موسوعة أصول الفقه

الفَرعُ الثَّاني: تعريفُ الفِقهِ اصطِلاحًا


الفِقهُ اصطِلاحًا هو: العِلمُ بالأحكامِ الشَّرعيَّةِ العَمَليَّةِ، المُكتَسَبُ مِن أدِلَّتِها التَّفصيليَّةِ [21] يُنظر: ((منهاج الوصول)) للبيضاوي (ص: 51)، ((الإبهاج)) لتقي الدين السبكي (2/ 72). ويُنظر أيضًا: ((بيان المختصر)) لشمس الدين الأصفهاني (1/ 18)، ((جمع الجوامع)) لابن السبكي (ص: 13)، ((التلويح)) للتفتازاني (1/ 19)، ((البحر المحيط)) للزركشي (1/ 134)، ((الأشباه والنظائر)) لابن الملقن (1/24)، ((القواعد والفوائد الأصولية)) للبعلي (ص:17). ، وهو التَّعريفُ المُختارُ.
وقيلَ: هو العِلمُ بأحكامِ التَّكليفِ [22] ((البرهان)) للجويني (1/ 8). وعرفه الجويني أيضًا بقوله: (العلم بالأحكام الشرعية). ((البرهان)) (1/ 8). .
وقيلَ: جُملةٌ مِنَ العُلومِ بأحكامٍ شَرعيَّةٍ [23] ((المعتمد)) لأبي الحسين البصري (1/ 4). .
وقيلَ: العِلمُ بالأحكامِ الشَّرعيَّةِ الثَّابتةِ لأفعالِ المُكَلَّفينَ [24] ((المستصفى)) للغزالي (ص: 5). .
وقيلَ: العِلمُ بالأحكامِ الشَّرعيَّةِ العَمَليَّةِ والمُستَدَلِّ على أعيانِها، بحَيثُ لا يُعلَمُ كَونُها مِنَ الدِّينِ ضَرورةً [25] ((المحصول)) للرازي (1/ 78). .
شَرحُ التَّعريفِ المُختارِ:
(العِلمُ بالأحكامِ): المُرادُ بالعلم هنا مُطلَقُ الإدراكِ الشَّامِلِ للظَّنِّ واليَقينِ، وليس المُرادُ به الإدراكَ القَطعيَّ اليَقينيَّ؛ لأنَّ الأحكامَ الفِقهيَّةَ مِنها ما هو قَطعيٌّ لكَونِ دَليلِه أو دلالتِه قَطعيَّةً، ومِنها ما هو ظَنِّيٌّ لكَونِ دَليلِه أو دلالتِه ظَنِّيًّةً، وهو الأغلَبُ.
والأحكامُ جَمعُ حُكمٍ، وهو إثباتُ أمرٍ لآخَرَ أو نَفيُه عنه. وهو قَيدٌ أخرَجَ العِلمَ بما لا حُكمَ فيه، وهو التَّصَوُّرُ.
والمُرادُ مِنَ العِلمِ بالأحكامِ: العِلمُ بجُملةٍ مِنها بالفِعلِ، والعِلمُ بالباقي بالقُوَّةِ، بحَيثُ تَكونُ عِندَه القُدرةُ على تَحصيلِها، وهو ما يُعرَفُ بالمَلكةِ والتَّهَيُّؤِ.
(الشَّرعيَّةِ): أي: الأحكامِ المُتَلَقَّاةِ مِنَ الشَّرعِ، وهو قَيدٌ أخرَجَ العِلمَ بالأحكامِ غَيرِ الشَّرعيَّةِ؛ كالأحكامِ العَقليَّةِ (المُستَفادةِ مِنَ العَقلِ) مِثلُ: الاثنَينِ نِصفُ الأربَعةِ، والأحكامِ الحِسِّيَّةِ (المُستَفادةِ مِنَ الحَواسِّ) مِثلُ: الثَّلجُ بارِدٌ، والأحكامِ اللُّغَويَّةِ (المُستَفادةِ مِنَ الوَضعِ اللُّغَويِّ) مِثلُ: الفاعِلُ مَرفوعٌ، والأحكامِ التَّجريبيَّةِ (المُستَفادةِ مِنَ التَّجرِبةِ) مِثلُ: دَواءُ كَذا يَنفعُ في مَرَضِ كَذا.
(العَمَليَّةِ): أي: المُتَعَلِّقةِ بما يَصدُرُ عنِ النَّاسِ مِن أعمالٍ، كالصَّلاةِ والزَّكاةِ والصَّومِ والبَيعِ، والمُرادُ بهذا القَيدِ: أنَّ أكثَرَها فِعليٌّ وعَمَليٌّ، لا كُلَّها، وذلك لوُجودِ بَعضِ الأحكامِ الفِقهيَّةِ الكائِنةِ بالقَلبِ دونَ عَمَلِ الجَوارِحِ، كوُجوبِ النِّيَّةِ.
وهذا القَيدُ يُخرِجُ الأحكامَ الاعتِقاديَّةَ العلميَّةَ؛ فإنَّ العِلمَ بها لا يُسَمَّى فِقهًا في الاصطِلاحِ.
(المُكتَسَبُ): صِفةٌ للعِلمِ، والعِلمُ المُكتَسَبُ هو الحاصِلُ بسَبَبِ النَّظَرِ في الأدِلَّةِ واستِنباطِ الأحكامِ مِنها؛ فيَخرُجُ عِلمُ اللهِ جَلَّ وعَلا؛ لأنَّه غيرُ مكتَسبٍ، وعِلمُ جِبريلَ عليه السَّلامُ؛ فإنَّه حَصَلَ بإعلامِ اللهِ له ولا كَسبَ له فيه، وعِلمُ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الحاصِلُ بغَيرِ اجتِهادٍ، بَل بما أوحيَ إليه، فلا يُسَمَّى فِقهًا في الاصطِلاحِ.
(مِن أدِلَّتِها التَّفصيليَّةِ): مُتَعَلِّقٌ بقَولِهم: (المُكتَسَبُ)؛ فالأدِلَّةُ هيَ وسيلةُ اكتِسابِ هذا العِلمِ، وهذا القَيدُ يُخرِجُ عِلمَ المُقَلِّدِ؛ فإنَّه ليس مُكتَسَبًا مِنَ الأدِلَّةِ، بَل اكتَسَبَه بتَقليدِ غَيرِه.
والأدِلَّةُ التَّفصيليَّةُ: هيَ الأدِلَّةُ الجُزئيَّةُ الخاصَّةُ بكُلِّ مَسألةٍ فِقهيَّةٍ، مِثلُ آيةِ: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ [المائدة: 3] الدَّالَّةِ على تَحريمِ كُلِّ أجزاءِ المَيتةِ؛ فخَرَجَ بهذا القَيدِ أُصولُ الفِقهِ؛ لأنَّ البَحثَ فيه إنَّما يَكونُ في أدِلَّةِ الفِقهِ الإجماليَّةِ [26] يُنظر: ((أصول الفقه الإسلامي)) لوهبة الزحيلي (ص: 19- 22)، ((الشامل)) (1/93)، ((المهذب)) (1/ 18) كلاهما لعبد الكريم النملة، ((أصول الفقه)) لعياض السلمي (ص: 13). ويُنظر أيضًا: ((نفائس الأصول)) للقرافي (1/ 109- 110)، ((الإبهاج)) للسبكي (2/ 72- 108)، ((نهاية السول)) للإسنوي (ص: 11)، ((الردود والنقود)) للبابرتي (1/ 103). .

انظر أيضا: