موسوعة أصول الفقه

الفرعُ الثَّاني: الفرقُ بَينَ النَّسخِ والِاستِثناءِ


يُفرَّقُ بَينَ النَّسخِ والِاستِثناءِ مِن وُجوهٍ [96] يُنظر: ((الإحكام)) لابن حزم (1/45)، ((بذل النظر)) للأسمندي (ص: 211)، ((العقد المنظوم)) للقرافي (2/188)، ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (2/585)، ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (3/198)، ((المهذب)) لعبد الكريم النملة (4/1670). :
1- أنَّ النَّسخَ وُرودُ أمرٍ بخِلافِ أمرٍ كان قَبلَه، يُنقَضُ به أمرُ الأوَّلِ، والِاستِثناءُ وُرودُ لَفظٍ أو بَيانٍ بفِعلٍ بإخراجِ بَعضِ ما اقتَضاه لَفظٌ آخَرُ، وكان المُرادُ في اللَّفظِ الأوَّلِ ما بَقيَ بَعدَ المُستَثنى مِنه. وسَبَبُ هذا الفرقِ: أنَّ النَّسخَ كان فيه اللَّفظُ الأوَّلُ مُرادًا كُلُّه طولَ مُدَّتِه، وأمَّا المُستَثنى مِنه فلم يَكُنِ اللَّفظُ الأوَّلُ مُرادًا كُلُّه قَطُّ.
فالِاستِثناءُ إنَّما يَرفَعُ حُكمَ بَعضِ النَّصِّ، ولا يَصِحُّ أن يَكونَ مُستَغرِقًا، والنَّسخُ يَجوزُ أن يَرِدَ على جَميعِ حُكمِ النَّصِّ فيَرفَعَه، فيَصِحُّ أن يوجِبَ أربَعَ رَكَعاتٍ، ثُمَّ يَنسَخَها بأن يَقولَ: لا تُصَلُّوها، ولا يَصِحُّ أن يَقولَ: صَلُّوا أربَعًا إلَّا أربَعًا أو إلَّا ثَلاثًا.
2- أنَّ الِاستِثناءَ يُشتَرَطُ فيه الِاتِّصالُ بالمُستَثنى مِنه، أمَّا النَّسخُ فلا يُشتَرَطُ اتِّصالُه، بَل يُشتَرَطُ تَراخيه، فيُشتَرَطُ فيه أن يَكونَ النَّاسِخُ مُتَراخيًا عنِ المَنسوخِ. وسَبَبُ هذا الفرقِ: أنَّ الِاستِثناءَ لا يَستَقِلُّ بنَفسِه، بخِلافِ النَّاسِخِ مَعَ المَنسوخِ؛ فإنَّه يَستَقِلُّ بنَفسِه، ويُنافي المَنسوخَ، فاتِّصالُه به يَكونُ تَهافُتًا.
3- أنَّ الِاستِثناءَ يَمنَعُ بَعضَ الأفرادِ مِنَ الدُّخولِ تَحتَ اللَّفظِ، فتَقولُ: "أكرِمِ الطُّلَّابَ إلَّا زَيدًا"، ولَكِن لا يَجوزُ أن يَمنَعَ الِاستِثناءُ جَميعَ الأفرادِ مِنَ الدُّخولِ تَحتَ اللَّفظِ، فلا يَجوزُ أن يُقالَ: "لي عليه عَشَرةٌ إلَّا عَشَرةً". أمَّا النَّسخُ فيَجوزُ أن يَرفعَ جَميعَ الحُكمِ أحيانًا، كرَفعِ وُجوبِ الصَّدَقةِ بَينَ يَدَي مُناجاةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. ويَجوزُ أن يَرفعَ بَعضَ الحُكمِ كَرَفعِ بَعضِ عِدَّةِ المُتَوفَّى عنها زَوجُها؛ فقد كانت حَولًا كامِلًا، فنُسِخ ورُفِع بَعضُها حتَّى صارَت أربَعةَ أشهرٍ وعَشرًا.

انظر أيضا: