موسوعة أصول الفقه

المسألةُ الأولى: تعريفُ السَّبَبِ


أوَّلًا: تعريفُ السَّبَبِ لُغةً
السَّبَبُ لُغةً: يُطلَقُ على ما يُتَوصَّلُ به إلى غيرِه، فيُطلقُ مَثَلًا على الحَبلِ، كما في قَولِ اللهِ تعالى: فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ [الحج:15] [879] يُنظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (1/459)، ((الحدود الأنيقة)) لزكريا الأنصاري (1/72)، ((تاج العروس)) للزبيدي (3/38). .
ثانيًا: تَعريفُ السَّبَبِ اصطِلاحًا
السَّبَبُ في الاصطِلاحِ هو: وَصفٌ ظاهرٌ مُنضَبِطٌ يَلزَمُ مِن وُجودِه الوُجودُ، ومِن عَدَمِه العَدَمُ لذاتِه [880] يُنظر: ((إجابة السائل)) للصنعاني (ص: 51). ويُنظر أيضًا: ((شرح تنقيح الفصول)) للقرافي (ص:81)، ((التحبير)) للمرداوي (3/1060)، ((الحدود الأنيقة)) لزكريا الأنصاري (ص: 72). . وهو التَّعريفُ المُختارُ.
وقيلَ: السَّبَبُ: وَصفٌ ظاهرٌ مُنضَبِطٌ دَلَّ الدَّليلُ السَّمعيُّ على كونِه مُعرِّفًا لحُكمٍ شَرعيٍّ [881] يُنظر: ((الإحكام)) للآمدي (1/127)، ((بديع النظام)) لابن الساعاتي (1/183). ويُنظر أيضًا: ((الحكم الشرعي أقسامه ومتعلقاته)) لعبدالعاطي (ص: 260)، ((الشامل)) لعبدالكريم النملة (1/287-288). .
وقيلَ هو: ما يَكونُ طَريقًا إلى الحُكمِ مِن غيرِ تَأثيرٍ [882] يُنظر: ((التلويح)) للتفتازاني (2/274). .
شَرحُ التَّعريفِ المُختارِ وبيانُ مُحتَرَزاتِه:
- كَلِمةُ: "وَصفٌ": احتِرازٌ مِنَ الذَّواتِ؛ فإنَّها لا تَكونُ أسبابًا.
- كَلِمةُ: "ظاهِرٌ": احتِرازٌ مِنَ الوصفِ الخَفيِّ، كالرِّضا في البيعِ؛ فإنَّه لا يَصلُحُ أن يَكونَ مُعَرِّفًا، فلا يَكونُ سَبَبًا؛ ولذا تَعَلَّق الأمرُ بالصِّيغةِ لكونِها ظاهِرةً.
- كَلِمةُ: "مُنضَبطٌ": احتِرازٌ مِمَّا لا يَنضَبطُ؛ فإنَّه لا يَتَحَقَّقُ وُجودُه حَتَّى يَتَرَتَّبَ الحُكمُ عليه، كالمَشَقَّةِ؛ فإنَّها غيرُ مُنضَبطةٍ إذ تَختَلفُ باختِلافِ الأشخاصِ والأحوالِ، فلا تَصلُحُ سَبَبًا للحُكمِ، بخِلافِ السَّفَرِ؛ فإنَّه مُنضَبِطٌ؛ لذا رُبطَ الحُكمُ بالسَّفرِ لانضِباطِه دونَ المَشَقَّةِ [883] يُنظر: ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (1/434). .
- جُملةُ: "يَلزَمُ مِن وُجودِه الوُجودُ": احتِرازٌ مِنَ الشَّرطِ؛ لأنَّه لا يَلزَمُ مِن وُجودِه الوُجودُ.
- جُملةُ: "ومِن عَدَمِه العَدَمُ": احتِرازٌ مِنَ المانِعِ؛ لأنَّه لا يَلزَمُ مِن عَدَمِه وُجودٌ ولا عَدَمٌ.
- كَلِمةُ: "لذاتِه": احتِرازٌ مِمَّا لَو قارَنَ السَّبَبَ فِقدانُ الشَّرطِ أو وُجودُ المانِعِ، كالنِّصابِ قَبلَ تَمامِ الحَولِ، أو مَعَ وُجودِ الدَّينِ؛ فإنَّه لا يَلزَمُ مِن وُجودِه الوُجودُ، لَكِن لا لِذاتِه، بَل لأمرٍ خارِجٍ عنه، وهو انتِفاءُ الشَّرطِ ووُجودُ المانِعِ، وكذلك لَو خَلفَ السَّبَبَ سَبَبٌ آخَرُ لَم يَلزَمْ مِن عَدَمِه العَدَمُ، كالزِّنا إذا عُدِمَ لا يَلزَمُ مِن عَدَمِه عَدَمُ الجَلدِ؛ لجَوازِ ثُبوتِه بالقَذفِ، وكالرِّدَّةِ إذا انتَفت لا يَلزَمُ انتِفاءُ القَتلِ؛ لجَوازِ ثُبوتِه بالقِصاصِ، لَكِنَّ كونَه لَم يَلزَمْ مِن عَدَمِه العَدَمُ لا لِذاتِه بَل لأمرٍ خارِجٍ، وهو كونُ السَّبَبِ الآخَرِ خَلَفَه [884] يُنظر: ((شرح تنقيح الفصول)) للقرافي (ص:70)، ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (1/434). .
ويَنبَغي أن يُعلَمَ أنَّ السَّبَبَ يُطلَقُ في عُرفِ الفُقَهاءِ ويُرادُ به أشياءُ:
1- ما يُقابِلُ المُباشَرةَ، كما إذا حَفرَ إنسانٌ بئرًا فدَفع آخَرُ إنسانًا فيها؛ فالأوَّلُ سَبَبٌ، والثَّاني مُباشِرٌ، فأطلَقوا السَّبَبَ على ما يُقابِلُ المُباشِرَ حَتَّى إذا اجتَمَعَ السَّبَبُ والمُباشِرُ قُدِّمَ المُباشِرُ ووجَبَ عليه الضَّمانُ، وانقَطَعَ حُكمُ السَّبَبِ [885] يُنظر: ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (1/426)، ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (1/448). .
2- عِلَّةُ العِلَّةِ، كما لَو رُميَ شَخصٌ بسَهمٍ فقَتَلَه؛ فالرَّميُ سَبَبٌ، والإصابةُ عِلَّةُ زُهوقِ الرُّوحِ، والرَّميُ هو عِلَّةُ الإصابةِ؛ فالرَّميُ عِلَّةُ عِلَّةِ القَتلِ، وقد سَمَّوه سَبَبًا [886] يُنظر: ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (1/427)، ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (1/449). .
3- العِلَّةُ الشَّرعيَّةُ بدونِ شَرطِها، كمِلكِ النِّصابِ بدونِ حَوَلانِ الحَولِ يُسَمَّى سَبَبًا لوُجوبِ الزَّكاةِ [887] يُنظر: ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (1/428)، ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (1/449). .
4- العِلَّةُ الشَّرعيَّةُ كامِلةٌ، وهي المَجموعُ المُرَكَّبُ مِن مُقتَضى الحُكمِ وشَرطِه، وانتِفاءِ المانِعِ، ووُجودِ الأهلِ والمحَلِّ [888] يُنظر: ((شرح مختصر الروضة)) للطوفي (1/428)، ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (1/449). .

انظر أيضا: