موسوعة أصول الفقه

الفرعُ العاشِرُ: نَسخُ بَعضِ أفعالِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ببَعضٍ


يَجوزُ نَسخُ الفِعلِ بالفِعلِ إذا عُلِمَ كَونُهما مُثبِتَينِ لحُكمَينِ مُتَنافيَينِ؛ لأنَّهما في رُتبةٍ واحِدةٍ، ومِمَّن نَصَّ على ذلك: الخَطيبُ البَغداديُّ [336] يُنظر: ((الفقيه والمتفقه)) (1/332). ، والشِّيرازيُّ [337] يُنظر: ((شرح اللمع)) (1/498). .
وعَزاه الماوَرْديُّ إلى الشَّافِعيِّ، فقال: (الظَّاهِرُ مِن مَذهَبِ الشَّافِعيِّ أنَّ القَولَ لا يُنسَخُ إلَّا بالقَولِ، والفِعلَ لا يُنسَخُ إلَّا بالفِعلِ) [338] ((الحاوي الكبير)) (16/105). .
وحَكاه الزَّركَشيُّ عنِ الباقِلَّانيِّ، فقال: (وقال القاضي: يَجوزُ نَسخُ الفِعلِ بالفِعلِ إذا عُلِمَ كَونُهما مُثبِتَينِ لحُكمَينِ مُتَنافيَينِ) [339] ((البحر المحيط)) (5/283). .
والدَّليلُ على ذلك: الوُقوعُ
ومِن أمثِلَتِه [340] يُنظر: ((الفقيه والمتفقه)) للخطيب البغدادي (1/336). : قَولُ ابنِ أبي لَيلى: ((كان سَهلُ بنُ حُنَيفٍ وقَيسُ بنُ سَعدٍ قاعِدَينِ بالقادِسيَّةِ، فمَرُّوا عليهما بجِنازةٍ فقاما. فقيلَ لهما: إنَّها مِن أهلِ الأرضِ، أي: مِن أهلِ الذِّمَّةِ، فقالا: إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَرَّت به جِنازةٌ فقامَ، فقيلَ له: إنَّها جِنازةُ يَهوديٍّ. فقال: ألَيسَت نَفسًا؟)) [341] أخرجه البخاري (1312) واللفظ له، ومسلم (961). . وقال عَليُّ بنُ أبي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((رَأينا رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قامَ فقُمنا وقَعَدَ فقَعَدنا، يَعني في الجِنازةِ)) [342] أخرجه مسلم (962). ، فقيلَ: المُرادُ هنا نَسخُ القيامِ للجِنازةِ [343] يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (7/ 37). .
قال ابنُ العَرَبيِّ: (تَركُه لِما كان يَفعَلُه نَسخٌ له بشُروطِه كامِلًا؛ لِما فيه مِنَ المُعارَضةِ وتَحقيقِ التَّاريخِ) [344] ((الناسخ والمنسوخ)) (2/134). .
ولا شَكَّ أنَّ تَركَ القيامِ يُعَدُّ فِعلًا؛ لأنَّ التَّركَ فِعلٌ كما قال به المُحَقِّقونَ مِنَ الأصوليِّينَ، قال الأبياريُّ: (التَّركُ فِعلٌ على الحَقيقةِ) [345] ((التحقيق والبيان)) (1/703). . وقال الشَّاطِبيُّ: (التَّركُ عِندَ المُحَقِّقينَ فِعلٌ مِنَ الأفعالِ الدَّاخِلةِ تَحتَ الِاختيارِ) [346] ((الموافقات)) (1/175). .

انظر أيضا: