موسوعة أصول الفقه

المَطلَبُ السَّادِسُ: هَلِ النَّهيُ عنِ الشَّيءِ أمرٌ بضِدِّه؟


سَبَقَ في مَبحَثِ الأمرِ: أنَّ الأمرَ بالشَّيءِ نُهيٌ عن ضِدِّه مِن حَيثُ المَعنى على أصَحِّ الأقوالِ. وهذه المَسألةُ عَكسُ تلك المَسألةِ، وهيَ: النَّهيُ عنِ الشَّيءِ هَل هو أمرٌ بضِدِّه؟
وقدِ اختَلَف الأُصوليُّونَ في هذه المَسألةِ، والرَّاجِحُ: أنَّ النَّهيَ عنِ الشَّيءِ أمرٌ بضِدِّه إذا لم يَكُنْ له إلَّا ضِدٌّ واحِدٌ، كالنَّهيِ عن صَومِ يَومِ العيدِ فإنَّه أمَرَ بفِطرِه، وإن كان له أضدادٌ، فهو أمرٌ بأحَدِها، فإذا قال: "لا تَقُمْ" فهو أمرٌ بالقُعودِ. وهو الصَّحيحُ عِندَ الحَنَفيَّةِ [1192] يُنظر: ((الفصول)) للجصاص (2/101). ، وهو مَذهَبُ جُمهورِ الشَّافِعيَّةِ [1193] يُنظر: ((البرهان)) لإمام الحرمين (1/82)، ((البحر المحيط)) للزركشي (3/359). ، وبه قال جُمهورُ الأُصوليِّينَ [1194] يُنظر: ((الإبهاج)) لابن السبكي ووالده (4/1176)، ((الفوائد السنية)) للبرماوي (3/1241). ، ومِنهمُ الباقِلَّانيُّ [1195] يُنظر: ((التقريب والإرشاد)) (2/320). ، وأبو الخَطَّابِ الكَلْوَذانيُّ [1196] يُنظر: ((التمهيد)) (1/364). ، وصَحَّحه المَرداويُّ، وابنُ النَّجَّارِ [1197] يُنظر: ((التحبير)) (5/2238)، ((شرح الكوكب المنير)) (3/55). .
الأدِلَّةُ:
1- قَولُ اللهِ تعالى: وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [البقرة: 228] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ اللَّهَ تعالى نهى عنِ الكِتمانِ، وهو موجِبُ الأمرِ بالإظهارِ؛ ولهذا وجَبَ قَبولُ قَولِها فيما تُخبِرُه؛ لأنَّها مَأمورةٌ بالإظهارِ [1198] يُنظر: ((أصول السرخسي)) (1/96). .
2- أنَّ المَنهيَّ يَتَحَتَّمُ عليه تَركُ المَنهيِّ عنه، ولا يُمكِنُه تَركُ المَنهيِّ عنه إلَّا بفِعلِ ضِدِّه، فيَتَحَتَّمُ فِعلُ ضِدِّه، وما تَحَتَّمَ فِعلُه إلَّا لأنَّه مَأمورٌ به [1199] يُنظر: ((التمهيد)) للكلوذاني (1/365). .
وقيلَ: إنَّ النَّهيَ لا يَكونُ أمرًا بضِدِّه، سَواءٌ كان له ضِدٌّ واحِدٌ أو أضدادٌ، وهو قَولُ بَعضِ الأُصوليِّينَ [1200] يُنظر: ((البحر المحيط)) للزركشي (3/360)، ((رفع النقاب)) للشوشاوي (3/23). ، ومِنهمُ الجُرجانيُّ [1201] يُنظر: ((أصول الفقه)) لابن مفلح (2/692)، ((الفوائد السنية)) للبرماوي (3/1241)، ((التحبير)) للمرداوي (5/2238). ، والغَزاليُّ [1202] يُنظر: ((المنخول)) (ص: 181). .
ومِنَ الأمثِلةِ التَّطبيقيَّةِ للمَسألةِ:
أنَّ الرَّجُلَ إذا قال لزَوجَتِه: "إن خالَفتِ أمري فأنتِ طالِقٌ"، ثُمَّ قال لها: "لا تَقومي" فقامَت؛ فإنَّه يَلزَمُ على المَذهَبِ الأوَّلِ: أنَّها تُطلَّقُ؛ لأنَّ النَّهيَ عنِ الشَّيءِ أمرٌ بضِدِّه، ويَلزَمُ على المَذهَبِ الثَّاني: أنَّها لا تُطَلَّقُ؛ لأنَّ النَّهيَ عنِ الشَّيءِ ليس أمرًا بضِدِّه [1203] يُنظر: ((التمهيد)) للإسنوي (ص: 97)، ((المهذب)) لعبد الكريم النملة (3/1445). .

انظر أيضا: