كان الطَّاعونُ ببِلادِ الهِندِ والعَجَمِ، وعَظُمَ إلى الغاية، وكان أكثَرُه بغُزنة وخراسان وجرجان والريِّ وأصبهان ونواحي الجَبَل إلى حلوان، وامتَدَّ إلى المَوصِل والجزيرة وبغداد، ثمَّ امتَدَّ إلى شيراز، وتَبِعَه غلاءٌ شديد، واستسقى النَّاسُ فلم يُسْقَوا، وكان عامًّا في جميعِ البلادِ، وكَثُرَ المَوتُ، فدُفِنَ في أصبهانَ في عِدَّةِ أيَّامٍ أربعونَ ألفَ مَيِّتٍ، وكَثُرَ الجُدريُّ في النَّاسِ فأُحصي بالموصِلِ أنَّه مات به أربعةُ آلاف صبي، ولم تخْلُ دارٌ مِن مصيبةٍ لعُمومِ المصائِبِ وكثرةِ الموت، وممَّن أُصيبَ بالجُدريِّ الخليفةُ القائِمُ بأمرِ اللهِ ثمَّ سَلِمَ.
تجدَّدت الفِتنةُ بين جلالِ الدَّولةِ البُويهي وبين الأتراك، فأغلَقَ بابه، فجاءت الأتراكُ ونهبوا دارَه، وسلبوا الكُتَّابَ وأربابَ الديوانِ ثيابَهم، وطلبوا الوزيرَ أبا إسحاقَ السهلي، فهرب إلى حلةِ كمال الدَّولةِ غريب بن محمد، وخرج جلالُ الدَّولة إلى عكبرا في شهرِ ربيعٍ الآخر، وخطب الأتراكُ ببغداد للمَلِك أبي كاليجار، وأرسلوا إليه يطلبونَه وهو بالأهواز، فمَنَعه العادلُ بن مافنة عن الإصعادِ إلى أن يحضُرَ بعضُ قوادهم، فلمَّا رأوا امتناعَه من الوصول إليهم، أعادوا خُطبةَ جلال الدَّولة، وساروا إليه، وسألوه العَودَ إلى بغداد، واعتذروا، فعاد إليها بعدَ ثلاثة وأربعينَ يومًا.
ثارت الأتراك بالمَلِك جلالِ الدَّولة البويهي ليأخُذوا أرزاقَهم، وأخرجوه من دارِه، ورسَموا عليه في المسجِدِ، وأُخرِجَت حريمُه، فذهب في اللَّيلِ إلى دار الشَّريفِ المرتضى فنزلها، ثمَّ اصطلحت الأتراكُ عليه وحَلَفوا له بالسَّمعِ والطاعة، وردُّوه إلى دارِه.
ثار العَيَّارون ببغداد -والعَيَّارون لصوصٌ يَمتَهِنونَ النَّهبَ والدعارةَ - وأخذوا أموالَ النَّاسِ ظاهرًا، وعَظُم الأمرُ على أهلِ البَلَدِ، وطَمِعَ المُفسِدونَ إلى حَدِّ أنَّ بعضَ القُوَّادِ الكِبارِ أخَذَ أربعةً مِن العيَّارينَ، فجاء عقيدُهم وأخذَ مِن أصحابِ القائِدِ أربعةً، وحضر بابَ دارِه ودقَّ عليه الباب، فكَلَّمَه من داخل، فقال العقيدُ: قد أخذتُ مِن أصحابِك أربعةً، فإنْ أطلقْتَ مَن عندَك أطلقتُ مَن عندي، وإلَّا قَتلْتُهم، وأحرَقْتُ دارَك! فأطلَقَهم القائد.
لَمَّا استقَرَّ المُلكُ لمسعود بن سبكتكين بعد أبيه أقرَّ بما كان قد فتَحَه أبوه من الهندِ نائبًا يُسمَّى أحمد ينالتكين، وقد كان أبوه محمَّد استنابه بها ثقةً بجَلَدِه ونَهضَتِه، فرَسَخت قَدَمُه فيها، وظَهَرت كِفايته. ثمَّ إنَّ مسعودًا بعد فراغِه مِن تقرير قواعِدِ المُلك، والقَبضِ على عَمِّه يوسف والمخالفين له، سار إلى خراسان عازمًا على قَصدِ العراق، فلمَّا أبعد عصى ذلك النائِبُ بالهند، فاضطُرَّ مسعودٌ إلى العودة، فأرسَلَ إلى علاء الدَّولة بنِ كاكويه. وأمَّرَه على أصبهان على مالٍ يؤدِّيه إليه كلَّ سنة، وكان علاء الدَّولة قد أرسل يطلُبُ ذلك، فأجابه إليه، وأقَرَّ ابنَ قابوس بن وشمكير على جرجان وطبرستان على مالٍ يؤدِّيه إليه، وسَيَّرَ أبا سهل الحمدوني إلى الرَّيِّ للنظَرِ في أمورِ هذه البلاد الجبليَّة، والقيامِ بحفظها، ولَمَّا سار أبو سهل إلى الريِّ أحسَنَ إلى النَّاسِ، وأظهَرَ العدل، فأزال الأقساطَ والمصادراتِ، وكان تاش فراش والي الرَّيِّ السابقِ قد ملأ البلادَ ظُلمًا وجَورًا، حتى تمنَّى الناسُ الخلاصَ منه ومِن دولة ابن سبكتكين، وخَرِبت البلادُ، وتفَرَّق أهلُها، فلمَّا وَلِيَ الحمدوني، وأحسن وعَدَل، عادت البلادُ فعَمَرت، والرَّعيَّة أمِنَت، وكان الإرجافُ شديدًا بالعراق لَمَّا كان المَلِك مسعود بنيسابور، فلمَّا عاد سكن النَّاس واطمأنُّوا.
فتح السُّلطانُ مسعود بن محمود بن سبكتكين قلعةَ سرستي وما جاورها من بلاد الهندِ، وكان سبَبُ ذلك عصيانَ نائِبِه بالهند أحمد ينالتكين عليه ومَسيره إليه، فلمَّا عاد أحمد إلى طاعتِه أقام بتلك البلادِ طويلًا حتى أَمِنَت واستقَرَّت، وقصد قلعةَ سرستي، وهي مِن أمنَعِ حُصون الهند وأحصَنِها، فحَصَرها، وقد كان أبوه حَصَرها غيرَ مَرَّة، فلم يتهيَّأْ له فتحُها، فلمَّا حَصَرها مسعود راسلَه صاحِبُها، وبذل له مالًا على الصُّلحِ، فأجابه إلى ذلك وكان فيها قومٌ من التجَّار المسلمين، فعَزَم صاحِبُها على أخذِ أموالهم وحَمْلها إلى مسعودٍ من جملة القرارِ عليه، فكتب التجَّار رقعةً في نشابة ورموا إليه يُعَرِّفونه فيها ضَعفَ الهنود بها، وأنَّه إن صابَرَهم مَلَكَهم، فرجع عن الصُّلحِ إلى الحَربِ، وطَمَّ خَندقَها بالشَّجَر وقَصَبِ السكر وغيره، وفتح اللهُ عليه، وقَتَل كلَّ من فيها، وسبى ذراريَّهم، وأخذ ما جاورها من البلادِ، وكان عازمًا على طولِ المقامِ والجهاد، فأتاه من خراسان خبَرُ اجتياح الغز التركمان بلادَه، فعاد إلى غزنة.
كانت قلعةُ بركوي المتاخِمةُ للأرمن في يَدِ أبي الهيجاء بن ربيب الدَّولة، ابنِ أخت وهسوذان بن مملان، فتنافَرَ هو وخاله، فأرسل خالُه إلى الرومِ فأطمعهم فيها، فسَيَّرَ مَلِكُ الروم إليها جمعًا كثيرًا فمَلَكوها، فبلغ الخبَرُ إلى الخليفة العباسي القائمِ بأمرِ الله، فأرسل إلى أبي الهيجاءِ وخالِه مَن يُصلِحُ بينهما ليتَّفِقا على استعادةِ القلعةِ، فاصطلحا، ولم يتمَكَّنا من استعادتِها، واجتمع إليهما خلقٌ كثيرٌ مِن المتطَوِّعة، فلم يقدروا على ذلك؛ لثباتِ قَدَمِ الرُّومِ بها.
جمع ابنُ وثَّاب النميري جمعًا كثيرًا من العَرَبِ وغيرِهم، واستعان بمَن بالرَّها مِن الرُّومِ على المُسلِمينَ، فسار معه منهم جيشٌ كثيفٌ، وقصَدَ بلَدَ نصرِ الدَّولة أحمدَ بنِ مروان الكردي صاحِبِ ديارِ بكر، ونهب وأخرب. فجمَع ابنُ مروان جموعَه وعساكِرَه واستمَدَّ قرواشًا أميرَ بني عقيلٍ وغَيرَه، وأتته الجنودُ مِن كلِّ ناحية، فلما رأى ابنُ وثاب ذلك وأنَّه لا يتِمُّ له غَرَضٌ عاد عن بلادِه، وأرسل ابنُ مروان إلى ملِك الرُّومِ يعاتِبُه على نَقضِ الهُدنةِ وفَسْخِ الصُّلحِ الذي كان بينهما، وراسل أصحابَ الأطرافِ يَستنجِدُهم للغَزاة، فكَثُر جمعُه من الجند والمتطَوِّعة، وعزم على قَصْدِ الرَّها ومحاصَرتِها، فوردت رسُلُ ملك الروم يعتَذِرُ، ويحلِفُ أنَّه لم يعلمْ بما كان، وأرسَلَ إلى عسكَرِه الذين بالرَّها والمُقَدَّم عليهم يُنكِرُ ذلك، وأهدى إلى نصرِ الدَّولة هديةً سَنِيَّةً، فترك ما كان عازمًا عليه من الغَزوِ، وفرَّق العساكِرَ المجتَمِعةَ عنده.
وَهَن أمرُ الخلافةِ والسَّلطَنةِ ببغداد، حتى إنَّ بَعضَ الجُندِ خَرَجوا إلى قريةِ يحيى، فلَقِيَهم أكراد، فأخَذوا دوابَّهم، فعادوا إلى حَقلِ الخليفةِ القائِمِ بأمر الله، فنَهَبوا شيئًا من ثَمَرتِه، وقالوا للعاملينَ فيه: أنتم عَرَفتم حالَ الأكرادِ ولم تُعلِمونا، فسَمِعَ الخليفةُ الحالَ، فعَظُمَ عليه، ولم يَقدِرْ جلال الدَّولة البويهيُّ على أخذِ أولئك الأكراد لعَجزِه ووَهَنِه، واجتهدَ في تسليمِ الجُندِ إلى نائبِ الخليفة، فلم يُمكِنْه ذلك، فتقَدَّم الخليفةُ إلى القُضاةِ بتَركِ القَضاءِ والامتناعِ عنه، وإلى الشُّهودِ بتَركِ الشهادةِ، وإلى الفُقَهاءِ بترك الفتوى، فلمَّا رأى جلالُ الدَّولة ذلك سأل أولئك الأجنادَ ليُجيبوه إلى أن يحمِلَهم إلى ديوانِ الخلافة، ففعلوا، فلمَّا وصلوا إلى دار الخلافةِ أُطلِقوا، وعَظُمَ أمرُ العيَّارين– العَيَّارون لصوصٌ يَمتَهِنونَ النَّهبَ والدعارةَ - وصاروا يأخُذونَ الأموالَ ليلًا ونهارًا، ولا مانِعَ لهم؛ لأنَّ الجُندَ يَحمونَهم على السُّلطانِ ونُوَّابه، والسلطان عاجِزٌ عن قَهرِهم، وانتشر العربُ في البلادِ فنهبوا النواحيَ، وقطعوا الطريقَ، وبلغوا إلى أطرافِ بغداد، حتى وصلوا إلى جامِعِ المنصور، وأخذوا ثيابَ النساءِ مِن المقابرِ.
كان مَسعودُ الغزنوي قد أقرَّ دارا بن منوجهر بن قابوس على جرجانَ وطبرستان، وتزوَّج أيضًا بابنةِ أبي كاليجار القوهي، مقدَّم جيشِ دارا، فلمَّا سار إلى الهند منعوا ما كان استقَرَّ عليهم من المال، وراسلوا علاءَ الدَّولة بن كاكويه وفرهاذ بالاجتماعِ على العصيان والمخالفة، وقَوِيَ عزمُهم على ذلك ما بلَغَهم من خروج الغز بخراسان، فلما عاد مسعودٌ من الهند وأجلى الغزَّ وهَزَمهم سار إلى جرجان فاستولى عليها وملَكَها، وسار إلى آمل طبرستان، وقد فارقها أصحابُها، واجتمعوا بالغياضِ والأشجارِ الملتَفَّةِ، الضيَّقة المدخَل، الوَعرةِ المسلَكِ، فسار إليهم واقتحَمَها عليهم فهَزَمهم وأسَرَ منهم وقتل، ثم راسَلَه دارا وأبو كاليجار، وطلبوا منه العَفوَ وتقريرَ البلاد عليهم، فأجابَهم إلى ذلك، وحملوا من الأموالِ ما كان عليهم، وعاد إلى خراسان.
ثار الجُندُ الأتراكُ ببغدادَ على جلالِ الدَّولةِ البُويهيِّ الشيعيِّ، وأرادوا إخراجَه منها، فاستنظَرَهم ثلاثة أيام، فلم يُنظِروه، ورَمَوه بالآجُرِّ، فأصابه بعضُهم، واجتمع الغِلمانُ فرَدُّوهم عنه، فخرَجَ من بابٍ لطيفٍ في سميرية- نوعٍ مِن السفُنِ- مُتنكِّرًا، وصَعِدَ راجلًا منها إلى دارِ المرتضى بالكرخ، وخرج من دار المرتضى، وسار إلى رافعِ بنِ الحُسَين بن مقن بتكريت، وكسَر الأتراكُ أبوابَ داره ودخلوها ونَهَبوها، وقلعوا كثيرًا من ساجِها وأبوابِها، فأرسل الخليفةُ إليه، وقرَّرَ أمرَ الجندِ وأعاده إلى بغداد.
اجتَمَعت زناتة بإفريقيَّة، وزحَفَت في خيلِها ورَجِلِها يريدونَ مدينة المنصورة، فلَقِيَتهم جيوشُ المعز بن باديس، صاحِبِ إفْريقيَّة، بموضعٍ يقال له الجفنة قريبٍ من القيروان، فاقتتلوا قتالًا شديدًا، وانهزمت عساكرُ المعِزِّ، ففارقت المعركةَ، وهم على حامية، ثم عاودوا القتالَ، وحَرَّض بعضُهم بعضًا فصَبَرت صنهاجة، وانهزمت زناتة هزيمةً قبيحة، وقُتِلَ منهم عددٌ كثير، وأُسِرَ خَلقٌ عظيمٌ، وتُعرَف هذه الوقعةُ بوقعة الجفنة، وهي مشهورةٌ لعِظَمِها عندهم.
لَمَّا نَشَبت فتنةٌ في طُلَيطلة قام أهلُها بإنهاء حُكمِ ابنِ يعيش، واستدعوا عبد الرَّحمن بن ذي النون أميرَ شنتمرية لتولِّي رئاسة مدينتهم، فأرسل ابنَه إسماعيل فكان أوَّلَ مَن حكم طُلَيطلة من بني ذي النُّونِ، فأحسن إدارتَها إلى أن مات، فتولَّى بعده ابنُه المأمون. هذه بدايةُ قيام دولةِ ذي النون في طُلَيطلة.
اجتمع ابنُ وثَّاب النميري صاحِبُ حران وقريبُه ابن عطير النميري، وأمدَّهما نصر الدَّولة بنُ مروان بعسكرٍ كثيف، فساروا جميعُهم إلى السُّويداء جنوب دمشق، وكان الرومُ قد أحدثوا عمارتَها في ذلك الوقت، واجتمع إليها أهلُ القرى المجاورةِ لها، فحصرها المسلمون وفتحوها عَنوةً، وقتلوا فيها ثلاثةَ آلاف وخمسَمِئَة من الرومِ، وغَنِموا ما فيها، وسَبَوا خلقًا كثيرًا، وقَصَدوا الرَّها فحصروها، وقطعوا الميرةَ عنها، حتى بلغ مكوكُ الحنطة دينارًا، واشتَدَّ الأمر، فخرج البطريقُ الذي فيها متخفِّيًا، ولحق بمَلِك الرومِ، وعَرَّفه الحالَ، فسَيَّرَ معه خمسةَ آلاف فارس، فعاد بهم، فعَرَف ابن وثاب ومُقَدَّم عساكر نصر الدَّولة الحالَ، فكَمَنا لهم، فلمَّا قاربوهم خرج الكمينُ عليهم، فقُتِلَ من الروم خلقٌ كثير، وأُسِرَ مِثلُهم، وأُسِرَ البطريقُ وحُمِلَ إلى باب الرَّها، وقالوا لِمَن فيها إمَّا أن تفتحوا البلدَ لنا، وإمَّا قتَلْنا البطريقَ والأسرى الذين معه. ففتحوا البلدَ للعجزِ عن حفظه، وتحصَّن أجنادُ الروم بالقلعةِ، ودخل المسلمون الرَّها، وغَنِموا ما فيها، وامتلأت أيديهم من الغنائمِ والسَّبيِ، وأكثروا القتلَ، وأرسل ابنُ وثاب إلى آمد مِئَة وستين راحلةً عليها رؤوسُ القتلى وأقام مُحاصِرًا للقلعة، ثمَّ إنَّ حسَّان بن الجرَّاح الطائي سار في خمسةِ آلاف فارس من العرَبِ والروم نجدةً لِمَن بالرَّها، فسَمِعَ ابن وثاب بقربه، فسار إليه مجِدًّا ليلقاه قبل وصوله، فخرج من الرَّها الروم إلى حران، فقاتَلَهم أهلها، وسَمِعَ ابن وثاب الخبر فعاد مسرعًا، فوقع على الرومِ، فقتل منهم كثيرًا، وعاد المنهزِمونَ إلى الرَّها.
هو الظاهِرُ لإعزازِ دينِ الله أبو الحَسَن عليُّ بن أبي علي المنصور الحاكم الفاطمي العُبيدي الإسماعيليُّ الباطنيُّ, أمُّه أم ولد تدعى رقية، وُلِدَ بالقاهرة سنة 395، وبويع بالحُكمِ بعد أبيه في يوم عيد الأضحى سنة 411، وله من العمرِ 16 سنة و3 أشهر، وكان له مِصرُ، والشام، والخطبة له بإفريقيَّة، وكان جميلَ السِّيرةِ، حَسَن السياسةِ، مُنصِفًا للرعية، إلَّا أنَّه مُشتَغِلٌ بلذَّاته محِبٌّ للدَّعَة والراحة، قد فوَّض الأمورَ إلى وزيره أبي القاسِمِ عليِّ بنِ أحمد الجرجرائي- وكان مقطوعَ اليدينِ مِن المِرفَقينِ- لِمَعرفته بكفايته وأمانته، في سنة ثماني عشرة، فاستمَرَّ في الوزارة مدةَ ولايةِ الظاهر، ثمَّ لوَلَده المُستنصِر، توفِّي الظاهِرُ في منتصف شعبان بمصر وكان عمُره ثلاثًا وثلاثين سنة، وكانت مُدَّة حُكمِه خَمسَ عشرة سنة وتسعةَ أشهر وسبعة عشر يومًا، ولَمَّا مات الظاهِرُ ولِيَ بعده ابنُه تميم معد، ولقب المستنصر بالله، وتكَفَّل بأعباء المملكة بين يديه الأفضَلُ أميرُ الجيوش، واسمُه بدر بن عبد الله الجمالي، وكان عمرُ المستنصرِ يومَ نُصِّبَ حاكِمًا سبعَ سنينَ وعِدَّة أشهر، وبقي حاكمًا أكثَرَ مِن ستين سنةً.