موسوعة أصول الفقه

المَطلَبُ الثَّاني عَشَرَ: هَلِ العِبرةُ بعُمومِ اللَّفظِ أو بخُصوصِ السَّبَبِ؟


العامُّ الوارِدُ على سَبَبٍ خاصٍّ، سَواءٌ كان السَّبَبُ سؤالًا أم واقِعةً حَدَثَت، هَل يَجِبُ العَمَلُ بعُمومِه الذي دَلَّت عليه صيغَتُه، أوِ العِبرةُ بخُصوصِ السَّبَبِ الذي ورَدَ الحُكمُ بناءً عليه؟ وهَل يُربَطُ الحُكمُ بذلك السَّبَبِ، أم يَشمَلُه وغَيرَه مِمَّا يَدخُلُ تَحتَ اللَّفظِ العامِّ [1419] يُنظر: ((رفع النقاب)) للشوشاوي (3/330)، ((أصول الفقه)) لخلاف (ص: 189)، ((مذكرة أصول الفقه)) لمحمد الأمين الشنقيطي (ص: 327)، ((الآراء الشاذة)) لعبد العزيز النملة (2/647). ؟
وقد تَقَرَّر أنَّ أحكامَ الشَّريعةِ: منها أحكامٌ مُبتَدَأَةٌ لَم يُثِرْها سَبَبٌ، كالصَّلاةِ، والصَّومِ، والحَجِّ، إلى غَيرِ ذلك مِمَّا بُيِّنَ في أحكامِ العِباداتِ والمُعامَلاتِ.
ومِنها ما خَرَجَ على سَبَبٍ، وهو الذي فيه الخِلافُ.
فإذا اقتَرَنَ باللَّفظِ العامِّ ما يَدُلُّ على التَّخصيصِ؛ فإنَّه يُحمَلُ على الخُصوصِ، كقَولِ اللهِ تعالى: خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [الأحزاب: 50] .
كما أنَّه إذا عُلِمَ أنَّ قَصدَ المُتَكَلِّمِ قَصرَ العامِّ على سَبَبِه الخاصِّ فإنَّه يُقصَرُ عليه.
قال إمامُ الحَرَمَينِ: (ومِمَّا يَجِبُ أن تُحيطَ عِلمًا به أن تَعلَمَ أنَّا إنَّما نَقصِدُ بالكَلامِ: ما لَم نَعلَمْ خُصوصَه اضطِرارًا لقَرائِنِ الأحوالِ... ومَسألَتُنا لَيسَت بمَفروضةٍ في امتِثالِ ذلك، ولَكِن إذا فُقِدَتِ القَرائِنُ، ونُقِلَ إلينا سُؤالٌ خاصٌّ، وجَوابُه لَفظُه العُمومُ) [1420] يُنظر: ((التلخيص)) (2/155). .
والجَوابُ الصَّادِرُ على سُؤالٍ لا يَخلو مِن أحَدِ أمرَينِ:
1- أن يَكونَ لَفظُ الجَوابِ غَيرَ مُستَقِلٍّ بنَفسِه، بحَيثُ لا يَصِحُّ الابتِداءُ به. ومِثالُه: قَولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عِندَما سُئِلَ عن بَيعِ الرُّطَبِ بالتَّمرِ: ((أيَنقُصُ الرُّطَبُ إذا يَبِسَ؟ قالوا: نَعَم. فقال: فلا، إذَنْ)) [1421] أخرجه أبو داود (3359)، والترمذي (1225)، وأحمد (1544) باختِلافٍ يَسيرٍ من حديثِ سَعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عنه، ولَفظُ أحمَدَ: ((سُئِلَ سَعدٌ عنِ البَيضاءِ بالسُّلتِ، فكَرِهَه وقال: سَمِعتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُسأَلُ عنِ الرُّطَبِ بالتَّمرِ، فقال: يَنقُصُ إذا يَبِسَ؟ قالوا: نَعَم، قال: فلا إذًا)). صَحَّحه الترمذي، وابن حبان في ((صحيحه)) (4997)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/477)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3359). . فهذا الجَوابُ تابِعٌ للسُّؤالِ في عُمومِه وخُصوصِه، فإن كان السُّؤالُ عامًّا فعامٌّ، وإن كان خاصًّا فخاصٌّ.
2- أن يَكونَ لَفظُ الجَوابِ مُستقِلًّا بنَفسِه، بحَيثُ لَو ورَدَ مُبتَدَأً لَكان كَلامًا تامًّا مُفيدًا للعُمومِ. ومِثالُه: قَولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عِندَما سُئِلَ عن ماءِ بئرِ بُضاعةَ، فقال: ((الماءُ طَهورٌ لا يُنَجِّسُه شَيءٌ)) [1422] أخرجه أبو داود (66)، والترمذي (66)، والنسائي (326) من حديثِ أبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه. صَحَّحه الإمام أحمد كما في ((تهذيب الكمال)) للمِزِّي (12/219)، ويحيى بن مَعين كما في ((خلاصة البدر المنير)) لابن الملقن (1/7)، والبغوي في ((شرح السنة)) (1/371)، والنووي في ((المجموع)) (1/82)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (1/381). .
وهذا على ثَلاثةِ أقسامٍ، وهيَ:
1- أن يَكونَ الجَوابُ مُساويًا للسُّؤالِ، أي: لا تَقتَضي صيغَتُه المُفرَدةُ الزِّيادةَ على مَضمونِ السُّؤالِ، كما لَو سَألَ سائِلٌ عن جَميعِ المياهِ، فيَقولُ المُجيبُ: خَلَق اللهُ الماءَ طَهورًا. فهذا يَجِبُ حَملُه على ظاهرِه، وهو يَتبَعُ السُّؤالَ في العُمومِ والخُصوصِ.
2- أن يَكونَ الجَوابُ أخَصَّ مِنَ السُّؤالِ، مِثلُ أن يُسأَلَ عن أحكامِ المياهِ، فيَقولَ: ماءُ البَحرِ طَهورٌ. فيَختَصُّ بماءِ البَحرِ، ولا يَعُمُّ.
ومِن ذلك قَولُ اللهِ تعالى: يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ [المائدة: 4] ، فقَولُه: مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ سُؤالٌ أعَمُّ مِنَ الجَوابِ؛ لأنَّه يَنتَظِمُ الجَوابَ وغَيرَه.
3- أن يَكونَ الجَوابُ أعَمَّ مِنَ السُّؤالِ، ومِثالُه: عِندَما سُئِلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن ماءِ البَحرِ، فقال: ((هو الطَّهورُ ماؤُه الحِلُّ مَيتَتُه)) [1423] أخرجه أبو داود (83)، والترمذي (69)، والنسائي (59) من حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. صَحَّحه البخاري كما في ((عارضة الأحوذي)) لابن العربي (1/91)، والترمذي، وابن خزيمة في ((الصحيح)) (1/228)، وابن حبان في ((صحيحه)) (1243). ، فهذا الجَوابُ لا يَخلو مِن أمرَينِ:
الأوَّلُ: أن يَكونَ أعَمَّ مِنَ السُّؤالِ في غَيرِ ذلك الحُكمِ، كسُؤالِه عنِ الوُضوءِ بماءِ البَحرِ. فلا خِلافَ في أنَّه عامٌّ لا يَختَصُّ بالسَّائِلِ، ولا بمَحَلِّ السُّؤالِ مِن ضَرورَتِهم إلى الماءِ وعَطَشِهم، بَل يَعُمُّ حالَ الضَّرورةِ والِاختيارِ.
والثَّاني: أن يَكونَ أعَمَّ مِنَ السُّؤالِ في ذلك الحُكمِ الذي وقَعَ السُّؤالُ عنه، كسُؤالِه عن ماءِ بئرِ بُضاعةَ. وهذا مَحَلُّ خِلافٍ بَينَ الأُصوليِّينَ [1424] يُنظر: ((التقريب والإرشاد)) للباقلاني (3/284)، ((أصول السرخسي)) (1/271)، ((إيضاح المحصول)) للمازري (ص: 289)، ((المحصول)) للرازي (3/121)، ((الإحكام)) للآمدي (2/238)، ((إرشاد الفحول)) للشوكاني (1/334)، ((الآراء الشاذة)) لعبد العزيز النملة (2/647). .
قال ابنُ دَقيقِ العيدِ: (يَجِبُ أن تَتَنَبَّهَ للفَرقِ بَينَ دَلالةِ السِّياقِ، والقَرائِنِ الدَّالَّةِ على تَخصيصِ العامِّ، وعلى مُرادِ المُتَكَلِّمِ، وبَينَ مُجَرَّدِ وُرودِ العامِّ على سَبَبٍ، ولا تُجريهما مَجرًى واحِدًا؛ فإنَّ مُجَرَّدَ وُرودِ العامِّ على السَّبَبِ لا يَقتَضي التَّخصيصَ به، كقَولِه تعالى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا [المائدة: 38] بسَبَبِ سَرِقةِ رِداءِ صَفوانَ، وأنَّه لا يَقتَضي التَّخصيصَ به بالضَّرورةِ والإجماعِ.
أمَّا السِّياقُ والقَرائِنُ: فإنَّها الدَّالَّةُ على مُرادِ المُتَكَلِّمِ مِن كَلامِه، وهيَ المُرشِدةُ إلى بَيانِ المُجمَلاتِ، وتَعيينِ المُحتَمَلاتِ، فاضبُطْ هذه القاعِدةَ؛ فإنَّها مُفيدةٌ في مَواضِعَ لا تُحصى) [1425] ((إحكام الأحكام)) (ص: 417). .
وقدِ اختَلَف الأُصوليُّونَ في هذه المَسألةِ، والرَّاجِحُ أنَّ العِبرةَ بعُمومِ اللَّفظِ لا بخُصوصِ السَّبَبِ. وهو أصَحُّ الرِّوايَتَينِ عن مالِكٍ [1426] يُنظر: ((إحكام الفصول)) للباجي (1/276). قال المازَريُّ: (أشارَ ابنُ خُوَيز منداد إلى اختِلافِ قَولِ مالِكٍ في هذا؛ استِقراءً مِنِ اختِلافِ قَولِه في غَسلِ الآنيةِ التي ولَغَ فيها كَلبٌ وفيها طَعامٌ، فقال مَرَّةً: إن يَغسِلْ ففي الماءِ وحدَه؛ قَصرًا منه لعُمومِ اللَّفظِ، وهو قَولُه عليه السَّلامُ: "إذا ولَغَ الكَلبُ في إناءِ أحَدِكُم" الحَديث [أخرجه مسلم (279) من حديثِ أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه]، على ما ورَدَ فيه الحَديثُ، وهو الماءُ، وقال مَرَّةً: تُغسَلُ سائِرُ الأواني، وإن كان فيها طَعامٌ؛ آخِذًا بعُمومِ اللَّفظِ غَيرَ مُلتَفِتٍ إلى سَبَبِه). ((إيضاح المَحصول)) (ص: 290). ، وهو مَنقولٌ عنِ الشَّافِعيِّ [1427] يُنظر: ((نهاية السول)) للإسنوي (ص: 219)، ((تشنيف المسامع)) للزركشي (2/799). قال الشَّافِعيُّ: (ولا تَصنَعُ الأسبابُ شَيئًا، إنَّما تَصنَعُه الألفاظُ؛ لأنَّ السَّبَبَ قد يَكونُ، ويَحدُثُ الكَلامُ على غَيرِ السَّبَبِ، ولا يَكونُ مُبتَدَأ الكَلامِ الذي له حُكمٌ، فيَقَعُ، فإذا لم يَصنَعِ السَّبَبُ بنَفسِه شَيئًا لَم يَصنَعْه بما بَعدَه، ولَم يَمنَعْ ما بَعدَه أن يَصنَعَ ما له حُكمٌ إذا قيلَ). ((الأم)) (5/276). وذَهَبَ إمامُ الحَرَمَينِ إلى أنَّ الصَّحيحَ مِن مَذهَبِ الشَّافِعيِّ هو قَصرُ اللَّفظِ على سَبَبِه. يُنظر: ((البرهان)) (1/134). وهكذا ذَكَرَ الآمِديُّ أيضًا أنَّ المَنقولَ عنِ الشَّافِعيِّ أنَّه لا يَذهَبُ إلى القَولِ بالعُمومِ. يُنظر: ((الإحكام)) (2/293). قال الإسنَويُّ: (وما قاله الإمامُ مَردودٌ؛ فإنَّ الشَّافِعيَّ رَحِمَه اللهُ قد نَصَّ على أنَّ السَّبَبَ لا أثَرَ له). ثُمَّ ذَكَرَ كَلامَ الإمامِ الشَّافِعيِّ السَّابِقِ. ((نهاية السول)) (ص: 219). ، وأحمدَ [1428] يُنظر: ((العدة)) لأبي يعلى (2/607)، ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (3/177). ، وهو قَولُ الحَنَفيَّةِ [1429] يُنظر: ((مسائل الخلاف)) للصيمري (ص: 75)، ((أصول السرخسي)) (1/272)، ((أصول الفقه)) للمشي (ص: 139)، ((ميزان الأصول)) لعلاء الدين السمرقندي (ص: 330)، ((بذل النظر)) للأسمندي (ص: 247)، ((فصول البدائع)) للفناري (2/76). ، وأكثَرِ المالِكيَّةِ [1430] يُنظر: ((إحكام الفصول)) للباجي (1/276)، ((إيضاح المحصول)) للمازري (ص: 290). ، وأكثَرِ الشَّافِعيَّةِ [1431] يُنظر: ((نهاية الوصول)) لصفي الدين الهندي (5/1744)، ((الإبهاج)) لابن السبكي ووالده (4/1508). ، والحَنابِلةِ [1432] يُنظر: ((العدة)) لأبي يعلى (2/607)، ((أصول الفقه)) لابن مفلح (2/804)، ((شرح غاية السول)) لابن المبرد (ص: 312). ، وجُمهورِ الأُصوليِّينَ [1433] يُنظر: ((التقريب والإرشاد)) للباقلاني (3/288)، ((منتهى الوصول)) لابن الحاجب (ص: 79)، ((تيسير التحرير)) لأمير بادشاه (1/264). ، وحَكاه التِّلِمسانيُّ عنِ المُحَقِّقينَ مِنَ الأُصوليِّينَ [1434] يُنظر: ((مفتاح الوصول)) (ص: 539). .
الأدِلَّةُ:
1- أنَّ الأحكامَ لا يَخلو أكثَرُها عن سَبَبٍ وأمرٍ يَحدُثُ، ولا يُنظَرُ إلى ذلك، وإنَّما النَّظَرُ إلى مَورِد الحُكمِ؛ فإن ورَد عامًّا لَم يُخصَّ إلَّا بدَليلٍ، وإن ورَدَ مُطلَقًا لَم يُقَيَّدْ إلَّا بدَليلٍ؛ لأنَّ الأسبابَ مُتَقدِّمةٌ، والأحكامُ بَعدَها [1435] يُنظر: ((البحر المحيط)) للزركشي (4/276). .
وعامَّةُ النُّصوصِ، مِثلُ آيةِ الظِّهارِ، واللِّعانِ، والقَذفِ، والزِّنا والسَّرِقةِ، ونَحوِها: نَزَلَت عِندَ وُقوعِ الحَوادِثِ لأشخاصٍ مَعلومينَ، فلَوِ اختَصَّت بالحَوادِثِ لَم تَكُنِ الأحكامُ كُلُّها ثابِتةً بالكِتابِ والسُّنَّةِ تَنصيصًا، إلَّا في حَقِّ أقوامٍ مَخصوصينَ، وهذا مُخالِفٌ لإجماعِ الأُمَّةِ [1436] يُنظر: ((ميزان الأصول)) للسمرقندي (ص: 333)، ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (2/503). .
2- أنَّ التَّمَسُّكَ في إثباتِ العُمومِ والخُصوصِ إنَّما يَكونُ باللَّفظِ، وهو هنا عامٌّ، وخُصوصُ السَّبَبِ لا يَقتَضي إخراجَ غَيرِ السَّبَبِ مِن دائِرةِ تَناوُلِ اللَّفظِ [1437] يُنظر: ((تيسير التحرير)) لأمير بادشاه (1/264). .
فإنَّه لمَّا كان الموجِبُ للحُكمِ هو اللَّفظَ دونَ السَّبَبِ، وجَبَ أن يَكونَ هو المُراعى دونَ السَّبَبِ؛ لأنَّ الأحكامَ مُتَعَلِّقةٌ بلَفظِ صاحِبِ الشَّرعِ دونَ السَّبَبِ؛ فإنَّه لَوِ ابتَدَأ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن غَيرِ سُؤالٍ، فقال: ((الماءُ طَهورٌ لا يُنَجِّسُه شَيءٌ)) لَوجَبَ تَعليقُ الحُكمِ به، ولَو وُجِدَ السَّبَبُ والسُّؤالُ مُنفرِدًا لَم يَجُزْ تَعليقُ الحُكمِ به [1438] يُنظر: ((المقدمة)) لابن القصار (ص: 89)، ((إحكام الفصول)) للباجي (1/276)، ((التمهيد)) للكلوذاني (2/163)، ((الواضح)) لابن عقيل (3/412). .
وبَيانُ ذلك أنَّ كُلَّ لَفظٍ فحُكمُه قائِمٌ بنَفسِه، إلَّا أن تَقومَ الدَّلالةُ على إزالَتِه عن موجِبِه ومُقتَضاه، وليس في كَونِه خارِجًا على سَبَبٍ ما يوجِبُ الاقتِصارَ بحُكمِه على سَبَبِه؛ وذلك لأنَّه ليس يَمتَنِعُ أن يُريدَ اللهُ تعالى بإنزالِه الحُكمَ بَيانَ حُكمِ السَّبَبِ وحُكمِ غَيرِه عِندَ وُجودِ هذا السَّبَبِ، كما يُنزِلُ حُكمًا عامًّا مِن غَيرِ سَبَبٍ تَقدَّم. فمَن قَصَرَه على السَّبَبِ فإنَّما خَصَّ اللَّفظَ وأزالَه عن حَقيقَتِه بغَيرِ دَلالةٍ [1439] يُنظر: ((الفصول)) للجصاص (1/338). .
3- أنَّ العامَّ مُقتَضاه شُمولُ الألفاظِ، وخُصوصُ السَّبَبِ لا يُعارِضُه؛ لأنَّه لا مُنافاةَ بَينَهما، بدَليلِ أنَّ الشَّارِعَ لَو قال: يَجِبُ عليكُم حَملُ اللَّفظِ على عُمومِه ولا تَخُصُّوه بسَبَبِه. لَكان جائِزًا قَطعًا، ولَو كان مُعارِضًا له لَكان ذلك مُتَناقِضًا، وإذا لم يُعارِضْه فيَجِبُ حَملُه على العُمومِ؛ عملًا بالمُقتَضى السَّالِمِ عنِ المُعارِضِ [1440] يُنظر: ((نهاية السول)) للإسنوي (ص: 219)، ((فصول البدائع)) للفناري (2/78). .
وقيلَ: إذا ورَدَ العامُّ على سَبَبٍ فإنَّه يُقصَرُ على سَبَبِه. وهو رِوايةٌ عن مالِكٍ [1441] يُنظر: ((المقدمة)) لابن القصار (ص: 88)، ((الإشارة)) للباجي (ص: 232)، ((إحكام الفصول)) للباجي (1/276). ، وبه قال بَعضُ المالِكيَّةِ [1442] يُنظر: ((إيضاح المحصول)) للمازري (ص: 290). ، وبَعضُ الشَّافِعيَّةِ [1443] يُنظر: ((التبصرة)) للشيرازي (ص: 145)، ((المحصول)) للرازي (3/125). ، وبَعضُ الحَنابِلةِ [1444] يُنظر: ((أصول الفقه)) لابن مفلح (2/805)، ((القواعد والفوائد الأصولية)) لابن اللحام (ص: 320). .
أمثِلةٌ تَطبيقيَّةٌ للمَسألةِ:
تَظهَرُ ثَمَرةُ الخِلافِ في هذه المَسألةِ في بَعضِ الفُروعِ الفِقهيَّةِ، ومِنها:
1- الاختِلافُ في العَرايا: هَل تَختَصُّ بالفُقَراءِ أم لا؟
رَخَّصَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في العَرايا، كما في حَديثِ زَيدِ بنِ ثابِتٍ: أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رَخَّصَ في العَرايا أن تُباعَ بخَرصِها كيلًا [1445] أخرجه البخاري (2192)، ومسلم (1539). .
وقدِ اختَلَف الفُقَهاءُ في صورةِ العَرايا على النَّحوِ التالي:
فعِندَ الحَنَفيَّةِ: أن يَهَبَ الرَّجُلُ ثَمَرَ نَخلِه مِن بُستانِه لرَجُلٍ، ثُمَّ يَشُقَّ على المُعرِي دُخولَ المُعْرَى له في بُستانِه كُلَّ يَومٍ؛ لكَونِ أهلِه في البُستانِ، ولا يَرضى مِن نَفسِه خُلفَ الوعدِ والرُّجوعَ في الهِبةِ، فيُعطيه مَكانَ ذلك تمرًا محدودًا بالخَرصِ ليَدفَعَ الضَّرَرَ عن نَفسِه، ولا يَكونَ مخلِفًا للوَعدِ [1446] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (12/193). .
وعِندَ المالِكيَّةِ: أن يَهَبَ رَجُلٌ لآخَرَ تَمرَ نَخَلاتٍ مُعَيَّنةٍ، أو مِقدارًا مُعَيَّنًا مِن ثَمَرةِ بُستانِه، ويَتَأذَّى مِن دُخولِ المَوهوبِ له، فيَشتَري منه ما وهَبَه له بخَرصِه تمرًا، وذلك: بأن يُقَدِّرَ الخارِصُ ما يَتَحَصَّلُ مِنَ الرُّطَبِ إذا جَفَّ وصارَ تمرًا، فيُعطي الواهبُ للمَوهوبِ له مِقدارَ ذلك تمرًا، ولا يَجوزُ هذا فيما زادَ على خَمسةِ أوسُقٍ [1447] يُنظر: ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (3/181). .
وعِندَ الشَّافِعيَّةِ، والحَنابِلةِ: أن يَشتَريَ الرَّجُلُ الرُّطَبَ على رؤوسِ الأشجارِ بخَرصِه تَمرًا، فيَستَلِمَ البائِعُ التَّمرَ، ويَستَلِمَ المُشتَري الرُّطَبَ بالتَّخليةِ، ولا يَجوزُ ذلك فيما زادَ على خَمسةِ أوسُقٍ [1448] يُنظر: ((نهاية المطلب)) لإمام الحرمين (5/167)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/553). .
والتَّفاضُلُ مَوجودٌ في بَيعِ العَرايا؛ لأنَّها بَيعُ رُطَبٍ بتَمرٍ، والتَّساوي بَينَهما مَجهولٌ، إلَّا أنَّها جازَت على خِلافِ الأصلِ للضَّرورةِ؛ فإنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَهى عن بَيعِ الرُّطَبِ بالتَّمرِ، وعَلَّلَه بالنُّقصانِ عِندَ الجَفافِ [1449] أخرجه أبو داوُد (3359)، والترمذي (1225)، وابن حبان (4997) من حديثِ سَعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عنه، ولَفظُ ابنِ حِبَّان: عن سَعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ أنَّه سُئِلَ عن بَيعِ البَيضاءِ بالسُّلتِ، فقال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سُئِلَ عن بَيعِ الرُّطَبِ بالتَّمرِ، فقال: أليس يَنقُصُ الرُّطَبُ إذا جَفَّ؟ قالوا: نَعَم، قال: فلا إذًا. صَحَّحه الترمذي، وابن حبان، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (6/477)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3359). ، ثُمَّ رَخَّصَ في بَيعِ العَرايا، فخَصَّ مَسألةَ العَرايا مِن عُمومِ نَهيِه أوَّلًا، مَعَ أنَّ عِلَّة الرِّبا مَوجودةٌ في بَيعِ العَرايا؛ لأنَّها إمَّا الطُّعمَ، أوِ القوتَ، أوِ الكَيلَ، أوِ المالَ، إلَّا أنَّ الحُكمَ -وهو التَّحريمُ- تَخَلَّف عنها؛ حَيثُ جازَ بَيعُها إجماعًا مَعَ وُجودِ التَّفاضُلِ، وهذا لا يَقدَحُ في عِلَّةِ الرِّبا، بَل هو تَخصيصٌ لحُكمِ العِلَّةِ، كَتَخصيصِ العامِّ؛ فإنَّه إذا خَرَجَ بَعضُ أفرادِه بَقيَ حُجَّةً فيما سِواه [1450] يُنظر: ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (2/495)، ((الإبهاج)) لابن السبكي ووالده (6/2430)، ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (3/328)، ((تيسير التحرير)) لأمير بادشاه (4/140)، ((أصول الفقه)) لأبي النور زهير (4/101). .
واللَّفظُ الوارِدُ في جَوازِ العَرايا عامٌّ، لَكِنَّه وارِدٌ على سَبَبٍ، وهو الحاجةُ إلى الشِّراءِ، وليس عِندَهم ما يَشتَرونَ به إلَّا التَّمرَ، فهَل تَختَصُّ العَرايا بالفُقَراءِ؛ لأنَّهم كانوا سَبَبَ التَّرخيصِ، أم لا؟
فمَن قال: إنَّ العِبرةَ بعُمومِ اللَّفظِ، قال: إنَّ الرَّاجِحَ عَدَمُ الاختِصاصِ بالفُقَراءِ.
ومَن قال بخُصوصِ السَّبَبِ، قال: هيَ مُختَصَّةٌ بالفُقَراءِ [1451] يُنظر: ((التمهيد)) للإسنوي (ص: 412)، ((شرح ذريعة الوصول)) للزبيدي (ص: 424). .
2- الاختِلافُ في حُكمِ التَّرتيبِ في الوُضوءِ:
اختَلَف الفُقَهاءُ في حُكمِ التَّرتيبِ في الوُضوءِ، على قَولَينِ [1452] يُنظر: ((مفتاح الوصول)) للتلمساني (ص: 540)، ((الآراء الشاذة في أصول الفقه)) لعبد العزيز النملة (2/658). :
القَولُ الأوَّلُ: أنَّ التَّرتيبَ في الوُضوءِ واجِبٌ، وهو قَولُ الجُمهورِ [1453] يُنظر: ((المقدمات الممهدات)) لابن رشد الجد (1/83)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/36)، ((المجموع)) للنووي (1/469)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/6). ، واحتَجُّوا بحَديث: ((ابدؤوا بما بَدَأ اللهُ به)) [1454] أخرجه النسائي (2962) عن جابِرٍ، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم طاف سَبعًا، رَمَلَ ثَلاثًا ومَشى أربَعًا، ثُمَّ قَرَأ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى فصَلَّى سَجدَتَينِ، وجَعَلَ المَقامَ بَينَه وبَينَ الكَعبةِ، ثُمَّ استَلَمَ الرُّكنَ ثُمَّ خَرَجَ، فقال: إنَّ الصَّفا والمَروةَ مِن شَعائِرِ اللهِ؛ فابدَؤوا بما بَدَأ اللهُ به. قال ابنُ دَقيقٍ في ((الإلمام)) (1/73): في الصَّحيحِ، لكن بصيغةِ الخَبَرِ: نَبدَأُ أو أبدَأُ، والمخرجُ للحَديثِ واحِدٌ، وقال مُحَمَّد ابن عبدِ الهادي في ((المحرر)) (52): رَواه مُسلِمٌ والنَّسائيُّ أيضًا مِن غَيرِ وجهٍ عن جَعفَرٍ، بصيغةِ الخَبَرِ: نَبدَأُ وأبدَأُ، وهو الصَّحيحُ، وقال الألباني في ((إرواء الغليل)) (4/316): هذه اللَّفظةُ شاذَّةٌ. وأخرجه مسلم (1218) من حديثِ جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما، بلفظ: ((أبدَأُ بما بَدَأ اللهُ به)). .
القَولُ الثَّاني: أنَّ التَّرتيبَ في الوُضوءِ مُستَحَبٌّ وليس واجِبًا. وهو قَولُ بَعضِ الفُقَهاءِ مِنَ الحَنَفيَّةِ والمالِكيَّةِ [1455] يُنظر: ((أحكام القرآن)) للجصاص (5/510)، ((المقدمات الممهدات)) لابن رشد الجد (1/83)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/6). .
فمَن قال بعُمومِ اللَّفظِ قال بوُجوبِ التَّرتيبِ؛ لأنَّ (ما) في الحَديثِ تُفيدُ العُمومَ، والعِبرةُ بعُمومِ اللَّفظِ.
قال الصَّنعانيُّ: (إنَّ اللَّفظَ عامٌّ، والعامُّ لا يُقصَرُ على سَبَبِه، أعني «بما بَدَأ اللهُ به»؛ لأنَّ كَلِمةَ (ما) مَوصولةٌ، والموصولاتُ مِن ألفاظِ العُمومِ، وآيةُ الوُضوءِ -وهيَ قَولُه تعالى: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة: 6]- داخِلةٌ تَحتَ الأمرِ بقَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «ابدؤوا بما بَدَأ اللهُ به» فيَجِبُ البَداءةُ بغَسلِ الوَجهِ، ثُمَّ ما بَعدَه على التَّرتيبِ، وإن كانتِ الآيةُ لَم تُفِدْ تَقديمَ اليُمنى على اليُسرى مِنَ اليَدَينِ والرِّجلَينِ) [1456] ((سبل السلام)) (1/215). .
ومَن قال بقَصرِ العامِّ على سَبَبِه، قال بعَدَمِ وُجوبِ التَّرتيبِ؛ لأنَّ الحَديثَ وارِدٌ على سَبَبٍ، وهو سُؤالُ الصَّحابةِ عِندَما نَزَلَ قَولُ اللهِ تعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [البقرة: 158] فقالوا: بمَ نَبدَأُ يا رَسولَ اللهِ؟ فقال: ((ابدؤوا بما بَدَأ اللهُ به)) [1457] أخرجه النسائي (2962) عن جابِرٍ، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم طاف سَبعًا، رَمَلَ ثَلاثًا ومَشى أربَعًا، ثُمَّ قَرَأ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى فصَلَّى سَجدَتَينِ، وجَعَلَ المَقامَ بَينَه وبَينَ الكَعبةِ، ثُمَّ استَلَمَ الرُّكنَ ثُمَّ خَرَجَ، فقال: إنَّ الصَّفا والمَروةَ مِن شَعائِرِ اللهِ؛ فابدَؤوا بما بَدَأ اللهُ به. قال ابنُ دَقيقٍ في ((الإلمام)) (1/73): في الصَّحيحِ، لكن بصيغةِ الخَبَرِ: نَبدَأُ أو أبدَأُ، والمخرجُ للحَديثِ واحِدٌ، وقال مُحَمَّد ابن عبدِ الهادي في ((المحرر)) (52): رَواه مُسلِمٌ والنَّسائيُّ أيضًا مِن غَيرِ وجهٍ عن جَعفَرٍ، بصيغةِ الخَبَرِ: نَبدَأُ وأبدَأُ، وهو الصَّحيحُ، وقال الألباني في ((إرواء الغليل)) (4/316): هذه اللَّفظةُ شاذَّةٌ. وأخرجه مسلم (1218) من حديثِ جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما، بلفظ: ((أبدَأُ بما بَدَأ اللهُ به)). .
3- الاختِلافُ في حِلِّ مَتروكِ التَّسميةِ:
قال اللهُ تعالى: وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ [الأنعام: 121] .
اختَلَف الفُقَهاءُ في حُكمِ مَتروكِ التَّسميةِ، فذَهَبَ جُمهورُ الفُقَهاءِ إلى حُرمةِ الذَّبيحةِ التي تُرِكَتِ التَّسميةُ عليها عَمدًا [1458] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (11/236)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (5/47)، ((التاج والإكليل)) للمواق (4/328). .
وذَهَبَ بَعضُ الفُقَهاءِ إلى جَوازِ الأكلِ مِن مَتروكِ التَّسميةِ [1459] يُنظر: ((أحكام القرآن)) للجصاص (4/171)، ((الوسيط)) للغزالي (7/144). .
فمَن قال بعُمومِ اللَّفظِ، قال: لا يَحِلُّ مَتروكُ التَّسميةِ إذا تَركَها عامدًا؛ اتباعًا لظاهرِ العُمومِ، وإخراجُ النَّاسي منه كان لدَليلٍ مُخَصِّصٍ، كما في سائِرِ العُموماتِ.
ومَن قال بخُصوصِ السَّبَبِ، قال: لا يمنَعُ حِلُّ مَتروكِ التَّسميةِ، سَواءٌ تَركها عامِدًا أو ناسيًا؛ تَخصيصًا للآيةِ بمَحَلِّ السَّبَبِ، وهو المَيتةُ؛ فإنَّ العَرَبَ كانوا يَأكُلونَها، ويُجادِلونَ المُسلِمَ بأكلِهم مِمَّا أماتوه، وامتِناعِهم مِمَّا أماتَه اللهُ تعالى [1460] يُنظر: ((تخريج الفروع على الأصول)) للزنجاني (ص: 361). . ففسَّروا قَولَ اللهِ تعالى: مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ أي: مِمَّا لم يُذبَحْ؛ تَعبيرًا عنِ الذَّبحِ بما يُقارِنُه غالِبًا مِنَ التَّسميةِ، وعليه فلا تَحِلُّ ذَبيحةُ المُتَعَمِّدِ لتَركِ التَّسميةِ، على القَولِ الأوَّلِ دونَ القَولِ الثَّاني [1461] يُنظر: ((غاية الوصول)) لزكريا الأنصاري (ص: 50). .

انظر أيضا: