موسوعة أصول الفقه

المَطلَبُ الحاديَ عَشَرَ: الأمرُ بَعدَ السُّؤالِ


المُرادُ به [969] يُنظر: ((التمهيد)) للإسنوي (ص: 273)، ((القواعد والفوائد الأصولية)) لابن اللحام (ص: 233)، ((التحبير)) للمرداوي (5/2254). : الأمرُ بماهيَّةٍ مَخصوصةٍ بَعدَ سُؤالِ تَعليمٍ، وهو شَبيهٌ في المَعنى بالأمرِ بَعدَ الاستِئذانِ، ومِثالُه: قَولُ عَبدِ اللَّهِ بنِ مَسعودٍ: يا رَسولَ اللهِ، قد عَلِمنا كَيف نُسَلِّمُ عليك، فكَيف نُصَلِّي عليك؟ قال: ((فقولوا: اللهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ وعلى آلِ مُحَمَّدٍ...)) [970] أخرجه البخاري (6357) واللفظ له، ومسلم (406). .
والأمرُ بماهيَّةٍ مَخصوصةٍ بَعدَ سُؤالِ التَّعليمِ لا يَقتَضي الوُجوبَ، وإنَّما هو للإباحةِ [971] يُنظر: ((القواعد والفوائد الأصولية)) لابن اللحام (ص: 234)، ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (3/56)، ((الذخر الحرير)) للبعلي (ص: 445). .
والدَّليلُ على ذلك: القياسُ على الأمرِ بَعدَ الاستِئذانِ؛ فإنَّ الأمرَ بَعدَ سُؤالِ التَّعليمِ كالأمرِ بَعدَ الاستِئذانِ في الأحكامِ والمَعنى [972] يُنظر: ((التمهيد)) للإسنوي (ص273)، ((القواعد والفوائد الأصولية)) لابن اللحام (ص: 234)، ((التحبير)) للمرداوي (5/2254). .
وقيلَ: الأمرُ اللَّفظيُّ إذا ورَدَ بَعدَ سُؤالٍ فهو حَقيقةٌ في الوُجوبِ. وهو قَولُ بَعضِ الأُصوليِّينَ [973] يُنظر: ((أصول الفقه)) لابن مفلح (2/669)، ((نشر البنود)) لعبد الله الشنقيطي (1/164)، ((نثر الورود)) لمحمد الأمين الشنقيطي (1/165). .
أمثِلةٌ تَطبيقيَّةٌ للمَسألةِ:
يَتَخَرَّجُ على هذه المَسألةِ بَعضُ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، ومِنها:
1- أنَّه بناءً على أنَّ الأمرَ بماهيَّةٍ مَخصوصةٍ بَعدَ سُؤالِ التَّعليمِ لا يَقتَضي الوُجوبَ، فإنَّه لا يَستَقيمُ الاستِدلالُ على وُجوبِ الصَّلاةِ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في التَّشَهُّدِ الأخيرِ بمُجَرَّدِ الأمرِ الثَّابِتِ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قيلَ له: يا رَسولَ اللهِ، قد عَلِمنا كَيف نُسَلِّمُ عليك، فكَيف نُصَلِّي عليك؟ قال: ((فقولوا: اللهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ وعلى آلِ مُحَمَّدٍ...)) الحَديثَ [974] أخرجه البخاري (6357) واللفظ له، ومسلم (406). ، لَكِن إن ثَبَتَ إيجابُه مِن خارِجٍ فيَكونُ هذا الأمرُ للوُجوبِ؛ لأنَّه بَيانٌ لكَيفيَّةِ واجِبٍ [975] يُنظر: ((التمهيد)) للإسنوي (ص: 273)، ((القواعد والفوائد الأصولية)) لابن اللحام (ص: 234). .
2- لا يَستَقيمُ الاستِدلالُ على نَقضِ الوُضوءِ بلَحمِ الإبِلِ بمُجَرَّدِ الأمرِ الثَّابِتِ بقَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لمَّا سُئِلَ عنِ التَّوضُّؤِ مِن لُحومِ الإبِلِ، فقال: ((نَعَم، فتَوضَّأْ مِن لُحومِ الإبِلِ)) [976] أخرجه مسلم (360) من حديثِ جابِرِ بنِ سَمُرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. ، ومِمَّا يُقَوِّي ذلك أنَّ في الحَديثِ الأمرَ بالصَّلاةِ في مَرابِضِ الغَنَمِ، وهو بَعدَ سُؤالٍ، ولا يَجِبُ بلا خِلافٍ، بَل يُستَحَبُّ، ولَو كان الوُضوءُ مِن لُحومِ الإبِلِ واجِبًا على الأُمَّة -وكُلُّهم كانوا يَأكُلونَ لَحمَ الإبِلِ- لَم يوقَفْ بَيانُ وُجوبِه حتَّى يَسألَه سائِلٌ فيُجيبَه، فعُلِمَ أنَّ مَقصودَه: أنَّ الوُضوءَ مِن لُحومِها مَشروعٌ. وإذا قيلَ باستِحبابِه فلدَليلٍ غَيرِ هذا الأمرِ، وهو أنَّ الأكلَ مِن لُحومِ الإبِلِ يورِثُ قوَّةً ناريَّةً، فيُناسِبُ أن تُطفَأَ بالماءِ، كالوُضوءِ عِندَ الغَضَبِ [977] يُنظر: ((القواعد والفوائد الأصولية)) لابن اللحام (ص: 233)، ((التحبير)) للمرداوي (5/2253). .

انظر أيضا: