موسوعة أصول الفقه

الفرعُ الأوَّلُ: حُسنُ النِّيَّةِ


يَجِبُ على المُستَفتي عِندَ الاستِفتاءِ أن يَكونَ حَسَنَ النِّيَّةِ، فلا يَنوي عَرَضًا مِنَ الدُّنيا باستِفتائِه، مِثلُ أن يَتَقَرَّبَ للمُفتي بذلك، بحَيثُ يَكونُ مَعروفًا لدَيه ليَستَعمِلَه المُستَفتي في شَفاعاتٍ لدى وُلاةِ الأمرِ وكِبارِ القَومِ، فلَم تَكُنْ نيَّتُه عِندَ الاستِفتاءِ طَلَبَ بَيانِ الحُكمِ الشَّرعيِّ، بَلِ التَّقَرُّبَ للمُفتي، ومِن عَرَضِ الدُّنيا أيضًا أن يُعرَفَ بَينَ النَّاسِ بمُصاحَبَتِه للمُفتي، وذلك بكَثرةِ استِفتائِه، وقد يَكونُ قَصدُه الفِتنةَ، سَواءٌ بمُجادَلةِ المُفتي إذا عَلِمَ رَأيَه في المَسألةِ بَعدَ الفتوى، أو يَكونُ قد عَلِمَ رَأيَه مِن قَبلُ ويُريدُ أن يَسمَعَه منه حتَّى يُجادِلَه فيه لا لطَلَبِ بَيانِ الحُكمِ الشَّرعيِّ ولا للتَّأكُّدِ مِن نِسبةِ الفتوى للمُفتي، وقد تَكونُ الفِتنةُ مِن جِهةٍ أخرى بأن يَجمَعَ أقوالَ العُلَماءِ في المَسائِلِ ويَرميَ بها بَينَ النَّاسِ، ويَقولَ: سَألتُ المُفتيَ الفُلانيَّ فقال كَذا، وسَألتُ المُفتيَ الفُلانيَّ وقال عَكسَ الأوَّلِ، ويُشَوِّشَ على النَّاسِ أمرَ دينِهم، ومِنَ القَصدِ السَّيِّئِ أيضًا طَلَبُ الرُّخَصِ، فيَسألُ مفتيًا ثُمَّ مفتيًا آخَرَ ثُمَّ آخَرَ وهَكَذا، ليسَ طَلَبًا لبَيانِ الحُكمِ الشَّرعيِّ ولَكِن ليُحَصِّلَ غَرَضَه.
فلا بُدَّ أن تَكونَ للمُستَفتي نيَّةٌ خالِصةٌ للهِ في سُؤالِ أهلِ الذِّكرِ لبَيانِ الحُكمِ الشَّرعيِّ، وأن يُنَقِّيَها مِمَّا قد يَعلَقُ بها مِن شَوائِبَ؛ حتَّى يَعظُمَ انتِفاعُها، ويَزدادَ بها عِلمًا وفِقهًا وقُربًا إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ.

انظر أيضا: