موسوعة أصول الفقه

الفرعُ الثَّاني: نَسخُ القُرآنِ بالخَبَرِ المُتَواتِرِ


اختَلَف الأصوليُّونَ في نَسخِ القُرآنِ بالسُّنَّةِ المُتَواتِرةِ، والرَّاجِحُ جَوازُه، وهو مَنقولٌ عن مالِكٍ [255] يُنظر: ((رفع النقاب)) للشوشاوي (4/513). ، ورِوايةٌ عن أحمَدَ [256] يُنظر: ((التمهيد)) للكلوذاني (2/369). ، وهو مَذهَبُ الحَنَفيَّةِ [257] يُنظر: ((الفصول)) للجصاص (2/323). ، وأكثَرِ المالِكيَّةِ [258] يُنظر: ((الإشارة)) للباجي (ص: 267). ، وبَعضِ الشَّافِعيَّةِ [259] يُنظر: ((شرح اللمع)) للشيرازي (1/501)، ((التلخيص)) لإمام الحرمين (2/515). ، وأكثَرِ الحَنابِلةِ [260] يُنظر: ((التمهيد)) للكلوذاني (2/369). ، وحَكاه الزَّركَشيُّ عنِ المُحَقِّقينَ [261] يُنظر: ((سلاسل الذهب)) (ص: 302). ، وصَحَّحه ابنُ حَزمٍ [262] يُنظر: ((الإحكام)) (4/107). ، وإمامُ الحَرَمَينِ [263] يُنظر: ((التلخيص)) (2/515). .
الأدِلَّةُ:
1- عُمومُ ما ثَبَتَ مِن وُجوبِ الطَّاعةِ لِما جاءَ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، كوُجوبِ الطَّاعةِ لِما جاءَ في القُرآنِ، ولا فَرقَ، وأنَّ كُلَّ ذلك مِن عِندِ اللهِ تعالى؛ قال اللهُ عَزَّ وجَلَّ: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم: 3-4] ، فثَبَتَ قَطعًا أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا يَحكُمُ برَأيِه، وإنَّما يَقولُ ما يَقولُ عن رَبِّه وحيًا، فإذا كان كَلامُه وحيًا مِن عِندِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، والقُرآنُ وَحيٌ، فنَسخُ الوَحيِ بالوَحيِ جائِزٌ؛ لأنَّ كُلَّ ذلك سَواءٌ في أنَّه وَحيٌ [264] يُنظر: ((الإحكام)) لابن حزم (4/107)، ((التلخيص)) لإمام الحرمين (2/516). .
2- قَولُ اللهِ تعالى: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل: 44] ، والنَّسخُ ضَربٌ مِنَ البَيانِ؛ لأنَّه يُبَيِّنُ قَطعَ المُدَّةِ [265] يُنظر: ((التمهيد)) للكلوذاني (2/369). .
3- أنَّ السُّنَّةَ المُتَواتِرةَ قَولٌ صَدَرَ مِن صاحِبِ الشَّرعِ مَقطوعٌ به، أو يوجِبُ العِلمَ، فجازَ أن يُنسَخَ القُرآنُ به كالقُرآنِ؛ فإنَّ القُرآنَ والخَبَرَ المُتَواتِرَ كِلاهما شَرعٌ مَقطوعٌ بصِحَّتِه، فإذا جازَ أن يُنسَخَ القُرآنُ بالقُرآنِ جازَ أن يُنسَخَ بالخَبَرِ المُتَواتِرِ [266] يُنظر: ((الإشارة)) للباجي (ص: 268)، ((التمهيد)) للكلوذاني (2/370). .
4- الوُقوعُ، ومِن ذلك [267] يُنظر: ((الإشارة)) للباجي (ص: 269)، ((رفع النقاب)) للشوشاوي (4/514). :
- قَولُ اللهِ تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ [البقرة: 180] مَنسوخٌ بقَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ اللَّهَ قد أعطى كُلَّ ذي حَقٍّ حَقَّه؛ فلا وصيَّةَ لوارِثٍ)) [268] أخرجه أبو داود (2870) واللفظ له، والترمذي (2120)، وابن ماجه (2713) من حديث أبي أمامة الباهلي رضي اللهُ عنه. صَحَّحه ابنُ العربي في ((عارضة الأحوذي)) (4/432)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2870)، وأحمد شاكر في ((عمدة التفسير)) (1/215)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (2870). .
- وقَولُ اللهِ تعالى: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ [النساء: 24] ، نَسخَه قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا تُنكَحُ المَرأةُ على عَمَّتِها ولا على خالَتِها)) [269] أخرجه البخاري (5110)، ومسلم (1408) واللَّفظُ له من حديثِ أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. .
وقيلَ: لا يَجوزُ نَسخُ القُرآنِ بالسُّنَّةِ شَرعًا. وهو قَولُ الشَّافِعيِّ [270] يُنظر: ((الرسالة)) (ص: 106). ، ورِوايةٌ عن أحمَدَ [271] سُئِلَ أحمَدُ: هَل تَنسَخُ السُّنَّةُ القُرآنَ؟ فقال: لا يَنسَخُ القُرآنَ إلَّا قُرآنٌ يَجيءُ بَعدَه، والسُّنَّةُ تُفسِّرُ القُرآنَ. يُنظر: ((العدة)) لأبي يعلى (3/788)، ((الواضح)) لابن عقيل (1/228)، ((روضة الناظر)) لابن قدامة (1/258). ، وهو مَذهَبُ بَعضِ الشَّافِعيَّةِ [272] يُنظر: ((شرح اللمع)) للشيرازي (1/501)، ((التلخيص)) لإمام الحرمين (2/515). ، وبَعضِ الحَنابِلةِ [273] يُنظر: ((العدة)) (3/788). ونَصَّ أبو يَعلى على جَوازِه عَقلًا، فقال: (فأمَّا نَسخُ القُرآنِ بالسُّنَّةِ مِن جِهةِ العَقلِ فلا يَمتَنِعُ جَوازُه). ((العدة)) (3/801). ويُنظر أيضًا: ((شرح مختصر أصول الفقه)) للجراعي (3/163). .

انظر أيضا: