موسوعة أصول الفقه

الفَصلُ الثَّالثُ: فوائِدُ أُصولِ الفِقهِ


ذَكَر العُلَماءُ لعِلمِ أُصولِ الفِقهِ فوائِدَ وثَمَراتٍ مُتَعَدِّدةً؛ مِنها:
1- التَّوصُّلُ إلى فهمِ نُصوصِ الكِتابِ والسُّنَّةِ فهمًا صَحيحًا؛ حَيثُ إنَّ عِلمَ أُصولِ الفِقهِ يَشمَلُ العِلمَ بالنَّاسِخِ والمَنسوخِ، والمُجمَلِ والمُبيَّنِ، والظَّاهِرِ والنَّصِّ، والعامِّ والخاصِّ، والمُطلَقِ والمُقَيَّدِ، وغَيرِ ذلك مِن مَباحِثِ الألفاظِ، وهيَ غالِبُ أبوابِ أُصولِ الفِقهِ. وهذا كُلُّه يَحتاجُ إليه المُفسِّرُ والمُحَدِّثُ لفهمِ نُصوصِ الكِتابِ والسُّنَّةِ؛ فبقَواعِدِ عِلمِ الأُصولِ تُفهَمُ النُّصوصُ الشَّرعيَّةُ، ويُعرفُ ما تَدُلُّ عليه الأدِلَّةُ مِن أحكامِ [58] يُنظر: ((البحر المحيط)) للزركشي (1/14). .
2- معرِفةُ أُصولِ الفِقهِ تُعينُ على مَعرِفةِ أحكامِ اللهِ تعالى [59] يُنظر: ((بيان المختصر)) لشمس الدين الأصفهاني (1/ 29)، ((شرح العضد على مختصر المنتهى)) (1/ 106)، ((الردود والنقود)) للبابرتي (1/ 109- 110). .
3- التَّوصُّلُ إلى استِنباطِ الأحكامِ الشَّرعيَّةِ، أو مَعرِفةِ كَيف استُنبِطَت إذا تَعَذَّرَ إمكانُ الاستِنباطِ والاجتِهادِ [60] ((التحبير)) للمرداوي (1/ 185).
4- التَّوصُّلُ إلى تَحقيقِ الاجتِهادِ وبناءِ المُجتَهِدِ.
قال الإسنَويُّ: (إنَّه العُمدةُ في الاجتِهادِ، وأهَمُّ ما يُتَوقَّفُ عليه مِنَ المَوادِّ، كما نَصَّ عليه العُلَماءُ، ووصَفه به الأئِمَّةُ الفُضَلاءُ) [61] ((التمهيد)) (ص: 43). .
5- مَعرِفةُ حِكَمِ الشَّريعةِ وأسرارِها؛ وذلك بالتَّأمُّلِ في عِلَلِ الأحكامِ ومَقاصِدِها، ومَعرِفةِ المَقاصِدِ الشَّرعيَّةِ الضَّروريَّةِ والحاجيَّةِ والتَّحسينيَّةِ، وتَنزيلِ كُلِّ مَقصَدٍ في مَنزِلَتِه عِندَ التَّزاحُمِ، ومعرفةِ تَرتيبِ الواجِباتِ والمُستَحَبَّاتِ لتَقديمِ الأقوى دَليلًا والأكثَرِ نَفعًا على ما سِواه، ومَعرِفةِ المَصالحِ والمَفاسِدِ، ومَعرِفةِ المُعتَبَرِ مِنها في الشَّرعِ والمُلغى، ومَعرِفةِ دَرَجاتِ المُعتَبرِ؛ لتَقديمِ ما يَستَحِقُّ التَّقديمَ [62] يُنظر: ((أصول الفقه)) لعياض السلمي (ص: 19). .
6- عِلمُ أُصولِ الفِقهِ يُسهِمُ في حِفظِ الدِّينِ والعَقيدةِ الإسلاميَّةِ بحِمايةِ أُصولِ الاستِدلالِ، وصَونِ أدِلَّةِ الشَّريعةِ، وحِفظِ حُجَجِ الأحكامِ، والرَّدِّ على شُبَهِ المُنحَرِفينَ، والتَّصَدِّي للمُضَلِّلينَ الذينَ حاولوا الدَّسَّ في الأحكامِ، وتَشويهَ مَقاصِدِ التَّشريعِ، والمُراوغةَ في التَّضليلِ [63] يُنظر: ((الوجيز)) لمحمد الزحيلي (1/ 34)، ((معالم أصول الفقه)) للجيزاني (ص: 23). .
7- عِلمُ أُصولِ الفِقهِ يَحفظُ الذِّهنَ مِنَ الخَطَأِ في الاستِنباطِ مِنَ النُّصوصِ، ويُقدِّمُ الأدِلَّةَ الكُلِّيَّةَ التي يَلجَأُ إليها الفقيهُ في فهمِ القَواعِدِ الكُلِّيَّةِ التي راعاها التَّشريعُ في بَيانِ الأحكامِ؛ لتُسعِفَ الفقيهَ حينَ إعوازِ النَّصِّ، وهو بهذا يَكونُ صِنوًا لعِلمِ مُصطَلَحِ الحَديثِ الذي يُرادُ مِنه حِفظُ نُصوصِ الشَّريعةِ، وتَمييزُ صَحيحِها مِن غَيرِه [64] يُنظر: ((رؤية المستشرقين والمستغربين لنشأة علم أصول الفقه وتفنيدها)) لمحمود عبد الرحمن (ص: 10). .
8- عِلمُ أُصولِ الفِقهِ ضَروريٌّ لمَعرِفةِ حُكمِ اللهِ تعالى في المَسائِلِ المُستَجَدَّةِ التي لَم يَرِدْ فيها دَليلٌ شَرعيٌّ صَريحٌ، ولَم يَنُصَّ عليها الأئِمَّةُ في كُتُبِهم [65] يُنظر: ((الوجيز)) لمحمد الزحيلي (1/ 37)، ((معالم أصول الفقه)) للجيزاني (ص: 23)، ((أصول الفقه)) لعياض السلمي (ص: 18- 19). . قال القَفَّالُ الشَّاشيُّ: (اعلَمْ أنَّ النَّصَّ على حُكمِ كُلِّ حادِثةٍ عَينًا مَعدومٌ، وأنَّ للأحكامِ أُصولًا وفُروعًا، وأنَّ الفُروعَ لا تُدرَكُ إلَّا بأُصولِها، وأنَّ النَّتائِجَ لا تُعرَفُ حَقائِقُها إلَّا بَعدَ تَحصيلِ العِلمِ بمُقدِّماتِها، فحُقَّ أن يُبدَأَ بالإبانةِ عنِ الأُصولِ؛ لتكونَ سَبَبًا إلى مَعرِفةِ الفُروعِ) [66] يُنظر: ((البحر المحيط)) للزركشي (1/22). .
وهذا يُثبتُ لأعداءِ الإسلامِ أنَّ الإسلامَ صالحٌ لكُلِّ زَمانٍ ومَكانٍ، وأنَّه يوجِدُ لكُلِّ حادِثةٍ حُكمًا شَرعيًّا، بعَكسِ ما يُصَوِّرُه أعداءُ الإسلامِ مِن أنَّ الإسلامَ قاصِرٌ عن حَلِّ القَضايا المُتَجَدِّدةِ [67] يُنظر: ((المهذب)) لعبدالكريم النملة (1/ 43). .
9- يَستَفيدُ طالبُ العِلمِ الذي لَم يَبلُغْ دَرَجةَ الاجتِهادِ مِن دِراسةِ أُصولِ الفِقهِ؛ حَيثُ يَجعَلُه هذا العِلمُ على بَيِّنةٍ مِمَّا فعَلَه إمامُه عِندَ استِنباطِه للأحكامِ، فمَتى ما وقَف على طُرُقِ الأئِمَّةِ وأُصولِهم، وما ذَهَبَ إليه كُلٌّ مِنهم من إثباتِ تلك القاعِدةِ أو نَفيِها، فإنَّ نَفسه تَطمَئِنُّ إلى مُدرَكِ ذلك الإمامِ الذي قَلَّدَه، ويَجعَلُه مُمتَثِلًا عنِ اقتِناعٍ، كما أنَّه يُفضي إلى أن تَكونَ لَدَيه القُدرةُ التي تُمكِّنُه مِنَ الدِّفاعِ عن وِجهةِ نَظَرِ إمامِه [68] يُنظر: ((المهذب)) لعبدالكريم النملة (1/ 42). ويُنظر أيضًا: ((الوجيز)) لمحمد الزحيلي (1/ 36). .
10- العارِفُ بتلك القَواعِدِ الأُصوليَّةِ يَستَطيعُ أن يَدعوَ إلى اللهِ تعالى وإلى دينِه، بناءً على أُسُسٍ ومَناهِجَ وطُرُقٍ يَستَطيعُ مِن خِلالِها أن يُقنِعَ الآخَرينَ [69] يُنظر: ((المهذب)) لعبدالكريم النملة (1/ 43).
11- الاستِفادةُ مِنَ المَباحِثِ اللُّغَويَّةِ في أُصولِ الفِقهِ؛ فعُلَماءُ الأُصولِ لَهم تَحريرٌ لبَعضِ المَسائِلِ اللُّغَويَّةِ، واستِقراءٌ زائِدٌ على استِقراءِ اللُّغَويِّينَ أحيانًا؛ لجَمعِهم بَينَ مَعرِفةِ اللُّغةِ والشَّريعةِ [70] يُنظر: ((الإبهاج)) للسبكي (2/ 15- 16). .
12- حِمايةُ الفقيهِ مِنَ التَّناقُضِ؛ فالفَقيهُ الذي لَم يَتَعَمَّقْ في دِراسةِ هذا العِلمِ تَأتي فتاواه مُتَناقِضةً، فيُفرِّقُ بَينَ المُتَماثِلاتِ، ويُسَوِّي بَينَ المُختَلِفاتِ، وهذا يُضعِفُ الثِّقةَ فيما يَقولُ، ويُسيءُ إلى الشَّريعةِ ويُقَلِّلُ مِن قيمَتِها في نُفوسِ الجاهلينَ بها مِنَ المُسلمينَ أو غَيرِهم [71] يُنظر: ((أصول الفقه)) لعياض السلمي (ص: 19- 20). .
13- عِلمُ أُصولِ الفِقهِ يَضَعُ أمامَ المُجتَهِدِ مَنهَجًا واضِحًا ومُستَقيمًا في كَيفيَّةِ الاستِنباطِ، فلا يَنحَرِفُ يَمينًا أو يَسارًا، ولا يَخبِطُ خَبطَ عَشواءَ، ولا يَزِلُّ به العَقلُ والهَوى عِندَ أخذِ الأحكامِ مِنَ الأدِلَّةِ [72] يُنظر: ((الوجيز)) لمحمد الزحيلي (1/ 34). .
14- مَعرِفةُ الأسبابِ التي أدَّت إلى وُقوعِ الخِلافِ بَينَ العُلَماءِ، والتِماسُ الأعذارِ لَهم في ذلك [73] ((معالم أصول الفقه)) للجيزاني (ص: 23). ، والاطمِئنانُ إلى أنَّ المُجتَهدينَ يَقصِدونَ وجهَ اللهِ تعالى ويَبتَغونَ مَرضاتَه، دونَ أن يَدفعَهم هَوًى أو مَصلَحةٌ شَخصيَّةٌ، أو قَصدٌ مادِّيٌّ، أو تَطَلُّعٌ إلى مَنصِبٍ أو جاهٍ [74] يُنظر: ((الوجيز)) لمحمد الزحيلي (1/ 36). .
15- يكونُ عِندَ الطَّالِبِ والدَّارِسِ والباحِثِ مَلَكةٌ عَقليَّةٌ وفِقهيَّةٌ تُصَحِّحُ تَفكيرَه وتَكسِبُه الإدراكَ الصَّحيحَ والفَهمَ التَّامَّ للحُكمِ على الأشياءِ [75] يُنظر: ((الوجيز)) لمحمد الزحيلي (1/ 36). .
16- لأُصولِ الفِقهِ فائِدَتُه في مَجالِ المُقارَنةِ المَذهَبيَّةِ خاصَّةً في عَصرِنا الحاضِرِ، سَواءٌ في مَجالِ الشَّريعةِ في شَتَّى مَذاهِبِها أو بَينَها وبَينَ القَوانينِ الوضعيَّةِ؛ فأُصولُ الفِقهِ توقِفُنا على أدِلَّةِ الأحكامِ، وتوصِلُنا إلى الموازَنةِ الدَّقيقةِ بَينَ مُختَلِفِ الآراءِ، وتَرجيحِ الأقوى دَليلًا مِنها [76] يُنظر: ((أصول الفقه الإسلامي)) لوهبة الزحيلي (1/31). .

انظر أيضا: