موسوعة أصول الفقه

المَبحَثُ الثَّاني: تَعريفُ أُصولِ الفِقهِ باعتِبارِه لَقَبًا


يُعَرَّفُ أُصولُ الفِقهِ بأنَّه: مَعرِفةُ دَلائِلِ الفِقهِ إجمالًا، وكَيفيَّةِ الاستِفادةِ مِنها، وحالِ المُستَفيدِ [27] ((منهاج الوصول)) للبيضاوي (ص: 51)، ((الإبهاج)) لابن السبكي (2/ 45). ويُنظر أيضًا: ((قواعد الأصول)) لعبدالمؤمن البغدادي (ص: 48)، ((الشامل)) لعبدالكريم النملة (1/104). . وهذا هو التَّعريفُ المُختارُ.
وقيلَ: هو مَجموعُ طُرُقِ الفِقهِ على سَبيلِ الإجمالِ، وكَيفيَّةُ الاستِدلالِ بها، وكَيفيَّةُ حالِ المُستَدِلِّ بها [28] يُنظر: ((المحصول)) للرازي (1/ 80)، ((التحصيل)) للأرموي (1/ 168)، ((البحر المحيط)) للزركشي (1/ 39)، ونحوه: ((الورقات)) للجويني (ص: 9). .
وقيلَ: هو أدِلَّةُ الفِقهِ وجِهاتُ دَلالاتِها على الأحكامِ الشَّرعيَّةِ، وكَيفيَّةُ حالِ المُستَدِلِّ بها مِن جِهةِ الجُملةِ لا مِن جِهةِ التَّفصيلِ [29] ((الإحكام)) للآمدي (1/ 7). .
وقيلَ: هو العِلمُ بالقَواعِدِ التي يُتَوصَّلُ بها إلى استِنباطِ الأحكامِ الشَّرعيَّةِ الفرعيَّةِ عن أدِلَّتِها التَّفصيليَّةِ [30] يُنظر: ((مختصر ابن الحاجب)) ضمن ((شرح العضد)) (1/ 63)، ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (1/ 120)، ((المختصر)) لابن اللحام (ص: 30)، ((التقرير والتحبير)) لابن أمير الحاج (1/ 27). .
شَرحُ التَّعريفِ المُختارِ:
(مَعرِفةُ) المَعرِفةُ: الإدراكُ، وهيَ تَشمَلُ القطعَ والظَّنَّ؛ لذا اختيرَت هنا لمُناسَبَتِها للمَسائِلِ الأُصوليَّةِ؛ لأنَّه يَكفي فيها الدَّليلُ الظَّنِّيُّ، فيَكونُ التَّصديقُ بها أعَمَّ مِن أن يَكونَ قَطعيًّا أو ظَنِّيًّا [31] ((أوضح العبارات)) لمحمد يسري (ص: 28). ويُنظر أيضًا: ((تشنيف المسامع)) للزركشي (1/130،131)، ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (1/65). .
(دَلائِلِ): جمعُ دَلالةٍ [32] يُجمَعُ الدَّليلُ على أدلَّةٍ ولا يجمع على دلائِلَ إلَّا نادِرًا. يُنظر: ((الكليات)) للكفوي (ص: 439). بمعنى دليلٍ، والمُرادُ بالدَّليلِ: ما يُمكِنُ التَّوصُّلُ بالنَّظَرِ فيه إلى إدراكِ حُكمٍ شَرعيٍّ على سَبيلِ العِلمِ أوِ الظَّنِّ، وهي جنسٌ في التَّعريفِ تشملُ الدَّليلَ التَّفصيليَّ وهو محلُّ نظرِ الفَقيهِ؛ لأنَّ الفقيهَ يبحثُ عن الدَّلائلِ مِن جهةِ دَلالتِها على المسألةِ المعيَّنةِ، مثلُ: قَولِ اللهِ تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة: 1] ، وقَولِ اللهِ سُبحانَه: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ [يونس: 87] ، وقَولِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ [البقرة: 190] . فهذه الآياتُ الكَريمةُ يُتَوصَّلُ مِن خلالِها إلى إدراكِ أحكامٍ شَّرعيَّةٍ تفصيليَّةٍ مِن وُجوبِ الوفاءِ بالعَقدِ، وإقامةِ الصَّلاةِ، والجِهادِ في سَبيلِ اللهِ، وتشمَلُ الأدلةَ الإجماليَّةَ، وهي محلُّ نظرِ الأصوليِّ، ولذا قُيِّد التَّعريفُ بها [33] يُنظر: ((الإبهاج)) لتقي الدين السبكي (2/61:53)، ((نهاية السول)) للإسنوي (ص:9)، ((تشنيف المسامع)) للزركشي (1/120:118) ((الدرر اللوامع)) للكوراني (1/202:199)، ((الوجيز)) لمحمد الزحيلي (1/ 24). ، كما سيأتي.
(الفِقهِ) وهو العِلمُ بالأحكامِ الشَّرعيَّةِ العَمَليَّةِ، المُكتَسَبُ مِن أدِلَّتِها التَّفصيليَّةِ [34] يُنظر: ((منهاج الوصول)) للبيضاوي (ص: 51). كما تَقدَّمَ، وهذا القَيدُ أخرَجَ مَعرِفةَ أدِلَّةِ غَيرِ الفِقهِ، كمَعرِفةِ أدِلَّةِ التَّوحيدِ مَثَلًا [35] ((المهذب)) لعبد الكريم النملة (1/ 31). ويُنظر أيضًا: ((نهاية السول)) للإسنوي (ص:8،9)، ((تيسير الوصول)) لابن إمام الكاملية (1/281)، ((التحبير)) للمرداوي (1/181). .
(إجمالًا): إشارةٌ إلى أنَّ المُعتَبَرَ في حَقِّ الأُصوليِّ مَعرِفةُ الأدِلَّةِ مِن حَيثُ الإجمالُ، ككَونِ الإجماعِ حُجَّةً، وكَونِ الأمرِ للوُجوبِ، بخِلافِ عِلمِ الفِقهِ؛ فالفَقيهُ يَبحَثُ عنِ الدَّلائِلِ مِن جِهةِ دَلالَتِها على المَسألةِ المُعَيَّنةِ [36]  يُنظر: ((نهاية السول)) للإسنوي (ص: 9)، ((أصول الفقه الإسلامي)) لوهبة الزحيلي (1/23). .
(كَيفيَّةِ الاستِفادةِ مِنها): أي: مَعرِفةُ كَيفيَّةِ استِفادةِ الفِقهِ مِنَ الدَّلائِل، وهذا يَشمَلُ طُرُقَ الدَّلالةِ اللَّفظيَّةِ والعَقليَّةِ، وطُرُقَ نَصبِ الدَّليلِ الذي يوصِلُ إلى مَعرِفةِ الحُكمِ الشَّرعيِّ، سَواءٌ كان الدَّليلُ نَصًّا مِن قُرآنٍ أو سُنَّةٍ ونَحوِهما، أم مَعقولًا مِنَ النَّصِّ، كالقياسِ والاستِصلاحِ وغَيرِهما، وهذا يُدخِلُ ما ذَكَرَه الأُصوليُّونَ في دَلالاتِ الألفاظِ، مِثلُ العامِّ والخاصِّ، والمُطلَقِ والمُقَيَّدِ، والمَنطوقِ والمَفهومِ، كما يُدخِلُ طُرُقَ مَعرِفةِ العِلَّةِ المُستَنبَطةِ، ونَحوَ ذلك [37] يُنظر: ((نهاية السول)) للإسنوي (ص: 9)، ((أصول الفقه)) لعياض السلمي (ص: 16). ، ولا بُدَّ أيضًا مِن مَعرِفةِ ما يَتَعَلَّقُ بالتَّعارُضِ بَينَ الأدِلَّةِ، وكَيفيَّةِ دَفعِ هذا التَّعارُضِ؛ فالغَرَضُ مِنَ البَحثِ عن أحوالِ الأدِلَّةِ إنَّما هو التَّوصُّلُ إلى استِنباطِ الأحكامِ الشَّرعيَّةِ مِنَ الأدِلَّةِ، وهذه الأدِلَّةُ المُفيدةُ للأحكامِ مِنها ما هو ظَنِّيٌّ، فهيَ قابلةٌ للتَّعارُضِ، وعِندَ التَّعارُضِ لا بُدَّ في استِفادةِ الحُكمِ مِن دَليلِه مِنَ التَّرجيحِ بَينَه وبَينَ مُعارِضِه إن لَم يُمكِنِ الجَمعُ [38] يُنظر: ((المهذب)) لعبدالكريم النملة (1/ 32). .
(حالِ المُستَفيدِ): أي: مَعرِفةُ حالِ المُستَفيدِ، وهو طالِبُ حُكمِ اللَّهِ تعالى، فيَدخُلُ فيه المُقَلِّدُ والمُجتَهِدُ؛ إذ كُلٌّ مِنهما يَستَفيدُ الأحكامَ، وإن كان طَريقُ الاستِفادةِ مُختَلفًا؛ لأنَّ المُجتَهدَ يَستَفيدُ الأحكامَ مِنَ الأدِلَّةِ، والمُقَلِّدَ يَستَفيدُها مِنَ المُجتَهِدِ [39] يُنظر: ((نهاية السول)) للإسنوي (ص: 10)، ((الدرر اللوامع)) للكوراني (1/ 206)، ((أصول الفقه الإسلامي)) لوهبة الزحيلي (1/23). ، وقيلَ: المُرادُ بالمُستَفيدِ هو المُجتَهدُ، وإنَّما ذُكِر المُقَلِّدُ وما يَتَعَلَّقُ بالتَّقليدِ استِطرادًا لذِكرِ المُجتَهدِ، ولأنَّه تابعٌ له [40] يُنظر: ((الإبهاج)) لتقي الدين السبكي (2/62)، ((التحبير)) للمرداوي (1/183)، ((المهذب)) لعبدالكريم النملة (1/ 33)، ((معالم أصول الفقه)) للجيزاني (ص: 21). .

انظر أيضا: