خرج المعتَصِمُ إلى سامِرَّا لبنائِها، وكان سببُ ذلك أنَّه قال إني أتخوَّفُ هؤلاء الحربيَّةَ أن يَصيحوا صيحةً فيَقتُلوا غِلماني، فأريدُ أن أكونَ فوقهم، فإن رابني منهم شيءٌ أتيتُهم في البَرِّ والماء، حتى آتيَ عليهم، فخرج إليها فأعجَبَه مكانَها، وقيل: كان سببُ ذلك أنَّ المعتصِمَ كان قد أكثَرَ مِن الغِلمان الأتراك، فكانوا لا يزالونَ يَرَون الواحِدَ بعد الواحدِ قتيلًا، وذلك أنَّهم كانوا جفاةً، يركبون الدوابَّ، فيَركُضونَها إلى الشوارع، فيَصدِمون الرجُلَ والمرأةَ والصبيَّ، فيأخُذُهم الأبناءُ عن دوابِّهم، يَضرِبونَهم، وربما هلك أحَدُهم فتأذَّى بهم الناس. ثمَّ إن المعتَصِمَ رَكِبَ يومَ عيد، فقام إليه شيخٌ فقال له: يا أبا إسحاق، فأراد الجندُ ضَربَه، فمنعهم وقال: يا شيخُ، ما لك، ما لك؟ قال: لا جزاك اللهُ عن الجِوارِ خَيرًا، جاوَرْتَنا وجِئتَ بهؤلاء العُلوجِ مِن غِلمانِك الأتراك، فأسكَنْتَهم بيننا، فأيتمْتَ صِبيانَنا وأرمَلْتَ بهم نسوانَنا وقتَلْتَ رِجالَنا؛ والمعتَصِمُ يسمع ذلك، فدخل منزلَه، ولم يُرَ راكبًا إلى مثل ذلك اليومِ، فخرج فصلى بالناس العيدَ، ولم يدخُل بغداد، بل سار إلى ناحيةِ القاطول، ولم يرجِعْ بغداد. قال مسرور الكبير: سألني المعتَصِمُ أين كان الرشيدُ يتنَزَّه إذا ضَجِرَ ببغداد، قلت: بالقاطول، وكان قد بنى هناك مدينةً آثارُها وسورُها قائم، وكان المعتصِمُ قد اصطنع قومًا من أهلِ الحوف بمصر، واستخدمهم وسمَّاهم المغاربة، وجمع خَلقًا من سمرقند، وأشروسنة، وفرغانة، وسمَّاهم الفراغنة، فكانوا من أصحابِه، وبَقُوا بعده، فبُني بها الجامِعُ المشهورُ بمنارته الملْتَوية ذات الدَّرج الخارجي الملتَفِّ على المنارة، ويُذكَرُ أنَّ أصلَ الكلمةِ هو سُرَّ مَن رأى، ثم صارت سامِرَّا.
تقدَّمَ الأفشين حتى شارف الموضِعَ الذي كانت به الوقعةُ في العام الماضي، فاختار ثلاثةَ جبالٍ كان عليها حصونٌ فخُرِّبَت، فسَدَّ الطريقَ إلى تلك الجبال، حتى صارت كالحُصون، وأمر بحفرِ خَندقٍ على كلِّ طريقٍ وراء تلك الحجارةِ، وكان جماعةٌ مِن الخرمية يأتونَ إلى قرب خندق الأفشين فيَصيحون، فلم يترُك الأفشين أحدًا يخرجُ إليهم، فَعَلوا ذلك ثلاثةَ أيام، ثمَّ إنَّ الأفشين كَمَن لهم كمينًا، فإذا جاؤوا ثاروا عليهم، فهَرَبوا ولم يعودوا. وعبَّأ الأفشين أصحابَه، وأمر كلًّا منهم بلزومِ مَوضِعِه، وكان إذا أراد أن يتقدَّمَ إلى المكان الذي كانت به الوقعةُ عام أول، خلَّف بُخاراخذاه على رأسِ العقبة في ألف فارس، وستمائة راجل، يحفظونَ الطريقَ لئلا يأخُذَه الخرمية عليهم. وكان بابك إذا أحس بمجيئِهم وجَّه جمعًا من أصحابه، فيكمُنون في وادٍ تحت تلك العقبة، تحت بخاراخذاه، واجتهد الأفشين أن يعرفَ مكانَ كَمينِ بابك، فلم يعلَمْ بهم، وكان بابك يُخرِجُ عسكره فيقِفُ بإزاء هذه الكراديس، لئلَّا يتقَدَّمَ منهم أحدٌ إلى باب البذ. وكان يفَرِّقُ عساكِرَه كمينًا ولم يبقَ إلَّا في نفر يسير. فصارت مناوشةٌ بين بعض الخرمية وبعض جيش الأفشين كان من سبَبِها تحرُّك الكُمَناء من الخرمية، فقال الأفشين: الحمدُ لله الذي بيَّن مواضِعَ هؤلاء، فأقام الأفشين بخَندَقِه أيامًا فشكا المتطوِّعةُ إليه ضيقَ العلوفة، فوعد الأفشين الناسَ ليوم ذكره لهم، وأمر الناس بالتجهزِ وحَملِ المالِ والزادِ والماء، فاشتبَكَت الحربُ مع بابك طويلًا، فلما دخلت أعلامُ الفراغنة البذ، وصَعِدوا بها القصورَ، رَكِبَ الأفشين وصاح بالنَّاسِ، فدخل، ودخلوا، وصَعِدَ النَّاسُ بالأعلام فوق قصورِ بابك، وكان قد كَمَن في قصوره- وهي أربعةٌ- ستُّمائة رجل، فخرجوا على الناس، فقاتلوهم، ومَرَّ بابك، حتى دخل الواديَ الذي يلي هشتادسر، واشتغل الأفشين ومن معه بالحربِ على أبوابِ القصور، فأحضر النَّفاطين فأحرقوها وهدَمَ النَّاسُ القصور، فقتلوا الخرميَّة عن آخرهم، وأخذ الأفشين أولادَ بابك، وأمَّا بابك فإنه سار فيمن معه، وكانوا قد عادوا إلى البذ، بعد رجوعِ الأفشين، فأخذوا ما أمكَنَهم من الطعام والأموال، ولَمَّا كان الغدُ رجع الأفشين إلى البذ، وأمر بهدم القُصور وإحراقِها، فلم يدع منها بيتًا، وجاءت جواسيسُ الأفشين إليه فأعلموه بموضعِ بابك، فوجَّه الأفشينُ إلى كل موضع فيه طريقٌ إلى الوادي جماعةً من أصحابِه يحفظونَه، وقعد بابك في موضِعِه، فلم يزل في تلك الغيضةِ حتى فَنِيَ زاده، وخرج من بعض تلك الطرق، وسار بمن معه يريدونَ أرمينيةَ، فرآهم حرَّاسُ الأفشين، فلما رأى بابك العساكر ركب هو ومن معه، فنجا هو، وأخذ أبو السَّاجِ مُعاويةً، وأمَّ بابك، فأرسلهم إلى الأفشين. وسار بابك في جبال أرمينيةَ مُستخفيًا، فلقي ابنَ سنباط فأمَّنَه واحتفى به, ثم كتب ابنُ أسباط للأفشين بخبَرٍ بأمر بابك، واتَّفقَ معه على خطَّةٍ لمُداهمة بابك والقبضِ عليه, فبينما بابك وابنُ سنباط يتصيَّدان إذ خرج عليهما أبو سعيدٍ وبورماره في أصحابِهما فأخذوه وساروا به إلى الأفشين، فأدخله الأفشينُ بيتًا ووكَلَ به من يحفَظُه، فحبسه مع أخيه، وكتب إلى المعتَصِم بذلك، فأمره بالقدومِ بهما عليه. وكان وصولُ بابك إلى الأفشين ببرزند لعشرٍ خلون من شوال، وكان الأفشينُ قد أخذ نساءً كثيرةً وصبيانًا كثيرًا ذكروا أنَّ بابك أسَرَهم، وأنهم أحرارٌ من العرب والدَّهاقين، فأمر بهم فجُعلوا في حظيرةٍ كبيرة، وأمرهم أن يكتُبوا إلى أوليائهم، فكلُّ من جاء يعرِفُ امرأةً، أو صبيًّا أو جاريةً، وأقام شاهِدَينِ أخذه، فأخذ الناسُ منهم خلقًا كثيرًا وبقي كثيرٌ منهم.
وقع عِصيانُ أهل طليطِلة على عبدِ الرحمنِ بنِ الحكم بن هشام، صاحِبِ الأندلس، وتم َّإنفاذُ الجيوش لمحاصرتها مرَّةً بعد مرة، فلمَّا كانت هذه السَّنةُ خرج جماعةٌ مِن أهلها إلى قلعةِ رباح، وبها عسكرٌ لعبد الرحمن، فاجتمعوا كلُّهم على حصر طليطلة، وضَيَّقوا عليها وعلى أهلِها وقطعوا عنهم باقيَ مرافِقِهم واشتَدُّوا في محاصرتِهم، فبَقُوا كذلك إلى أن سَيَّرَ عبد الرحمن أخاه الوليدَ بنَ الحكم إليها أيضًا، فرأى أهلَها وقد بلغ بهم الجَهدُ كُلَّ مبلغٍ، واشتد عليهم طولُ الحصار، وضَعُفوا عن القتال والدَّفعِ، فافتتحها قهرًا وعَنوةً، وأمر بتجديدِ القَصرِ على بابِ الِحصنِ الذي كان هُدِّمَ أيَّامَ الحَكَمِ، وأقام بها إلى آخِرِ شعبان من سنة ثلاثٍ وعشرين ومائتين، حتى استقَرَّت قواعِدُ أهلِها وسكَنوا.
خرج توفيل بن ميخائيل ملِكُ الروم إلى بلادِ الإسلام، وأوقع بأهلِ زبطرة وغيرها، وكان سبَبُ ذلك أنَّ بابك لَمَّا ضَيَّقَ الأفشينُ عليه، وأشرف على الهلاك، كتب إلى مَلِك الروم توفيل يُعلِمُه أنَّ المعتَصِمَ قد وجَّهَ عساكِرَه ومقاتليه إليه، ولم يَبقَ على بابِه أحدٌ، فإن أردت الخروجَ إليه فليس في وجهِك أحدٌ يَمنَعُك؛ ظنًّا أن ذلك يخَفِّفُ عنه، فخرج توفيل في مائة ألفٍ، وقيل أكثر، منهم من الجندِ نَيِّفٌ وسبعون ألفًا وبقيَّتُهم أتباع، ومعهم من المحمِّرة الذين كانوا خرجوا بالجبالِ فلَحِقوا بالرُّومِ حين قاتَلَهم إسحاقُ بن إبراهيم بن مصعب، فبلغ زبطرة، فقتَلَ مَن بها من الرجال، وسَبى الذريَّةَ والنِّساءَ، وأغار على أهلِ ملطيَّة وغَيرِها من حصونِ المسلمين، وسبى المُسلِمات، ومَثَّلَ بمن صار في يدِه من المسلمينَ وسَمَل أعيُنَهم، وقطَعَ أنوفَهم وآذانَهم، فخرج إليهم أهلُ الثغورِ مِن الشامِ والجزيرة، إلَّا مَن لم يكن له دابَّةٌ ولا سِلاحٌ.
كان العباسُ بنُ المأمون مع عَمِّه المعتَصِم في غزوةِ عَمُّورية، وكان عجيفُ بن عنبسة قد نَدَّمَه إذ لم يأخُذ الخلافةَ بعد أبيه المأمونِ، ولامَه على مبايعتِه عَمَّه المعتصِمَ ولم يزل به حتى أجابه إلى الفتك بعمِّه وأخذِ البيعةِ من الأمراء له، وجهَّزَ رجلًا يقال له الحارِثُ السَّمَرقندي وكان نديمًا للعبَّاسِ، فأخذ له البيعةَ مِن جماعةٍ مِن الأمراء في الباطنِ، واستوثَقَ منهم وتقَدَّم إليهم أنَّه يلي الفتكَ بعَمِّه، فلما فتحوا عَمُّوريَّة واشتغل الناسُ بالمغانم، أشار عليه أن يقتُلَه، فوعده مَضِيقَ الدَّربِ إذا رجَعوا، فلما رجعوا فَطِنَ المعتَصِمُ بالخبَرِ، فأمر بالاحتفاظِ وقُوَّةِ الحَرَس وأخذَ بالحَزمِ، واجتهد بالعزمِ، واستدعى بالحارِثِ السَّمرقنديِّ فاستقَرَّه فأقَرَّ له بجُملةِ الأمر، وأخْذِ البيعةِ للعبَّاسِ بنِ المأمون من جماعةٍ مِن الأمراء أسماهم له، فاستكثَرَهم المعتَصِمُ واستدعى بابنِ أخيه العبَّاسِ فقَيَّده وغَضِبَ عليه وأهانه، ثم أظهَرَ له أنه قد رَضِيَ عنه وعفا عنه، فأرسَلَه مِن القيدِ وأطلق سراحَه، فلما كان من اللَّيلِ استدعاه واستحكاه عن الذي كان قد دبَّرَه من الأمر، فشرَحَ له القضيَّةَ، وذكر له القِصَّةَ، فإذا الأمرُ كما ذكر الحارِثُ السمرقندي. فلما أصبح استدعى بالحارثِ فأخلاه وسأله عن القضيَّة ثانيًا فذكَرَها له كما ذكرها أوَّلَ مَرَّة، فقال: وَيحَك، إنِّي كنتُ حريصا على ذلك، فلم أجِدْ إلى ذلك سبيلًا بصِدقِك إيَّأي في هذه القِصَّة. ثم أمر المعتَصِمُ حينئذٍ بابن أخيه العبَّاسِ فقُيِّدَ وسُلِّمَ إلى الأفشين، وأمر بعجيف وبقيَّة الأمراءِ الذين ذكرهم فاحتفظَ عليهم، ثم أخَذَهم بأنواعِ النِّقْمات التي اقتَرَحها لهم، فقتَلَ كُلَّ واحدٍ منهم بنوعٍ لم يَقتُل به الآخرَ، ومات العباسُ بنُ المأمون بمنبج، فدفن هناك، وكان سبَبُ موتِه أنَّه أجاعه جوعًا شديدًا، ثم جيءَ بأكلٍ كثيرٍ، فأكلَ منه وطلَبَ الماءَ فمُنِعَ حتى مات، وأمر المعتَصِمُ بلَعْنِه على المنبرِ وسمَّاه اللَّعينَ.
بعد أن أنهى الله فتنةَ بابك الخرمي، وقضى عليه وعلى جيشِه الأفشينُ ومن معه، وقبض على بابك وحَبَسه وراسَلَ المعتَصِمَ فأمره بتسييرهم إليه, فدخل الأفشينُ وبِصُحبتِه بابك على المعتَصِم سامرَّا، ومعه أيضًا أخو بابك في تجمُّلٍ عظيم، وقد أمر المعتَصِمُ ابنَه هارونَ الواثِقَ أن يتلقَّى الأفشين، وأمَرَ بابك أن يركَبَ على فيلٍ ليُشهَرَ أمرُه ويعرفوه، وعليه قباءُ ديباج وقَلَنْسُوة سمور مدورة، وقد هيؤوا الفيل وخَضَبوا أطرافَه ولَبَّسوه من الحرير والأمتعة التي تليق به شيئًا كثيرا، ولَمَّا أُحضِرَ بين يدي المعتَصِم أمر بقطعِ يَدَيه ورجليه وجَزِّ رأسِه وشَقِّ بَطنِه، ثم أمرَ بحَملِ رأسِه إلى خراسانِ وصَلبِ جُثَّته على خشبةٍ بسامِرَّا، وكان بابك قد شَرِبَ الخمرَ ليلةَ قَتلِه. لَمَّا قتَلَ المعتَصِمُ بابك الخرميَّ توَّجَ الأفشينَ وقلَّدَه وِشاحَينِ مِن جوهرٍ، وأطلق له عشرينَ ألفَ ألف درهمٍ، وكتب له بولايةِ السِّندِ، وأمَرَ الشعراءَ أن يدخُلوا عليه فيمدحوه على ما فعلَ مِن الخيرِ إلى المسلمين، وعلى تخريبِه بلادَ بابك التي يقال لها البذُّ، وتَرْكِه إيَّاها قِيعانًا وخَرابًا.
هو بابَك الخُرَّمي (بابک خرمدین) زعيمٌ ديني فارسيٌّ، وقائدُ فرقة الخُرَّميَّة ظهر سنة 201هـ الموافق 816 م، في خلافةِ المأمون العباسي, وكثُرَ أتباعهُ، وقاد ثورةً على العباسيِّينَ بعد مصرعِ أبي مسلم الخراساني، استمَرَّت حوالى عشرينَ سنة، وكان أحد الشُّجعانِ، أخاف الإسلامَ وأهلَه، وهزم الجيوشَ العباسيَّة عشرين سنة، وغلبَ على أذربيجانَ وغَيرِها، وأراد أن يقيم المِلَّةَ المجوسيَّة، وعَظُم البلاء. فأنفق المأمونُ والمعتَصِمُ على حربِ بابك قناطيرَ مُقنطرةً مِن الذهَبِ والفِضَّة، وفي هذه السنة بعث المعتَصِمُ نفقاتٍ إلى جيشِه مع الأفشين، فكانت ثلاثينَ ألف ألف درهم، فكانت الحربُ مع بابك الخرمي فطَحَنه الأفشين، واستباح عسكَرَه، وأُخِذَت البذُّ- مدينةُ بابك- وهرب واختفى في غيضةٍ، ثم أُسِرَ بعد فصولٍ طويلة, ولَمَّا أُحضِرَ بابك بين يدي المعتَصِمَ، أمَرَ بقطع يَدَيه ورِجلَيه وجَزِّ رأسِه وشَقِّ بَطنِه، ثم أمَرَ بحَملِ رأسِه إلى خراسانَ، وصَلْبِ جُثَّتِه على خشبةٍ بسامِرَّا، فقُطِعَ دابِرُ الخرَّميَّة.
هو أبو محمَّد زيادةُ الله بن إبراهيم بن الأغلب أو زيادةُ الله الأوَّل، أميرُ إفريقيَّة، وكان أفصَحَ أهلِ بَيتِه لسانًا وأكثَرَهم أدبًا، وكان يقولُ الشعر، ويرعى الشعراءَ، كانت ولايته من قِبَل المأمون سنة 201هـ، فطالت أيَّامُه واستقام الأمر, وبنى زيادةُ الله في أيَّامِه سُورَ القيروان ودار سوسة وقنطرة باب الربيع، وحِصنَ الرباط بسوسة، وجامعَ القيروان بعد هَدمِه، وأنفق عليه سِتَّة وثمانين ألف دينار، وفتح جزيرةَ صقلِّيَّة على يد قاضيه أسَدِ بن الفرات. كان عمُرُه يوم مات إحدى وخمسين سنة وتسعة أشهر وثمانية أيام، وكانت إمارتُه إحدى وعشرين سنة وسبعة أشهر، وولِيَ بعده أخوه أبو عقالٍ الأغلبُ بنُ إبراهيم بن الأغلب.
لَمَّا فعل الرُّومُ ما فعلوا بأهلِ زبطرة وغيرِها، وكانت فِتنةُ بابك قد انتهت، سار المعتَصِمُ بجَيشِه قاصدًا فتحَ عَمُّوريَّة؛ إذ كانت تعَدُّ من أقوى مُدُنِ الروم، بل ربما كانت بمكانةِ القُسطنطينيَّة، فكان أوَّلَ الأمرِ أن التقى الأفشينُ مع الروم وهَزَمَهم شَرَّ هزيمةٍ، ثم سار المعتَصِمُ والأفشين وأشنان، كلٌّ على رأس جيشٍ، متوجِّهينَ إلى عمُّورية وكانت حصينةً ذاتَ سورٍ منيعٍ وأبراجٍ تحَصَّنَ أهلُها فيها، فنصَبَ المنجنيقَ وهدَمَ السُّورَ مِن جهةٍ كانت ضعيفةً دلَّهم عليها أحدُ الأسرى، فبعث نائِبُ البلد لمَلِك الروم كتابًا يُعلِمُه بالأمرِ، ولكن الكتابَ لم يَصِلْ حيث قُبِضَ على الغلامينِ اللذين كان معهما الكتابُ، ثم زاد الضربُ بالمنجنيق حتى انهدم ذلك الجزءُ، لكنه لا يزالُ صَغيرًا على دخولِ الجَيشِ، ثمَّ إنَّ الموكَّلَ بحِفظِ ذلك البرجِ مِن الروم لم يستَطِع الصمودَ، فنزل للقتال ولم يعاوِنْه أحدٌ من الروم, فأمر المعتَصِمُ المسلمين أن يدخلوا البلدَ مِن تلك الثغرةِ التي قد خلت من المقاتِلة، فركب المسلِمونَ نَحوَها، فجَعَلَت الرومُ يُشيرون إليهم ولا يَقدِرونَ على دفاعِهم، فلم يلتَفِت إليهم المُسلِمون، ثم تكاثروا عليهم ودخَلوا البلد قهرًا، وتتابع المسلمونَ إليها يكَبِّرونَ، وتفَرَّقَت الرومُ عن أماكِنِها، فجعل المسلِمونَ يَقتُلونهم في كلِّ مكانٍ حيث وجدوهم، وقد حَشَروهم في كنيسةٍ لهم هائلةٍ ففتحوها قَسرًا وقتلوا من فيها وأحرقوا عليهم بابَ الكنيسةِ، فاحتَرَقت فأُحرِقوا عن آخِرِهم، ولم يبقَ فيها موضِعٌ محصَّنٌ سوى المكانِ الذي فيه نائب عمورية إلى ملك الروم واسمه مناطس في، ثم أُنزِلَ مُهانًا وأَخَذَ المسلمونَ من عمُّورية أموالًا لا تحَدُّ ولا تُوصَفُ، فحَمَلوا منها ما أمكن حمْلُه، وأمر المعتَصِمُ بإحراقِ ما بقيَ من ذلك، وبإحراقِ ما هنالك من المجانيقِ والدبَّابات وآلات الحربِ؛ لئلَّا يتقوَّى بها الرومُ على شيءٍ مِن حربِ المسلمين، ثم انصرف المعتَصِمُ راجعًا إلى ناحية طرسوس.
خرج رجلٌ بآمل طبرستان يقال له مازيار بن قارن بن يزداهرمز، وكان لا يرضى أن يدفَعَ الخراجَ إلى نائب خراسان عبد الله بن طاهر بن الحُسَين، بل يبعثه إلى الخليفةِ ليقبِضَه منه، فيبعث الخليفةُ من يتلقى الحملَ إلى بعض البلاد ليقبِضَه منه ثم يدفَعُه إلى ابن طاهر، ثم آل أمرُه إلى أن وثب على تلك البلادِ وأظهر المخالفةَ للمُعتَصِم، وقد كان المازيار هذا ممَّن يكاتب بابك الخرميَّ ويَعِدُه بالنصر، ويقال: إنَّ الذي قوَّى رأس مازيار على ذلك الأفشينُ لِيَعجِزَ عبدُ الله بن طاهر عن مقاومتِه فيُولِّيه المعتصِمُ بلاد خراسان مكانَه، فبعث إليه المعتصِمُ محمَّدَ بن إبراهيم بن مصعب- أخا إسحاقَ بن إبراهيم- في جيشٍ كثيف، فجرت بينهم حروبٌ طويلةٌ، وكان آخِرَ ذلك أسْرُ المازيارِ وحَملُه إلى ابنِ طاهر، فاستقَرَّه عن الكتب التي بعثها إليه الأفشينُ فأقَرَّ بها، فأرسله إلى المعتَصِمُ وما معه من أموالِه التي احتُفِظَت للخليفة، وهي أشياءُ كثيرةٌ جِدًّا من الجواهر والذهَبِ والثياب، فلما أُوقِفَ بين يدي الخليفةِ سأله عن كتُبِ الأفشين إليه فأنكَرَها، فأمر به فضُرِبَ بالسياط حتى مات، وكان ذلك عام 225هـ، وصُلِبَ إلى جانبِ بابك الخرمي على جسرِ بغداد، وقُتِلَ عُيونُ أصحابِه وأتباعِه.
لَمَّا فرَغَ الأفشينُ مِن بابك وعاد إلى سامِرَّا استَعمَلَ على أذربيجان منكجورَ- وهو من أقارِبِه- فوجد في بعض قرى بابك مالًا عظيمًا ولم يُعلِمْ به المعتَصِم، ولا الأفشين، فكتب صاحِبُ البريد إلى المعتَصِم، وكتب منكجور يُكَذِّبه، فتناظرا، فهم منكجور ليقتُلَه، فمنعه أهلُ أردبيل، فقاتَلَهم منكجور، وبلغ ذلك المعتَصِم، فأمر الأفشينَ بعزل منكجور، فوجَّه قائدًا في عسكرٍ ضَخمٍ، فلما بلغ منكجورَ الخبَرُ خلع الطاعةَ، وجمع الصعاليكَ، وخرج من أردبيل، فواقعه القائِدُ فهَزَمه، وسار منكجورُ إلى حِصنٍ من حصون أذربيجان التي كان بابك خَرَّبها، فبناه وأصلَحَه وتحَصَّن فيه، فبَقِيَ به شهرًا، ثم وثَبَ به أصحابُه، فأسلَمَه إلى قائدِ الأفشين، فقَدِمَ به إلى سامِرَّا فحبَسَه المعتصم، واتَّهَمَ الأفشينَ في أمره، وكان قدومه سنة خمس وعشرين ومائتين، وقيل: إن ذلك القائِدَ الذي أنفذ إلى منكجور كان بغا الكبيرَ، وإن منكجور خرج إليه بأمانٍ.
سيَّرَ عبدُ الرحمن بن الحَكَم عبدَ اللهِ المعروفَ بابنِ البَلنسيِّ إلى بلادِ العَدُوِّ، فوصلوا إلى "ألبة" والقلاعِ، فخرج المشركونَ إليه في جَمعِهم، وكان بينهم حربٌ شديدة وقتالٌ عظيم، فانهزم المشركونَ، وقُتلَ منهم ما لا يُحصى، وجُمِعَت الرؤوس أكداسًا، وفي هذه السنة أيضًا خرج لذريق في عسكَرِه، وأراد الغارةَ على مدينةِ سالم من الأندلس، فسار إليه عبدُ الرحمن بن الحَكَم فوتون بن موسى في عسكَرٍ جرار، فلَقِيَه وقاتَلَه، فانهزم لذريقُ وكَثُر القتلُ في عسكَرِه، وسار فوتون إلى الحصنِ الذي كان بناه أهلُ ألبة بإزاء ثُغورِ المسلمين، فحَصَره، وافتَتَحه وهَدَمه.
هو القاسِمُ بنُ سلَّام الهروي الأزدِيُّ ولاءً، ولد بمدينة هراة سنة 157هـ, أحد أئمَّة اللُّغة والفقه والحديثِ، والقرآن والأخبار وأيَّام الناس، كان أبوه عبدًا روميًّا, فطلب أبو عبيدٍ العِلمَ وسَمِعَ الحديثَ ودرسَ الأدبَ والفقه، ثم ارتحل إلى العراقِ نحوَ سنة 176هـ، له المصنَّفات المشهورة المنَتِشرة بين الناس، حتى يقال: إنَّ الإمامَ أحمدَ كتب كتابَه الغريبَ بِيَدِه- وهو أشهر كتُبِه- قال هلالُ بن العلاء الرقي: "مَنَّ الله على المسلمينَ بهؤلاء الأربعة: الشافعيُّ، تفَقَّه في الفقه والحديث، وأحمدُ بن حنبل في المحنة، ويحيى بن مَعينٍ في نفي الكَذِب، وأبو عُبَيد في تفسيرِ غَريبِ الحديثِ، ولولا ذلك لاقتحم النَّاسُ المهالِكَ"، وكان أبو عبيدٍ قد ولد بهراة، وأقام في بغداد، ثم انتقل إلى مصر، وكانت وفاتُه بمكَّة- رحمه اللهُ تعالى، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خيرًا.
هي ثاني دولة مستقِلَّة تقوم في اليمَنِ ويُنسَبُ اليعفريون إلى الملوك الحِمْيَريين، ويعتبر يعفرُ بن عبد الرحيم المؤسِّسَ الفعليَّ لهذه الدولة، وكان الخليفةُ المعتَمِد قد عيَّنه عاملًا على صنعاءَ قبل أن يستقِلَّ بالسلطة ويؤسِّسَ الدولة، ولكِنَّ الخلافاتِ نَشَبت بين أفراد الأسرة اليعفريَّة، فضَعُف مركزُها لتنتهي لاحقًا وتدخُلَ في طاعة دولة الأئمَّة. في آخِرِ عهدِ المتوكِّلِ ابتدأت الدولةُ اليعفرية بصنعاء، وكان جَدُّهم عبدُ الرحيم بن إبراهيم الحوالي نائبًا عن جعفرِ بنِ سليمان بن علي الهاشميِّ، الذي كان واليًا للمعتَصِم على نجدٍ واليمَنِ وصَنعاءَ وما إليها، ولَمَّا توفي عبد الرحيم قام في الولايةِ مقامَه ابنُه يعفر بن عبد الرحيم، وهو رأس الدولة ومبدأُ استقلالِها إلَّا أنَّه كان يهابُ آلَ زياد ويدفَعُ لهم خَراجًا يُحمَلُ إلى زَبيدٍ، كأنَّه عامِلٌ لهم ونائبٌ عنهم، وكان ابتداءُ استقلالِ يعفر بن عبد الرحيم سنة 247هـ، واستمَرَّ مُلْكُ صنعاءَ في أعقابِه إلى سنة 387هـ
هو أبو عِقالٍ الأغلَبُ بن إبراهيم بن أغلب، أخو زيادة الله، كانت ولايتُه من قِبَل المعتَصِم بالله، وهو رابِعُ أمراء إفريقية مِن بني الأغلَبِ، ولم تطُلْ مُدَّةُ أيامِه، كانت ولايتُه سنتين وسبعةَ أشهر وسبعة أيَّام, لَمَّا تولَّى أبو عقالٍ أحسَنَ إلى الجند، وأزال مظالمَ كثيرةً، وزاد العُمَّالَ في أرزاقهم، وكَفَّ أيديَهم عن الرعية، وقطَعَ النَّبيذَ والخَمرَ عن القيروان. وكانت أيَّامُه أيَّامَ دَعةٍ وسكونٍ سوى عام 224هـ؛ انتفَضَ بعضُ الخوارجِ فسَيَّرَ إليهم عيسى بن ربعان فأخضَعَهم، ولَمَّا توفِّيَ ولِيَ أبو العباسِ محمَّد بن الأغلب بن إبراهيم بن الأغلب بلادَ إفريقيَّة بعد وفاةِ والده، ودانت له إفريقيَّة.
هو حَيدرُ بنُ كاوس الملقَّب بالأفشين، أصلُه من التُّرك مِن أشروسنة تركستان، كان مجوسيًّا مِن سُلالةِ حُكَّام أشروسنة، اعتنق الإسلامَ زمنَ المأمونِ وأقام ببغدادَ عند المعتصِم، وعَظُم محلُّه عنده, وهو من كِبارِ قادةِ المأمونِ والمعتَصِم، تولى إخمادَ الكثيرِ مِن الفِتَن والثَّوراتِ، وأهمُّها ثورةُ بابك الخرمي، ولكن كان يطمَحُ لتولِّي خُراسان بدل عبدالله بن طاهرٍ، فقيل: إنَّه هو الذي حرَّضَ المازيار للخروجِ على ابنِ طاهرٍ حتى يولِّيَه المعتَصِمُ حَربَه، ومِن ثمَّ ولايةَ خُراسان، ولَمَّا قُبِض على المازيار أقَرَّ بكُتُب الأفشين له، فغَضِبَ المعتَصِمُ منه وأمر بالقبضِ عليه، فتمَّ ذلك ليلًا فحبَسَه ثمَّ عَمِلَ له مجلِسَ قَضاءٍ بحُضورِ أحمدَ بنِ أبي دؤاد المعتزلي، ووزيرِه محمَّد بن عبد الملك بن الزيَّات، ونائبِه إسحاقَ بنِ إبراهيم بن مصعب، فاتُّهِم الأفشينُ في هذا المجلس بأشياءَ تدُلُّ على أنَّه باقٍ على دينِ أجدادِه مِن الفُرسِ، وكان ذلك في أواخِرِ عام 225هـ، ثم بقي في السجنِ إلى أن مات فيه، ثم أُخرِجَ فصُلِبَ بجَنبِ بابك الخرمي ثمَّ أُنزِلَ وأُحرِقَ.
خرج بفلسطينَ المُبرقَعُ أبو حربٍ اليمانيُّ الذي زعَمَ أنَّه السُّفياني، فدعا بالأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المنكرِ أولًا، إلى أن قَوِيَت شَوكتُه، فادعى النبوَّةَ. وكان سببُ خُروجِه أن جنديًّا أراد النزولَ في داره، فمنَعَتْه زوجتُه، فضَرَبها الجنديُّ بسوطٍ فأثَّرَ في ذراعها، فلما جاء المُبرقَعُ شكَت إليه، فذهب إلى الجنديِّ فقَتَله وهَرَب، ولَبِسَ بُرقعًا لئلَّا يُعرَف، ونزل جبالَ الغَور مُبرقَعًا، وحَثَّ الناسَ على الأمرِ بالمعروف والنهيِ عن المنكر، فاستجاب له قومٌ مِن فلَّاحي القُرى، وقَوِيَ أمرُه، فسار لحَربِه رجاءُ الحضاريُّ- أحدُ قُوَّاد المعتَصِم- في ألفِ فارسٍ، وأتاه فوجَده في مائةِ ألفٍ، فعسكر بإزائِه ولم يجسِرْ على لقائِه. فلمَّا كان أوانُ الزِّراعةِ تفَرَّقَ أكثَرُ أصحابِه في فلاحتِهم وبَقِيَ في نحو الألفينِ، فواقعه عند ذلك رجاءُ الحضاريُّ المذكور، وأسَرَه وحبَسَه حتى مات خنقًا في آخِرِ هذه السَّنةِ.
لَمَّا مات المعتَصِم ثارت القيسيَّة بدمشقَ وعاثوا وأفسَدوا وحَصَروا أميرَهم، فبعث الواثِقُ إليهم رجاءَ بنَ أيوب الحضاري، وكانوا مُعسكِرينَ بمَرج راهط، فنزل رجاءٌ بدير مران، ودعاهم إلى الطاعةِ، فلم يَرجِعوا فواعَدَهم الحربَ بدَومة يومَ الاثنين. فلما كان يومُ الأحد، وقد تفَرَّقت، سار رجاءٌ إليهم، فوافاهم وقد سار بعضُهم إلى دومة، وبعضُهم في حوائجه، فقاتَلَهم وقتل منهم نحوَ ألف وخمسمائة، وقُتِلَ مِن أصحابِه نحوُ ثلاثمائة، وهرَبَ مُقَدَّمُهم ابنُ بيهس، وصَلَحَ أمرُ دمشق.
هو أبو إسحاقَ محمَّد المعتَصِم بالله بن هارون الرَّشيد بن محمد المهدي بن عبد الله المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، ثامِنُ الخُلَفاءِ العباسيِّينَ، وُلِدَ سنة 179ه يوم الخميسِ لثماني عشرة مَضَت من ربيع الأول، بُويع بالخلافةِ يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلةً بَقِيَت من رجب سنة ثماني عشرة ومائتين، وبعد ذلك بأيَّامٍ اجتمع جماعةٌ من الجند وشغَّبوا وتحدَّثوا في بيعةِ العبَّاسِ بنِ المأمونِ وأظهروا خلافَ المعتَصِم، ومَضَوا بأسْرِهم إلى مضارِبِ العبَّاسِ فخرج إليهم وقال لهم: أيَّ شيءٍ تُريدونَ منِّي؟ قالوا: نبايعُك بالخلافةِ، قال: أنا قد بايعتُ عمِّي ورَضيتُ به، وهو كبيرى وعندي بمنزلةِ المأمونِ، فانصرفوا خائبينَ، واستمَرَّت في عهدِه فِتنةُ القَولِ بخَلقِ القُرآن, وإنَّما حثَّ المعتَصِمَ على ذلك وحمَلَه على ما فعل به أحمَدُ بنُ أبى دؤادَ؛ لأنَّه كان معتزليًّا، وكان الإمامُ أحمدُ إمامَ السُّنَّة. وحين أحضَرَه المعتَصِم بين يديه سلَّم وتكلَّم بكلامٍ أعجب النَّاسَ، فالتَفَت المعتَصِمُ إلى ابنِ أبى دؤاد، وقال: ذكرتُم أنَّ الرجُلَ عامِّيٌّ، وأراه يذكُرُ بَيتًا قديمًا وشهد له كلُّ من حضر بأنَّه مِن سُراةِ بني شَيبانَ، ثمَّ قال: وذكَرْتُم لي أنَّه جاهِلٌ، وما أراه إلَّا مُعرِبًا فَصيحًا، فأكرَمَ الإمامَ أحمدَ. وكان الإمامُ أحمَدُ بنُ حنبل إلى أن مات يُثني على المعتَصِم ويذكُرُ فِعلَه به ويترحَّمُ عليه. غزا المعتَصِمُ مدينةَ عَمُّوريَّة، وهي من أعظَمِ مُدُنِ الرُّوم كالقُسطنطينيَّة لرَدِّ عدوانِ مَلِك الرومِ على المسلمينَ في زبطرة، فكانت غزوةً مشهورةً نصر اللهُ فيها الإسلامَ والمُسلِمينَ، وكان بدءُ عِلَّتِه أنَّه احتجم أوَّلَ يومٍ في المحَرَّم، واعتَلَّ عِندَها،وكانت خلافتُه ثماني سنينَ وثمانية أشهُر ويومين، وتوفِّيَ بمدينةِ سامِرَّاء.