موسوعة أصول الفقه

المَطلَبُ الثَّاني: التَّحذيرُ مِنَ الفتوى لمَن ليسَ مِن أهلِ الإفتاءِ


مَن ليسَ أهلًا للإفتاءِ هو مَن فقَدَ شرطًا أو أكثَرَ مِن شُروطِ الإفتاءِ [591] يُنظَر ما تَقدَّمَ في مَطلَبِ شُروطِ المُفتي. .
ومَقامُ الفُتيا والإفتاءِ أعلى مِن مَقامِ العِلمِ والنُّصحِ؛ ولِذا فرَّقَ العُلَماءُ بَينَ الكَلامِ في العِلمِ والفتوى، ومِن ذلك الشَّافِعيُّ؛ فإنَّه لمَّا ذَكَرَ شُروطَ المُفتي عَقَّبَ بَعدَها قائلًا: (فإذا كان هذا هكذا فلَه أن يَتَكَلَّمَ ويُفتيَ في الحَلالِ والحَرامِ، وإذا لم يَكُنْ هكذا فله أن يَتَكَلَّمَ في العِلمِ ولا يُفتيَ) [592] يُنظَر: ((الفقيه والمتفقه)) للخطيب البغدادي (2/ 332). .
وعن صالِحِ بنِ أحمَدَ بنِ حَنبَلٍ، أنَّه قال لأبيه: ما تَقولُ في الرَّجُلِ يُسأَلُ عنِ الشَّيءِ فيُجيبُ بما في الحَديثِ، وليس بعالمٍ بالفُتيا؟ قال: (يَنبَغي للرَّجُلِ إذا حمَلَ نَفسَه على الفُتيا أن يَكونَ عالِمًا بالسُّنَنِ، عالِمًا بوُجوهِ القُرآنِ، عالِمًا بالأسانيدِ الصَّحيحةِ، وإنَّما جاءَ خِلافُ مَن خالَف لقِلَّةِ مَعرِفتَهم بما جاءَ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في السُّنَّةِ، وقِلَّةِ مَعرِفتِهم بصحيحِها مِن سَقيمِها) [593] يُنظَر: ((الفقيه والمتفقه)) (2/ 332). .
فمَن تَقحَّم بابَ الفتوى بلا عِلمٍ فلَم يَكُنْ أهلًا لذلك؛ فإنَّه على خَطَرٍ عَظيمٍ، وقائِلٌ على اللهِ بما لا عِلمَ له به، وقد جاءَ الوعيدُ فيمن هذا حالُه، ومِن ذلك:
قَولُ اللهِ تعالى: وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ [النحل: 116] .
وقَولُ اللهِ سُبحانَه: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء: 36] .
وقَولُ اللهِ عَزَّ وجَلَّ: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [الأعراف: 33] .
وعن عبدِ اللهِ بنِ عَمرِو بنِ العاصِ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((إنَّ اللَّهَ لا يَقبِضُ العِلمَ انتِزاعًا يَنتَزِعُه مِنَ العِبادِ، ولَكِن يَقبِضُ العِلمَ بقَبضِ العُلَماءِ، حتَّى إذا لم يُبقِ عالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤوسًا جُهَّالًا، فسُئِلوا فأفتَوا بغَيرِ عِلمٍ، فضلُّوا وأضَلُّوا)) [594] أخرجه البخاري (100) واللفظ له، ومسلم (2673). .

انظر أيضا: