلس ودرنة إلى العالم أجمع، ورأت حكومة الأتراك أنَّ الشعب الليبي جديرٌ بالمساعدة وجادٌّ في جهاده وكفاحه ضِدَّ العدو، أرسلوا الإمدادات، فقام أنور باشا وزير الحربية التركية باختيار مجموعاتٍ من الشباب الليبي، واستقبلهم في استانبول لتعليمهم النظم السياسية والعسكرية الجديدة؛ ليُشرِفوا على قيادة الجيش الوطني، وتدافع المجاهدون المسلمون من كل مكان إلى ميدان القتال عن طِيبِ خاطر، وجاد المسلمون الخيِّرون بأموالهم وأعزِّ ما ملكت أيديهم، وفاضت قرائِحُ الشعراء وأقلام الكتَّاب بما أوحته ضمائرهم، وقامت الصحفُ، وفي طليعتها المؤيد الغراء المصرية بدورها، وكانت هذه الصحف حلقةَ الاتصال بين جهاد الليبيين والعالم الإسلامي، وكانت المساعدات تأتي إلى مصر ثم تُرسَل إلى المجاهدين، وكان الأميرُ عمر طوسون في مصر، ووالدة الخديوي (أم المحسنين) وخَلْفَهم مسلمو مصر قد وقفوا بما يملكون لدعم الشعب الليبي ماديًّا ومعنويًّا، فكانت أم المحسنين تنفق الأموال والمُؤَن، والملابس والأدوية، والقوافل المحمَّلة للمجاهدين، وعندما قابلت الوفد الذي تسلَّم هذه المواد والمؤن قالت: (إنني لم أفعل شيئًا يُذكَر في جانب ما يقوم به أولئك المجاهِدون في سبيل الله، وإنني قلقة لأنني لم أسمع منذ أيام خبرًا عن ميدان القتال) وكان الليبيون الذين هاجروا إلى مصر من عشرات السنين قد وقفوا وقفةَ رجل واحد بالمال والرجال، وكان أحمد الباسل من وجهاء مصر سندًا قويًّا لحركة الجهاد في ليبيا، وبدأت وفود المتطوِّعين من مصر والعالم الإسلامي تترى لمساعدة إخوانهم المسلمين في ليبيا، ووصلت البعثاتُ الطبية من تركيا ومصر، فقامت بدورها خيرَ قيام، كما وصل عددٌ من مراسِلي صحف إسلامية، ووصل الأمير شكيب أرسلان على رأس بعثة طبية كان عدد جمالها التي تحمل الأثقال من المؤن والأدوية 650 جملًا يصحبُه خمسة أشخص من أخصِّ رجاله، قد تطوعوا للجهاد ببرقة، ومن بين المتبرعين مسلمو أندونيسيا، ومسلمو الهند، وحاكم قطر الشيخ قاسم محمد؛ فقد تبرع للمجاهدين بعشرين ألف روبية، وملك أفغانستان حبيب الله خان وشعبه، وأهل البحرين، وجاء إلى ميدان القتال كلٌّ من محمد حلمي، وعبد المعطي صالح ضابط مصري، وعارف بك والي البصرة سابقًا، ونشأت بك أحد كبار رجالات تركيا المشهورين، ومحمد طاهر أفندي مصري، وغيرهم كثير!!
عندما ساعد الملِكُ عبد الرحمن بن هشام العلوي الأميرَ عبد القادر الجزائريَّ في مقاومته الاحتلالَ الفرنسي للجزائر، احتجَّت فرنسا على هذه المساعدة، واحتَلَّت مدينة وجدة مقابل ذلك، ثم احتلَّ الإسبان مدينة تطوان لكنَّهم خرجوا منها بعد دفع أموال باهظة لهم، وفي أيام الحسن الأول عُقِدَت معاهدةُ مدريد عام 1298هـ وأصبح لمدينة طنجة مجلس صحي يتناوب رئاستَه قنصلا فرنسا وإسبانيا وأعلنت فرنسا عام 1300هـ الحمايةَ على المغرب، وكانت المعاهدة التي وقَّعها عبد العزيز الملك المخلوع مع الفرنسيين عام 1330هـ الذين أعادوه لمكانه، ولما تولى عبد العزيز بن الحسن الأول أخذ في تبذير الأموال ممَّا ألزمه الاقتراضَ من البنوك الأوربية وخاصة بنك فرنسا فأخذت فرنسا تتحيَّن الفرصة ومقابلها إسبانيا التي تملك أجزاءً ومدنًا على السواحل المغربية، مثل سبتة ومليلة، وهي لا تزال تحت الحكم الإسباني، واتفقت فرنسا وإسبانيا على اقتسام الصحراء المغربية، وتفاهمت فرنسا مع إيطاليا عام 1339هـ على أن تترك لفرنسا حرية العمل بالمغرب مقابل ترك الحرية لإيطاليا حرية العمل بطرابلس، وهكذا مع إنجلترا في مصر، ودخلت القوات الفرنسية لنجدة السلطان عبد الحفيظ، فاحتلت فاس في 1339هـ ثم احتلت مكناس والرباط ومراكش، وبعدها أعلنت الحماية على المغرب!
اعترفت النمسا بالإسلامِ كدين رسمي في البلاد في عهد القيصر فرانس جوزيف، وهو ما منحهم ميزاتٍ كبيرة استنادًا إلى نصوص الدستور الذي يساوي بين الجالية المسلِمة وغيرها من معتنقي الديانات الأخرى. وضَمِنَ الاعتراف الرسمي بالدين الإسلامي حقوقَ الجالية المسلمة في مواضِعَ مختلفة، مثل حرية ممارسة الشعائر الدينية، وحرية المسلمين في تنظيم الرعاية الدينية الخاصة بهم، وحصول مؤسَّساتهم على حق حماية جميع أنشطتها الاجتماعية والثقافية والمالية. واستنادًا إلى هذه الحقوق تمكَّنت الأقلية المسلمة من رعاية أبنائها بالمدارس؛ ليصل عدد المستفيدين من دعم الدولة لدروس الدين الإسلامي حوالي 40 ألف تلميذٍ في مراحل التعليم المختلفة.
كانت حملات التنصير قد وصلت إلى البحرين عام 1893م وتأسَّست أولُ مدرسة للتعليم بالأسلوب الغربي الحديث في البحرين على يدِ البعثة، وفي عام 1894 افتتحت الإرساليةُ الأمريكية مكتبةً عامةً لها بالمنامة وبدأت عمَلَها في تقديم بعضِ الصُّحُفِ والكتُبِ لروَّادِها، ثم أنشأت الإرساليةُ الأمريكيةُ مستشفى ماسون التذكارية، ودكانًا لبيع الإنجيل، وحينها كان مجلِسُ الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة ابن حاكم البحرين يُعَدُّ من أهم المنتديات الثقافية في البحرين آنذاك، كما كان مُقبِل بن عبد الرحمن الذكير واحدًا من أهمِّ مُثقَّفي البحرين المشاركين والفعَّالين في المجلس، وحينها رأى كلٌّ مِن مقبل الذكير، ويوسف كانو ضرورةَ تأسيس نادي أدبي إسلامي، واستضافة أحد العلماء الكبار؛ لمقاومة هذه الحَمَلات التخريبية في البلادِ، من خلال أنشطة هذا النادي، فتوصَّلا بعد تحرٍّ إلى أن أفضَلَ من يمكنه تسلم إدارة النادي هو الشيخ العلامة محمد بن عبد العزيز المانع الوهيبي التميمي، وأنه لا بدَّ من العمل على إحضاره من مقر إقامته بالبصرة، وبعد أسابيع من المراسلات حضر الشيخ المانع من البصرة حاملًا معه خبرةَ أساتذته في مقاومة التبشير، الذين تتلمذ على أيديهم في مِصرَ والعراق، أمثال الشيخ محمد رشيد رضا. تسلم الشيخ المانع منصِبَه كمدير للنادي الأدبي الإسلامي بمجرد وصوله، وقد عَرَض عليه مقبل الذكير أن يجعَلَ له مدرسة للتعليم الإسلامي تكون مُلَحقةً بالنادي الإسلامي، فكان النادي في بداية تأسيسه عبارةً عن صفين دراسيين لتدريس العلوم الشرعية وبعض العلوم الحديثة، كما توفر في النادي غرفةُ مطالعة ومكتبة، فكان للشيخ المانع دورٌ فاعل في نشر العلوم الإسلامية في المنامة، وظلَّ الشيخ هناك أربع سنوات يدرِّس شباب "النادي الإسلامي" جُلَّ العلوم الإسلامية؛ مِن قرآنٍ، وفقه، ولغة، ورياضية كالعلوم الفلكية والفرائض، وأصبح النادي ملتقًى لرواد العلم والمثقفين في المنامة والبلدان المجاورة لها، كما أصبح مكانًا يتدارس فيه الأهالي أساليبَ التبشير وسُبُلَ مقاومته، ولم يكن النادي الإسلامي مجردَ مكان للثقافة والنقاشات الأدبية فحسب، بل كان مقرًّا للتواصل الفكري والعلمي مع الشعوب الإسلامية، والمراسَلات بين المفكِّرين والمثقَّفين والعلماء في البحرين والشارقة والقاهرة.
جرت عِدَّةُ معاهدات بشأن الحدود بين الدولتين العثمانية والإيرانية، ومنها: معاهدة أرضروم الثانية 1263هـ غير أنَّها فشلت واستمَرَّت الاشتباكات على الحدود، وفشلت لجنة التخطيط بناءً على المعاهدة المذكورة في إنهاء المشكلة، كما بدأ الخلاف في تفسير نصوص المعاهدة، وكانت كلٌّ من إنجلترا وروسيا ترغبان في إنهاء هذا الموضوع؛ حيث أصبحت المنطقة ساحةَ نفوذ لكلٍّ مِن الدولتين، فدعا ذلك لإجراء مفاوضات مباشِرة بتوسط إنجلترا وروسيا، وانتهت باتفاق طهران في اليوم الأول من عام 1330هـ/ 21 ديسمبر، وتضَمَّن خمس نقاط: تعيين لجنة مشتركة لتثبيت الحدود. تزويد أعضاء اللجنة بجميع الوثائق والبيانات المطلوبة. في حال الفشل في تفسير النصوص وحَلِّ القضايا تحالُ إلى محكمة التحكيم في لاهاي. تكون معاهدة أرضروم الثانية الأساسَ الذي تستند إليه قرارات اللجنة. لا يتخذ أي من الطرفين من احتلال الأراضي المتنازع عليها حجة قانونية للاحتفاظ بها والسيطرة عليها. واستمرَّت المفاوضات أكثرَ مِن خمسة أشهر دون الوصولِ إلى اتفاق، وتقرر استمرارُ المباحثات في استانبول، ولكن الأحداث الجارية من الحرب العالمية وغيرها أوقفت الموضوع.
فرض الفرنسيون الحمايةَ على المغرب، وبعد أيامٍ مِن فرض الحماية قام المغاربة بثورةٍ عارمة في فاس ثار فيها الجيشُ والشعب، تزعَّمها المجاهِدُ أحمد هبة الله ابن الشيخ ماء العينين، وكانت الانتصارات فيها سِجالًا بين الفريقين، وانتهى الأمرُ بوفاة الرجل، وتمكن الفرنسيون من بسطِ نفوذهم على المغرب أثناء الحربِ العالمية الأولى.
بعد أن أعلنت إيطاليا الحرب على الدولة العثمانية، وهي الحرب التي عُرِفت بالحرب الإيطالية - الطرابلسية. حاصر الأسطول الإيطالي مدينةَ طرابلس الغرب مدةَ ثلاثة أيام، بعدها سقطت المدينةُ بيد المستعمرين الإيطاليين. ولم تتوفر للمقاومة الشعبية القوة اللازمة لقهر الإيطاليين ورَدِّهم على أعقابهم. كما لم تكن قدرةُ الدولة العثمانية القتالية بالمستوى المطلوب، ولم تكن القوة بين الطرفين متكافئة، ورغم المقاومة العثمانية المحلية التي قادها السنوسيون إلا أن الإيطاليين تمكنوا من احتلال ليبيا عام 1911م. وأثناء الحرب -وكوسيلة ضغط على الدولة العثمانية- نقل الإيطاليون الحرب ضِدَّ مواقع عثمانية أخرى، فضرب الأسطول الإيطالي مينائَي بيروت والحديدة. واحتلوا جزيرة رودس في البحر الأبيض المتوسط، ثم احتلُّوا مجموعة جزر الدوديكانيز. وهاجمت السفنُ الإيطالية الحربية ممَرَّ الدردنيل وغير ذلك من المواقع العثمانية الأخرى. ورأت الدولةُ العثمانية أنها وقعت في حرب لا قدرةَ لها عليها. ولاحت في الأفق بوادِرُ حرب جديدة ضِدَّ الدولة العثمانية في البلقان. فاضطرت الدولةُ العثمانية إلى قبول المفاوضات مع الإيطاليين، وأمام الأزمات الداخلية والعسكرية والاقتصادية التي مرَّت بها الدولة العثمانية رأت حكومةُ مختار باشا الغازي أن تصِلَ بالمفاوضات مع إيطاليا إلى نتيجة حاسمة، فأرسلت وزيرَ الزراعة العثماني وزوَّدته بصلاحيات واسعة، وتم الاتفاق على عقد معاهدة صلح بين الدولة العثمانية والحكومة الإيطالية في 18 أكتوبر عام 1912م بعد توسُّط من قِبَل حكومة بريطانيا، وقد عُرِفَت تلك المعاهدة باسم معاهدة أوشي لوزان. وقد حوت إحدى عشرة مادة. تعهَّدت فيها الدولتان بإيقاف حالة الحرب بينهما، وسحْب القوات من جبهات القتال، فتسحب الدولة العثمانية قواتِها من طرابلس وبرقة، وتسحب إيطاليا قواتها وسفنها من الجزر العثمانية التي احتلَّتها في بحر إيجة. كما أن الدولة العثمانية سحبت جميع الموظفين الإداريين العاملين في ليبيا. وأعلن السلطان العثماني منح ليبيا استقلالًا تامًّا، أي: أن السلطان العثماني جرَّد الدولة العثمانية من كل أنواع السيادة على ليبيا. وبالمقابل أعلنت إيطاليا جَعْلَ ليبيا خاضعةً تمامًا للسيادة الإيطالية. وقد جاء توقيعُ معاهدة أوشي لوزان بعد أن احتل الفرنسيون الجزائر وتونس، واحتل البريطانيون مصر، وأصبحت الدولة العثمانية مطوَّقة في إفريقيا. وهكذا نفذ الأوروبيون اتفاقياتِهم السرية الرامية إلى تقسيم شمال إفريقيا فيما بينهم!
في أعقاب الوحدة الألمانية عام 1286هـ/ 1870م. وذلك عندما بدأت ألمانيا تعاني من مشكلة عدم تملُّكها للمستعمرات أسوةً ببريطانيا وفرنسا حتى تستطيع تصريفَ منتجاتها، والحصول على المواد الخام اللازمة لصناعتها وإنشاء أسواق لها فيها، ومن هنا بدأت ألمانيا تتطلَّعُ للبحث عن مستعمرات لها في خارج أوروبا؛ ونتيجة لذلك بدأ التنافس بينها وبين فرنسا من أجل مراكش فتصَدَّت فرنسا لهذه المحاولة، وذلك بربط نفسها بعدة اتفاقات مع بعض دول أوروبا، فعقدت اتفاقًا مع إيطاليا على أن تطلق إيطاليا يد فرنسا في مراكش مقابل أن تطلق فرنسا يد إيطاليا في طرابلس وبرقة. كما عقدت فرنسا اتفاقًا مع إسبانيا عام 1317هـ/ 1900م اتفقتا فيه على اقتسام الأجزاء الجنوبية من مراكش فتحصل إسبانيا على منطقة الريف التي تشمل الشريط الساحلي من مراكش المقابِل للساحل الإسباني عند جبل طارق، بينما تحصل فرنسا على ما تبقَّى من مراكش. وفي أوائل عام 1324هـ/ 1906م تم الاتفاق على عقدِ مؤتمر دولي في بلدة الجزيرة الخضراء لدراسة الأوضاع في مراكش. وفيه تم الاعتراف بسيادة مراكش، وتقرَّر إنشاء قوة بوليسية من فرنسا وإسبانيا للمحافظة على الأمن في مراكش.
الأرطاوية موقع على طريق القوافل من الكويت إلى القصيم بالقرب من الزلفي، فيه مجموعة من الآبار، وأول من سكنها كان عددٌ من أهالي مدينة حرمة يقَدَّر عددهم بثلاثين رجلًا، وكانوا قد ارتحلوا في هذا العام من حرمة إلى الأرطاوية؛ بسبب نزاع دبَّ بينهم وبين أهلها حول تشدُّدهم الديني. فلما لم يطِبْ لهم المقام في حرمة اختاروا موضِعَ الأرطاوية حيث الآبار والموارد وجودة المرعى، ثم نزلها إحدى عشائر العريمات وشيخها قويعد بن الصريمة، وهي قسم من قبيلة حرب، بعد أن باعوا خيلها وجمالها وما عندها من العروض والأموال في سوق الكويت وغيره، وهبطت الأرطاوية فبَنَت فيها الدور وشرعت تُعنى بأمرين: الزراعة والعلم، وقد أهمل أفرادُها كلَّ شيء سواهما. ثم بعد معركة جراب أعطيت الأرطاوية لفيصل الدويش وجماعته من مطير الذي يعتبر المؤسِّس الحقيقي والزعيم لهجرة الأرطاوية، ثم بعد ذلك نشأت هجرة الغطغط وبعده تتابع نشوءُ الهجر.
كانت الأرطاوية أول هجرة نشأت في نجد سنة 1329هـ حيث تولى رئاستها زعيم مطير فيصل الدويش , والتي تقع في الطريق بين الكويت والقصيم بقرب الزلفي ثم بعده نشأت هجرة الغطغط والتي تقع جنوب غربي الرياض حيث سكنها جزء من عتيبة تحت قيادة سلطان بن بجاد , ثم تتابع نشوء الهجر التي استوطنتها قبائل الجزيرة العربية بتشجيع ودعم الملك عبدالعزيز لها حيث وفر لهم المياه بحفر الآبار وبناء المساجد وتوفير المؤن الغذائية لهم والأعلاف لدوابهم كما أرسال إليهم العلماء وطلبة العلم يعلمونهم الدين وذلك لتحقيق عدة أغراض : منها الحد من تمرد هذه القبائل على سلطان الملك عبدالعزيز, واستثمار قوتهم العسكرية في إتمام توحيد الجزيرة العربية وقد بلغ عدد الهجر حوالي 200 هجرة ممتد في جميع أطراف ووسط الجزيرة العربية , ويبدوا أن بداية نشأة الهجر كحركة عسكرية أحيطت بشيء من الكتمان حتى أن جميع الرحالة الأجانب الذين كانوا يجوبون أرجاء جزيرة العرب من عام 1912م لم يلفت نظرهم في هذه الهجر أي حراك يدل على أنها تمثل ثكنات عسكرية سيكون لها شأن في تقرير عدد من التحولات السياسية على الرغم أن هؤلاء الرحالة كان من أهم مهامهم رصد أي نمو لقوة عسكرية أو تحركات جديدة في المنطقة . غيرَ أنَّ هذه الهجَر أورثت الملِكَ عبدالعزيز مشكلةَ تمويلها ماديًّا؛ فبعد أن باع أولئك الباديةُ جمالَهم وصاروا يتعصَّبونَ بالعِصابة البيضاءِ وأقاموا في الهجَر لا يعمَلونَ شَيئًا في أيامِ السِّلمِ؛ أصبحوا عالةً على الملك عبد العزيز, فأرسل لهم العُلَماءَ والوعَّاظَ يُعَلِّمونهم العِلمَ الشَّرعيَّ والتاريخ وسِيَرَ السَّلَفِ، ويرغِّبونَهم في العمَلِ. وكانت أول مشاركة عسكرية للإخوان مع الملك عبدالعزيز في معركة جراب 1914م ولكنهم ظهروا كقوة ضاربة بجانب الملك عبدالعزيز في معركة تربة 1919م حيث قلبوا موازين القوى داخل الجزيرة العربية لصالح الملك عبدالعزيز ضد خصومة لذلك كان للإخوان دور واضح في ضم كل من حائل وعسير والحجاز، واستمر الإخوان مصدر قوة للملك عبدالعزيز إلى أن حدث الخلاف معهم حول عدد من القضايا العصرية التي أدت إلى نهايتهم في معركة السبلة.
بدأ الملك عبدالعزيز بالاستعداد في القيام بدخول الأحساء فاتفق مع بعض كبار رجالات أسر الأحساء في تنفيذ عملية الفتح.
غادر الملك عبدالعزيز الرياض بقواته إلى الأحساء ووصل الرقيقة ومعه 600 جندي ثم وصل الكوت من الناحية الغربية ثم اجتاز أسوار المدينة بعد أن فاجأ الحامية التركية التي سرعان ما أذعنت له بالاستسلام ثم أجلاها إلى البحرين، ولقي عبدالعزيز ترحيب السكان به، ورغم معرفة الملك عبدالعزيز موقف بريطانيا الرافض لضمه الأحساء إلا أنه لم يثنه ذلك من عزمه على دخولها.
هو محمود شوكت باشا بن سليمان طالب العمري الفاروقي بالولاء، وهو قائِدٌ عراقي، ولي رئاسةَ الوزراء في الدولة العثمانية، وعَلَت شهرتُه في حركة الدستور العثماني. ولِدَ ببغداد سنة 1275ه وكان أبوه متصرفًا في المنتفق، فتعلَّم بها ثم بالمدرسة الحربية في الأستانة، وتقدَّم في المناصب العسكرية إلى أن أعطِيَ لقب فريق، وعيِّن واليًا لقوصوه، فقائدًا للفيلق الثالث بسلانيك. وكان من أعضاء جمعية (تركيا الفتاة) السِّرية التي كان هدفها في ذلك العهد القضاءَ على استبداد السلطان عبد الحميد الثاني. ونجحت الجمعية في إعلان (الدستور) وقامت على إثره فتنة (الرجعيين) في إبريل (1908) فزحف محمود شوكت بفيلقه من سلانيك على العاصمة (الأستانة) فدخلها عنوةً بعد يومين، وخلع السلطان عبد الحميد، وولَّى محمد رشاد، وتألَّفت وزارة كان محمود شوكت وزيرَ الحربية فيها، ثم أسندت إليه الصدارة العظمى (رئاسة الوزراء) واشتَدَّت في أيامه وما قبلها سيطرةُ الاتحاديين، وهم المظهر العلني لتركيا الفتاة، وجاهروا بسياسة تتريك العناصر، ولم يكن محمود شوكت (وهو جركسي الأصل، عربي المنبت) من أنصارِهم في تلك السياسة، اغتيل شوكت أمام نظارة الحربية، والذي صعد إلى الوزارة قبل 5 أشهر في إطار انقلاب نظَّمته جماعةُ الاتحاد والترقي، واتخذ الاتحاديون حادثَ الاغتيال وسيلةً لتصفية المعارضة، حيث أُعدم 29 شخصًا.
نشبت حرب البلقان الثانية، وكان سببها هو رغبة بلغاريا في انتزاع إقليم مقدونيا الشمالية من صربيا، وقد انتهت هذه الحرب بعد 42 يومًا من اشتعالها، بمعاهدة "بوخارست" في أغسطس 1913م.كان الصرب والبلغار يأملون أن تساعدهم روسيا في المستقبل؛ لذلك تنصَّلوا من وعودهم للنمسا في عدم القيام بدعاية للجامعة الصربية والدولة السلافية الكبرى في داخل النمسا والمجر، وانتهى الأمر بتكوين العصبة البلقانية التي تضمُّ بلغاريا واليونان والصرب، وحذَّرت الدول الكبرى هذه العصبةَ مِن أي محاولة لتمزيق ممتلكات الدولة العثمانية في البلقان، غير أن الصربَ أعلنوا الحربَ على العثمانيين في (ذي القعدة 1330هـ/ أكتوبر 1912م) فاشتعلت الحربُ في البلقان، وفي ستة أسابيع انتزعت العصبة البلقانية جميعَ أراضي العثمانيين في أوروبا ما عدا القسطنطينية. وأثارت هذه الانتصارات النمسا التي دعت إلى عقد مؤتمر دولي، وكان أهمُّ غرض للنمسا هو حرمانَ الصرب من منفذٍ بحري مباشر على بحر الأدرياتيك، وأصبحت ألبانيا مركزًا للصراع الدبلوماسي الشديد بين النمسا وروسيا، لكِنَّ المشكلة سُوِّيت بإقامة دولة مستقلة في ألبانيا تحكمُها ألمانيا، ووقّعت معاهدة لندن التي حصرت الأملاك العثمانية في أوروبا في القسطنطينية وشبه جزيرة غاليبولي. ولم يكد مدادُ معاهدة لندن يجِفُّ حتى نشبت الحرب بين دول العصبة البلقانية الثلاث على مغانم الحرب، وتدخَّلت الدولة العثمانية ورومانيا في تلك الحرب، وتدخَّلت الدول الكبرى لتحقيق مصالحها، خاصةً روسيا والنمسا، وانتهت الحرب البلقانية الثانية بهزيمة بلغاريا وضعفها، وتنامي قوة صربيا، وتزعزُع مكانةِ النمسا الدولية؛ لذلك فكَّرت النمسا في سحق صربيا عسكريًّا لتفادي خطر تكوين دولة صربيا الكبرى، وبالتالي تسبَّبت الحروب البلقانية في زيادة التوتر داخل الكتلتين الأوروبيتين المتصارعتين: الحلف الثلاثي، والوفاق الثلاثي، والاستعداد لمواجهة عسكرية كبرى.
وقَّعت بريطانيا والدولةُ العثمانية معاهدةً تتضَمَّنُ اعتراف الدولة العثمانية باستقلال الكويت وترسيم خرائط حدودية بين البلدين واعتراف الدولة العثمانية بملكية الكويت على جُزُر مثل وربة وبوبيان ومسكان وفيلكا وعوهة وكبر، واعترفت بحقِّ شيخ الكويت في الحصول على الزكاة من القبائل المحيطة بالكويت بمسافة 362 كيلومترًا. ولكِنْ بعد نشوب الحرب العالمية الأولى التي أصبحت فيها بريطانيا والدولة العثمانية أعداء تمَّ إقرار أن المعاهدة لا تعني شيئًا، وأعلنت بريطانيا بأن الكويت إمارة مستقلة تحت الحماية البريطانية.
تعرَّضت مصر للاحتلال الإنجليزي ثلاثَ مرات؛ الأولى بحجة إخراج الفرنسيين من مصر؛ لعجز الدولة العثمانية وحدها عن إخراجهم، والثانية سنة 1807م وكانت من أخلاط من الجنود، والثالثة كانت سنة 1882م وبقيت أكثر من ثلاث وسبعين سنة، فعاصر الاحتلال البريطاني حكم خمسة من حكام أسرة محمد علي هم: توفيق، وإسماعيل، وحلمي الثاني، وحسين كامل، وفؤاد، وفاروق، واستطال إلى الأيام الأولى من الحُكم الجمهوري في مصر، وإذا كانت السيادة العثمانية قد زالت عن مصرَ مِن الناحية الواقعية في سنة 1914م وتأييد زوالها من الناحية الدولية في معاهدة سيفر سنة 1920م، ثم معاهدة لوزان سنة 1923م، فاستمر الاحتلالُ تحت عدة مسميات من احتلال مؤقَّت، إلى حماية مقنَّعة، ثم حماية واقعية، ثم حماية سافرة، ثم استقلال شكلي، ثم تحالف بريطاني مصري.
قامت بريطانيا بعزل الخديوي عباس حلمي عن عرش مصر، وتعيين عمه "حسين كامل" وأطلقت عليه لقب سلطان؛ نكاية بالسلطان العثماني، وذلك بعد قرارها بإعلان الحماية على مصر. وكان ذلك الإجراءُ في إطار سياسة بريطانيا الرامية إلى عزل مصر عن الدولة العثمانية التي كانت قد دخلت الحربَ العالمية الأولى ضدَّ إنجلترا ودول الحلفاء.
استغَلَّت بريطانيا المشكلةَ التي بدأت تحدُثُ بين الأتراك والعرب، فعملت بريطانيا لإغراء الشريف حسين وإعداده نفسيًّا للثورة على الدولة العثمانية، وأبدَوا استعدادهم لمساعدته في قضيته، فبدأ الشريف حسين بإرسال رسالته الأولى إلى السير هنري مكماهون نائب ملك بريطانيا في مصر في 14 تموز 1915م ثم تبِعَتْها رسائل أخرى، وكلها خمس رسائل، كان آخرها رد مكماهون في آذار 1916م، وكان الإنجليز يزيدون في تبجيل الشريف ويداهنونه ويجارونه في مطامِعِه وأحلامه، ولا يبذلون رغمَ كُلِّ ذلك أيَّ وعد صريح، ولا يجيبونه إجاباتٍ واضحةً صريحة، ويكتفون بجواب شفوي من حامل الرسالة فيما لا يريدون أن يتقيَّدوا فيه بوعد مكتوب، وكانت نظرةُ الشريف حسين إسلامية؛ مما جعل الإنجليز ينصرفون عنه إلى ابنه فيصل في زعامة الثورة، حتى سماه لورنس نبيَّ الوطنية، وتمَّت جميع تلك المراسلات باللغة العربية وبأسلوب غامض معقَّد، وكانت المراسلات من الطرفين تُترجَم إلى لغة الطرف الآخر، ورفضت بريطانيا نشرَ نسخة معتمدة رسمية للنصوص كاملةً باللغة الإنجليزية؛ بحجة أن ذلك يضرُّ بالمصلحة العامة؛ وذلك لأن هذه المراسلات أصبحت الخلافَ الأساسي حول فلسطين؛ إذ لم يثبت أن فلسطين قد نُصَّ عليها صراحةً أو ضمنًا في تحفُّظات مكماهون رغم أنَّ بريطانيا كانت ترى أن فلسطين من ضمن المناطق المستثناة من سوريا، ونصب الشريف حسين نفسَه ممثلًا للعرب في آسيا، وتعهدت بريطانيا له بأن يكون ملكُهم بخلافة إسلامية، وكأنها صاحبة الحَلِّ والعقد، وتنازل حسين عن ولايتَي إسكندرون ومرسين والمناطق الشمالية السورية، ووافق على مصالح فرنسا في ولاية بيروت لِما بعد الحرب، وعلى مصالح بريطانيا في البصرة وبغداد، وقَبِلَ بكوادر استشارية من دُول الحلفاء لتشكيل هيئة إدارية قومية من الإنجليز، وكانت النتيجةُ أن سَخَّرت بريطانيا العربَ لقتال العثمانيين في بلاد الشام بدل أن يخوضَ هذه الحرب الإنجليزُ والفرنسيون، وكان من غايات الإنجليز من ثورة الحسين تعطيلُ الجهاد الإسلامي الذي أعلنه الأتراكُ باسم السلطان في استانبول، فعندما يعلِنُ الشريف حسين الثورة سيسمع له المسلمون أكثَرَ مِن سماعهم للسلطان التركي بحُكمِ نسب حُسين الشَّريف.
انقسم المعسكر الأوربي إلى قسمين؛ الأول: ضَمَّ دولَ المحور: ألمانيا، والنمسا، وبلغاريا، وانضمت لهم الدولةُ العثمانية بسبب تعاملها مع ألمانيا في المجال العسكري؛ حيث كانوا هم مدرِّبي الجيوش العثمانية، والقسم الثاني: دول الحلفاء، ضم: إنجلترا، وفرنسا، وروسيا، وإيطاليا، ورومانيا، واليونان، واليابان، و كانت تسمَّى بالحرب العظمى، وبعد قيام الحرب العالمية الثانية عُرِفَت بالحرب العالمية الأولى، بينما الأمريكان يسمونها بالحرب الأوروبية. استطاع الإنجليز بمراسلات مكماهون ممثل بريطانيا مع الشريف حسين أن يضمُّوا العرب لمعسكرهم، أعلنت الدولة العثمانية في بداية الحرب العالمية الأولى يوم 3 أغسطس 1914 حيادَها، وهو ما صرَّح به الصدرُ الأعظم للسفير البريطاني، رغم وجود بَعثة عسكرية بريطانية في استانبول لإعادة تنظيم القوات المسلحة للدولة على مستوى مشابِه للنَّسَق الألماني.